شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات/قصيدة لبيد بن ربيعة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قصيدة لبيد بن ربيعة

قصيدة لبيد بن ربيعة - شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات

قصيدة لبيد بن ربيعة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.وكان يقال لمالك: الطيان، لأنه كان طاوي البطن.وبعضهم يقول: قيس عيلان.وقال هشام بن محمد الملبي: سمعت بعض النساب يقول: قيس بن النَّاس بن مضر، وكان عيلان حضن الناس بن مضر فغلب عليه.وقال آخرون: بل كان فرس يقال له عيلان فنسب إليه.والناس: ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد، ثم انقطع النسب.وقال أبو الحسن الأثرم: كان لمضر الياس والناس: ابنا مضر.وكان وفد أبو براء، وهو عامر بن مالك بن جعفر، ملاعب الأسنة ؛ وإنما سمى ملاعب الأسنة لقول الشاعر في أخيه طفيل بن مالك:

فراراً وأسلمتَ ابنَ أمِّك عامراً. . . . . . . .يُلاعبُ أطرافَ الوشيج المقَوَّمِ

في رهط من بني جعفر على النعمان، ومعه لبيد بن ربيعة وهو يومئذ غلام، فوجدوا عند النعمان الربيع بن زياد العبسي، وكانت امه فاطمة ابنة الخرشب الأنمارية، من انمار بن بغيض، وهي أم الكملة: عمارة الوهاب، وأنس الفوارس، وقيس الحفاظ، والربيع الكامل.وكان ربيع نديما للنعمان مع تاجر من تجار الشام يقال له سرجون بن توفيل، وكان له حريفا يبايعه، وكان أديبا حسن الحديث والمنادمة، فاستخفه النعمان، فكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه والى النطاسي: متطبب كان له، وإلى الربيع.فلما قدم الجعفريون على النعمان ومعهم لبيد، كانوا يحضرون النعمان لحوائجهم، فإذا خرجوا من عنده وخلا به الربيع، طعن عليهم وذكر معايرهم، فصده عنهم.وأنهم دخلوا يوما فرأوا من النعمان جفاء وتغيرا، وكان قبل ذلك يكرمهم ويقدم مجالسهم، فخرجوا من عنده غضابا، ولبيد متخلف في رحالهم يحفظ أمتعتهم، ويغدو بإبلهم كل صباح فيرعاها، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع وما يلقون منه، فسألهم عما هم فيه فكتموه، فقال لهم: والله لا أحفظ لكم متاعا، ولا أسرح لكم بعيرا أو تخبروني بهذا الأمر ! وكانت أم لبيد امرأة من بني عبس، يتيمة في حجر الربيع بن زياد، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك وصد بوجهه عنَّا.فقال: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول مُمض مؤلم، لا يلتفت إليه النعمان بعده أبداً ؟ قالوا: وهل عندك من ذلك شيء ؟ قال: نعم.قالوا ك فإنا نبُلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدامهم دقيقة القضبان قليلة الورق، لاصقة فروعها بالأرض، تُدعى التربة - فقال:( هذه التربة التي لا تذكى نارا، ولا توهل دارا، ولا تسر جارا ؛ عودها ضئيل، وفرعها ذليل، وخيرها قليل ؛ أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعا، وأشدها قلعا ؛ آكلها جائع، والمقيم عليها قانع.فالقوا بي أخا بني عبس، أرده عنكم بتعس، وأدعه من أمره في لبس ).قالوا: نصبح فنرى فيك رأينا.فقال عامر: انظروا غلامكم فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء، إنما يتكلم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرا فهو صاحبه.فرمقوه بأبصارهم فوجدوه قد ركب رحلا وقد تكدم واسطه، حتى أصبح.قالوا له: أنت والله صاحبه.فعمدوا إليه فحلقوا رأسه، وتركوا له ذؤابتين، وألبسوه حلة، ثم غدوا به معهم فدخلوا على النعمان، فوجدوه يتغدى ومعه الربيع بن زياد، وهما يأكلان، ليس معه غيره، والدار والمجالس مملوة من الوفود.فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين، فدخلوا عليه وقد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز وهو يقول:

يا ربَّ هَيْجا هي خيرٌ من دَعَه. . . . . . . .أكلَّ يوم هامتي مقَزَّعه

لا تَمنعُ الفِتيانَ من حُسن الرِّعَهْ. . . . . . . .نحنُ بني أمِّ البنين الأربعه

- أم البنين: ابنة عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ولدت لمالك بن جعفر عامرا ملاعب الأسنة، وطفيلا فارس قرزل، وربيعة ربيع المقترين - وربيعة: أبو الوليد - ومعاوية معوج الحكماء، وعبيدة الوضاح، وهو صدق بر، فلم يمكنه للقافية أن يجعلهم خمسة فجعلهم أربعة.ونصب بني أم البنين على المدح لنحن

ونحن خيرُ عامر بن صعصعه. . . . . . . .المُطِعمون الجَفْنة المُدَعدَعهْ

والضّاربون الهامَ تحت الخيضعه. . . . . . . .مَهلاُ أبيت اللعنَ لا تأكل معه

إنّ استَه من بَرَص ملمَّعه. . . . . . . .وإنَّه يُدخِل فيها إصبعَه

يدخلُها حتى يوارى أشجعَه. . . . . . . .كأنَّه يطلب شيئاً ضيَّعه

الأشاجع: أصول الأصابع في الراحة.وزعموا إنه لما أنشد لبيد هذا الرجز التفت النعمان إلى الربيع شزرا فقال: أكذاك أنت يا ربيع ؟ فقال: لا والله لقد كذب ابن الحمق اللئيم ! فقال النعمان: أف لهذا الطعام، لقد خبثت على طعامي ! فغضب وقال: أبيت اللعن، أما إني قد فعلت بأمه.فقال لبيد: أنت لهذا الكلام أهل، وهي من نسوة غير فعل، وأنت المرء فعل بيتيمة في حجره.فغضب الربيع وغضب لغضبه بنو فقيم ونهشل، وضمرة ابن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل - وكان أبرص - وكانت بنو كلاب أسروا ضمرة فمنُّوا عليه.فقال لبيد يرجز بضمرة أيضا:

يا ضَمْرَ يا عبدَ بني كلاب. . . . . . . .يا أيرَ كلب عَلِفٍ بباب

تمكو استُه من حَذَر الغراب. . . . . . . .يا وَرَلاً ألقِىَ في السَّراب

أكان هذا أول الثَّواب. . . . . . . .لا يَعلقَنْكم ظُفُري ونابي

إني إذا عاقبتُ ذو عقابِ. . . . . . . .بصارمٍ مذكَّر الذُّباب

فأمر النعمان بلبيد وأصحابه فأخرجوا، وقام الربيع فانصرف إلى منزله فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه، وأمره بالانصراف إلى أهله.فكتب إليه الربيع: ( أني قد عرفت إنه وقر في صدرك ما قال لبيد، ولست برائم حتى تبعث إليَّ من يجر دنى، فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال ).فأرسل إليه: ( إنك صادق، لست صانعا بانتفائك مما قال لبيد شيئا، ولا قادرا على ما زلت به الألسن، فالحق بأهلك ).فلحق بأهله وأرسل إلى النعمان بأبيات قالها:

لئن رحلتُ جِمالي لا إلى سعةٍ. . . . . . . .لا مثلُها سعةٌ عرَضاً ولا طُولا

بحيثُ لو وُزِنت لخمٌ بأجمعها. . . . . . . .ما وازنت ريشةً من ريش سَمويلا

ترعَى الرَّوائمُ أحرارَ البقول بها. . . . . . . .لا مثلَ رعيكمُ مِلحاً وغَسويلا

فابرُقْ بأرضك بعدي وأخلُ متكئاً. . . . . . . .مع النِّطاسي طوراً وابنِ تَوفيلا

السمويل: طائر، ويقال: بلدة كثيرة الطير.والروائم: الإبل العواطف على أولادها.والغسويل: شجر ينبت في السِّباخ.فأجابه النعمان:

شرّدِ برجلكِ عنِّى حيثُ شئتَ ولا. . . . . . . .تُكثرْ علىَّ ودعْ عنك الأباطيلا

فقد ذُكرتَ به والركبُ حاملهُ. . . . . . . .ما جاورَ الغَيْلُ أهلَ الشامِ والنيلا

فما انتفاؤك منه بعد ما جَزَعتْ. . . . . . . .هُوجُ المطيّ به أبراق شِمْليلا

قد قيل ذلك أن حقاًّ وإنْ كذباً. . . . . . . .فما اعتذاركَ من شيءٍ إذا قيلا

فالحقْ بحيث رأيتَ الأرضَ واسعةً. . . . . . . .فانشُرْ بها الطَّرف أن عرضاً وإن طولا

جزعت: قطعت.وشمليل: موضع.وقال لبيد أيضا يرجز بالربيع:

ربيعُ لا يسُقْك نحوي سائقُ. . . . . . . .فتُطلَبَ الأذحالُ والحنائقُ

ويُعلمَ المُعْيا به والسَّابقُ. . . . . . . .ما أنتَ أن ضُمَّ عليك المازِقُ

إلاَّ كشيءٍ عاقه العوائقُ. . . . . . . .إنك حاسٍ حُسوةً فذائقُ

لا بُدّ أن يُغْمَز منك الفائق. . . . . . . .غَمزاً ترى أنك منه ذارقُ

الفائق: عظم في مؤخر الرأس حيث اتصلت العنق بالرأس.والذارق: الملقى أذى بطنه.وكان لبيد مخضرما، قال الشعر في الجاهلية والإسلام.وإنما قيل لمن كان على هذه السبيل مخضرما لأن بعض أيامه مضت في الجاهلية وبعضها في الإسلام.يقال ناقة مخضرمة، إذا شقت أذنها بنصفين.وقال بعض الرواة: لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتا واحدا:

الحمد لله إذْ يأتني أجلى. . . . . . . .حتَّى لبِستُ من الإسلام سربالا

وأخبرنا أبو عمران موسى بن محمد الخياط قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الخراساني - وهو ابن أبي إسرائيل - قال: حدثنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، رضي الله سبحانه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ

وأخبرنا موسى بن يحيى الكاتب قال: حدثنا عبد الله بن عمرو قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثني عبد الله بن محمد بن قنفذ الوادي، من أهل وادي القرى، قال: حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه، أن عمر بن الخطاب رضي الله سبحانه عنه كان يأمر برواية قصيدة لبيد:

إنَّ تَقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ. . . . . . . .وبإذنِ اللهِ رَيْثي وعَجَلْ

وأخبرنا موسى قال: حدثنا عبد الله بن عمرو قال: حدثني محمد بن عمران بن زياد بن كثير الضبي قال: حدثني القاسم بن يعلى، عن المفضل قال:قدم الفرزدق الكوفة فمر بمسجد بني أقيصر، وعليه رجل ينشد:

وجَلاَ السُّيولُ عن الطُّلول كأنَّها. . . . . . . .زُبُرٌ تُجدُّ متونَها أقلامُها

فسجد فقيل: ما هذا يا أبا فراس ؟ قال: أنتم تعرفون سجدة القرآن وأنا أعرف سجدة الشعر !وحدقنا أبو عمران الخياط قال: حدثنا أحمد - وهو ابن الدورقي - قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله سبحانه عنها، أنها كانت تكثر تمثل هذين البيتين:

ذهبَ الذين يُعاش في أكنافهم. . . . . . . .وبَقِيتُ في خَلْفٍ كجلد الأجربِ

يتأكَّلون مَلامةً ومذمَّةً. . . . . . . .ويُلام قائلهم وإن لم يَشغَبِ

قالت: ويح لبيد بن ربيعة، كيف لو بقى إلى مثل هذا اليوم ؟قال هشام: قال أبي: فكيف لو بقيت عائشة رضي الله عنها إلى هذا اليوم ! قال هشام: وأنا أقول: كيف لو بقي أبي إلى هذا اليوم.وحدثنا الكديمي قال: حدثنا أبو عاصم عن عبد الله بن لاحق، عن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ؛ إنها كانت تمثل بهذا البيت:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم. . . . . . . .وبقيت في خَلْفٍ كجلد الأجربِ

ثم قالت رضي الله سبحانه عنها: رحم الله تعالى لبيدا، إني لأروى له ألف بيت.وأخبرني أبو بكر عبد الله بن خلف قال: أخبرني سلم بن يزيد قال: أخبرني عيسى بن إسماعيل: أخبرني إسماعيل بن أبي عبيد الله عن هشام بن محمد قال: أخبرني أبي قال:مر لبيد بن ربيعة بالكوفة بمسجد بني نهد وهو يوكأ على محجن له، فلما جازهم أرسلوا إليه فتى منهم فقالوا: الحق أبا عقيل فاسأله: من أشعر العرب ؟ فقال الملك الضليل - يعني امرأ القيس - فرجع إليهم فأخبرهم فقالوا له: ارجع إليه فاسأله: ثم من ؟ فرجع إليه فقال: ثم من ؟ فقال: ثم صاحب المحجن أبو عقيل، يعني نفسه.وقال هشام بن محمد الكلبي: أخبرني رجل من بني جعفر، يقال له علقمة، قال: عاش لبيد بن ربيعة مائة وثلاثين سنة، وأدرك معاوية بن أبي سفيان.قال: وكانت أعطيات العرب ألفين وخمسمائة.قال: فكتب معاوية إلى زياد بن أبيه بحط الخمسمائة.قال: ففعل.قال فجاء لبيد ليأخذ عطاءه فقال له زياد: أبا عقيل، هذان الخرجان فما بال العلاوة ؟ قال: ألحق العلاوة بالخرجين فإنك لا تثبت إلا قليلا حتى يصير إليك الخرجان والعلاوة ! قال: فأعطاه زياد ألفين وخمسمائة، ولم يعطها غيره.قال: فما أخذ لبيد عطاء حتى مات.قال هشام: وكان للبيد يوم جبلة تسع سنين، وولد عامر بن الطفيل في تلك الليلة، ووفد عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيف وثمانين سنة.وقال بعضهم: عاش لبيد مائة وأربعين سنة، وقال حين طوى سبعا وسبعين:

قامت تَشَكَّى إلى النفسُ مُجْهِشةٍ. . . . . . . .وقد حملتُكَ سبعاً بعد سبعينا

فإنْ تُزادِي ثلاثاً تَبلُغي أملاً. . . . . . . .وفي الثلاث وفاءٌ للثمانينا

ويروى: ( تبلغي أملا ).فلما بلغ تسعين حجة قال:

كأني وقد جاوزت تسعين حِجَّةً. . . . . . . .خَلَعتُ بها عن منكِبَيَّ ردائيا

يقول: كأن مضى هذه السنين في سرعتها بمنزلة خلعي ردائي عن منكبي.فلما بلغ مائة سنة وعشرا قال:

أليس في مائة قد عاشَها رجلٌ. . . . . . . .وفي تكامل عَشْر بعدها عِبَرُ

فلما بلغ مائة وثلاثين سنة قال:

ولقد سَئِمتُ من الحياة وطولِها. . . . . . . .وسؤالِ هذا الناسِ كيف لبيدُ

غَلبَ العزاءَ وكان غيرَ مغلَّبٍ. . . . . . . .دهرٌ طويل دائمٌ ممدودُ

يومٌ إذا يأتي علىَّ وليلةٌ. . . . . . . .وكلاهما بَعدَ المضاء يعودُ

ويروى: ( غلب البقاء ).فلما حضرته الوفاة قال لابنه: أي بني، أن أباك لم يمت ولكنه فني، فإذا قُبض أبوك فغمضه وأقبله القبلة، وسجه بثوبه، ولا أعلمنّ ما صرخت علىّ صارخة، ولا بكت علىّ باكية.وانظر جفنتي التي كنت أصنعها فاصنعها وأجد صنعتها، ثم أحملها إلى مسجدك، ومن كان يغشاني عليها، فإذا قال الإمام سلام عليكم فقدمها إليهم يأكلوها، فإذا فرغوا فقل: احضروا جنازة أخيكم لبيد، فقد قبضه الله تبارك وتعالى !وقال جعفر بن كلاب: لما حضر لبيد الموت دخل عليه بنو جعفر فقال: ابكوا حتى أسمع.فأرموا ساعة فقال شاب منهم: قد قلت.قال: فأنشدني - قال: وكان لبيد حلف ليطعمن كلما هبَّت الصَّبا ! - فقال:

لتبكِ لبيداً كلُّ قدرٍ وجَفنةٍ. . . . . . . .وتبكي الصَّبا مَن فاد وهو حميدُ

فقال: يا ابن أخي، أحسنت فزدني ! فقال: ما عندي مزيد.فقال: ما أسرع ما أكديتوقال لبيد في الليلة التي تُوفي فيها:

أبُنَيّ هل أحْسَسْت أع

مامي بني أمّ البنينا

وأبي الذي كان الأرا

ملُ في الشِّتاء له قطينا

الفتْيةَ البيضَ المَصَا

بحَ أكمِلوا كرماً ولِينا

لم تَبْقَ أنفسُهمْ وكا ( نوا زينةً للناظرينا

وإذا دفنتَ أباك فاج

علْ فوقه خشباً وطيناً

وضَفائحاً صُماًّ روَا

سيها يشدِّدن الغصُونا

ليقينَ وجه أبيكَ سف

سافَ التراب ولن يقينا

وقال أيضا:

تخافَ ابنتايَ أن يموت أبوهما. . . . . . . .وهل أنا إلاّ من ربيعة أو مضَرْ

وفي ابنَيْ نزارٍ أسوةٌ أن نظرتما. . . . . . . .وإنْ تسألاهم تُلفيا عندهمْ خبرْ

وفيمن سواهم من ملوكٍ وسُوقة. . . . . . . .دعائم ملك خانَه الدَّهرُ فانكسَرْ

فإن حانَ يوماً أن يموت أبوكما. . . . . . . .فلا تخمشا وجهاً ولا تحلقا الشَّعَرْ

وقولا هو المرءُ الذي لا كرامةً. . . . . . . .أضاعَ ولا خانَ الأمينَ ولا غدَرْ

إلى الحول ثم اسمُ السَّلامُِ عليكما. . . . . . . .ومَن يَبكِ حَولاً كاملاً فقد اعتذرْ

كمُسمعتَين تَندُبان بعاقلٍ. . . . . . . .أخا ثقةٍ لا عَينَ منه ولا أثَرْ

ويروى عن أبي بكر بن عياش عن عبد الملك بن عمير إنه قال:مات لبيد يوم قدم معاوية الكوفة.ويروى في الرائية بيتان آخران:

حَسودٌ على المِقْرَي إذا البُزْل حاردتْ. . . . . . . .سريعٌ إلى الداعي مطاعٌ إذا أمَرْ

وقد كنتُ جلداً في الحياة مرزّأ. . . . . . . .وقد كنتُ أنوِي الخير والفضل والذُّخُر

وقال المؤرج بن عمرو السدوسي: أن لبيد بن ربيعة، وكان ربيعة أبوه يسمى ربيع المقترين، وكان جواداً، قتلته ذي علق بنو أسد، وفيه يقول الشاعر:

نعمَ القتيلُ غداةَ ذي عَلَقٍ. . . . . . . .ترِبتْ يداك قتلتَ يا ابنَ الأفقمِ

لله درُّك أيَّ كبشِ كتيبةٍ. . . . . . . .تحت العجاج تركتَ يَشَرقُ بالدّمِ

قال: وابنه لبيد بن ربيعة كان شاعر بني عامر، وكان شريفا جمالا سخيا حليما، كان يقال إنه يُطعم كلما هبت الصبا، لبيت قاله في الجاهلية، وهو قوله:

وصَباً غَداةَ مُقامةٍ وزّعتِها. . . . . . . .بجِفانِ شِيزَى فوقَهنَّ سَنامُ

قال: فكان المغيرة بن شعبة الثقفي يقول كلما هبت الصبا: أعينوا أبا عقيل على مروته ! فيرسل إليه بالجزر.فلم يزل كذلك حتى مات لبيد وهو ابن مائة وثمان وثلاثين سنة، زعمت بنو جعفر إنه لم يمت حتى لم تحل له جعفرية.قال: وقد كان الطرماح بن حكيم الطائي جارا لبني جعفر بالكوفة، فقالت عجوز من طي: كان لنا جاران من بني جعفر في الإسلام لم نر مثلهما: أحدهما لبيد بن ربيعة، لم يصبح منذ هاجر إلا وعند بابه جزر تُنحر أو فرث أو دم لم يجف ؛ وكان الآخر مفرطا في البخل، فكان يرسل خادمه فيأتيه بالتمر فيملأ فاه ماء مخافة أن يأكل منه في الطريق.وقال الأصمعي: كان الوليد بن عقبة ارتقى يوما المنبر فأرتج عليه وحصر، فنظر فإذا دخان ساطع، فقال: هذا دخان أبي عقيل، فرحم الله سبحانه امرأ أعانه على مروته، وأنا أول امرئ أعانه على مروته.قال: ثم نزل من المنبر فأرسل إليه بالجُزُر لم يذكر عددها، وأرسل إليه بأبيات:

أرى الجزّارَ يَشحذُ شَفْرتيه. . . . . . . .إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيل

أغرُّ الوجه أبيضُ عامريٌّ. . . . . . . .كأنّ جَبينَه سيفٌ صَقيلُ

فعُدْ إنِّي إليكَ بها مُعيدٌ. . . . . . . .ومضمونٌ له وبها قَبيل

القبيل، والكفيل، والزعيم، والصبير واحد.قال: فلما جاءته الجزر تشكَّر له وقال خيرا، وقد كان ترك قرض الشعر، فدعا بُنية له صغيرة فقال لها: أجيبي أبا وهب عن أبياته.قال: فدخلت بيتا ثم مكثت هُنيهة قليلة، ثم خرجت وهي تقول:

أبا وهبٍ جزاك اللهُ خيراً. . . . . . . .نَحرناها وأطعمْنا الثريدا

إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيلٍ. . . . . . . .دعَونا عند هبَّتها الوليدا

أغرَّ الوجه أبيضَ عَبشميًّا. . . . . . . .أعانَ على مُروَّته لَبيدا

فعُدْ أن الكريمَ له مَعادٌ. . . . . . . .وظَنِّي بِابنِ أروى أن يعودا

قال: فقال لها لبيد: أجدت لولا أنك استزدته.قال: فقالت: إنما استزدته لأنه ملك، ولو كان سوقة ما استزدته ! قال: فعجبوا من حُسن جوابها.قال المؤرج: وبلغني أن لبيدا هلك في زمن عثمان بن عفان، رضي الله سبحانه عنهقال: وبلغني عن علقمة بن قطن بن ناجية بن نهيك بن قطن بن مرة بن خالد بن جعفر بن عبد الله بن عمير القبطي قال:أدركت لبيدا في زمن معاوية رضي الله عنه، وهو في ألفين وخمسمائة من العطاء، وإنه هلك وزياد بن أبيه في الكوفة.قال: وبلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله سبحانه عنه أرسل إلى شعراء من أهل الكوفة، فيهم لبيد، والأغلب، وضابئ البرجمي، فاستنشدهم رسوله أو واليه - والوالي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه - وقال: قولوا شعرا.فقال لبيد: ( قد أبدلني الله بالشعر خيرا منه )، يعني القرآن المعجز الشأن.وقال الأغلب:

أرجَزاً تريد أم قصيدا. . . . . . . .لقد سألتَ هيِّناً موجودا

وروى الفراء: ( أم قريضا ).

أم هكذا بينهما تعريضا. . . . . . . .كلاهما أجِدُ مستريضا

قال: وأنشد ضابئ رفثا.فأتى الرسول عمر رضي الله سبحانه عنه بالخبر، فقال عمر رضي الله عنه: زيدوا لبيدا في عطائه خمسمائة، وانقصوا من عطاء الأغلب مثلها.قال المؤرج: فسمعت ابن عاصم يذكر أن الأغلب وفد على عمر رضي الله عنه، وإنه رد ما نقص من عطائه وقال: أن أطعتكم نقصتموني من عطائي !وقال المؤرج: وكان لبيد خير شاعر لقومه: رثاهم وبكاهم، وذكر أيامهم، فذكرهم بأسمائهم وألقابهم، وصنع في ذلك ما لم يصنعه أحد غيره من الشعراء.حدثنا محمد بن أحمد بن محمد المقدمي قال: حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا الهيثم بن الربيع قال: حدثني رجل من أهل الكوفة عن الشعبي قال:أرسل إليَّ عبد الملك بن مروان وهو شاك، فدخلت إليه فقلت: كيف تجدك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: أصبحت كما قال عمرو بن قمية، اخو بني قيس بن ثعلبة.قلت: وما قال ؟ قال: قال:

كأنِّي وقد جاوزتُ تسعين حجةً. . . . . . . .خَلعتُ بها عنِّي عذارَ لجامي

رَمَتْني بناتُ الدَّهر من كلِّ جانبٍ. . . . . . . .فكيف بمن يُرمَى وليس برامِ

حتى أتى عليها.قلت: لا، ولكنك كما قال لبيد بن ربيعة.قال: وما قال ؟ قلت قال:

باتت تَشَكَّى إلى النفسُ مُجهِشةً. . . . . . . .وقد حملتُك سبعاً بعد سبعينا

فإنْ تُزادي ثلاثاً تبلُغي أملاً. . . . . . . .وفي الثلاث وفاءٌ للثمانينا

فعاش والله بعد ذلك حتى بلغ تسعين حجة.فقال:

كأني وقد جاوزتُ تسعين حِجَّةً. . . . . . . .خَلَعتُ بها عن مَنْكبيَّ ردائيا

فعاش حتى بلغ عشرا ومائة فقال:

أليس في مائةٍ قد عاشَها رجلٌ. . . . . . . .وفي تكامُلِ عشر بعدها عِبَرُ

فعاش والله يا أمير المؤمنين حتى بلغ عشرين ومائة فقال:

وغنيت سبتاً بعد مَجرَى داحسٍ. . . . . . . .لو كان للنفس اللجوج خلودُ

فعاش والله حتى بلغ أربعين ومائة سنة فقال:

ولقد سئمتُ من الحياةِ وطولِها. . . . . . . .وسؤالِ هذا الناس كيف لبيدُ

فقال عبد الملك: والله ما بي بأس، اقعد يا شعبي ما بينك وبين الليل.قال: فحدثته حتى أمسيت ثم فارقته، فمات والله في جوف الليل.وقال لبيد:

( عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فمُقامُها. . . . . . . .بمنى تأَبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها )

قوله عفت معناه درست.و ( تأبد ) معناه توحش.يقال أبدت الدار تأبد أبوداً.وتأبدت تأبُّداً، إذا توحشَّت.والأوابد: الوحش ؛ ومنه أوابد الشعر.و ( المحل ): حيث يحل القوم من الدار.و ( المقام ): حيث طال مكثهم فيه.و ( منى ): موضع قريب من طخفة بالحمى في بلاد غنى وكلاب، وليس بمنى مكة.والغول والرجام بنفس الحمى، والحمى جمى ضرية.قال أوس ابن حجر:

زعمتمُ أن غَولاً والرِّجامَ لكُمْ. . . . . . . .وَمنعِجاً فاقصِدوا فالأمر مشتَرَك

وقال بعض الرواة: الغول والرجام جبلان، ومنًى ومنَى مكة.ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما سمي منى منى لأن آدم عليه الصلاة والسلام لما انتهى إليه قيل له: تمنَّ.فقال: أتمنى الجنة ؛ فسمى منًى لذلك.وقال غيره: إنَّا سمى منى لما يُمنى فيه من الدم.ويقال سمى منًى لما يُمنى فيه من ثواب الله تبارك وتعالى ؛ أي يقدر.قال الله عز وجل: ( مِن نطفةٍ إذا تُمنَى )، أراد إذا تقدَّر.ويقال: مناك الله تعالى بما يسرك، أي قدر الله سبحانه ما يسرك.وقال بعض الرواة: الغول ماء معروف، والرجام: الهضاب، واحدتها رجمة.قال: والرجام في غير هذا: حجارة تجمع أنصابا ينسكون عندها ويطوفون بها، واحدتها أيضا رجمة.قال: ويقال للقبر رجم لأن الحجارة تُنضد عليه.والديار مرفوعة بعفا، والمحل مرفوع بفعل مضمر معناه عفا محلها فمقامها، ولا يجوز أن يكون المحل والمقام تابعين للديار على جهة التوكيد، لأن الفاء أوجبت التفرق، وإنما يُتبع ما يتبع من هذا على إنه مشبه بكل، كقولك: قام القوم أحمرهم وأسودهم، معناه قام القوم كلهم، فإذا نسق بالفاء بطل معنى كل، فبطل الإتباع.والباء في قوله بمنى فيها قولان: قال هشام بن معاوية الضرير: هي من صلة تأبد، أي تأبد بمنى.وقال غيره: الباء صلة المضمر الذي رفع المحل، والتقدير: عفا محلها فمقامها بمنى.و ( منى ) يذكر ويؤنث، يقال هو منى وهي مِنَى ؛ فمن ذكره رواه: ( بمنًى ) بالتنوين، ومن أنث رواه: ( بمنى ) بغير التنوين.قال أبو دهبل في تذكيره:

سَقَّى مِنًى ثمَّ روّاه وساكِنَه. . . . . . . .ومن ثَوَى فيه واهي الودْق منبعقُ

وقال العرجي في تأنيثها:

ليَومُنا بمنًى إذْ نحنُ ننزلُها. . . . . . . .أسَرُّ مِن يومنا بالعَرْج أو مَلَلِ

( فمَدَافعُ الرَّيَّانِ عُرِّىَ رسْمُها. . . . . . . .خَلَقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها )

( المدافع ): مجارى الماء، وهي التلاع.و ( الريان ): واد بالحمى، ويروى: ( فصدائر الريان )، وهو ما صدر من الوادي، وهو أعلاه.( عرى رسمها خلقا ) أي ارتحل عنه فعرى بعد أن أخلق لسكونهم إياه.( كما ضمن الوحي سلامها )، الوحي: جمع وحي، وهو الكتاب، أي عُرى خلقا كالكتاب الذي ضمنت الصخور.والمعنى: آثار هذه المنازل كأنها كتاب في حجارة.والوحي هو الكتاب، يقال: وحيت أحي وحيا، إذا كتبت.قال الله عز وجل: ( فأوحىَ إليهمْ أن سَبِّحُوا ) أراد: كتب لهم.قال الشاعر:

كوحيِ صحائف في عهد كسرى. . . . . . . .فأهداها لأعجمَ طِمطميّ

وقال جرير:

كأنّ أخا اليهود يخُطُّ وحيًا. . . . . . . .بكافٍ في منازلها ولامِ

أراد: يكتب كتابا.و ( السلام ): الصخور، واحدتها سلمة.قال الشاعر:

ذاك خليلي وذو يعاتبني. . . . . . . .يَرمِى ورائي بالسَّهم والسَّلِمه

ويروى: ( وامسلمه ) على لغة بعض أهل اليمن، يجعلون اللام ميما فيقولون: هذا مرجل، يريدون هذا الرجل.وقوله ذو يعاتبني، معناه والذي يعاتبني.وأنشد خلف:

فبِشطِّ رَيمانَ الرِّباعُ كما. . . . . . . .وقَع الغلامُ الوحيَ في الصَّخرِ

والمدافع مرتفعة بما عاد من الهاء والألف في رسمها، والرسم اسم ما لم يسم فاعله، وخلقا منصوب على الحال من الرسم، والكاف منصوبة بعُرى، وما معناها المصدر.والوحي وزنه من الفعل فعول، وأصله وحوى، فلما اجتمعت الواو والياء والسابق ساكن أبدلوا من الواو ياء وأدغموها في الياء التي بعدها وكسروا ما قبل الياء لتصح.ويروى: ( كما ضمن الوحي ) بفتح الواو، فالوحي أصله الموحو، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا مقدور وقدير، ومقتول وقتيل.

( دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهدِ أَنيسِها. . . . . . . .حِجَجٌ خَلَونَ حَلالُها وحَرامُها )

الدمن: جمع دمنة، والدمنة: آثار الناس وما سودوا بالرماد وغير ذلك.يقال دُمن المنزل.قال الشاعر:

فقد جَعلتْ منازلَ دمَّنتها. . . . . . . .وأخرى لم تُدَمَّنْ يستوينا

والدمنة في غير هذا: الحقد.أنشدنا ابن البراء:

ومن دِمَنٍ داويتَها فشفيتَها. . . . . . . .بسِلمكَ لولا أنت طال حُرُوبُها

وقال الآخر:

فتًى لا يبيتُ على دمنةٍ. . . . . . . .ولا يشرب الماء إلاّ بدَمْ

و ( تجرم ): انقطع ومضى.والحول المجرم: الذي قطعته عنك وأمضيته.ومنه زمن الجرام، أي قطاع النخل.وقال بعض اهل اللغة: يقال حول مجرم، وكريت، وقميط، ودكيك.وأنشد لأيمن بن خريم:

أقامت غَزالةُ سوقَ الضِّرابِ. . . . . . . .لأهلِ العراقَينِ حولاً قميطا

والدمن في غير هذا الموضع: الكناسات والأبعار.أنشدنا أبو العباس:

وقد ينبُت المرعى على دِمَن الثَّرى. . . . . . . .وتبقى حزازاتُ النُّفوس كما هِيا

وقوله ( بعد عهد أنيسها )، أراد الذين يسكنونها ويكونوا فيها.و ( الحلال ): شهور الحل، وهي ثمانية أشهر.و ( حرامها ): الشهور الحرم، وهي أربعة أشهر، أولها رجب، ثم ذو القعدة، ثم ذو الحجة، ثم المجرم آخرها.قال الله عز وجل: ( مِنْها أربعةٌ حُرُم )، أي عظيمة الحُرمة، وهي هذه الأربعة.ويروى: ( دمنا تجرَّم ) بالنصب.فمن رفع أراد تلك دمن أو هي دمن ؛ ومن نصب نصب على القطع من الديار والمنازل المذكورة.والذي بعد الدمن من صلتها، والحجج رفع بتجرم، وخلون صلة الحجج، والحلال والحرام تابعان للحجج.

( رُزِقَتْ مَرَابيعَ النُّجومِ وصَابَها. . . . . . . .وَدْقُ الرَّواعِد جَودُها ورِهامُها )

ورواه الأصمعي: ( مرابيع السحاب ).قوله ( رزقت ) دعاء لها، أي رزقها الله تبارك وتعالى مرابيع السحاب، وهو أول ما يكون من مطر الربيع.وواحد المرابيع مرباع، بمنزلة المرباع من النوق، وهي إلي من عادتها أن تنتج في أول النتاج.ويقال: مرابيع النجوم هي نجوم الوسمي.وقوله ( وصابها ) معناه نزل عليها.قال أبو العباس عن الأثرم عن أبي عبيدة: يقال صاب المطر يصوب، إذا نزل.وأنشد لعلقمة بن عبدة:

كأنَّهمُ صابتْ عليهمْ سحابةٌ. . . . . . . .صواعقُها لطيرهنَّ دبيبُ

فلا تَعْدِلي بيني وبين مُغَمَّر. . . . . . . .سقتكِ روايا المُزْن حين تَصُوبُ

وأنشد لرجل من عبد القيس جاهلي يمدح بعض الملوك:

فلستَ لإنسيٍّ ولكنْ لملأكٍ. . . . . . . .تَنزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصوبُ

وقال بعضهم: صابها: قصد لها.وقال آخرون: صابها معناه أصابها.وقال ابن غلفاء الهجيمي:

دعيني إنما خطئي وصَوْبي. . . . . . . .عليَّ وإنَّ ما أنفقتُ مالُ

أراد بالصوب الإصابة.والودق من المطر: الداني من الأرض، واحدته ودقة ؛ يقال: ودق يدق، إذا دنا.ويقال: هو وادق السرة، أي دانى السرة من الأرض.قال الأعشى:

فلا مُزنةٌ ودقت ودْقَها. . . . . . . .ولا أرْضَ أبقلَ إبقالَها

والرواعد: السحائب ذوات الرعد، واحدتها راعدة.يقال رعدت السماء من الرعد، وبرقت من البرق.ورعد الرجل وبرق، إذا أوعد وتهدد.قال ابن أحمر:

يا جَلَّ ما بُعدت عليك بلادُنا. . . . . . . .فابرُق بأرضِك ما بدا لك وارعُدِ

وللمتلمس:

وإذا حللتُ ودون بيتي غاوةٌ. . . . . . . .فابرُق بأرضك ما بدا لكَ وارعُدِ

غاوة: قرية من قرى الشام.وقال الأصمعي: لا يقال أبرق الرجل وأرعد.وقال ابن الأعرابي: يقال رعد الرجل وبرق، وأرعد وأبرق بمعنى.وأنشد للكميت:

أبرِقْ وأرعِدْ يا يزي

دُ فما وعيدُكَ لي بضائرْ

ويقال: أرعدنا نحن وأبرقنا، أي سمعنا صوت الرعد ورأينا البرق.والجود: الذي يرضى كل شيء ويرضاه أهله.يقال: إذا التقى الثريان فذلك الجود.والرهم: أمطار ضعاف، واحدتها رهمة ؛ ويقال في الجمع رهم ورهام.قال الجعدي:

ركِّب في السَّام والزَّبيب أقاح

يُّ كَثيبٍ تَندى الرّهَمِ

وقال بعض أهل اللغة: قوله ( رزقت مرابيع النجوم ) خبر وليس بدعاء.وقال آخرون مرابيع النجوم بمنزلة مرابيع الإبل، وهي التي تلقح في أول اللقاح وتنتج في أول النتاج ؛ وهي أكرم الإبل.قال الأصمعي: دخل رجل على هشام بن عبد الملك فوصف له ناقة فقال: ( انها لمسناع، مرياع، مرباع، هلواع ).والمسناع: المتقدمة ؛ يقال: استناع البعير، إذا تقدم.قال القطامي:

وكانت ضربةً من شَدقَمِيّ. . . . . . . .إذا ما استنَّت الإبلُ استناعا

ورواه بعض الناس: ( مسياع ) بالياء، وقال: المسياع: التي تصبر على الإضاعة.يقال: رجل مسياع، إذا كان مضياعا للمال لا يحسن القيام عليه.ويقال: هو ضائع سائع.والمرياع: التي يسافر عليها وتعاد.وأصله من راع يريع، إذا عاد.والهلواع: التي فيها نزق وخفة.واخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: الهلواع: إلي تضجر فتسرع السير.والجود والرهام تابعان للودق.

( مِمْ كُلِّ سارِيةٍ وغادٍ مُدْجِنٍ. . . . . . . .وعَشِيّةِ مُتَجاوبٍ إِرزامُها )

سارية: سحابة تجيء ليلا.يقال سرى بالليل وأسرى، إذا سار ليلا.و ( غاد ): يجيء بالغداة.و ( مدجن ) من الإدجان، وهو إلباس الغيم.والدجنه: إلباسه، وظلمته أيضا.وقوله ( متجاوب إرزامها ) الإرزام: تصويتها بالرعد.وإرزام الناقة: حنينها ؛ يقال أرزمت الناقة، إذا حنَّت.فأراد: لرعدها رزمة، أي صوت كرزمة الناقة على ولدها، وهو حنينها.ويقال سحابة رزمة، إذا كانت مصوتة بالرعد.أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:

جاد على قَبرك غَي

ثٌ من سَماءٍ رزِمَهْ

وقال بعض أهل اللغة: يقال يوم مدجن، إذا كان متغيما من أوله إلى آخره.وأنث السارية على معنى السحابة.ومِن من صلة صابها.

( فعَلاَ فُروعُ الأَيهُقانِ وأَطفَلَتْ. . . . . . . .بالجَلْهَتينِ ظِباؤُها ونَعامُها )

علا: ارتفع وطال.ويروى: ( فغلا فروع الأيهقان ) بغين معجمة، أي ارتفع وزاد، من قولهم: قد غلا السعر، إذا ارتفع ؛ وغلا الصبي يغلو، إذا شب ؛ وفعل ذلك في غلوائه، أي في شبابه.قال ذو الرمة:

فما زال يغلو حبُّ ميَّةَ عندنا. . . . . . . .ونزداد حتَّى لم نجدْ ما نزيدها

والغين رواية الأصمعي.ويروى: ( فاعتم نور الأيهقان ).اعتم: ارتفع ؛ يقال نخلة عميمة، إذا كانت طويلة ؛ ونخل عم.وسمعت من ينشده: ( فعلا فروع الأيهقان ) بنصب الفروع، على معنى فعلا فروع الأيهقان الغيث.و ( الأيهقان ): هو الجرجير.وحكى بعضهم: هو الأيهقان والنهق.وقوله: ( وأطفلت ) معناه ولدت فصار معها أطفالها.يقول: خلت الديار فتناتجت فيها الوحش.يقال لولد الظبية حين تضعه طلا، فإذا قوى فهو شادن، ثم خشف، ثم رشأ، ثم شصر حين يطلع قرناه، ثم غزال.فإذا طال قرناه وافترقا فهو أشعب.و ( الجلهتان ): جبهتا الوادي، وهو ما استقبلك من حروف الوادي وما فوقه قريبا، من يمين أو شمال ؛ وجمعه جلاه وجلهات.يقال: هما جلهتاه، وعدوتاه، وضفتاه، وجيزتاه، وشاطئاه بمعنى.والظباء ترتفع بأطفلت.والهاء تعود على الجلهة.

( والوحشُ ساكنةٌ على أَطلائها. . . . . . . .عُوذاً تَأَجَّلُ بالفضاءِ بِهَلمُها )

ويروى: ( والعين )، وهي البقر، واحدتها عيناء.وإنما سميت عينا لضخم أعينها.( ساكنة ) معناه هي في قفر آمنة لا تنفر.و ( الأطلاء ): الأولاد، واحدها طلا منقوص.و ( العوذ ): التي نتجت حديثا، واحدها عائذ.قال الشاعر:

لا أُمتع العُوذَ بالفصال ولا. . . . . . . .أبتاعُ إلا قريبةَ الأجلِ

وأصله في الإبل، وهي الغنم الربى.وقوله ( تأجل ): تجتمع، من الإجل، وهو القطيع من الظباء، وربما استعمل في البقر.والصوار: القطيع من البقر خاصة.فأراد بتأجل: تصير آجالا.و ( الفضاء ): المتسع من الأرض.و ( البهام ): جمع بهمة، وهي من أولاد الضأن خاصة، ومجرى البقرة الوحشية مجرى الضائنة في كل شيء، ومجرى الأروية مجرى الماعزة.وقال الأصمعي: كان ينبغي أن يقال للولد عائذ فجعل للأم.وقال أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعه أمه من المعز والضأن جميعا ذكرا كان أو أنثى: سخلة، وجمعه سخال.ثم هي البهمة للذكر والأنثى، وجمعها بهم.وعوذا نصب على الحال.

( وجلاَ السُّيولُ عن الطُّلول كأَنَّها. . . . . . . .زُبُرٌ تُجِدُّ مُتونَها أَقلامُها )

معناه: جلت السيول التراب عن الطلول، أي كشفت.وكل جلاء كشف.فمنه جلاء العروس، ومنه الجلية: الأمر البين الواضح.و ( الطلول ) والأطلال: ما شخص من آثار الديار ؛ ومنه: حيا الله طللك، أي شخصك.والرسم: الأثر بلا شخص.و ( زبر ): جمع زبور، وهو الكتاب.قال بعضهم: سمعت أعرابيا يقول: ( أنا أعرف تزبرتيه ) أي كتابي.وقال أبو عبيدة: يقال زبرت وذبرت بمعنى واحد.وقال الأصمعي: زبرت: كتبت ؛ وذبرت: قرأت.قال امرؤ القيس:

لمن طللٌ أبصرتُه فَشَجاني. . . . . . . .كخَطِّ زَبور في عسيب يماني

أراد: كتابا.وقال الآخر:

عرفتُ الدِّيارَ كرَقْم الدوا

ةِ يزبرها الكاتبُ الحميريُّ

ويروى: ( يذبرها ).وقوله ( تجد متونها أقلامها ) معناه يعاد عليها الكتاب بعد أن درست.ومتونها: ظهورها وأوساطها، فأراد كلها ولم يخص المتون.ومثله قول زهير:

كأنَّ بريقَها بَرَقاتُ سَحلٍ. . . . . . . .جَلا عن مَتنه حُرُضٌ وماءُ

وإنما أراد: جلاه كله.وفي الهاء قولان: يقال هي عائدة على الدار، ويقال على الأطلال.والأطلال مرتفعة بتجد، والمتون منتصبة به.

( أَو رَجْعُ واشمة أُسِفَّ نَؤورُها. . . . . . . .كِففاً تَعرَّضَ فَوقهنَّ وِشامُها )

قوله ( أو رجع واشمة )، معناه ردها النقش.والواشمة: التي تشم يديها تضربهما بالإبرة ثم تحشوهما النؤور.و ( النؤور ): حصاة مثل الإثمد تدق فتسفه اللثة واليد فتسودهما.قال بعض أهل اللغة:

ودارٌ لها بالرقْمتين كأنَّها. . . . . . . .مَراجعُ وشم في نواشرِ معصَمِ

وقوله ( أسف ) الإسفاف الإقماح.فيقول: أقمحت الكفف النؤور.وواحدة الكفف الكفة، وهي كل دارة وحلقة.وقال بعضهم: النؤور شحم يحرق ثم يكب عليه إناء ثم يؤخذ من دخانه من الإناء.وقوله ( تعرض فوقهن وشامها ) تعرض الوشام معناه اخذ يمينا وشمالا ولم يقصد.يقال للرجل إذا تصعَّد الصعود: تعرض بناقتك يمينا وشمالا ولا تُكابد.فيأخذ يمينا ثم يرجع شمالا ثم يرجع يمينا وهو في ذلك يصعد.ومنه قول عبد الله ذي البجادين:

تَعرَّضي مَدارجاً وسُومي. . . . . . . .تَعرُّضَ الجوزاء للنجوم

هو أبو القاسم فاستقيمي

ومنه قول الشماخ:

كما خَطَّ عبرانيةً بيمينه. . . . . . . .بتَيماءَ حَبْرٌ ثُمَّ عَرَّضَ أسُطرا

قوله: ثم عرض اسطرا، قال الأصمعي: معناه كتبها كتابا عير بين، من قولهم: عرض ولم يصرح.( الوشام ): جمع الوشم.شبه سوادها بالوشم، كما تكون الشامة في الوجه.والوجه يرتفع بالنسق على الزبر، والنؤور رفع بأسف، والكفف منصوبة به.

( فوقَفْتُ أَسأَلُها وكيف سُؤَالنا. . . . . . . .صُمًّا خَوالدَ ما يُبشينُ كَلامُها )

ويروى: ( سفعا )، والسفعة: سواد إلى الحمرة.و ( الصم ): الصخور.و ( الخوالد ): البواقي.قال ابن أحمر:

خلَد الجُبَيبُ وبادَ حاضرُهُ. . . . . . . .إلاّ منازلَ كلها قَفْرُ

وقوله ( ما يبين ) معناه ما يستبين.يقال أبان الشيء، واستبان، وبان بمعنى واحد.وحقيقة تأويله: لا كلام لها فيُتبين.وهو شبيه يقول النابغة:

يحُفُّه جانبا نِيقٍ وتُتبعُه. . . . . . . .مثلَ الزجاجةِ لم تُكحَل من الرمدِ

معناه: إنها لم ترمد فتحتاج إلى أن تكحل من ذاك.ويقال: الصم: الديار.والسؤال رفع بكيف، والصم نصب بالسؤال.

( عَرِيَتْ وكانَ بها الجميعُ فأَبكَروا. . . . . . . .مِنْها وغُودرَ نُؤْيُها وثُمامُها )

ويروى: ( عريت وزايلها الجميع )، ويروى:

كانت يكون بها الجميعُ فأصبحوا. . . . . . . .بَكَروا وغُودرَ خَيمُها وثُمامُها

قوله ( عريت ) معناه خلت فلم يبق بها أحد.و ( أبكروا ): غدوا منها بكرة.يقال بكر، وبَكَّر، وابتكر، وأبكر.قال الشاعر:

بكرتْ علىَّ تلومُني بصريمِ. . . . . . . .فلقد عذلتِ ولُمتِ غير مُليمِ

وقال عمر بن أبي ربيعة:

أمن آل نُعمٍ أنت غادٍ فمبْكرُ. . . . . . . .غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجِّرُ

وقوله ( غودر ): ترك.يقال: ما غادرت منهم أحدا، أي ما تركت منهم.و ( النؤى ): حاجز يجعل حول البيت من تراب لئلا يدخل عليه الماء.و ( الثمام ): شجر يلقونه على بيوتهم وعلى وطاب اللبن.وإذا نزل القوم بأرض يستغنون فيها بشجرها عن الأبنية نصبوا أعندة ثم خلوا بينها بالثمام، أي ظللوها به ؛ لأنه أبرد ظلا.وإذا نزلوا في موضع ليس به شجر فهي النجد ؛ يقال فلان من أهل النجد، إذا كان من أهل البادية.وقال أبو جعفر: يقال: أنا لك على طرف الثمام، أي مع ما تحب ؛ لأنهم يختارون الثمام على جميع الشجر والنبات، يستظلون به.و ( الخيم ): جمع خيمة، قال بعض الأعراب:

بلادٌ يكون الخَيم أظلال أهلِها. . . . . . . .إذا حضَروا بالصَّيف والضبّ نونُها

والواو في قوله ( وكان بها الجميع ) واو الحال، معناه وقد كان بها.

( شَاقَتْك ظُعْنُ الحَيِّ حِينَ تحمَّلوا. . . . . . . .فتكنَّسُوا قُطُناً تَصِرُّ خِيامُها )

( شاقتك ) معناه: اشتقت لها.و ( الظعن ): النساء في الهوادج.وقوله ( فتكنسوا ) معناه اتخذوا الهوادج كمسا، والواحد كناس.يريد: دخلوا في الهوادج كما تدخل الظباء في كنسها.و ( القطن ): جمع قطين، وهم الجماعة.والقطين أيضا: الحشم والضبنة.والقطين: الجيران والعبيد.قال جرير:

هذا ابنُ عمِّي في دمشقَ خليفةً. . . . . . . .لو شئتُ ساقكمُ إلى قطينا

أراد: عبيدا.فقيل له: ما أنصفت يا أبا حزرة، تفخر عليهم بالخلافة !وقال عبد الملك: لو قال: ( لو شاء ساقكم ) لسقتكم إليه.والقطين أيضا: سكان الدار.أنشدنا أبو العباس، قال ابن شبيب:

علَّموني كيف أشتا

ق إذا خفَّ القطينُ

وقال أبو جعفر: معنى قوله ( فتكنسوا قطنا ) ثياب قطن.قال: وليس للقطين هاهنا معنى.قال: والدليل على إنه أراد ثياب القطن قوله ( من كل محفوف يظل عصيه زوج ).والذي ذهب إليه أبو جعفر هو قول الأصمعي.وقوله ( تصر خيامها ) معناه تعجل بهن إبلهن فتهز الخشب فتصر.قال الشاعر:

يا أهل ذي المرْوّةِ خلُّوها تمرّ. . . . . . . .ألاَ ترون أنَّها شَولٌ نُفُرْ

أقتابها من خَلْجها المشيَ تصرّْ

ويقال: هو القُطُن، والقُطْن، والقُطُنّ.أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء:

كأنّ مَجرى دمعها المُستَنِّ. . . . . . . .قُطُنَّةٌ من أبيضِ القُطُنِ

ويقال للقُطن: البرس، والعطب، والكرسف، والكرسوف، والطاط.والقطن منصب بتكنسوا، والخيام مرتفعة بتصر.وقال أبو جعفر: إنما تصر خيامها لأنها جدد.وقال غيره: معناه خشبها تصر من صقلها.

( مِن كلٍِّ محفوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ. . . . . . . .زَوجٌ عليه كِلَّةٌ وقِرامُها )

المحفوف: الهودج قد حف بالثياب.وعصيه: عصى الهودج.والزوج: النمط الواحد.وقوله ( عليه كلة )، رجع إلى ( الهودج ).و ( القرام ): الستر.وكل ما غطيت به شيئا فقد قرمته.وهو القرام والمقرم.ومثله في الوزن السنان والمسن، واللحاف والملحف.والزوج رفع بيظل، والهاء للمحفوف.

( زُجَلاً كأَنَّ نِعاج تُوضِحَ فوقَها. . . . . . . .وظِبَاءَ وجْرَة عُطَّفاً أَرآمُها )

زجلا: جماعات، واحدتها زجلة.والنعاج: البقر.وتوضح: موضع.وقوله ( فوقها ) معناه فوق الهوادج.ووجرة: بلد.وقوله ( عطفا ) معناه ثانية الأعناق.و ( الأرآم ): ظباء بيض خوالص البياض، والواحد رئم، والانثى رئمة.وقال بعضهم: معنى قوله ( عطفا أرآمها ) عطفت على أولادها.وقال أبو جعفر: شبهها بالظباء والأرام التي معها أولادها، لتفزعها إلى أولادها وإرشاقها، فهو أحسن لها.وزجلا نصب على الحال من ظعن الحي، وتوضح مختفض بإضافة النعاج إليه ونصب لأنه لا يجري، والظباء نسق على النعاج، وعطفا نصب على الحال.

( حُفِزَتْ وزايلَها السَّرابُ كأَنها. . . . . . . .أَجزاعُ بِيشَةَ أَثْلُها ورِضامُها )

قال أبو عمرو: معنى قوله ( حفزت ): دفعت واستحثت في السير.وحفزه دفعه.وقوله ( وزايلها السراب ): دفعها سراب إلى سراب.ورواها الأصمعي: ( حزيت وزيلها السراب ) وحزيت يهمز ولا يهمز.يريد: حزاها السراب، أي رفعها.وزيلها: فرقها.قال الله عز وجل: ( لو تَزَيَّلُوا )، أراد: لو تفرقوا.والأجزاع: معاطف أوديتها، واحدها جزع.قال الشاعر:

فقلت له: أينَ الذين عهدتُهمْ. . . . . . . .بِجزْعك في خفضٍ وطِيب زمانِ

وهو منثني واد فيه نخل.شبه حمولها بها.و ( بيشة ): عرض، وهو منثني واد.فشبه الهوادج على الإبل بشجر الأثل.و ( الرضام ): صخور عظام يجتمع بعضها مع بعض.يقال: بنى فلان بيته فرضم الحجارة رضما ؛ وذلك إذا نضد الحجارة بعضها على بعض.ومن ذلك يقال للبعير إذا برك فلم ينبعث: رضم بنفسه.والواحد من الرضام رضمة.ويحكى عن أبي عمرو إنه قال: الواحد رضمة.وفعال يكون جمعا لفَعْلة وفَعَلة جميعا، فيقال: صحْفة وصحاف، وثمَرة وثِمار.والأثل والرضام يرتفعان على الإتباع للأجزاع، وبيشة لا تجرى للتعريف والتأنيث.

( بل ما تَذَكَّرُ مِن نَوَارَ وقد نأَتْ. . . . . . . .وتقطَّعتْ أَسبابُها ورِمامُها )

قوله ( نأت ) معناه بعدت ؛ ومثله ناءت.قال الشاعر:

سنُثني عليه بالذي هو أهلُه. . . . . . . .وإن شَحَطتْ دارٌ وناءَ مَزارُها

وقال الله عز وجل: ( أعرضَ ونَأى بجانبه )، وقرأ بعض القراء: ( وناءَ بجانبه ).والنأي: البعد.والنوار معناها في اللغة: النفور من الريب.يقال: نرت من ذلك الأمر أنور نورا، إذا نفرت منه.والنفار هو النوار.قال الشاعر:

أنَوراً سَرْعَ ماذا يا فَروقُ. . . . . . . .وحبلُ الوصل منتكثٌ حَذيقُ

وقال العجاج:

يَخلِطْن بالتأنُّسِ النِّوارا

وقال مضرس:

تدلَّتْ عليها الشَّمسُ حتَّى كأنَّها. . . . . . . .من الحَرِّ تُرمَى بالسَّكينة نُورُها

أي نفرها.ومعنى قوله ( أسبابها ) حبالها.والرمام: الحبال الضعاف، واحدتها رمة.قال: وسمى ذو الرمة ذا الرمة ببيت قاله وذكر الوتد:

أشعثَ باقي رُمَّة التقليدِ

والرمة جمعها رمم ورمام.وما ظاهرها ظاهر الاستفهام وتأويلها تأويل التقرير، وتقديرها: بل ويحك أي شيء تذكر.ويجوز أن يكون في موضع رفع بما عاد من الهاء المضمرة، ويكون التقدير: أي شيء تذكره من نوار.وقال بعضهم: ما صلة.وهذا عندي بعيد ؛ لأن التذكر لا يوقع على مفعول وهو يطلبه.

( مُرِّيّةٌ حَلَّتْ بفَيدَ وجاورَتْ. . . . . . . .أَهْلَ الحِجازِ فأَينَ مِنْكَ مَرامُها )

( مرية ): منسوبة إلى بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض.و ( مرامها ): مطلبها.و ( الحجاز ): ما بين تثليث إلى جبلي طيئ.وبلاد العرب خمسة أقسام: تهامة، والحجاز، ونجد، والعروض، واليمن.وذلك أن جبل السراة - وهو أعظم حبال العرب - أقبل من اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازا ؛ لأنه حجز بين الغور وهو هابط، وبين نجد وهو ظاهر، فصار ما خلف هذا الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعك وكنانة وغيرها إلى ذات عرق والجحفة وما صاقبها - أي قاربها - وغار من أرضها الغور.والغور غور تهامة ؛ وتهامة تجمع ذلك كله.وصار ما دون ذلك الجبل في شرقيه من الصحاري والنجد إلى أطراف العراق والسماوة وما بينهما نجدا ؛ ونجد يجمع ذلك كله.وصار الجبل حجازا، وما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى فيد وجبلي طيئ إلى المدينة من بلاد مذحج تثليث وما دونها إلى فيد حجاز، والعرب تسميه نجدا وجلسا وحجازا، والحجاز يجمع ذلك كله.وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاها عروضا فيها ؛ وفيها نجد وغور لقربها من البحار وانخفاض مسايل أوديتها ؛ والعروض يجمع ذلك كله.وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضر موا والشحر وعمان وما يليها اليمن، وفيها التهائم والنجد ؛ واليمن يجمع ذلك كله.ورواه أبو جعفر: ( وجاورت أهل الجبال )، وأنكر الحجاز، قال: وذلك أن فيد في قرب جبلي طيئ، ميرة أهل فيد من الجبلين، وبين فيد وبين الحجاز مسيرة ثلاثة عشر يوما، فكيف يكون أراد الحجاز ؟ وإنما أراد بالجبال أجأ وسلمى.قال: ومن الحجة للجبال قوله ( بمشارق الجبلين أو بمحجر ).وقال قطرب: الحجاز يكون هاهنا من شيئين.يقال حجز بعيره يحجزه حجازا، لضرب من شده ؛ وذلك الحبل يقال له حجاز، يشد به البعير إلى رسغه كالقيد له.قال: ويجوز أن يكون سمى حجازا لأنه احتجز بالجبال.ويقال: احتجزت المرأة، إذا شدت عليها ثيابها في وسطها واتزرت.ويقال هي حجزة السرايل.والعامة تخطئ فتقول: حزة السراويل.والمرام مرتفع بمن، ولا يجوز أن ترفع المرام بأين وتجعل من صلة المرام، لأن صلة الاسم لا تتقدم عليه.

( بمشارِق الجبَلَيْنِ أو بمحَجَّرٍ. . . . . . . .فتضَمَّنتْها فَردةٌ فرُخامُها )

قال أبو جعفر: هذه المواضع كلها فيما بين فيد والجبلين.وقال غيره: مشارق الجبلين أراد: شرقيهما.والجبلان: جبلا طيئ.وقوله ( فتضمنتها ): نزلت فيها.وفردة: موضع.وقال أبو زياد: محجر: جبل حوله حجر به، وفردة: أرض، ورخامها: جبل قريب من فردة، فأضاف ذلك الجبل إلى فردة.والباء صلة لحلول مضمر، والهاء والألف تعود على المرية.

( فصُوائقٌ أن أَيمنَتْ فمَظِنّةٌ. . . . . . . .مِنْها وِحافُ القَهرِ أو طِلخامُها )

صوائق: موضع، ويروى: ( فصعائد ).و ( أيمنت ): أخذت نحو اليمن.قال يعقوب بن السكيت: يقال أيمن الرجل ويامن، إذا أخذ نحو اليمن ؛ وأشأم، إذا أتى الشام ؛ وأعرق، إذا أتى العراق ؛ وأنجد، إذا أتى نجدا ؛ وجلس، إذا أتى جلسا، وهي نجد.وأنشد:

قلْ للفرزدق والسفاهةُ كاسمها. . . . . . . .إن كنتَ تاركَ ما أمرتُك فاجلسِ

أي فأت نجدا.وأتهم، إذا أتى تهامة ؛ وأعمن، إذا أتى عمان ؛ وعالي، إذا أتى العالية ؛ وانحجز واحتجز، إذا أتى الحجاز ؛ وأخاف، إذا أتى خيف منى.قال يعقوب: وقال يونس: يقال قد امتنى القوم، إذا نزلوا منى.ويقال: قد نزل الرجل، إذا أتى منى.قال عامر بن الطفيل:

أنازلةٌ أسماءُ أم غير نازلَهْ. . . . . . . .أبينِي لنا يا أسمَ ما أنتِ فاعلَه

قال ابن أحمر:

وافيتُ لما أتاني أنَّها نَزَلتْ. . . . . . . .إن المنازل ممَّا تجمع العجبا

أي أتت منى.ويقال: غار، إذا أتى الغور، وأغار.قال الأعشى:

نبيٌّ يرى ما لا ترون وذكرهُ. . . . . . . .أغارَ لعمري في البلاد وأنجدا

ويروى: ( وذكره لعمري غار في البلاد ).ويقال: ساحل، إذا أخذ على الساحل ؛ وأجبل: صار إلى الجبل ؛ وأسهل: صار إلى السهل ؛ وألوى: صار إلى لوى الرمل ؛ وأجد: صار إلى الجدد ؛ وأفلى: صار إلى الفلاة ؛ وكوف وبصر، إذا أتى الكوفة والبصرة.قال الشاعر:

أخبِّر من لاقيتُ أنِّى مبصِّرٌ. . . . . . . .وكائن تَرى قبلي من الناس بصرَّا

وقوله ( فمظنة منها وحاف القهر )، أي موضعها الذي تظن فيه وتعرف وتطلب وحاف القهر.يقال: اطلب العلوم من مظانها.قال الشاعر:

فإنّ مَظِنَّة الجهلِ الشَّبابُ

وقال الآخر:

موسومة بالحسن ذات حواسد. . . . . . . .إنّ الحِسانَ مَظِنَّةٌ للحُسَّدِ

ووحاف القهر: موضع.وقال أبو جعفر: الوحاف: إكام صغار إلى جانب القهر، والقهر: جبل.وواحد الوحاف وحفة ووحف.والصوائق نسق على فردة، ومظنة رفع بوحاف.

( فاقْطَعْ لُبانةَ مَنْ تَعرَّضَ وَصْلُه. . . . . . . .ولَشَرُّ واصلِ خُلَّةِ صَرَّامُها )

معناه: اقطع لبانتك ممن تعرض وصله، أي لم يستقم وصله وأخذ على غير الطريق.ومن ذلك يقال: بعير فيه عرضية، أي لا يواتي راكبه.وقال الأصمعي عن خلف الأحمر: سمعت أعرابيا ينشدها:

ولخير واصلِ خُلَّةٍ صَرَّامُها

أي أحسن الناس وصلا إذا وصل أوضعهم للصرم في موضعه.ويقال في مثل من الأمثال: ( كل ألوف نفور ).وقال: هو الذي يصرم في موضع الصرم، ويحسن الوصل إذا وصل.ومن لا يصرم في موضع الصرم لا يحسن أن يصل.و ( الخلة ): الصديق.والخلة: الصداقة.قال الشاعر:

ألاّ أبلغا خُلَّتي جابراً. . . . . . . .بأنَّ خليلكَ لم يُقْتلِ

تخاطأتِ النبلُ أحشاءَه. . . . . . . .وأُخِّر يومي فلم يَعجَلِ

ويقال للرجل إذا صعد الجبل: عرض دابتك ؛ يريد ؛ خذها يمنة ويسرة، فإنه أهون عليها في الصعود.يقول: فمن فسد وصله فلا تقعدن على صلته لتحتبس عن مآربك.واللام لام اليمين، معناه: و والله لشر واصل خُلَّة.

( واحْبُ المُحَامِلَ بالجزيلِ وصُرمُهُ. . . . . . . .باقٍ إذا ضَلَعَتْ وزاغ قِوَامُها )

المحامل: المكافئ.ويروى ( المجامل ) بالجيم.ويروى ( وزال قوامها ).و ( احب ) من الحباء، وهي العطية.و ( المحامل ): الذي يحمل لك وتحمل له.فيقول: إذا حبوت صديقك الذي يحاملك فاجعل حباءه جزلا.والمجامل بالجيم: الذي يجاملك بالمودة.ويقال: قد أجزل له العطاء، أي أكثر له.و ( صرمه باق )، أي استبق صرمه قلا تعجل به.والصرم: القطيعة ؛ وهو الاسم، والصرم المصدر.يقول: إذا ضلعت الخلة، وهي الخليل هاهنا.و ( ضلعت ): اعوجت.ويقال رمح ضلع، أي معوج.ويقال ضلع فلان مع فلان، أي ميله وهواه.ويقال: لأقيمن ضلع فلان، أي عوجه.وأنشد للحذلمي:

فليقُه أجردُ كالرُّمح الضَّلِع

فليقه، يعني باطن جران البعير، وإنما يريد العنق.قوله ( وزاغ قوامها ) معناه مال ولم يستقيم، ويروى: ( قَوامها ) بفتح القاف، و ( قِوامها ) بكسر القاف: عمادها.يقال هذا قوام الأمر وهذا ملاكه.والقوام بالفتح: القامة.والملاك بالفتح، يقال حائط ليس له ملاك، أي لا يتمالك.وقال بعضهم: معناه: وليكن صرمه باقيا عندك فلا تعجل بصرمه.ويقال معنى قوله ( وزاغ قوامها ): ولم تستقم لك خلته ولم تثبت.والمعنى: لا تعاجل صديقك وخلتك بقطع الذي بينك وبينه، أن ضلعت خلته وزاغ قلبي فليكن صرمه ماكثا عندك، فاستبقه ولا تعجل بالقطيعة.وقال أبو جعفر: وصرمه باق معناه أثبت له مودتك، ما ثبت لك فاثبت، فان زاغ قطعته ؛ كما قال النمر بن تولب:

فأحببْ حبيبك حبًّا رويداً. . . . . . . .فليس يَعُولُك أن تَصرما

وأبغضْ بغيضكَ بُغضاً رويداً. . . . . . . .إذا أنتَ حاولت أن تحكُما

وفاعل ضلعت مضمر فيه من ذكر الخلة.والواو في الصرم واو الحال.معناه واحب المحامل بالجزيل وهذه حاله.و ( زاغ )، من الزيغ، وهو الميل، قال الله عز وجل: ( ربنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إذْ هديتَنا ).

( بِطَليحِ أَسفَارٍ ترَكنَ بَقيَّةً. . . . . . . .منها فأَحنَقَ صُلبُها وسَنامُها )

( بطليح أسفار ) معناه بناقة كالة معيية.ويقال: طلحت تطلح، وأينق طلحى وطلائح.قال القرشي:

مَثاباً لأفناء القبائل كلِّها. . . . . . . .تخُبّ إليه اليَعْمَلاتُ الطَّلائحُ

والأسفار: جمع سفر.وقوله ( تركن بقية ) معناه لم تأكل الأسفار لحمها أجمع، أي لها كدنة وبقاء على طول السفر.و ( أحنق ): ضمر.ويقال صُلُب، وصَلَب.قال العجاج:

ما زلتُ يومَ البَين ألوِى صَلَبِي

وقال أبو جعفر: معنى البيت: فاقطع لبانته بناقة معتادة للسفر قد طلحها مرة بعد أخرى، وقد هانت عليها الأسفار.والباء صلة لقوله: فاقطع لبانة من تعرض.والأصل في طليح مطلوحة، فصرفت عن مفعولة إلى فعيل، فألزمت التذكير.ويقال للبعير المعيي الكال: طليح وطلح.قال الشاعر يعنى ناقة:

قلتُ لعنْسٍ قد ونَتْ طَليحِ

وقال الأصمعي: يقال للرجل التعب المعيى: طلح وطليح.وأنشد للحطيئة في صفة إبل:

إذا نامَ طِلحٌ أشعثُ الرأسِ خَلْفهَا. . . . . . . .هَداه لها أنفاسُها وزَفيرُها

ويقال: ( صاحب الناقة طليحان )، إذا كان هو والناقة معييين.وحكى بعض أهل اللغة: ناقة طالح.

( فإِذا تَغَالَى لَحمُها فتحسَّرتْ. . . . . . . .وتقطَّعَتْ بعدَ الكَلال خِدامُها )

( تغالى )، معناه ذهب وارتفع.وقال الأصمعي: معناه ركب رءوس العظام وذهب ما سوى ذلك.وهو مثل قول عتيبة بن مرداس:

غدا لحمُها فَوقَ العظام فشيّدَتْ. . . . . . . .به أزَزاً طيَّ البناءِ المشيَّدِ

قوله أززا، معناه لحمها مجتمع قد لزم بعضه بعضا.يقال من ذلك: تركت البيت أززا، أي يغض بأهله.و ( تحسرت ) معناه تحسر عنها البدن.و ( الخدام ): جمع خدمة، وهي سيور تعقد في الأرساغ ثم تشد إليها النعال إذا رقعت بها الإبل عند الحفا.وقال أبو جعفر: أخبرني ابن الأعرابي قال: تغالى لحمها أصله تغاول فقلب، من قولهم: غاله كذا وكذا، إذا ذهب به.وقال غيره: يروى ( فإذا تعالى لحمها ) بالعين غير معجمة، على إنه تفاعل من العلو.وتحسرت، فيه ضمير الناقة.والخدام مرتفعة بتقطعت.

( فلَها هِبَابٌ في الزِّمامِ كأَنَّها. . . . . . . .صَهْباءُ راحَ مع الجنوب جَهامُها )

( فلها هباب )، معناه فلها هيج ونشاط.يقول: إذا صارت في هذه الحال لم تنكسر ولم يذهب نشاطها.ويقال للناقة إذا جدت وأخذها مرح شديد: هابة كأنها صهباء، ومعناه: كأنها سحابة صهباء.وقال: إذا اصهابت قل ماؤها، وإذا قل ماؤها خفت وسرع مرها.وهو مثل قول النابغة:

صُهْباً ظِماءً أتَينَ التِّين عن عُرضٍ. . . . . . . .يُزْجين غَيْماً قليلاً ماؤه شَبِما )

و ( الجهام ): ما هراق ماءه، والواحدة جهامة.يريد: طردته الجنوب وقد هراق ماءه فخف، وإذا خف كان أسرع مرا.فشبه الناقة بالسحابة في السرعة.والصهباء على لون القمراء من الأتن، وهي التي يضرب لونها إلى الحمرة.ويروى: ( خف مع الجنوب ).وقال أبو جعفر: معناه كأنها صهباء قد هراقت الجنوب ماءها فصارت جهاما خف فضربته الشمال.قال: وهذا مثل قول النابغة:

فأضحتْ في مَداهنَ بارداتٍ. . . . . . . .بمنطلقَ الجنوب على الجَهامِ

قال: قال الأصمعي: أراد فأضحت هذه الأمطار بمنطلق الجنوب على الجهام، كما يقال: بات فلان على طعام، أي وقد أكل طعاما.فأراد أن هذه الأمطار جاءت بها الجنوب، فلما هراقت ضربتها الشمال فقطعتها، وبرد الماء وصفا.والمدهن: النقرة في الصفا.وراح وما بعده صلة الصهباء.

( أَو مُلمِعٌ وَسَقَتْ لأَحقَب لاَحَهُ. . . . . . . .طَردُ الفُحولِ وضَرْبُها وكِدامُها )

ويروى: ( طرد الفحالة ضربها وعذامها ).ويروى: ( وزرها وكدامها ).و ( الملمع ): الأتان التي قد استبان حملها في ضرعها، وذلك إنه يشرق للبن.يقال لذوات الحافر والسباع: قد ألمعت ؛ وهي أتن ملاميع.ويقال للشاة إذا استبان حملها فأشرق ضرعها ووقع فيه اللبن واللبأ: أضرعت، فهي مضرع.ويقال: سألت فلانا فأضرع، أي تغير وجهه ؛ يريد عند المسألة.ويقال للناقة أرأت فهي مرء.وإنما توصف الحمر بهذا، أعنى بالإلماع ؛ فأما الإبل فإذا قيل عاقر أو مزلق فهو أحمد لها.قوله ( وسقت ): حملت ماء الفحل.ويقال ناقة واسق وإبل مواسيق، جمع على غير قياس.ويقال: أرض تسق الماء، إذا أمسكته.ولا أكلمك ما وسقت عيني الماء.وقوله ( لأحقب )، والأحقب عير بموضع الحقب منه بياض.( لاحه ): أضمره وغيره.يقال لاحه السفر يلوحه لوحا، إذا فعل به ذلك.قال الله عز وجل: ( لَوَّاحةٌ للبشَر )، أراد: مغيرة.وأنشد أبو عبيدة:

تقول: ما لاحَكَ يا مسافرُ. . . . . . . .يا ابنةَ عمِّى لأحَنى الهواجرُ

وقال عمران بن حطان:

يُكبكَبُ فيها الظالمون بظُلْمهم. . . . . . . .وجوههمُ فيها تُلاحُ وتُسفَعُ

وقوله ( طرد الفحالة ) معناه جعل يطرد الفحالة عنهن قبل أن يحملن، فلما حملن ذهبت الفحالة عنهن وصار شرهن عليه.قوله ( عذامها ) معناه معاذمتها وهي المعاضة.ويقال فحل معذم وعذوم، أي عضوض.ويقال: عذمه بلسانه، أي عضه.ويقال فحل وفحول وفحالة.و ( زرها ): عضه إياها.وملمع نسق على صهباء.

( يَعلُو بها حدَبَ الإِكامِ مُسَحَّجاً. . . . . . . .قد رابَه عِصْيانُها ووِحامُها )

الحدب: ما ارتفع من الأرض.قال الله عز وجل: ( مِن كلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُون )، أراد: من كل مكان مرتفع.قال الشاعر:

فأمَّا يومُهنَّ فيومُ سَوءٍ. . . . . . . .تُطاردُهن بالحدَب النسورُ

وقال الآخر:

تداركَني منه خليجٌ فردَّني. . . . . . . .له حَدَبٌ تستنُّ فيه الضَّفادعُ

و ( الآكام ): جمع أكمة، وهي أشد ارتفاعا مما حولها غليظة.ويقال أكمة وإكام، وأكم، وآكام.وقوله ( يعلو بها ) معناه يعلو بالأتان يغمها بذاك، ليسبق فيما صنعت به ويذللها.وقوله ( مسحج ): معضض قد عضضته الحمير.والسحج: جرح ليس بغامض.يقال سحجه، وجحشه.و ( عصيانها ): امتناعها عليه.وقوله ( وحامها ) الوحم: الشهوة على الحمل ؛ يقال امرأة وحمى، إذا اشتهت على حملها.ونساء وحام ووحامي.وقد وحمت توحم وحما.فقال العجاج:

أزمانَ ليلى عامَ ليلى وَحَمِى

أي شهوتي.وقال أبو جعفر: قوله ( يعلو بها حدب الآكام ) معناه يعسفها عسفا ليس يهتم إلا بطردها، لا يبالي أين سلكت.وإنما يعلو بها خوف الرامي.ويروى ( مسجَّج ) بالرفع.فمن نصبه نصبه على الحال مما في يعلو.ومن رفعه رفعه بيعلو.

( بأَحِزَّةِ الثَّلَبوتِ يَرَبأُ فَوقَها. . . . . . . .قَفْرَ المَرَاقبِ خَوفُها آرامُها )

الأحزة: جمع حزيز، وهو الغليظ المنقاد المستدق، والجمع أحزة وحزان.وقال الأصمعي: قال خلف الأحمر: سمعت أعرابيا يرويه: ( بأخرة الثلبوت )، وكذلك رواه الأصمعي، قال: والأخرة مطمأنات في الأرض تكون كالوهدة بين الربوتين تنقاد وتجري، الواحد خرير، والجمع أخرة وخرر.و ( الثلبوت ): موضع: ومثاله بعير تربوت، أي ذلول، وكذلك الناقة ؛ والجبروت لله عز وجل ؛ وامرأة خلبوت إذا كانت خلابة.وقوله ( يربأ فوقها ) معناه يعلو فوق الأحزة مخافة رام أو طارد.والربيئة: الذي يعلو ويحفظ.قال الشاعر:

فظلّ مرتبئاً للشمس تَصهره. . . . . . . .حتَّى إذا الشمس مالت جانباً عدَلا

معناه: فظل مرتفعا.وتصهره: تذيبه.ورواه الأصمعي: ( يربأ فوقها طورا مرابئ خوفه آرامها )، أراد مصاعد خوفه أعلامها المشرفة.وأصل الآرام أعلام كانوا ينصبونها على القبور والطرق.فأراد: يصعد الحمار هذه الآكام كالربيئة لها، أي كالحافظ.وإنما خوف هذه الماقب أعلامها لما يكون خلفها من صائد وغيره.ويروى: ( قفرا مراقب خوفها آرامها )، ويروى: ( قفرا مراقب خوفها آرامها ).فمن رفع المراقب وخفض الخوف رفع المراقب بالآرام، ومن نصب المراقب جعلها تابعة للقفر ورفع الخوف بالآرام.وواحد الآرام إرم، وإرمى، وأيرمى.

( حَتَّى إذا سَلَخَا جُمادَى سِتّةًٍ. . . . . . . .جَزْءاً فطالَ صِيامُه وصيامُها )

ورواه الأصمعي: ( حتى إذا سلخا جمادى كلها ).وقوله ( سلخا ) يعنى العير والأتان خرجا.وجمادى: شدة القر، وكذا كان الشتاء في ذلك الزمان، وفيها كان يكون أول المطر.فيقول: خرج عنها كلب البرد وأنبتت الأرض، واستقبلا الجزء، فصاما عن الماء.وقال في ذلك أحيحة بن الجلاح:

إذا جُمَادَى منعَتْ قَطرَها. . . . . . . .زانَ جنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ

أراد: كانت له نخل، فصيَّر للنخل عطنا.وليست ترعى الإبل أكثر من شهرين.قال حميد بن ثور:

رعَيْن المُرارَ الجَوْن من كلِّ مِذنبٍ. . . . . . . .دَميثٍ جُمادَى كلَّها والمحرَّما

أراد: جمادى الآخرة ورجبا، وسماه المحرم لأنه من الأشهر الحرم.وقال رؤبة:

شهرين مرعاها بقِيعان السَّلَقْ

والسلق: مطمأن من الأرض بين ربوتين.وقال العجاج:

عشراً وشَهرين يَسُنُّ عَزَبا

يعني إنه ترك في الكلأ شهرين وعشرا.يسن: يصقل ويحسن القيام عليه.وقال أبو ذؤيب:

بِه أبَلَتْ شهرَيْ ربيعٍ كليهما. . . . . . . .فقَدْ مارَ عنها نَسْؤُها واقترارُها

والنسء: بدء السمن.ومار: ماج فيها.والاقترار: أن تبول الدابة بولا خاثرا في رجلها.يقال: قد تقررت الإبل في أسؤقها، إذا أكلت اليبيس فخثرت أبوالها.ويقال ( صام ) إذا قام وثبت.ويقال صام النهار، إذا ركد حين ترتفع الشمس.ويقال صام الماء، إذا سكن.قال العجاج:

بحيث صام المِرجَل الصاديُّ

وقال الشماخ:

متى ما يَسُفْ خيشومُه فوق تلعة. . . . . . . .مَصامةَ أعيار من الصيف يَنْشِجِ

يعني حمار الوحش.والمصامة: موضع أرواث الأعيار في الصيف، إذا شمه الحمار نشج، أي تهيأ للنهاق.وقال بعض الرجاز:

لا تَسقِه صيِّبَ عَزَّافٍ جُؤَرْ. . . . . . . .حتَّى يصوم في النَّهارِ والأكَرْ

وقال أبو جعفر: أراد حميد بن ثور بقوله ( جامدى كلها والمحرما ) أشهر جماديين والمحرم.ويشهد له قول العجاج:

عشْراً وشهرينَ يسُنُّ عَزَبا

أي يسن أتنه في المرعى يحفظها ويرعاها.وأجود الربيع وأحمده شهران، إلا إنه إذا جاء الجود والخصب كان ثلاثة أشهر.قال: أبو وجزة جعله ثلاثة أشهر في بعض شعره.وقال غيره: جزء مصدر جزأت الإبل تجزأ جزءا، يذهب إلى إنه اسم مأخوذ منه.قوله ( صيامه وصيامها ): قيام العير وقيام الأتن، لأن الصيف قد جاء وانقطعت المياه.وستة تختفض بإضافة جمادى اليها، أي متمم ستة وخاتم ستة أشهر.يريد سلخا أشهرا آخرها جمادى الآخرة وأولها المحرم.وروى: ( ستة ) بالنصب.فمن رواه هكذا جعل الستة تابعة لجمادى، أي سلخا أشهرا ستة، فاكتفى بجمادى من الأشهر.وقوم من العرب يجعلون جمادى الشتاء.ويروى: جزآ، أي قطعا.

( رَجَعا بأَمِرهما إلى ذِي مِرَّةٍ. . . . . . . .حَصِد ونُجْحُ صَريمةٍ إِبرامُها )

رجعا بأمرهما إلى ذي مرة، معناه كان ينازعها وتنازعه ثم رجعا بأمرهما، أي صار الشأن إليه.و ( المرة ): الرأي.وأصل المرة إحكام الفتل، فضربه مثلا.وقال أبو زيد: يقال أن فلانا لذو مرة، إذا كان قويا محتالا.قال الله عز وجل: ( ذو مِرَّة فاستوَى ) معناه ذو عقل وشدة.وأنشد الفراء:

قد كنتُ قبل لقائكم ذا مِرَّة. . . . . . . .عِندي لكلِّ مُخاصم ميزانُه

و ( حصد ): مبرم محكم.يقال وتر حصد ومحصد ومحكم، إذا كان متداني القوى شديد الفتل.ويقال: غيضة حصدة، إذا كانت ملتفة النبت.ومنه قول عنترة:

طوراً يجرَّد للطعان وتارة. . . . . . . .يأوِي إلى حَصِد القسيِّ عَرمرِم

و ( الصريمة ): الخصلة المقطوعة إذا قطعت وعزم عليها.وأصل الصرم القطع.يقول: فنجح صريمة أن تصرم أمرها وتحكمه فلا يلتبس ؛ فإذا لم تُحكمها فليس بنجح.و ( الإبرام ): الإحكام.وما في ( رجعا ) يعود على الحمار والأتان، وحصد نعت لذي، والنجح رفع بالإبرام.والمعنى: رجعا بأمرهما في الورد إلى رأى ذي مرة حصد.

( ورَمتْ دَوابرَها السَّفا وتَهيَّجَتْ. . . . . . . .رِيحُ المَصَايفِ سَومُها وسَهَامُها )

الدوابر: مآخير الحوافر، واحدتها دابرة.والسفا: سفا البهمى، وهو كشوك السنبل ؛ وهو يجف إذا جاء الصيف ؛ واحدته سفاة.والبهمى: شجر.والسفا: التراب.قال الأعشى:

فلا تَلمسِ الأفعى يداك تُريدُها. . . . . . . .ودعْها إذا ما غَيَّبتْها سَفاتُها

وقال الآخر يرثي رجلا:

وحالَ السَّفا بيني وبينك والعِدَى. . . . . . . .ورهنُ السَّفا غَمْر النقيبة ماجدُ

أي حال التراب بيني وبينك.ومثله قول ذي الرمة:

رمَى أمَّهاتِ القُرْدِ لذعٌ من السَّفا. . . . . . . .وأحصَدَ من قُرْيانه الزَّهَر النَّضْرُ

وتهيجت: هاجت.سومها: مرها.يقال: خله وسومه، أي مضيه.ويقال جاءنا جيش سوم الجراد، أي يمر مر الجراد في كثرته.قال ساعدة:

فلم ينْتبِهْ حتَّى أحاط بظَهره. . . . . . . .حِسابٌ وسِربٌ كالجراد يَسُومُ

حساب: عدد كثير.وسرب: قطيع رجال.يسوم: يمر ويمضي.قال أمية:

فما تَجرى سوابقُ مُلجَمات. . . . . . . .كما تَجري، ولا طيرٌ تَسُوم

- ذكر النجوم - والسهام: ريح حارة.ومعنى البيت: ورمت دوابر الحمير السفا، أي نخستها ليبس السفا وجفافه، وهيجت ريح المصايف الحشيش فهاج الحشيش.والواو في ورمت واو الوقت، ومع رمى إضمار قد، تقديره: وقد رمت دوابرها، أي رجعا بأمرهما وقت رمى دوابرها السفا، كما تقول: جاءني زيد وقد طلعت الشمس، تريد: في وقت طلوع الشمس عليه.ويروى: ( ورمى دوابرها السفا ).فمن أنث قال: السفا مؤنثة، ومن ذكر قال: هو مما يذكر ويؤنث.وكل فعل لمؤنث متقدم عليه إذا حيل بينه وبين الاسم صلح فيه التذكير والتأنيث.

( فتنازَعا سَبِطاً يَطيرُ ظِلالُه. . . . . . . .كدُخانِ مُشْعَلة يُشَبُّ ضِرامُها )

معناه: فتنازع العير والأتان سبطا، أي غبارا مرتفعا طويلا.( ظلاله ): ما يظل منه.( مشعلة ): نار وقد أشعلت.( يشب ): يوقد ويهيج.ويقال للمرأة البيضاء: قد شب لونها خمار أسود لبسته.وكذلك الشب اليماني يشب الشيء الذي يصبغ به، والقلى يلقى به في العصفر ليشبه.والرجل المشبوب: الحسن الجميل.ومنه قول ذي الرمة:

إذا الأروع المشبوبُ أضحى كأنَّه. . . . . . . .على الرّحل ممَّا منَّه السَّير عاصدُ

والضرام: جمع ضرم ؛ وضرم: جمع ضرمة، وهو كل هدب تسرع فيه أنار ليس بجزل.والجزل: الغليظ من الحطب.وقال أبو جعفر: عدَوَا عدواً سريعا حتى أثارا به الغبار.ويقال الضرام هو الحطب.ويطير موضعه نصب في التأويل، والهاء يعود على الغبار، والمعنى: فتنازعا غبارا طائرا ظلاله.والكاف منصوبة على النعت للسبط.

( مُشمولةٍ غُلِثَتْ بنابتِ عَرفج. . . . . . . .كدُخانِ نارٍ ساطعٍ أَسنامُها )

مشمولة من نعت مشعلة، أي نار قد أصابتها الشمال فهو أجدر أن تنفخها.( غلثت ) معناه خلط ما أوقدت به.( بنابت عرفج )، أي بغضه وطريه، فهو أكثر لدخانها ؛ لأنه رطب حين طلع.والنبات: الحديث منه.ومن ذلك قول الحارث بن وعلة الشيباني:

ووطئتَنَا وطئاً على حَنَقٍ. . . . . . . .وَطْءَ المقيَّدِ نابتَ الهَرْمِ

أي أخضر الهرم وصغاره حين طلع.ولو كان الهرم يابسا ووطئ عليه لم يتكسر.ومثل قول لبيد قول الراعي:

كدُخانِ مُرتجلٍ بأعلى تَلعةٍ. . . . . . . .غَرثانَ ضرَّم عرفجاً مبلولا

وكل خلطين غليث.يقال هو يأكل الغليث، أي يأكل البر والشعير مخلوطين.ويقال: اغلث هذا الطعام، أي اخلطه.ويقال: وجد فلان تغليثا، كأنه اختلاط من نفسه.ويقال قتل فلان النسر بالغلثى، أي خلط له في طعامه ما يقتله.ويقال: علث طعامه بالعين أيضا.وقوله ( إسنامها ): ما ارتفع منها.ويقال أسنمها يسنمها.وإنما سمى السنام سناما لارتفاعه.وقال أبو جعفر: روى ابن الأعرابي ( أسنامها ) بفتح الألف، أي ارتفاع لهبها، الواحدة سنم.وقال أبو جعفر: قال لي ابن الأعرابي: لا أقول غلثث النار ؛ لأني لا أقول خلطت النار بالوقود.وقال: هذه الرواية خطأ.وروى: ( عليت )، أي ألقى فوقها.والكاف مخفوضة على النعت لمشمولة، وساطع نعت للنار، والإسنام رفع بمعنى ساطع.

( فمضَى وقدَّمَها وكانت عادةً. . . . . . . .مِنْه، إذا هي عَرّدَتْ، إِقدامُها )

معناه: مضى الحمار وقدّم الأتان لكيلا تعند عليه.( عردتا ): تركت الطريق وعدلت عنه.وأصل التعريد الفرار، ومنه قول الآخر يرثي الزبير:

غدر ابنُ جُرموزِ بفارسِ بُهمَةٍ. . . . . . . .يومَ اللقاءِ وكان غيرَ معرّدِ )

وكانت تلك الفعلة من الحمار إذا عردت.ولا تتقدم الأتن والثيران أبدا حتى يتقدم الفحل إلى الماء فيشرب وينظر هل يرى بالماء شيئا يريبه.والإقدام اسم الكون، والعادة خبر الكون.وإنما أنث كان والإقدام مذكر لأن الكسائي قال: إذا كان خبر كان مؤنثا واسمها مذكرا وأوليتها الخبر فمن العرب من يؤنث كان ويتوهم أن الاسم مؤنث إذا كان الخبر مؤنثا.فكان يجيز: كانت عادة حسنة عطاء الله تعالى، وكانت رحمة المطر البارحة.وقال غير الكسائي: إنما بني الشاعر كلامه وكانت عادة تقدمتها ؛ لأن التقدمة مصدر قدمها، إلا إنه لما انتهى إلى القافية فلم يجد التقدمة تصلح لها فقال إقدامها.واحتج بقول الشاعر:

أزيدَ بن مصبوحٍ فلو غيرُكمْ صَبا. . . . . . . .غَفَرْنا وكانت من سجيَّتنا الغَفْرُ

فزعم الكسائي إنه أنث كانت لأنه أراد: كانت سجية من سجايانا الغفر.وقال الذي خالفه: بل بنى على المغفرة فانتهى إلى آخر البيت والمغفرة لا تصلح له فقال الغفر، لأن الغفر والمغفرة مصدران.واحتج عليه من خالفه بقول الشاعر:

أجَرْتُ عليهمُ فأبَوْا وكانت. . . . . . . .بديعاً أن يكون وليّ أمر

فزعم إنه أراد كانت بديعا كينونته ولي أمر، فلم يستقم البيت بالكينونة فقال ( أن يكون ) إذ كانت في معناها.وقال الكسائي: البديع مؤنث بمنزلة البدعة.واحتج عليه من خالفه بقول حاتم:

أماويّ قد طال التجنبُ والهجرُ. . . . . . . .وقد عذرتْنا في طِلابكمْ عَذُرُ

وقال عذري، فانتهى إلى القافية وعذري لا تصلح فيها، كما قال الآخر:

لله درُّكَ إني قد رميتُهمُ. . . . . . . .لولا حُدِدتُ ولا عُذرَي لمحدودِ

فقال الكسائي: قوله عُذْر أراد عُذُر مثقلة جمع عذير، مثل نذير ونذر فخفف، وهي المعذرة.قال الله عز وجل: ( فما تُغْني النُّذُر )، جمع نذير.وقال عز من قائل: ( فستعلمون كيف نَذِير )، أراد: إنذاري.قال الفراء: وكل قد ذهب مذهبا، وقول الكسائي أشبه بمذهب العرب.

( فتوسَّطَا عُرْضَ السرِيِّ وصَدَّعا. . . . . . . .مَسْجُورةً مُتجاوِراً قُلاَّمُها )

العرض: الناحية.والسرى: النهر.وصدعا معناه شققا النبت الذي على الماء ومسجورة: عين مملوة.قال النمر:

إذا شاءَ طالَعَ مسجورةً. . . . . . . .تَرَى حولها النبعَ والساسَما

وقال الله عز وجل: ( والبحرِ المسجور ) فمعناه المملو، وهو حرف من الأضداد.ويكون المسجور المملو، ويكون المسجور الفارغ.وقول النمر ( إذا شاء طالع مسجورة ) معناه إذا شاء الوعل طالع عينا مملوة.ومعنى طالعها أتاها.يقال: فلان لا يزال يطالع.وقال أبو عمرو الشيباني: يقال قد سجر السيل الغدير والبئر يسجرها، إذا ملأها.ويقال هذا ماء سجر، إذا كانت بئر قد ملأها السيل.ويقال أوردوا ماء سجرا.و ( القلام ): نبت ينبت على الأنهار، يقال هو القاقلي.وقوله ( متجاورا قُلامها )، أراد إنها لا تورد فقد عفا نبتها.ومثله قول الحطيئة:

منَعنَ مَنابتَ القُلاَّم حتَّى. . . . . . . .علاَ القُلاَّم أفواهَ الرَّكيّ

والسري هو الصغير من الأنهار بمنزلة الجدول.قال الله عز وجل: ( قد جَعَل رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيّاً )، وقال الشاعر:

سهلُ الخليقة ماجدٌ ذو نائل. . . . . . . .مثلُ السرِيّ تمُدُّه الأنهارُ

ويقال معنى ( توسطا ) خاضا الماء.ورواه أبو جعفر ( عرض السري ) بفتح العين، ولم يعرف الضم.و ( متجاورا ) نعت لمسجورة، والقلاَّم مرتفع بمتجاور.

( مَحفوفةً وَسْطَ اليَرَاعِ يُظِلُّها. . . . . . . .منه مُصَرَّع غابة وقيامُها )

محفوفة، يعني العين.عنى إنها حفت بالقصب نابتا فيها.وأصله إنه ينبت في أحفتها، أي جوانبها.( يظلها منه ) معناه يظل العين المسجورة من اليراع.ويروى ( منها ) على تأنيث اليراع، والاختيار ( منه ).وقال بعضهم: معنى يظلها منه، من نباتها.و ( اليراع ): القصب، واحدته يراعة.ويقال لكل منخوب القلب: يراعة ؛ يشبه بالقصبة، أي هو لا قلب له مثل القصبة الجوفاء.و ( الغابة ): الأجمة، وجمعها غاب.أي يظل العين ما سقط من هذا القصب وما لم يسقط.ومحفوفة تنتصب على النعت لمسجوة.وقال أبو جعفر: السري يحمل من العين.يصف شدة عطشهما، وإنه حملها على توسط السري ولم يخافا راميا ولا غيره، على كثرة ما حوله من النبت.

( أَفتلكَ أَمْ وحشيّةٌ مَسبوعةٌ. . . . . . . .خَذَلَتْ وهاديَةُ الصِّوارِ قِوَامُها )

معناه: أفتلك الأتان التي تشبه ناقتي أم بقرة وحشية مسبوعة، أكل السبع ولدها فهي مذعورة.وقوله ( خذلت ): تأخرت عن القطيع.ومثله خدرت.يريد: خذلت أصحابها من الوحش وأقامت على ولدها ترعى قربه وتلفت إلى البقر، فإذا رأتها طابت نفسها وعلمت أن الصوار لم يفتها.و ( الهادية ): التي تهدى الصوار، أي تكون في أوله.والهوادي: الأوائل من كل شيء، من الخيل والإبل والحمر.ويقال: جاءت الحمر يهدى بها فحلها.ومنه قيل للأعناق، أي هي أوائل.و ( الصوار ): القطيع من البقر.ويقال قد صار الشيء يصوره.إذا قطعه ؛ وصاره يصوره ويصيره، إذا أماله وإذا جمعه.أنشد الفراء:

وفرعٍ يَصِير الجيدَ وَحفٍ كأنه. . . . . . . .على اللِّيت قنوانُ الكرومِ الدوالِح

أراد: يجمع.قال الله عز وجل: ( فصُرهُنّ إليكَ ) أراد: فضمهن إليك واجمعهن.وقال الشاعر:

مأوى يتامَى يصُور الحيَّ جفنتُه. . . . . . . .ولا يَظَلُّ لديه اللحم موشوما

وأنشد الفراء:

تغرّب أبائي فهلاّ صراهمُ. . . . . . . .من الموت أن لم يذهبوا وجُدودي

ويقال صُوَار وصوِار وصيار، والجمع أصورة وصيران.وقوله ( قوامها ) معناه تهتدى بأول الصوار.يقال: هذا قوام الأمر وقيامه، أي به يقوم الأمر.وتلك ترتفع بإضمار: شبيهة ناقتى، والوحشية نسف على تلك.

( خَنْساءُ ضيَّعتِ الفَريرَ فلم يَرِمْ. . . . . . . .عُرْضَ الشَّقائِق طَوفُها وبُغامُها )

خنساء: بقرة.والخنس: تأخر الأنف في الوجه وقصره أن يسبغ إلى الشفة.والبقر كلها خنس.ويقال قد خنس عنه، إذا تأخر عنه.وقد أخنس عنه شيئا من حقه ؛ ومنه اشتق حنيس اسم رجل.و ( الفرير ): ولد البقرة ؛ وأصل الفرير الخروف، وهو من ولد الضأن ؛ ولكن البقرة تجري مجرى الضائنة، والأروية تجرى مجرى الماعزة.ويقال فرير وفرار.ومثله مما جاء من الجمع على فعال شاة رُبى وغنم رباب، وظئر وظوار، ورخل ورخال.قوله ( لم يرم ) معناه لم يبرح.و ( عرض ): ناحية وجانب.و ( الشقائق ): جمع شقيقة، وهي أرض غليظة بين رملتين.وقوله ( طوفها ) معناه لم تزل تطوف فيه.و ( بغامها ): صوت تختلسه اختلاسا.فأراد إنها تطوف وتبغم متلددة إذا فقدت ولدها.ويقال للذكر من أولاد البقرة فرقد، وجمعه فراقد ؛ ويقال للأنثى فرقدة.ويقال للذكر أيضا بحزج وللأنثى بحزجة.ويقال للذكر أيضا بَرغَز وبُرغُز، وللأنثى بَرغزة وبُرغُزة.ويقال للذكر أيضا جُؤذُر، وللأنثى جُؤذُرة، وللجمع جآذر.قال الشاعر:

إنّ من يدخل الكنيسة يوماً. . . . . . . .يَلقَ فيها جآذاراً وظباءَ

وقال العجاج:

وكلَّ عيناءُ تُزَجِّي بَحزَجا

وقال عمرو بن أحمر:

يُهِلُّ بالفرقدِ رُكبانُها. . . . . . . .كما يُهِلُّ الراكب المعتمرْ

وفي الفرقد قولان: يقال هو ولد البقرة، ويقال هو النجم.ويقال للذكر من أولاد البقر: ذرع.قال الأعشى:

كأنَّها بعد ما أفضَى النجادُ بها. . . . . . . .بالشَّيِّطَين مَهاةٌ تبتغي ذَرَعَا

وخنساء نعت الوحشية، والطوف رفع بيرم، والبغام نسق عليه.

( لمعَفَّرٍ قَهْد تَنازعَ شِلْوَهُ. . . . . . . .غُبْسٌ كَواسبُ لايُمَنُّ طعامُها )

المعفر: الذي يترك من الرضعة والرضعتين حتى يستمر، وذلك إذا أرادت أمه أن تفطمه ؛ وهو التعفير.و ( القهد ): ضرب من الضأن تصغر آذانهن تعلوهن حمرة ؛ والجمع قهاد.و ( شلوه ): بقيته.وشلو كل شيء: بقيته.ويقال: اشتليت القوم، إذا أدركت شلوهم فاستنقذته.قال الراجز:

أن سليمانَ اشتلانا ابنَ عَلِي

وقال العجاج وذكر الأثافي:

غُبْساً على أشلاءِ هابٍ أغبَسَا

ويقال: ذهبت ماشية فلان وبقيت له شلية ؛ والجمع الشلايا.ولا يقال إلا في المال.و ( الغبسة ): صفرة إلى سواد.و ( كواسب ): ذئاب تكسب ما تأكل.وقوله ( لا يُمن طعامها ) يقول: ليس طعامها من عطاء أحد يمنه، إنما هو كسبها.وقال الأصمعي: المعفر: الذي عفر بالتراب.وقال غيره: يقال عفروا صبيكم عند الفطام، وهي الأم التي ترضعه مرة وتتركه أخرى لتعوده الفطام.ويقال: عرضوا صبيكم إذا ولد، وهي أن تمسحه لكي يمتد وترجع مفاصله.ويقال قد عفرت ولدها، إذا أطعمته الشيء من الطعام مع اللبن عند الفطام.ويقال ( تنازع شلوه ) معناه لحمه.وواحد الغبس أغبس، وهي الذئاب التي تقدم وصفها.واللام صلة يرم، والطعام اسم ما لم يسم فاعله.ويقال اللام معناها من أجل، والتقدير: من أجل معفر.قال الله عز وجل: ( وإنه لحبِّ الخير لشَديد )، معناه من أجل حب المال لبخيل.ويقال: القهد: اللطيف.

( صَادَفْنَ مِنْه غِرّةً فأصبْنَها. . . . . . . .إِنّ المَنَايا لا تَطِيشُ سِهامُها )

صادفن منه، معناه من الفرير، وهو الولد.( فأصبنها ) معناه فأصبن الغرة.ويروى: ( فأصبنه ) على معنى فأصبن الولد.وقوله: ( إن المنايا لا تطيش سهامها ) معناه لا تخف سهامها ولا تحطئ، بل تقصد.وأصل الطيش الخفة، ومنه قولهم: فلان طياش.والمنية لا سهام لها، وإنما هذا مثل.والطيش: أن يخف السهم.ولا يقصد إلا رزين السهام.وما في صادفن يعود على الذئاب، وخبر أن ما عاد من الهاء والألف.

( باتَتْ وأَسبَلَ واكفٌ مِن دِيمةٍ. . . . . . . .يُروى الخمائلَ دائماً تَسجامُها )

أسبل: سال واسترخى.يقال: أسبل إزاره ورفله.ويقال: جاء يجر سبلته، إذا جاء يجر إزاره.وقال أبو زيد: يقال أسبلت السماء إسبالا، وهو المطر، وهو بين السحاب والأرض حين يخرج من السحاب ولم يصل إلى الأرض.والاسم السبل، وهو المطر.قال اوس بن حجر:

وقتَلى كمثل جذوع النخي

لِ يغشاهمُ سَبَلٌ منهمرْ

وقال جرير:

لم ألق مثلَك بعد عهدك منزلً. . . . . . . .فسُقِيتَ من سَبَل السماك سجالا

وقال عمر بن أبي ربيعة:

ألم تَربعْ على الطَّللِ. . . . . . . .ومَغْنى الحيِّ كالخِلَلِ

تعفّى رسمَه الأروا

حُ مَر صَباً مع الشَّمَلِ

وأنداءٌ تباكره. . . . . . . .وجَونٌ واكفُ السَّبَلِ

قوله ( واكف ) يعني المطر يكف عنها.و ( الديمة ): مطر يدوم ويسكن ليس بالشديد.يقال: دامت السماء تديم ديما.وحكى الأصمعي عن بعض الأعراب: ( ما زالت السماءُ ديَمْاً ديَمْاً ).وقال الزاجر:

أنا الجوادُ ابنُ الجوادِ ابنِ سَبَلْ. . . . . . . .إنْ ديَّموا جادَ وإنْ جادوا وبَلْ

وقال أبو زيد ): قال العنبري: ( إن دوموا جاد ).و ( الخمائل ): جمع خميلة، وهي رملة تنبت الشجر وتعشب.وكل ذي خمل خميلة.وقوله ( تسجامها ): صبها.يقال: سجمت عينه، إذا هراقت الدمع.ومعنى البيت: باتت هذه البقرة بعد فقدها ولدها ممطورة تمطرها الديمة.و ( يروى ) صلة الديمة، ودائما نصب على الحال مما في يروى.والتسجام رفع بمعنى الديمومة.

( تَجتافُ أَصْلاً قالصاً مَتنبِّذاً. . . . . . . .بعُجُوبِ أَنقاءٍ يميلُ هَيَامُها )

تجتاف: تدخل فيه تستكن في جوفه، تتجوف أصلا قالصا، أي مرتفعا قد انقلص وليس بمسترسل.يقال قلص يقلص قلوصا.فيقول: اجتافت شجرا قالص الفرع لا يغطيها وهو متنبذ، أي متفرق، ولا يجتمع أصلاه فيكون أكثف له.( عجوب ): مآخيرها، واحدها عجب ؛ وعجب كل شيء: مؤخره.و ( أنقاء ) جمع نقا، وهو ما ارتفع طولا من الرمل.والنقا لا ينبت شيئا إذا طال، إنما تنبت خواصره.و ( الهيام ): ما انهار من الرمل ولم يتمالك.وقال أبو عمرو: القالص: المتنحى من الشجر.وقال غيره: المتنبذ: المتفرق، ويقال هو المتنحى، لأنه من نبذت الشيء، إذا نحيته وطرحته.قال الله عز وجل: ( فَنَبَذُوه وراء ظُهورهم ) أراد: طرحوه.قال الشاعر:

إن الذين أمرتَهم أن يَعدِلوا. . . . . . . .نَبذوا كتابَك واستُحِلَّ المَحْرَمُ

ورواها الاصمعي: ( يجتاف آصل قالص متبدد ).وقال الاصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء وقد اشترى غرشا فقال للذي اشتراه: ( أريد منك عشرة آصل ) يريد جماعة أصل.وآصل كما تقول حبل وأحبل.ويروى: ( تجتاب أصلا ) بالباء، أي تدخل البقرة فيه.يقال جاب فلان الفلاة، إذا دخلها.قال الله عز وجل: ( الذينَ جابُوا الصَّخْرَ بالوادِ ) أراد نقبوا الصخر فدخلوا فيه وابتنوا المساكن.وقال الشاعر:

ظلَّت تجوب يداها وهي لاهيةٌ. . . . . . . .حتَّى إذا جنَح الإظلامُ والغَسَقُ

وقال الآخر:

فلم يَنْج منهم في البحور ملجِّجٌ. . . . . . . .ولم يُنجِ مَن جابَ الصخورَ اجتيابُها

ويقال معنى قوله تجتاب إنها تحفر أصل الشجرة فتقطع عروقها وتفرق ؛ وإنما تفعل ذلك لتوسع لنفسها.ويقال انهار الرمل وانهال بمعنى.وقال بعضهم في قوله ( تجتاف أصلا ): هو مثل قول ذي الرمة:

مَيلاءَ عَن مَعدِن الصِّيران قاصيةٍ. . . . . . . .أبعارُهنَّ على أهدابها كُثَبُ

والمعنى: إنها متنحية عن معظم الشجر، متنحية عن الطريق لتأمن.وتجتاف موضعه نصب في التأويل على معنى باتت مجتافة أصلا.والباء صلة تجتاف.

( يَعلُو طريقةَ مَتْنها مُتواترٌ. . . . . . . .في ليلةٍ كفَرَ النُّجومَ غَمامُها )

معناه: يعلو طريقة متن هذه البقرة متواتر، أي مطر متتابع.وقال أبو عمرو: طريقة المتن: ما بين الحارك إلى الكفل.وقال الأصمعي: المتواتر أن يجيء شيء ثم يكون هنيهة ثم يجيء شيء آخر.يقال: تواترت الإبل والقطا تتواتر تواترا.ويقال واتر فلان كتبه، إذا قطعها.قال الله عز وجل: ( ثمَّ أرسلنا رسلَنا تَتْرى ) فمعناه منقطعة، بيك كل رسولين برهة من الزمان.وقال أبو هريرة رضي الله سبحانه عنه: ( لا بأس بقضاء رمضان متواترا )، يريد: متقطعا.وقال سديف:

حضرُّ الشر يا أمية فأنعَىْ. . . . . . . .عيشَ دنياكِ وائذني بالشَّتاتِ

أنعيمٌ أزمان جَوْرِكِ تترى. . . . . . . .ونعيم أزماننا هيهاتِ

وقوله ( كفر النجوم ) معناه غطاها.يقال كفرت المتاع في الوعاء، إذا غطيته.ويقال: قد كفر على درعه بثوب، إذا ستره.وسمي الكافر كافراً لأنه يغطى نعم الله سبحانه وتقدس وتوحيده.ويقال لليل كافر ؛ لأنه يستر الأشياء بظلمته.قال الراجز:

فوردَتْ قبل انبلاج الفجرِ. . . . . . . .وابنُ ذكاءَ كامنٌ في كَفْرِ

يريد في ستر.والكافور من الطلع من هذا مأخوذ، وجمعه كوافير.وقوله الله تبارك وتعالى: ( أعجبَ الكفَّارَ نباتُه )، معناه أعجب الزراع، وواحد هم كافر.وإنما قيل للزراع كافر لأنه إذا ألقى البذر في الأرض غطاه بالتراب.ويقال في قوله ( يعلو طريفة متنها ): هي اللحمتان عن يمين الصلب ويساره ؛ وهي السليلة ايضا.ويقال الطريقة الجدة.والجدة: الخطة، وجمعها جدد.قال الله عز وجل: ( ومِن الجبال جُدَدٌ بِيضٌ ).والغمامة: السحابة، وجمعها غمام.ويروى: ( متواترا ) بالنصب.فمن رفعه رفعه بيعلو وقال: هو المطر ؛ ومن نصبه نصبه على الحال من الضمير الذي في يعلو، وهو من ذكر الرمل الهيام.

( وتُضيءُ في وَجْهِ الظَّلامِ مُنِيرَةً. . . . . . . .كجُمَانة البَحْرِيِّ سُلَّ نِظامُها )

قوله ( وتضيء ) يعنى البقرة من شدة بياضها.يقال أضاءت النار تضيء إضاءة، وضاءت تضوء ؛ وهو الضَّوء والضُّوء.وقال الأصمعي: سُرق لأعرابي شيء فقال: ( اللهم ضوئ عنه ).قوله ( منيرة ): مضيئة.يقال: أنار الشيء فهو منير، ونار فهو نير.ووجه الظلام: أوله، وكذلك وجه النهار.قال الشاعر ):

من كان مسروراً بمقتل مالك. . . . . . . .فليأتِ نِسوتنا بوجه نهارِ

وقوله ( كجمانة البحري ): خريزة تعمل من فضة.قوله ( سل نظامها ) معناه خيطها، فخرت تهوى.وهذا مثل قوله:

وهَي عِقدُها فارفضَّ منها الطَّوائفُ )

ومثله قوله:

لآلئَ منحدرات صِغارا

ومثله:

كاللؤلؤ المسجورِ أغفِل في. . . . . . . .سِلك النِّظام فخانَه النَّظْمُ

وقال أبو عمرو: ( كجمانة ) أراد اللؤلؤة، فشبه البقرة بها في بياضها.وقال غيره: سل نظامها، لأنها إذا سقطت من الخيط كان أضوأ لها.ومعنى البيت أن هذه البقرة كلما تحركت في الليل اشرق لونها، فهي كالدرة التي انقطع سلكها فسقطت.فجعل الدرة هاهنا جمانا.ويقال الجمانة تتخذ من الفضة على هيئة اللؤلؤ.ومنيرة نصب على الحال مما في يضيء، والكاف منصوبة لمنيرة على النعت.

( حتّى إذا حَسَر الظَّلامُ وأَسفَرَتْ. . . . . . . .بكَرَتْ تَزِلُّ عن الثَّرَى أَزلامُها )

حسر الظلام: ذهب.وأسفرت: صارت في سفر الصبح.وسفره: بياضه وإضاءته.والثرى: التراب المبتل.يقال: لا توبس الثرى بيني وبينك، أي لا تذهب ما بيننا من المودة.قال جرير:

فلا توبسوا بيني وبينكم الثرى. . . . . . . .فإنّ الذي بيني و بينكمُ مُثرِي

فيقول: أصبحت قوائمها من خفتها لا تثبت على الأرض من الطين.وأزلامها: قوائمها التي كأنها قداح.وهذا مثل.والأزلام: القداح والسهام، واحدها زُلم وزَلم.قال الشاعر:

بات يقاسيها غُلامٌ كالزَّلَمْ. . . . . . . .مُهفهَفُ الجنبين خَفَّاقُ القدمْ

وقال:

تعدو إذا حُرِّك مجدافُها. . . . . . . .عَدْوَ رَباعٍ مفردٍ كالزَّلَمْ

والأزلام مرتفعة ببكرت، وتزل في موضع نصب في التأويل على الحال، والتقدير: بكرت زالة عن الثرى.

( عَلِهَتْ تَرَدَّدُ في نِهاء صُعائدِ. . . . . . . .سَبعاً تُؤَاماً كاملاً أَيّامُها )

العله: خفة من جزع.يقال عله الرجل يعله علها، إذا خف من جزع أو شتم أو شيء يؤذيه.قال الراجز:

كجنَب العَلْهَى إلى رئالها

والعله: الجزوع، وهو الذي تقول العرب هلع.ورواه الأصمعي:

علهَتْ تَلَدَّدُ في شقائق عالجٍ. . . . . . . .سِتاًّ به حتَّى وفَتْ أيَّامُها

تلدد: تردد.يقال فلان يتلدد، إذا كان يأخذ مرة في شق ومرة في شق آخر.واللديدان: جانبا العنق.ولديدا الوادى: جانباه.واللدود: دواء يصب في أحد شقي الفم، فيرى إنه سمى لدودا لأنه يصب في جانبي الفم.و ( النهاء ): جمع نِهْى ونَهْى، وهو المكان له حاجز ينهى الماء أن يفيض.ويقال هو التنهية وجمعها التناهي.ولم يعرف أبو عمرو نِهْى بالكسر، وعرفه غيره.وقال بعضهم: النهى جمعه أنه، والأنهاء جمع أنه.وليس كذلك، إنما الأنهاء جمع نِهْى ونَهْى، كما تقول عدل وأعدال، وحبر وأحبار.وقوله ( سبعا تؤاما ) معناه سبع ليال بأيامهن.والتوأمان: الاثنان، والجمع توائم وتؤام.والنهاء عندى جمع أنه، كما تقول عبد وأعبد، والعباد جمع الأعبد.و ( صعائد ): مكان.ويروى: ( علقت تبلل ).فمعنى علقت جعلت ؛ يقال علق فلان يفعل كذا وكذا، وجعل وقعد وعبا.والتبليل: لزوم الأمر والدوام عليه.ويقال العله والوله: ذهاب العقل.ويقال معنى تبلل: تغنى وتطرب في البكاء على ولدها.أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:

ينفّرن بالحِيَحاءِ شاءَ صُعائدٍ. . . . . . . .ومن جانب الوادي الحمام المبِّللا

قال: المبلل: الدائم الهدير، وهو دعاؤه.والهدير: القرقرة.وقال ابن أحمر في العله - وهو ذهاب العقل -:

وخَيلٍ يَعْلَه الداعي إليها. . . . . . . .متى ركب الفوارس أو مَتى لا

( أو متى لا )، يقول: أو متى لم يركبوا.وتردد موضعه نصب في التأويل، على معنى علهت مترددة.والأيام رفع بكامل.

( حتّى إذا يَئَستْ وأَسحَقَ حالقٌ. . . . . . . .لم يُبْلِهِ إِرضاعُها وفطِامُها )

معناه إذا يئست من ولدها.ورواه الأصمعي: ( حتى إذا ذهلت ).قال أبو عبيدة: ذهلت: سليت ونسيت.وأنشد لكثيّر:

صحا قلبُه يا عزَّ أو كاد يَذْهَلُ

أي يسلى.وقال أبو عمرو: يقال ذهَلْت وذهِلْت.و ( أسحق ): أخلق، كما يخلق الثوب.ويقال صوب سُحق وسَحق، إذا أخلق وانجرد.والحالق: الضرع الملآن.يقال: أصبحت ناقتك حالقا وحاقلا.قوله ( لم يبله إرضاعها وفطامها ) أي لم يبله أن أرضعت وفطمت، ولكنها ثكلت فحزنت وتركت العلف فغرزت، أي انقطع لبنها.يقال أرضعت ترضع إرضاعا فهي مرضعة ومرضع، والجميع مراضيع ومرضعات.وقد رضع الولد يرضع، ورضع يرضعُ رَضاعا ورِضاعا ورَضاعة ورِضاعة ورَضعا.قال الراجز:

داوِيَّةً شَقَّتْ على اللاعي الشَّكعْ. . . . . . . .وإنَّما النَّوم بها مثل الرَّضِعْ

يا ليتَ لي نَعلينِ من جلد الضَّبُعْ. . . . . . . .وشُرُكاً من أستها لا تَنْقطعْ

كلَّ الحذاءِ يجتذِي الحافي الوقعْويقال: أسحق: بلى ؛ أي قل لبن الضرع.ويقال: حلق الضرع فهو حالق، وأسحق فهو مُسحق.ولم يبله إرضاعها وفطامها صلة حالق.

( وتسمَّعَتْ رِزَّ الأَنيِس فراعَها. . . . . . . .عن ظَهر غَيب والأَنيسُ سَقَامُها )

ويروى: ( وتوجست ركز الأنيس )، أي تسمعت البقرة صوت الأنيس فأفزعها ولم تر الناس.والرّز والرّكز: الصوت الخفي.قال الله عز وجل: ( أوْ تسمعُ لهم رِكْزاً ) أراد صوتا خفيا.وأخبر أنها أحست الناس.عن ظهر غيب، معناه من وراء حجاب، أي تسمع من حيث لا ترى.وقوله ( والأنيس سقامها ) معناه هلاكها، أي يصيدها.وفاعل تسمعت ضمير البقرة، وفاعل راعها ضمير الرّزّ.

( فَغدَتْ كِلاَ الفرجَينِ تَحسِنُ أَنّه. . . . . . . .مَولَى المَخَافَةِ خَلْفُها وأَمامُها )

غدت من الغدو.وخبر أنها خائفة من كلا جانبيها، من خلفها وأمامها.و ( الفرج ): الواسع من الأرض.والفرج أيضا: الثَّغر.والثَّغْر: موضع المخافة، والفروج هي الثغور، قال حارثة بن بدر:

على أحَد الفَرجَين كان مؤمَّري

أي على سجستان وخراسان.وكان على عهد الحجاج يقول: ( استعملتك على الفرجين والمصرين، وعمان والبحرين ).يريد: هي تحسب أن خلفها مخافة وأمامها كذلك.قوله ( مولى ) معناه أولى بالمخافة، وولى المخافة.قال الله عز وجل: ( النّارُ هي مَولاَكم ) أراد هي أولى بكم.وقال سبحانه وتعالى: ( وأنَّ الكافرين لا مولَى لهم ).وكلا في موضع رفع بما عاد من الهاء التي في قوله ( أنه ) في قول الكسائي.وقال الفراء: موضع كلا رفع بموضع تحسب، لأنه عاد بذكر كلا، وذكرها الهاء التي مع أن.ومثله من مسائل النحو: عبد الله ظننت إنه قائم، قال الكسائي: عبد الله يرتفع بما عاد من الهاء، لأن أن كالصلة للظن، وتقديره عبد الله ظننته قائما.وقال الفراء: عبد الله رفع بموضع ظننت، لعودته بذكر عبد الله، ولأن أن لا يعرب ما بعدها ما قبلها.ومولى المخافة مرتفع لأنه خبر أن، وخلفها وأمامها يرتفعان بالترجمة عن الفرجين، معناه هما خلفها وأمامها.قال ذو الرمة:

وصحراءَ يَحمى خلفُها ما وراءها. . . . . . . .ولا يَخْتطيها الدَّهرَ إلاَّ مُخاطِرُ

ويروى: ( فعدت ) بعين غير معجمة، على إنه فعلت من العدو.

( حَتَّى إذا يئسَ الرُّماةُ وأَرسلُوا. . . . . . . .غُضْفاً دَواجنَ قافلاً أَعصامُها )

معناه: حتى إذا يئس الرماة من البقرة أن تنالها نبلهم.وقال أبو عبيدة وقطرب: يكون يئس بمعنى علم، واحتجا بقول الله عز وجل: ( أفلم يَيْأس الذين آمنوا أن لو يشاءُ اللهُ لهدَى النَّاسَ جميعا )، وقالا: معناه أفلم يعلم الذين آمنوا.واحتجايقول سحيم بن وثيل اليربوعي:

أقول لهم بالشِّعب إذ يأسِرونني. . . . . . . .ألم تَيْأسوا أني ابنُ فارسِ زَهدمِ

أراد: ألم يعلموا.واحتج قطرب بقول الآخر:

ألم ييأس الأقوامُ أنى أنا ابنُه. . . . . . . .وإنْ كنتُ عن أرض العشيرة نائيا

وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: ( أفلم يتبيَّن الذين آمنوا )، ويروى بيت سحيم: ( إذ يأسرونني ) و ( ييسرونني )، فيأسرونني من الأسر، وييسرونني: يقتسمونني، مأخوذ من الميسر.وقال أبو عبيد: قال القاسم بم معن: وهوازن تجعل يئست بمعنى علمت.قال أبو عبيد: ويحكى عن الكلبي إنه قال: هي لغة وهبيل حي من النخع.ويجوز أن يكون يئس في بيت لبيد بمعنى علم.يريد: حتى إذا علم الرماة انهم لا ينالونها.وقال الفراء: معنى بيت لبيد: حتى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا.فهو معناه حتى إذا علموا أن ليس له وجه إلا الذي رأوا وأرسلوا كان ما سواه يأسا.وقال الفراء في قول الله عز وجل: ( أفلم ييأس الذين آمنوا ): أفلم ييأسوا، علما منهم بأن لو شاء الله سبحانه لهدى الناس جميعا، أي يوئسهم العلم ؛ لأن الله عز وجل قد أوقع إلى المؤمنين إنه لو شاء الله لهدى الناس جميعا، فكان فيه العلم مضمرا، كما تقول في الكلام: يئست منك ألا تفلح علما، كأنك قلت علمته علما.وأنكر الكسائي أن يكون يئس بمعنى علم، وقال: لم أسمع أحدا من العرب يقول يئست بمعنى علمت.قال: ولكنه عندي يخرج معناه من اليأس نفسه، وذلك أن يكون لمَّا سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا تسير به الجبال أو تكلم به الموتى اشرأب له المؤمنون لأن يفعل الله تبارك وتعالى ذلك فيؤمن المشركون، فأنزل الله عز وجل: ( أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاءُ الله لَهَدى الناسَ جميعا ) بمعنى: أفلم ييأسوا من ذلك علما منهم بأن لو يشاء الله تعالى لفعل ذلك.فأضمر العلم.ومعنى بيت لبيد: لما يئس الرماة أن تبلغها سهامهم أرسلوا غضفا، أي كلابا مسترخية الآذان، واحدها أغضف.ويقال الغضف: إدبار الأذن إلى الرأس وانكسار طرفها إلى الرأس.والكلاب كلها غضف.يقال غضفت أذنه تغضف غضفا، وقد غضفها يغضفها غضفا.ويقال للحية إذا تطوى: قد تغضف.ويقال قد تغضف البئر على من فيها فقتلتهم.وقال بعض أهل اللغة: إذا كان الاسترخاء في الأذن خلقة فهو غضف ؛ فإن أرخاهما ولم يكن ذلك خلقة فهو غاضف.و ( الدواجن ): المعودة للصيد.وقوله ( قافلا أعصامها ) معناه يابسة قلائدها التي في أعناقها.وإنما جعلها كأنها ربط القرب.وعصام القربة: ما شدت به.ويقال قفل جلده يقفل قفولا وقفلا، إذا يبس.وجواب حتى إذا ( أرسلوا )، والواو مقحمة، كما قال تعالى: ( حتَّى إذا جاءوها وفُتحتْ أبوابُها )، أراد: فتحت أبوابها، فأقحم الواو.وقال بعض النحويين: أرسلوا نسق على يئس، والجواب محذوف، أراد: حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا ظفروا ولحقوا ؛ فحذف الجواب لمعرفة المخاطبين به.وقال بعض النحويين: واحد الأعصام عصام، وقال: هو جمع على غير قياس.وقال غيره: واحد الأعصام عصم.وقال: هو في الجمع بمنزلة قولك قُفل وأقفال، وبرد وأبراد.

( فَلَحِقْنَ واعتَكَرتْ لها مَدْرِيَّةٌ. . . . . . . .كالسَّمْهَريَّةِ حَدُّها وتَمامُها )

فلحقن، معناه فلحقت الكلاب هذه البقرة فرجعت البقرة عليهن تطعنهن.قوله ( اعتكرت ) معناه رجعت.يقال فلان عكار في الحرب، أي عطاف.( مدرية ) يعنى البقرة لها مدرى، أي قرن.و ( السمهرية ): القناة الشديدة.يقال اسمهر الأمر، إذا اشتد.واسمهرت ليلته.وكل شديد مسمهر.قال الشاعر:

والليلةِ الأخرى التي اسمَهرَّتِ

وقال بعض أهل اللغة: السمهرية: الرماح الطوال المستوية.والكاف في موضع رفع على النعت لمدرية.وحدها وتمامها يرتفعان على الاتباع لمدرية.

( لِتذُودَهُنَّ وأَيْقَنَتْ أن لم تَذُدْ. . . . . . . .أَنْ قَدْ أَحَمَّ مَع الحتوفِ حِمامُها )

لتذودهن: لتطردهن وتمنعهن.قال الله عز وجل: ( امرأتينِ تَذُودان )، أي تحبسان الغنم.وقال الشاعر:

وقد سَلبَتْ عصاك بنو تميم. . . . . . . .فما تدرى بأي عَصاً تذودُ

ويروى: ( أجم من الحتوف ).فأحم مع الحتوف حمامها، معناه حان حمامها وحتفها من بين الحتوف.فيقول: قد علمت أن لم تطرد الكلاب أن أجلها قد حضر.وكل ما كان قد حان وقوعه يقال فيه أجم، بجيم معجمة.قال الشاعر:

حيِّيا ذلك الغزال الأجمَّا. . . . . . . .أنْ يكن ذا كمُ الفراق أجَمَّا

وقال زهير:

وكنتُ إذا ما جئت يوماً لحاجةٍ. . . . . . . .مضَتْ وأجمَّت حاجة الغَدِ ما تَخلُو

وقال علي بن الغدير:

فإن قريشاً مُهلَكٌ من أطَاعها. . . . . . . .تُنافس دُنيا قد أجمَّ انصرامُها

وأحم، بحاء غير معجمة، معناه قدِّر.والحمام: القدر، واحدته حمَّة.يقال: عجلت بنا وبكم حمة الفراق.قال الشاعر:

ألا يا لَقوم كلُّ ما حُمَّ واقعُ. . . . . . . .وللطَّير مَجرىً والجُنوب مَصارعُ

وقال الآخر:

أعززْ علىّ بأن أروِّع شبهها. . . . . . . .أو أن يذُقنَ على يديَّ حماميا

وقال أبو عبيدة: أجم وأحم واحد.وقال أبو عبيد: أحم هذا الأمر، وحَم وحُمَّ.وأما أجمَّ فليس فيه إلا لغة واحدة.واللام في قوله ( لتذودهن ) صلة لقوله ( واعتكرت )، يريد: واعتكرت لكي تحبسهن.وأن منصوبة بأيقنتْ.

( فتقَصَّدَتْ منها كَسَابِ فَضُرِّجَتْ. . . . . . . .بدَمٍ وغُودرَ في المَكَرِّ سُحَامُها )

فتقصدت منها كساب، معناه قصدت البقرة التي يقال لها كساب فضرجتها بالدم، أي لطختها.قال الشاعر:

كليبٌ لعمرِي كان أكثرَ ناصراً. . . . . . . .وأيسَرَ جُرماً منك ضُرّجَ بالدمِ

ويقال: تقصدت معناه قصدت نحو البقرة من الكلاب كلبة يقال لها كساب.يقال قصد فلان فلانا، إذا تعمده.وأقصد فلان فلانا، إذا قتله.ومنه قولهم: أقصدت المنية فلانا: قتلته.قال الشاعر:

فإن تكن المنيَّة أقصدتْه. . . . . . . .وحُمَّ عليه بالتَّلَف القضاءُ

وقال الآخر:

خَودٌ إذا كثُر الكلامُ تعوَّذَت. . . . . . . .بحِمَى الكلام وإن تَكَلَّم تَقْصِدِ

وقوله ( غودر ) معناه ترك.وسمى الغدير غديرا لأن السيل غادره.يقال غادرت الشيء وأغدرته، إذا تركته.أنشدنا أبو العباس عن ابن الاعرابي، لابي محمد الفقعسي:

هل لك والعائض منك عائضُ. . . . . . . .والحبُّ قد تَعرضُه العوارضُ

في هجمة يُغْدِر منها القابضُ

ومعناه: ترك أخوها سحام قتيي.ويقال: بقي لساعي بني فلان غدر، أي شيء يبقى من الصدقة.وكساب موضعها نصب بتقصدت، أي قصدت البقرة كساب.ويجوز أن تكون في موضع رفع على معنى قصدت كساب نحو البقرة فطعنتها البقرة.ويروى: ( فتقصدت منها كساب ) أي قصدت كساب، وهي الكلبة.وكساب مخفوضة في كل حال، لأنها بمنزلة قطام وحذام.قال النابغة:

أتاركةٌ تَدلّلَها قَطَامِ. . . . . . . .وضِنّاً بالتَّحية والسَّلامِ

وإنما ألزمت الكسر لأن معناها الأمر أكسب، فكان حكمها التسكين، فكسرت لأن المجزوم إذا حرك حرك إلى الخفض.ويقال إنما كُسرت لأنها معدولة عن كاسبة إلى كاسب، وهي مع العدل مؤنثة، والأسماء المؤنثة لا تنصرف، فلما اجتمع فيها مع التأنيث العدل عن جهتها حطوها منزلة فألزموها الكسر.وأهل الحجاز يلزمونها الكسر في كل حال.وبنو تميم يجعلونها بمنزلة زينب فيقولون: قامت قطامُ، ورأيت قطامَ، ومررت بقطامَ.

( فبِتلكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوامعُ بالضُّحَى. . . . . . . .واجتْابَ أَؤدِيةَ السَّرابِ إِكامُها )

فبتلك، معناه فبتلك الناقة أقضى اللبانة.وقوله: ( رقص اللوامع ) معناه لوامع الآل تراها كأنها تنزو.والآل يكون بالضحى، وهو يرفع كل شيء.والسراب يكون نصف النهار، وهو الذي يلزق بالأرض.اجتاب: لبس.شبه السراب بالأردية.ويقال: قد أرقص القوم في سيرهم، إذا ارتفعوا وانخفضوا.قال الراعي:

وإذا ترقَّصت المفازةُ غادرتْ. . . . . . . .ربِذاً يُبغِّل خلفَها تبغيلا

ترقصت: ارتفعت وانخفضت، وإنما يرفعها ويخفضها السراب.والربذ: الخفيف السريع.والتبغيك: ضرب من السير.والإكام: جمع أكمة، وهي المكان المرتفع.والباء صلة أقضى.

( أَقْضِي اللُّبانةَ لا أُفرِّطُ رِيبةً. . . . . . . .أَو أن تَلُومَ بحاجة لُوَّامُها )

اللبانة: الحاجة.( لا أفرط ريبة ) معناه لا أدع ريبة تنفذني حتى أحكمها.والتفريط: الإنفاذ والتقديم.والريبة: الشك وما يريبك.ويقال رابني الأمر يريبني، إذا حققت منه الريبة.وأرابني، إذا توهمت منه الريبة.قال الشاعر:

أخوكَ الذي أن ربتَه قال إنَّما. . . . . . . .أرَبْتَ وإنْ عاتبتَه لأن جانبُه

يقول: أتثبت فلا أتقدم في الحاجة قبل أن أستثيرها، وقبل أن آتي أمرا تكون عاقبته لائمة، أي لا أتقدم على أمر أشك فيه.قوله ( أفرط ) معناه أقدم.يقال: فرط الفارط في طلب الماء، إذا تقدم فيه.قال الله عز وجل: ( لا جَرَم أن لهم النَّارَ وأنَّهم مُفْرَطون )، أراد: مقدمون إلى النار معجلون إليها.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنا فرطكم على الحوض )، أراد: أنا أتقدمكم إليه.وقال الشاعر:

فأراد فارطُهم غَطاطاً جُثَّماً. . . . . . . .أصواتُه كتراطُنِ الفُرسِ

الغطاط: ضرب من القطا.ويقال معنى قوله ( لا أفرط ريبة ): أمضى في الحاجة ولا أقصر فيها وأفرط في إمضائها وقضائها شكا وارتيابا.ويروى: ( أقضى اللبانة أن أفرط ريبة ) فمعناه لأن لا أفرط ريبة، فاكتفى بأن من لا، كما قال الله عز وجل: ( يبيَّن الله لكمْ أن تَضِلوا )، أراد لأن لا تضلوا، فاكتفى بأن من لا فأسقطها.ومن رواه ( لا أفرط ) أراد لأن لا أفرط، فحذف أن واكتفى بلا منها ورفع المستقبل بفقد الناصب.ويجوز في العربية: لا أفرط ريبة على إضمار أنْ، كما قال الشاعر:

احفظْ لسانك لا تقولَ فتُبتَلي. . . . . . . .إنّ البلاءَ موكَّلٌ بالمنطقِ

( أَوَ لم تكُنْ تَدرِي نَوَارُ بأَنّني. . . . . . . .وصَّالُ عَقْدِ حبائلٍ جَذَّامُها )

جذام: قطاع، أي أصل في موضع المواصلة من يستحقها، وأقطع من يستحق القطيعة.نوار: امرأة من بني جعفر.والباء توكيد للكلام، معناه: أو لم تكن تدري نوار أنني.والهاء التي مع جذام تعود على الحبائل.

( تَرَّاكُ أَمكنةٍ إذا لمْ أَرْضَها. . . . . . . .أَو يَعَتَلِقْ بعضَ النُّفوِس حِمامُها )

ويروى: ( أو يرتبط )، ويروى: ( أو يعتقى )، ومعنى يعتقى يحتبس، وكذلك يرتبط.يقال اعتقيته عن حاجته، أي حبسته.وقوله ( بعض النفوس حمامها ) أراد نفسه، لأن نفسه بعض أنفس الناس.وقال أبو عبيدة: معناه كل النفوس، لأن الموت لا ينزل ببعض النفوس ولكنه ينزل بالنفوس كلها.وترَّاك يرتفع بوصال وجذام.

( بَلْ أَنتِ لا تَدْرِينَ كَمْ مِن ليلةٍ. . . . . . . .طَلْقٍ لذيذٍ لهوُها ونِدامُها )

قوله ( ليلة طلق ) أراد طلقة، ولكنه وصفها بأمر طلق.ويقال: إنما ذكر طلقا لأنه مشبه بالمصدر، كما تقول امرأة عدل وفطر وصوم.ويقال: يوم طلق وليلة طلقٌ وطلقة، إذا لم يكن فيهما برد ولا ريح ولا مطر.قال الشاعر:

فليسَتْ بطَلْقٍ ولا ساكِرهْ

أي ساكنة.يقال: سكرت الريح تسكر، إذا سكنت وركدت.وسكر الشارب يسكر.و ( الندام ): المنادمة.يقال نادمت الرجل منادمة ونداما.واللهو رفع باللذة.

( قدْ بتُّ سامِرَها وغايَةِ تاجرٍ. . . . . . . .وافَيتُ إِذْ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدامَها )

قوله ( سامرها ) معناه سامرا فيها.و ( غاية تاجر ) أي راية تاجر يبيع الخمر فينصبها ليعلم موضعه.وإنما سميت غاية لأن أهل الجاهلية كانوا ينصبون راية للخيل تسمى الغاية، فإذا بلغها الفرس قيل: قد بلغ الغاية.فصارت مثلا.قال عنترة:

رَبذٍ يداه بالقداح إذا شَتَا. . . . . . . .هتَّاكِ غايات التجار ملوَّمِ

أي يشتي ما عندهم من الخمر فيحطون راياتهم.وقال أبو ذؤيب:

ولا الراح راح الشَّام جاءت شَبيئةً. . . . . . . .لها غايةٌ يَهدِي الكِرامَ عُقابُها )

والعقاب: الراية ايضا، فلما اختلف اللفظان جمع بينهما وحسن ذلك.قوله ( يهدى ): يدل.يقول: أن رايتها مشهورة اهتدى إليها من أرادها لجودتها ؛ لأنه إنما ينصب الغاية للخمر من قد عرفت خمره بالجودة.ثم تجعل الغاية علامة في غير الخمر.فيقال للشيء الجيد: هو غاية من الغايات، أي هو علامة في جنسه.قال الشماخ:

رأيت عَرابةَ الأوسيَّ يَنمِي. . . . . . . .إلى الخيرات مُنقِطعَ القرينِ

إذا ما غايةٌ رُفعتْ لمجدٍ. . . . . . . .تَلقَّاها عَرابةُ باليمينِ

قوله ( وافيت ) معناه وافيت الغاية.وقال أبو عمرو: ( وغاية تاجر ) معناه وغاية سومه، أي منتهى ما يستام، وافيت سومه.وقوله ( إذ رفعت ) معناه إذ رفعت في الثمن.و ( عز ): ارتفع وعلا.يقول: أشترى الخمر إذا كانت غالية عزيزة.و ( المدام ) والمدامة: الخمر التي أديمت في مكان حتى عتقت، أي داومته ولازمته.وإنما سميت الخمر مداما لأنها أسكنت في دنها، أي سُكنت، من التسكين.يقال أدم قدرك، أي سكَّن من غليانها.قال النابغة الجعدي:

تفور علينا قِدْرُهم فنُديمها. . . . . . . .ونَفثؤها عَنَّا إذا حَمْيُها غلا

قوله ( نفثؤها ): نسكَّنها.وروى ابن الأعرابي: ( عاليت إذ رفعت ).ويروى: ( وغاية تاجر ) بالنصب.فمن نصب نصب بوافيت، ومن خفض أضمر رب.

( أُغْلِي السِّباءَ بكُلِّ أَدكنَ عاتِقٍ. . . . . . . .أَو جَونةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ ختامُها )

السباء: شراء الخمر.يقال قد سبأ الخمر، إذا اشتراها.وقال أبو عبيدة: يقال سبأت الخمر، إذا اشتريتها فشربتها.ولا يقولون للذي يشتريها للبيع سبأها، ولا يقال للخمارين سبئوها.قال الشاعر:

باكرتُهم بسباءِ جَونٍ ذارعٍ. . . . . . . .قَبلَ الصَّباح وقبل لَغو الطائر

الجون: الزق الأسود.والذارع: العظيم الكثير الأخذ من الأرض إذا وضع فيها.ولغو الطائر: تطريبه في الغلس.ويقال للزق العظيم: السباء.وقال الأعشى:

وسبيئةٍ ممَّا تعتِّق بابلٌ. . . . . . . .كدم الذَّبيح سلبتُها جريالَها

الجريال: صبغ أحمر ؛ شبه بون الخمر به.وأخبر أبو عمرو العنزي قال: حدثني قتيبة بن حمان الباهلي، وإسماعيل بن يحيى اليزيدي قالا: حدثنا المؤرج بن عمرو السدوسي قال: حدثني سعيد بن سماك بن حرب عن أبيه قال: حدثني يونس بن متى راوية الأعشى، وكان نصرانيا من أهل الحيرة قال: سألت الأعشى عن قوله:

وسبيئةٍ مما تعتِّق بابلٌ. . . . . . . .كدم الذَّبيح سلبتُها جريالَها

فقال: شربتها حمراء، وبلتها بيضاء.وقال بعض أهل اللغة: معنى قول الأعشى ( سلبتها جريالها )، أي شربتها وهي حمراء فصار لونها في وجهي، فكأني سلبتها إياه.وأخذ هذا المعنى أبو نواس فقال:

لا تَبكِ ليلى ولا تطربْ إلى هند. . . . . . . .واشربْ على الورد حمراءَ كالورد

كأساً إذا انحدرْ في حَلْق شاربها. . . . . . . .أجْدَتْه حُمرتَها في اللَّون والخدّ

وقول لبيد ( بكل أدكن ) معناه بكل زق أدكن.( أو جونة ): أو خابية سوداء.( قدحت ) معناه غرفت.والقدح: الغرف ؛ والقدحة: الغرفة.وأنشد:

لنا مِقدحٌ منها وللجار مِقدِحُ

ويقال للمغرفة المقدحة.وقال: إنما يغرف منها لأنها تثقل أن تميل.وقوله: ( وفض ختامها ) معناه خاتمها.و ( عاتق ): عتيق.ويقال: عاتق، معناه لم يفتحه أحد غيرنا، كالجارية العاتق.وقال أبو عبد الله بن الأعرابي: قدحت، معناه بزلت.ومن هذا قدح العين: استخراج الماء منها.وأغلى موضعه رفع في اللفظ ونصب في التأويل على الحال من التاء في وافيت.وقال أبو جعفر: قدحت وفض ختامها مقدم ومؤخر، معناه فض ختامها وقدحت، فقدم بعض الأخبار وهو مؤخر في المعنى، وإنما أراد فض ختامها فسال في الباطية ثم قدح من الباطية.ومنه قول الله عز وجل: ( إني مُتوفِّيك ورافِعُكَ إليَّ )، أي رافعك إليَّ ومتوفيكَ.

( باكرتُ حاجتَها الدَّجَاجَ بسُحرةٍ. . . . . . . .لأَعِلَّ مِنْها حِينَ هَبَّ نيامُها )

ويروى: ( أن يهب ).ويروى: ( بادرت لذتها ).وقوله ( باكرت حاجتها ) معناه حاجتي في الخمر.قال المسيب:

فتسلَّ حاجتَها إذا هي أعرضَتْ. . . . . . . .بجُلالةٍ سُرح اليدين وَسَاعِ

أي تسل حاجتك فيها.و ( الدجاج ) أراد الديوك.أي بادرت صياحها.( لأعل ): لأروى نفسي.والعلل: الشرب الثاني.يقال علَّ يعِلُّ ويعُلّ.وهي ابل عالة، ورجل عال ولا يقال معل.ويقال عللت غيري أعل، وعُللت أعل، وتميم تضم المستقبل فتقول عل يعُل، وقيس تكسر فتقول علَّ يعلّ.وقال بعض أهل اللغة: نصب الدجاج على الوقت، أراد: في وقت صياح الدجاج.فأقام الدجاج مقام الصياح فنصبه، كما قال الآخر:

وفُرُشاً محشُوَّةً إوَزّا

أراد: محشوة ريش إوز، فحذف الريش وأقام الإوز مقامه.وواحد الإوز إوزة، وهي طائر كبير.وقال جرير:

لما تذكرَّت بالدَّيرَين أرَّقني. . . . . . . .صوتَ الدَّجاج وقرعٌ بالنواقيس

أراد: أرقني انتظار صوت الدجاج.والدجاج: الديوك.يخبر إنه رجل مسافر ينتظر أن تصيح الديوك فيسير.وقوله ( حين هب نيامها ) معناه حين انتبه نيامها.يعنى إنه ذهب بليل.ونصب الدجاج على الوقت، والناصب له باكرت.

( وغَداةَ رِيحٍ قج كشَفْتُ وقِرَّةِ. . . . . . . .إِذْ أَصبحَتْ بِيَدِ الشَّمالِ زِمامُها )

وغداة ريح، معناه: ورب غداة ريح قد كشفت الجوع بالقرى.وقوله ( وقرة ) معناه وبرد.يقال يوم قر وليلة قرة.والقر والقرة: البرد.ويقال شمال قَرة بفتح القاف.ويروى: ( قد وزعت ) فمعناه قد كففت ورددت.قال الله عز وجل: ( فهم يُوزَعون )، أي يُحبس أولهم على اخرهم حتى يدخلوا النار.وقال الشاعر:

كفى غِيَر الأيَّام للمرء وازعَا. . . . . . . .إذا لم يقر ريا فيصحوا طائعا

وقوله ( إذ أصبحت بيد الشمال ) معناه إذ أصبحت في الغداة الريح بيد الشمال زماما.يريد هي شمال.وإنما يصف شدة البرد والجوع.أي أطعمت إذا كان أغلب الأرواح ريح الشمال.والقرة تختفض بالنسق على الريح، واسم أصبحت مضمر فيه من ذكر الغداة.يريد: إذ أصبحت الغداة.ويجوز أن يكون فيه ضمير من الريح، ويجوز أن يكون فيه من القرة ضمير.والزمام مرفوع بالباء.كما: تقول أصبحت بيدك الأمر والنهى.

( بصَبوحِ صافيةِ وجَذْبِ كَرِينةٍ. . . . . . . .بموَتَّرٍ تأْتالُه إِبهامُها )

ويروى: ( بسماع مدجنة )، ويروى: ( بسماع صادحة ).و ( المدجنة ): التي تسمع في يوم الدجن.ومنه قول طرفة:

وتقصيرُ يوم الدَّجن والدَّجْن مُعجِبٌ. . . . . . . .ببهكَنةٍ تحتَ الطراف المعمَّدِ

و ( الكرينة ): ذات الكران.والكران: البربط.قوله ( بموتر )، معناه بعود موتر.( تأتاله إبهامها ) معناه تئوله وتصلحه وتعمله.ويقال هو آئل مال، إذا كان يقوم عليه.قال الراجز:

جاءت به مُرَمَّدا مامُلاً. . . . . . . .مانئ آلٍ خَمَّ حين ألَّى

يصف أن امرأته ملت له لحما فلم تجد صنعته.وقوله مانئ ما صلة وتأويله نئ آل، أي عامل، والأصل فيه آئل فقدم اللام وأخر الياء، كما قال الله تعالى: ( جُرف هارٍ )، أراد هائر.ويقال آل معناه مقصر، من قولهم: ما ألوت في الأمر، أي ما قصرت فيه.وقال أبو العباس: مانئ آل، معناه نئ شخص، خم حين قصر عامله في عمله.قوله ( مامُلا ) معناه إنه لما قصر فيه كان بمنزلة ما لم يعمل.قال بعضهم: تأتاله معناه تسوسه.والباء التي في الصبوح من صلة وزعت.يريد: كففت الجوع والبرد بصبوح خمر صافية، وغناء مغنية.والكرينة جمعها كرائن.والأصل في تأتاله تأتوله فصارت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.والصادحة: المغنية ؛ يقال قد صدح الحمام، إذا غنى.قال الشاعر:

لقد هاجَ لي شوقي بكاءُ حمامةٍ. . . . . . . .مطوَّقةٍ ورقاءَ تصدحُ في الفجرِ

( ولقد حَمَيتُ الحيَّ تحمِلُ شِكَّتي. . . . . . . .فُرُطٌ وشِاحِي إِذْ غدوتُ لجامُها )

شكتي: سلاحي.فرط: فرس متقدمة.والفرط في غير هذا: الأكمة والجبل، وجمعه آكام ؛ يقال: البُوم تنوح على الإفراط.ويقال فرطت الرجل تفريطا، إذا كففت عنه وأمهلته في كلام وغيره.وفرط فلان على فلان فروطا فهو يفرط، أي عجل عليه بما يكره.قال عز وجل: ( أنْ يَفرط علينا أو أن يطغى ).ويقال: آتيك فرط يوم أو يومين، أي بعد يوم أو يومين.ويقال: أفرط مزادته إفراطا، إذا ملأها.وأفرط الرجل يفرط إفراطا، إذا جاوز القدر.وفرط يفرط تفريطا، إذا ضيع وعجز.وقوله ( وشاحي لجامها ) معناه أن الفرسان كان أحدهم يتوشح اللجام ليكون ساعة يفزع قريبا منه.وتوشحه إياه: أن يلقيه على عاتقه ويخرج يديه منه.وقوله ( حميت الحي )، معناه منعتهم.وتحمل موضعه رفع في اللفظ بالتاء، ونصب في التأويل على الحال من التاء.وفرط رفع بتحمل، والوشاح رفع باللجام.وروى بعض الرواة: ( وصبوح صافية ) وروى بعده: ( باكرت حاجتها الدجاج ) وروى بعد باكرت: ( وغداة ريح ).

( فعَلَوتُ مُرتَقِباً على ذِي هَبْوةٍ. . . . . . . .حَرِج إلى أعلامهنَّ قَتامُها )

ويروى: ( على مرهوبة ).( مرتقبا ) معناه يرقب أصحابه.وروى الأصمعي: ( فعلوت مرتقبا )، أي علوت موضعا يرتقب فيه على جبل ذي هبوة.و ( الهبوة ) والإهباء: الغبرة وإثارة الغبار.و ( مرهوبة ): أرض مخوفة.ويروى:

فعلوت مرتقباً إلى ذي هبوة

وقوله ( حرج إلى أعلامهن ) معناه دائم إلى أعلامكن قتامها وثابت معهن.يقال حرج الموت بآل فلان، أي لصق وثبت.والحرِج والحرَج أيضا: الشديد الضيق.قال الله عز وجل: ( يَجْعَلْ صدره ضيقاً حرجاً )، و ( حَرِجاً )،، أي شديدا.والقتام رفع بمعنى حرج.

( حتّى إذا أَلقَتْ يَداً في كافرٍ. . . . . . . .وأَجَنَّ عَوراتِ الثُّغور ظَلامُها )

ألقت، يعنى الشمس، أضمرها ولم يذكرها، كما قال الأخطل:

ولقد علمتُ إذا العشِارُ تروّحَتْ. . . . . . . .هَدَجَ الرّئالِ تكبهنَّ شَمالا

أراد: تكبهن الريح شمالا.ومعنى قوله ( ألقت يدا في كافر ): بدأت في المغيب.ومن ذلك يقال: وضع فلان يده في كذا وكذا، إذا بدا فيه.ومن ذلك: رجل قد ضبغ يده في الدماء، أي ألقى نفسه في ذلك.وقال: أخذه ذو الرمة منه فقال:

وأيدي الثريَّا جُنَّحٌ في المغاربِ

وليس للثريا يد وليس للشمس يد.وأخذه لبيد من ثعلبة بن صعير، جاهلي قديم أقدم من جد لبيد:

فتذكَّرا ثَقلاً رثيداً بعدما. . . . . . . .ألقَتْ ذُكاءُ يمينَها في كافرِ

قوله ( ثقلا ) أراد بيض النعامة.والرثيد: المنضود.يقال رثد فلان متاعه يرثده.يقال تركت فلانا مرتثدا، أي ناضدا متاعه.وذكاء هي الشمس.ويرى إنها سميت ذكاء لأنها تذكو كما تذكو النار.و ( الكافر ): الليل ؛ لتغطيته الأشياء بظلمته.ويقال: قد كفر بثوب فوق درعه.و ( أجن ): ستر.يقال: أجنه الليل إجنانا، وجن عليه يجُنّ ويجِنُّ جنوناً.إذا قالوا أجن لم يأتوا بعلى، وإذا قالوا جن أدخلوا على.وقال أبو عبيدة: يقال جنَّه الليل يجنه جنونا.قال: ويقولون جنّه جنانا.وينشد بيت دريد بن الصمة الجشمي:

ولولا جَنانُ الليل أدركَ ركضُنا. . . . . . . .بذي الرِّمث والأرطَى عياضَ بنَ نَاشبِ

ويروى ( ولولا جنون الليل ).وربما عدوا الفعل مع سقوط الألف وعلى فقالوا: جنَّه الليل يجُنُّه ويجِنّه.قال الشاعر:

يوصّل حبلَيه إذا الليلُ جَنَّه. . . . . . . .ليرقَى إلى جاراته بالسَّلالمِ

والاختيار إدخال على إذا سقطت الألف.قال الله عز وجل: ( فلمَّا جَنَّ عليه اللَّيلُ ).و ( عورات الثغور ): المواضع التي تأتي المخافة منها.يقال مدينة معورة، إذا كان فيها مكان يتخوف منه.وكل مكان يتخوف منه فهو ثغر وفرج.قال الشاعر:

كنتَ المدافعَ عن أرومتنا. . . . . . . .والمستماحَ ومانعَ الثّغرِ

وقال بعض أهل اللغة: معنى البيت: ربأت أصحابي نهاري حتى إذا ألقت ناقتي يدها في الليل.يريد حتى إذا جن عليَّ الليل.قال: ففي ألقت ضمير من الناقة.والذي عليه أكثر أهل العلم أن الإلقاء للشمس، وإنه كنى عن غير مذكور، لبيان المعنى، كما قال طرفة:

على مثلها أمضى إذا قال صاحبي. . . . . . . .ألا ليتني أفديكَ منها وأفتدى

أراد: على مثل هذه الناقة أمضى إذا قال صاحبي ألا ليتني أفديك من هذه الفلاة.والعورات حكمها أن تجمع بفتح الواو، كقولهم نخلة ونخَلات، فأسكنت الواو كراهة أن تحرك إلى الفتح وقبلها فتحة فتصير الواو ألفا لانفتاح ما قبلها.ومن العرب من يفتح الواو فيقول عورة وعورات، وجوزة وجوزات ؛ والأولى أكثر.

( أَسهلْتُ وانتَصَبَتْ كجِذعِ مُنيفة. . . . . . . .جَرداءَ يَحصَرُ دُونَها جُرّامُها )

أسهلت معناه نزلت من مرقبتي إلى السهل، فنصبت عنقها من نشاطها ومرحها، ولم يكسرها وقوف يومي عليها - يعني الفرس - أي لم يضرها طول مقامها.وهذا مثل قول امرئ القيس:

فلما أجنَّ الشمسَ منى غُؤورُها. . . . . . . .نزلْتُ إليه قائماً بالحضيضِ

أي ثابتا.وقوله ( منيفة ) معناه نخلة طويلة مشرفة.ويقال ناقة نياف، إذا كانت طويلة مشرفة.ويقال للسَّنام نوف ؛ لإشرافه.ويقال أناف فلان على الشيء، إذا أشرف عليه.قال طرفة:

وأنافتْ بهوادٍ تُلُعٍ. . . . . . . .كجذوع شُضِبتُ عنها القُشُرْ

وقوله ( يحصر ) معناه تضيق صدورهم من هولها.والحصر: الضيق.يقال حُصِر، إذا دخل مدخلا يمنعه من الخروج.ومنه قيل للسجن: حصير، لأنه محجوب عن أعين الناس.قال الشاعر:

بنى مالك جارَ الحصيرُ عليكمُ

ويقال: قد أحصر الرجل، إذا أصابه أمر منعه من المضي، من قول الله عز وجل: ( فإنْ أحصِرتُم ).والحصر: احتباس البطن.والأسر: احتباس البول.و ( الجُرام ): الصُّرام.والجِرام: الصّرام.ومنه قولهم: حول مجرَّم، أي قُطع فأمضى.( جرداء ): انجرد كربها وليفها.وإنما يريد تضيق صدور الجرام أن يرتفعوا.إليها لطولها.ويحصر مرفوع في اللفظ بالياء وهو مخفوض في المعنى على النعت لمنيفة.

( رفَّعتُها طَرَدَ النَّعامِ وفَوقَهُ. . . . . . . .حَتَّى إذا سَخُنتْ وخَفَّ عِظامُها )

معناه رفعتها في السير.وفوقه، معناه: وفوق الطَّرد.سخنت، معناه: سخن عظامها، أي عرقت فخفَّت للعدو.ومثله قول الجعدي:

كَلِباً من حِسِّ ما أن مَسَّه. . . . . . . .وأفانينِ فؤادُ مُحتَمَلْ

معناه محتمل غضبا.وأراد بقوله ( عظامها ) أعضاءها ؛ كقوله: أعطه أكرم عظم في الجزور، فيعطيه الجزور.ويقال سخِنَتْ وسخُنت وسخَنت، وسخِن الماء وسخُن وسخَن، وسخِنت عين الرجل بالكسر لا غير.وقال بعض أهل اللغة: الطرد: دون الحضر الشديد.يريد إنه خب بها ثم أحضر بها.والطرد منصوب على المصدر، كما تقول: أقبل زيد ركضا.

( قَلِقتْ رِحالتُها وأَسبَلَ نَحرُها. . . . . . . .وابتلَّ مِن زَبَدِ الحميمِ حِزَامُها )

الرحالة: سرج كان يعمل من جلود الشاء بأصوافها، يتخذ للجري الشديد.و ( أسبل نحرها ) معناه عرقت فخفت للعدو.وأسبل: سال.و ( الحميم ): العرق.والحميم أيضا: الماء الحار في غير هذا.والحميم أيضا: القريب.يقول: أسرعت فقلقت رحالتها، وليس ذلك من ضمر.وقال بعض أهل اللغة: الرحالة: شبيه بالسرج لاقر بوس له ولا مؤخرة ؛ وربما كان من أدم، وربما كان من لبود، وربما كان من بُجد.وقلقت جواب حتى إذا.

( تَرقَى وتَطعُنُ في العِنَانِ وتنتحِي. . . . . . . .وِردَ الحَمامةِ إِذْ أَجَدَّ حَمامُها )

ترقى، معناه تصعد.و ( تطعن في العنان ): تعتمد فيه.و ( تنتحي ): تعتمد كأنها حمامة قد جدت حين جد حمامها في الطيران.يقال جد في الأمر وأجد، إذا انكمش فيه.ومصدر جد: جداًّ، ومصدر أجدَّ: إجداداً.ويقال: هو جاد مجد.ويروى: ( تشري وتطعن في العنان ).ويقال: ( إذا كان لك صديق فلا تُشاره ولا تماره ) ؛ فمعنى تشاره تغاضبه.وتأويل تشرى: تحمى وتزيد وتجد.ومعنى تُماره تجادله حتى تستخرج غضبه.يقال مريت الناقة أمريها مريا، إذا استخرجت لبنها.والحمام يذكَّر ويؤنَّث.قال جران العون في تذكيره:

وكنت أراني قد صَحوتُ فهاجَني. . . . . . . .حَمامٌ بأبواب المدينة تهتِفُ

على شُرفات الدار لا دَرّ دَرُّه. . . . . . . .ولا دَرّ أصواتٌ له كيف تَشعَفُ

وقال الآخر في التأنيث:

يَهيج علىَّ الشَّوقَ كلَّ عشيَّة. . . . . . . .حَمامٌ تداعَتْ غُدوةً بهديلِ

و ( ورد الحمامة ) نصب على المصدر.

( وكثيرةٍ غُرَباؤُها مَجْهولةٍ. . . . . . . .تُرجَى نوافِلُها ويُخْشَى ذامُها )

قوله ( وكثيرة غرباؤها ) معناه وقبة أو جماعة كثير غرباؤها.أي كثير نُزاعها وطلاب الحوائح إليها.وعنى بمجهولة الغرباء.وقال أبو عمرو: هذه خطة اجتمعوا فيها على باب ملك جهلوها ولم يعرفوا جهتها.يريد نزل بهم أمر شديد.وقال أبو جعفر: معناه ومرتبة كثيرة غرباؤها.وقال: هو كقول الشماخ:

ومرتبة لا يُستقال بها الرَّدَى. . . . . . . .تَلافَى بها حلمي عن الجهل حاجزُ

وقوله ( ذامها ): عيبها.يقال ذممت الرجل أذمه ذما، وذمته أذيمه ذيما، وذأمته أذأمه ذأماً.أنشد الفراء:

تَعافُ وصالَ ذات الذَّيم نفسي. . . . . . . .وتُعجِبني الممنَّعة النَّوارُ

وقال أبو عمرو: الذَّان والذام: العيب.وأنشد:

بها أفنُها وبها ذانُها

وقال الآخر:

بها أفنها وبها ذامُها

يقول: أن فلجت خرجت بفضل، وان فُلج عليّ بقى عليّ عار.وقال بعض أهل اللغة: إنما عنى بقوله ( وكثيرة غرباؤها ) قبة النعمان.وجعلها كثيرة الغرباء لأنهم يفدون عليه من كل ناحية.قال: وهذا يحقق مناضلة النعمان الربيع بن زياد العبسي يوم فاثور.والغرباء يرتفعون بمعنى الكثرة، والهاء التي مع الغرباء تعود على القبة المنزولة.

( غُلْبٍ تَشَذَّرُ بالذُّحولِ كأَنّها. . . . . . . .جِنُّ البَدِيِّ رواسياً أَقدامُها )

قوله ( غلب ) معناه تلك الوفود كأنها فحول غلب.( تشذر بالذحول ) معناه تقمطر وينتصب بعضهم لبعض، يصف به القوم، بمنزلة تشذر الناقة، وهو عقدها ذنبها.وقوله ( بالذحول ) معناه للذحول، كما يقال: قد تشذر لي فلان بالبغضاء، يريد للبغضاء.والغلب: الغلاظ الرقاب.قوله ( رواسيا أقدامها )، معناه ثابتة أقدامها.والجبل الراسي هو الثابت.يقال أرسيت الوتد، إذا أثبته.ويقال للأنجر: المرسى ؛ لأنه تثبت به السفينة.وقال أبو جعفر: تشذر معناه يوعد بعضها بعضا كتشذر الفحولة بعضها لبعض: ويقال: قد تشذر لي فلان، إذا أوعدني وتهددني.وقال بعض أهل اللغة: الأغلب: الجاسي العنق لا يلتفت من شدته.قال: وهذه صفة الأسد.يقال قد غلب يغلب غلبا شديدا.قال العجاج:

ما زلت يومَ البيت ألوِى صَلَبِي. . . . . . . .والرأسَ حتَّى إضْتُ مثل الأغلبِ

ويروى: ( غلب تشازر ).وتشازرهم: نظر بعضهم إلى بعض بمآخيرهم أعينهم.و ( البدى ): واد لبني عامر.ويقال تشذر البعير: عقده عنقه وخطره.وقوله ( إضت ) معناه صرت.وغلب يختفض بالنعت لكثيرة، لأن المعنى وجماعة غلب.

( أَنكرتُ باطلَها وبؤْتُ بحقّها. . . . . . . .يوماً ولم يفخَرْ علىَّ كِرامُها )

ويروى: ( وبؤت بحقها عندي ).وقوله ( وبؤت بحقها ) معناه وانصرفت به.جاء في الحديث: ( باء طلحة بالجنة )، أي انصرف بها.وقال أبو عمرو: بؤت معناه اعترفت.قال الله عز وجل: ( فباءوا بغضَب على غَضَب ) فمعناه احتملوا الغضب.قال الشاعر:

نصالحكم حتَّى تبوءوا بمثلها. . . . . . . .كصَرخة حُبلَى واجهتْها قبيلُها

أراد: قابلتها.وقال أبو عمرو: الهاء تعود على الخطة.وقال أبو جعفر: الهاء تعود على المرتبة.وقال: معنى قوله ( أنكرت باطلها ): أنكرت فخر من فخر علىَّ بالباطل.وقال: معنى قوله ( وبؤت بحقها ): ورجعت بحقها، أي بحقي، لأني فخرت بحق.وقال غيره: أصل الفخر الارتفاع والتعظم.يقال دار فاخرة، أي مرتفعة عظيمة.وناقة فخور: عظيمة الضرع.قال القطامي:

وتراه يفخر أن تَحُلَّ بيوتُه. . . . . . . .بِمَحَلَّة الزَّمِرِ القصير عنانا

أي يرفع نفسه أن تحل بيوته بمحلة الزمر، وهو الناقص المروة.يقال رجل زمر المروة، أي ناقصها.وقوله ( لم يفخر عليَّ كرامها ) معناه لم يكن للكرام منهم عليّ فخر في شيء يسبقونني فيه، لأني أنكرت ما فخر به الوفود من الباطل.ويقال بؤت بالأمر أبوء به بواء، وأبأت على فلان حقه أبيئه إباءة.ولم يفخر نسق على أنكرت، لأن المستقبل مع لم بتأويل الماضي.

( وجَزُورِ أَيسارٍ دعَوتُ لحتْفها. . . . . . . .بمَغَالقٍ مُتشابهٍ أعلامها )

الجزور: التي جزرت، أي نحرت.والجزرة بمنزلتها.و ( الأيسار ): الذين يضربون على الجزور بالقداح، واحدهم ياسر ويسر.وقد يسر ييسر.والميسر - وهو القمار - من هذا مأخوذ.و ( المغالق ): القداح التي تُغلق الرهن، واحدها مغلق ومغلاق، ويقال واحدها مغلق.ويروى ( متشابه أجسامها )، أي بعضها يشبه بعضا، وهي على قدر وحد ؛ لأن القدح لو عظم شيئا لندر في اليد.ويقال واحد الأيسار يسير.ويقال للذي لا يدخل في الميسر: برم، وجمعه أبرام.قال متمم بن نويرة:

ولا بَرَمٍ تُهدى النساءُ لعرِسِه. . . . . . . .إذا القَشْع من رِيح الشتاء تقعقعا

و ( الأعلام ): العلامات، واحدها علم.والجزور خفض بالواو التي تخلف رب.والباء صلة دعوت، والهاء الأولى تعود على الجزور، والثانية على المغالق.

( أَدعُو بهنَّ لِعاقرٍ أو مُطْفِلٍ. . . . . . . .بُذِلَتْ لجِيرانِ الجميعِ لحامُها )

أدعو بهن، معناه أدعو بهذه المغالق لأيسر بها على ناقة عاقر، أي لا تلد.وناقة مطفل: معها ولد صغير.والعاقر أسمن، والمطفل أغلى.و ( اللحام ): جمع لحم، يقال لحم وألحم، ولحمان، ولحام.ورجل لحيم شحيم، إذا كان كثير اللحم والشحم.ورجل شاحم لاحم، إذا كثر عنده اللحم والشحم.ورجل شحم لحم، إذا كان قرما إلى الشحم واللحم.ويروى: ( بذلت لجيران العشي )، أي لمجالسنا بالعشي ؛ نتذمم أن يرجعوا ولم نعشهم.وقال بعض أهل اللغة: العاقر: العجوز التي لا تحمل.والمطفل: التي لها طفل.واللام على هذا التفسير الثاني معناه من أجل.أي أدعو بهن من أجل عاقر.ولم تدخل في مطفل الهاء لأنه فعل لا حظ للرجل فيه.

( فالضَّيفُ والجارُ الغريبُ كأَنَّما. . . . . . . .هَبَطا تَبَالةَ مُخْصِباً أَهضامُها )

يقول: هم من الريف في مثل تبالة، أي الذي هم فيه مثل الذي فيه أهل تبالة من الخصب.ومثل من الأمثال: ( ما نزلت تبالة لتحرم الأضياف ).و ( الأهضام ): بطون منهضمة، واحدها هضم، وفيها نخل كثير.يقول: فإذا نزل بهم الضيف صادف عندهم من الخصب والفواكه والرطب ما يصادفه بتبالة إذا هبطها.وإنما يعنى نفسه، أي إذا نزلا علىّ.وتبالة قريبة من الطائف، وهي مخصبة.ويروى: ( فالضيف والجار الجنيب ).و ( الجنيب ): الغريب، وهو بمنزلة الجانب والجنب.قال الله تبارك وتعالى: ( والجار الجُنُب )، وقال الشاعر:

ما ضرَّها لو غَدَا بحاجتنا. . . . . . . .غادٍ كريمٌ أو زائرٌ جُنُبُ

ومخصبا نصب على الحال من تبالة، والأهضام رفع بمعنى مخصب.

( تَأْوِي إلى الأَطنابِ كُلُّ رَذِيّةِ. . . . . . . .مِثلِ البَليّةِ قالصٍ أَهدامُها )

الرذية: المرأة التي قد أرذاها أهلها، أي ألقوها.فيقول: منزلنا معان من الأضياف وذوى الحاجات.والمعان: المعروف.و ( البلية ): ناقة الرجل تعقل عند قبره، وتطرح حقيبتها على رأسها.قال الشاعر:

كالبلايا رءوسَها في الولايا. . . . . . . .مانحاتِ الهجيرِ حُرَّ الخُدودِ

والولايا: جمع ولية، وهي البرذعة.وقال بعضهم: البلية: الناقة تعكس على قبر صاحبها إذا مات.والعكس والرَّكس هو أن يشد رأسها إلى يديها.يقال عكسها وركسها.والعِكاس والرّكاس: الحبل.وقال أبو عمرو: البلية التي تبلى على صاحبها، أي تعقل عند قبره، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت.وربما حفر للبلية، وربما أحرقت بالنار ).قال: وإنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم كانوا يقولون: يحشر عليها صاحبها.وأنشد:

تُرزمُ من عِرفانه الخليَّهْ. . . . . . . .يجيءُ يوم الوِرد كالبليَّهْ

بئس جميعُ الحُرّة الحَيِيَّهْ

شبهه بها من هزاله.وقوله ( قالص أهدامها ) معناه متشمرة أخلاقها التي عليها.وواحد الأهدام هدم ؛ وهو الهدمل.و ( الأطناب ) هي حبال الفسطاط.( قالص ): تحسرت لأنها خلقان تقطعت، في قول أبي جعفر.وقال: الرذية: التي أرذاها الدهر والهزال.وقوله ( مثل ) و ( قالص ) نعتان للرزية.والأهدام رفع بمعنى قالص.

( ويُكلِّلون إذا الرِّياحُ تَنَواحَتْ. . . . . . . .خُلُجاً تُمَدُّ شَوَارِعاً أَيتامُها )

التكليل: نضد اللحم بعضه على بعض فوق الجفان.( تناوحت ): تقابلت نهب الصبا وتقابلها الدبور، وتهب الجنوب وتقابلها الشمال.قال متمم بن نويرة:

نِعم القتيلُ إذا الرِّياحُ تناوحتْ. . . . . . . .حَولَ البيوت قتلتَ يا ابن الأزورِ

قوله ( خلجا ) معناه جفانا كالخلج، جمع خليج، وهي تخلج من البحر ليست بمعظمه.فشبه الجفان بها.وأصل الخلج الجذب والصرف.يقال خلجت المهر عن أمه، أي صرفته وجذبته.وناقة خلوج: خلج عنها ولدها بموت أو ذبح، أي فصل.تمد بالطعام، أي يزاد فيها.( شوارعا ): يشرعون فيها يأكلون.شبه ما في الجفان بما في البحر.وقال الأصمعي: أراد كأن القصعة خليج من الوادي، ويقال خليج من النهر.وإنما سمى النوائح نوائح لأن كل واحدة تقابل صاحبتها.وشوارعا نصب على الحال من الضمير الذي في تمد من ذكر الخلج.والأيتام رفع بمعنى شوارع.

( إِنَّا إذا التقَت المَجَامعُ لم يَزَلْ. . . . . . . .مِنَّا لِزازُ عَظِيمةِ جَشَّامُها )

لزاز عظيمة، أي يلز بها وهو مطيق لها.ورواها الأصمعي: ( جسامها ) بالسين غير معجمة، أي ركاب معظمها.يقال تجسم كذا وكذا، أي ركب معظمه.وتجشمه: تكلفه.ويقال: فلان لزاز شر ولز شر.ويروى: ( لزاز عظيمة حسامها ) بحاء غير معجمة، أي قطاعها.يقال قد حسمت هذا الأمر، أي قطعته.قال الشاعر:

والعزُّ في حسم المطامع كلها. . . . . . . .فإن استطعتَ فمتْ وأنت نبيلُ

وجشامها نعت للزاز عظيمة.

( ومُقَسِّمٌ يُعطِى العَشيرةَ حَقَّها. . . . . . . .ومُغَذْمِرٌ لحُقوقها هَضَّامُها )

مقسم، معناه يعطى ويقسم.ورواه الأصمعي: ( يعطى العشيرة حقها وحقيقها ومغذمر ).حقها: ما يحق عليه أن يحميه.و ( مغذمر ) هو من الغذامير، وهو أن يرمى الكلام بعضه على بعض ويستخف به ولا يصلحه ولا يتنوق فيه.قال الراعي:

فأبصرتُهم حتى تعرَّض دونهم. . . . . . . .نُشوزٌ وحادٍ ذو غَذاميرَ صَيدحُ

يقول: يرمى ببعض الكلام على بعض ويستخف به.فقال: هذا يفعل بحقوق عشيرته وتركها للناس وحطم بعضها على بعض، ما يفعل هذا بالكلام، أي يستخف بالحقوق ؛ ويجيز عشيرته ذاك.وقوله ( هضامها ): كسارها.يقال: أهضم له من حقك، أي اكسر له.ومن ثمة قيل رجل هضوم الشتاء، أي يكسر ما له في الشتاء.ومنه هضيم الحشا.ويقال كشح أهضم.ويقال: في الأرض هضوم، إذا كانت مطمأنات.ومنه قصب مهضم.ومنه ما تهضمه المعدة.ويقال للجوارش هاضوم.وقال أبو جعفر: المعنى إنه يعطى عشيرته حقها الواجب ثم يفرق بعد نصيبه عليها فيهضمه لها، مثل قول عنترة:

يُخْبرْكِ مَن شهِد الوقيعةَ أنَّني. . . . . . . .أغشَى الوغَى وأعفُّ عند المَغْنَمِ

أي لا آخذ منه شيئا أفرقه على أصحابي.قال: ومغذمر، معناه ومغذمر حقه لها، أي لعشيرته.يقول: أعطيها حقي بعد حقها.قال: والمغذمر: الذي يعطى الشيء ولا يلتفت إليه ولا يبالي به، كالذي يغذمر في الكلام.وروى: ( ومغثمر ) بالثاء، ومعناه كمعنى المغذمر.يقال غثمر غثمرة، مثل غذمر غدمرة.والمقسم نسق على لزاز عظيمكة، وكذلك المغذمر.والهضام نعت المغذمر.واللام صلة هضام.

( فضلاً وذو كَرَمٍ يُعِينُ على النَّدَى. . . . . . . .سَمْحٌ كَسوبُ رغائبٍ غَنَّامُها )

معناه يفعل ذلك رغبة في الفضل.( سمح ): سهل.و ( الرغائب ): الكثير من المال.( غنامها ): يغنمها ويصيبها.وقال بعضهم: معناه يكسب الرغائب من المحامد ويغتنمها لكي يذكر بالمحامد.وذو كرم نسق على لزاز عظيمة.وقال بعضهم: معناه وفينا ذو كرم.وقال آخرون: معناه: وهو ذو كرم.

( مِنْ مَعْشرٍ سَنَّتْ لهمْ آباؤُهمْ. . . . . . . .ولكلِّ قومٍ سُنّةٌ وإِمامُها )

قوله ( من معشر )، معناه هؤلاء الذين ذكرت من معشر هذه العادة فيهم سنة.و ( لكل قوم سنة ) معناه سن لهم آباؤهم سنة وعلَّموهم مثال السنة.والإمام: المثال.قال الشاعر:

أبوه قبلَه وأبو أبيهِ. . . . . . . .بنَوْا مَجْدَ الحياةِ على إمامِ

معناه على مثال.والإمام: الكتاب والرسول.قال الله عز وجل: ( يومَ ندعُو كُلَّ أناس بإمامهمْ ).والإمام: الطريق الذي يؤتم به.قال الله تبارك وتعالى: ( وإنَّهما لبإمام مُبين ).والإمام نسق على السنة، والهاء تعود عليها.

( لا يَطبَعُونَ ولا يَبُورُ فِعَالُهمْ. . . . . . . .إِذْ لا تَميلُ مَعَ الهوَى أَحلامُها )

قوله ( لا يطبعون )، معناه لا تدنس أعراضهم.والطبع: الدنس.يقال طبع السيف، إذا دخله مثل الجرب من شدة الصدأ.وطبع الرجل فهو طبع، إذا أتى عيبا.يقال: نعوذ بالله من طمع يدنى إلى طبع، أي إلى دنس.قال الأعشى يمدح هوذة بن عليّ:

له أكاليلُ بالياقوت فصَّلَها. . . . . . . .صَوَّاغُها لا ترى عيباً ولا طَبَعا

وقال الآخر:

لا خير في طمعٍ يُدنى إلى طَبَع. . . . . . . .وغُفَّةٌ من قَوَامِ العيش تكفيني

وقوله ( لا يبور فعالم ) معناه لا يهلك.يقال: قد بار الطعام، إذا كسد وهلك.ويقال: ( نعوذ بالله من بوار الإيم )، أي من كسادها.قال الله عز وجل: ( يَرجُونَ تجارَةً لنْ تَبور ).ويقال: رجل بائر، ورجل بور، ورجال بور، وامرأة بور.قال ابن الزبعري:

يا رسولَ المليكِ أن لساني. . . . . . . .راتقٌ ما فتقْتُ إذْ أنا بُورُ

وقال الآخر:

همُ أوتُوا الكتابَ فَضَيَّعوه. . . . . . . .فهمْ عُمْىٌ عن التوراة بُورُ

يقول: فلا يهلك فعالنا في الحمد فيذهب، بل يذيع فيبقى ذكره.وقوله ( لا يميل مع الهوى أحلامها ) معناه أحلامهم تغلب هواهم، فليسوا ممن يميل مع الهوى أو يتكلم به.والهاء التي في الأحلام تعود على القوم، أي أحلام جماعتها.

( فبنَى لنا بيتاً رفيعاً سَمْكُهُ. . . . . . . .فَسَمَا إليه كَهلُها وغُلامُها )

معناه: فبنى لنا هذا الفعل بيتا.يقال فاعل بنى ضمير من ذكر الله تعالى.قوله: ( سمكه ): شرفه.وسما، معناه ارتفع.

( فاقنَعْ بما قَسَمَ المَلِيكُ فإِنَّما. . . . . . . .قَسَمَ الخلائقَ بيننا عَلاَّمُها )

ويروى: ( فإنما قسم المعايش ).و ( الخلائق ): الطبائع، واحدتها خليقة ؛ وكذلك النحائت، واحدتها نحيتة.والهاء تعود على الخلائق.و ( العلام ) هو الله تبارك وتعالى.والمعايش لا تهمز، لأن الياء عين الفعل، ووزنها مفاعل.وإنما تهمز من هذا ما كان الياء فيه زائدة كقولهم فعيلة وفعائل.وربما همزت معائش وشبهت بفعائل.

( وإِذَا الأَمانةُ قُسِّمَتْ في مَعْشرٍ. . . . . . . .أَوفَى بأَعظَمِ حَقِّنا قَسَّامُها )

ويروى: ( بأوفر حظنا ).و ( أوفى )، معناه ارتفع.ويقال معناه وفى الذي يقسم لنا وأعطانا أعظم الحظ.ويقال وفيت وأوفيت.قال الشاعر:

أما ابنُ طَوقٍ فقد أوفَى بذمَّته. . . . . . . .كما وفَى بقلاصِ النَّجمِ حاديها

( وَهمُ السعاةُ إذا العَشيرةُ أُفْظِعَتْ. . . . . . . .وهمُ فوارسُها وهُمْ حُكَّامُها )

ويروى: ( إن العشيرة ).قوله ( أفظعت ) معناه حل بها أمر فظيع.ويروى: ( أقطعت ) فمعناه غلبت.والمقطع: المغلوب.وقال بعض أهل اللغة: المقطع: الذي لا ديوان له ولا حيلة.ويقال أقطع بفلان، إذا أصابه أمر عظيم أو مات ظهره.ويقال قطع رحمه قطيعة، وقطعت اللحم قطعا، وقطعت النهر قطوعا.وقطعت الطير قطاعا، وبعض العرب يقول قطاعا، إذا جاءت من ارض إلى أرض.ويقال للقوم إذا جفَّت مياههم: أصابتهم قطعة منكرة.وبالرجل قطع، إذا كان به انبهار.و ( السعاة ): القائمون بأمرهم.وإذا صلة السعاة.

( وهُمُ ربيعٌ للمجاوِرِ فيهمُ. . . . . . . .والمُرْمِلاتِ إذا تطاولَ عامُها )

المرملات: اللواتي لا أزواد لهن.يقال: أقتر الرجل، وأرمل، وأقوى، وأنفض، إذا ذهب زاده.وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:

ومرملو الزّاد مُعنِىّ بحاجتهم. . . . . . . .مَن كان يرهب ذَمّاً أو يقي حَسَبا

وقوله ( وهم ربيع ) معناه هم بمنزلة الربيع للجار الجنب.ويقال أنفض، إذا ذهب زاده.وفي بعض أمثالهم: ( إن النفاض يقطَّر الجلب ) معناه: إذا نفدت ميرتهم وأنفضوا جلبوا إبلهم إلى الأمصار فباعوها.

( وهمُ العَشِيرةُ أن يُبَطِّئ حاسدٌ. . . . . . . .أَو أن يَلُومَ معَ العَدُوِّ لِيَامُها )

ويروى: ( أو أن يلوم مع العدى لوامها ).يقول: هم العشيرة أن يبطئ حاسد عنهم، أو أن يلومهم لائم من عشيرتهم مع عدوهم.وقوله ( أن يبطئ حاشد ) معناه من أن يبطئ حاسد، كما تقول: هو الحصن أن يرام، أي من أن يرام.ويقال: معناه هم العشيرة التي لا يقدر حاسد أن يبطئ الناس عنهم بسوء قول فيهم.( أو أن يلوم مع العدى لوامها )، أي لا يقدر لائم على لومهم من كرمهم.وهذا مثل قول مطرود بن كعب الخزاعي:

يا ليلةً هيَّجَتْ ليلاتي. . . . . . . .إحدى لياليَّ القَسِيَّات

إن المغيراتِ وأبناءَهم. . . . . . . .هُمْ خيرُ أحياءٍ وأمواتِ

أخلَصَهم عِرقٌ لُبَابٌ لهمْ. . . . . . . .مِن لَوْم مَن لامَ بمَنْجاةِ

ويقال: هو الرجل أن قال فيه حاسد ما ليس فيه.وقال أبو جعفر: قوله ( أن يبطئ حاسد ) معناه: هم العشيرة الذين يقومون بأمرنا من أن يبطئ حاسد، فيقول: قد أبطئوا في أمرهم ولم يعجلوا الغوث ؛ حسدا منه لهم.ويروى: ( إن تبطأ حاسد ) ويروى: ( إن تنبط حاسد )، أي استخرج أخبارهم ليجد فيها عيبا فيذكرهم.و ( ليام ): جمع لائم، ولا يجوز همزه كما لا يجوز هم قئام في جمع قائم.و ( العدى ) الاختيار فيه كسر العين إذا لم تكن فيه هاء، وقد تضم وليس ذلك مختارا.فإذا أدخلت الهاء ضمت العين لا غير فقيل: عداة.وأنْ موضعها نصب في قول الفراء بحذف الخافض.ويروى: ( أو أن يلوم مع العداة ليامُها ).

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي