شرح القصائد العشر/معلقة طرفة بن العبد البكري

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

معلقة طرفة بن العبد البكري

معلقة طرفة بن العبد البكري - شرح القصائد العشر

معلقة طرفة بن العبد البكري وقال طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

( لَخِوْلَةَ أَطْلاَلٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ. . . . . . . .تَلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ )

خولة: امرأة من بني كَلْب، والأطلال: واحدها طلل، وهو ما شخص من آثار الدار، وثهمد: اسم موضع، والبرقة والأبرق والبرقاء: كل رابية فيها رمل وطين، أو حجارة وطين يختلطان، فمن أنث ذهب إلى البُقعة، ومن ذكَّر ذهب إلى المكان، وأطلال: يرتفع بالابتداء، وإن شئت بالطرف، وتعلق الباء أن شئت بأطلال وإن شئت علقت الباء والكاف بتلوح، وتلوح: تبدو، يقال: لاح يلوح، إذا ظهر، وألاح إذا لمع، وألاح الرجل بثوبه وسيفه إذا لمع بهما، وإذا علقت الباء بأطلال كان تلوح في موضع نصب على الحال من الذِّكْر الذي في الباء من الأطلال، والكاف في قوله ( كباقي الوشم ) في موضع نصب، والوشم: أن يغرز بالإبر في الجلد ثم يذر عليه الكحل أو النؤور، فيبقى سواده ظاهرا، ويروى ( ظللت بها أبكي وأُبْكِي إلى الغد ) يقال: ظل يفعل كذا ؛ إذا فعله نهارا، ويقال: ظلتُ وظلتُ بمعنى ( ظللْت ) فمن قال ( ظَلْتُ ) بفتح الظاء حذف إحدى اللامين لالتقاء حرفين من جنس واحد، ومن قال ( ظِلت ) بكسر الظاء حذف إحدى اللامين وكسر الظاء ليدل على المحذوفة.

( وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَىَّ مَطِيَّهُمْ. . . . . . . .يَقُولُونَ: لاَ تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَلّدِ )

وقوفا: منصوب على الحال، وهو جمع واقف، كما يقال: جالس وجلوس، والعامل في الحال تلوح أو ظللت في الروايتين، و ( تجلد ) أي كن جليدا، وجلد وجليد بمعنى واحد.

( كَأَنَّ حُدُوجَ المَالِكِيَّةِ غُدْوَةً. . . . . . . .خَلاَيَا سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ )

الحدوج: جمع حدج، وهو مركب من مراكب النساء، ويقال: حدج ؛ إذا ركب الحدج، والمالكية: منسوبة إلى مالك بن سعد بن ضبيعة والخلايا: جمع خلية، وهي السفينة العظيمة، والنواصف: جمع ناصفة، وهي الرحبة الواسعة تكون في الوادي، ودد هنا: موضع، وقال أبو عبيدة: لا يقال للسفينة خلية حتى يكون معها زورق، كأنه شبهها بالخلية من الإبل.فإن قيل: كيف يجوز أن يكون بالنواصف السفين، وإنما النواصف رحاب تكون في الأودية ؟.فالجواب عن هذا أن في البيت تقديما وتأخيرا، والتقدير: كأن حدوج المالكية غدوة بالنواصف من دد خلايا سفين.والباء في موضع الحال، أي كأن حدوج المالكية وهي بالنواصف، ومن: صلة النواصف.

( عَدَوْلِيَّةٍ أو مِنْ سَفِينِ ابْنِ يا مِنٍ. . . . . . . .يَجُورُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْراً وَيَهْتَدِي )

عدولية: منسوبة إلى جزيرة من جزائر البحر يقال لها عدولي أسفل من أوال، وأوال أسفل من عمان، وقال غيره: العدولية منسوبة إلى قوم كانوا ينزلون بهجر ليسوا من ربيعة ولا من مضر ولا من اليمن، وابن يامن: ملاح من أهل هجر، أو تاجر، ويروى ( أو من سفين بن نيتل ) وهو أيضا ملاح من أهل هجر، و ( يجور ) أي يعدل بها ويميل، و ( يهتدي ) يمضي للقصد، وقال ابن الأعرابي: عدولية منسوبة إلى قدم أو ضخم، وعَدَوْلية من نعت السفين، و ( طورا ) منصوب على إنه طرف ؛ لأن معناه وقتا وحينا، وقيل في قوله عز وجل: ( وَقَدْ خَلَفَكُمْ أَطْوَاراً ) أن معناه نطفة ثم علقة ثم مضغة، وقيل: معناه اختلاف المناظر.

( يَشُقُّ حَبَابَ المَاءٍ حَيْزُومُهَا بِهَا. . . . . . . .كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ المُفَايِلُ بِاليَدِ )

حباب الماء: طرائقه، والحيزوم: الصدر، أي يشق حيزومها بها حباب الماء: أي يقطعه ويقسمه كقسمة المفايل الترب، والمفايل: الذي يلعب لعبة الصبيان الأعراب، يقال لها: الفيالُ والمُفايلة وهي تراب يكومونه، أو رمل، ثم يخبؤون فيه خبيئا، ثم يشق المفايل تلك الكومة بيده فيقسمها قسمين، ثم يقول: في أي الجانبين خبأت ؟ فإن أصاب ظفر، وإن أخطأ قمر، والكاف في موضع نصب، وقوله المفايل هو مفاعل من الفأل بالظفر، أو من قولهم ( فال رأيه ) إذا لم يظفر.

( وَفِي الحَيِّ أحْوَى يَنْفُضُ المَرْدَ شَادِنٌ. . . . . . . .مُظَاهِرُ سِمْطَىْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ )

أحوى: ظبي له خطتان من سواد، وإنما أراد سواد مدمع عينه شبه المرأة بالظبي الأحوى، والمرد: ثمر الأراك المدرك، الواحدة مردة، ومعنى ( ينفض ) يعطو ليتناول تحت الأراك فيسقط عليه النفض، والنَّفَضُ: ما سقط من النفضِ، ويقال ( شدن ) إذا قوى، والأم مشدن، والسِّمط: النظم من اللؤلؤ، وقوله ( مظاهر سمطى ) يعني إنه قد لبس واحدا فوق آخر، ومنه ( تظاهرت الأخبار ) أي أتي خبر على أثر خبر، ويجوز ( مظاهر ) بالنصب على الحال.

( خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَباً بِخَمِيلَةٍ. . . . . . . .تَنَاوَلُ أَطْرَافَ البَرِيرِ وَتَرْتَدِي )

الخذول: التي قد خذلت صواحبها وأقامت على ولدها، وهب الخاذل.فإن قال قائل: كيف قال ( وفي الحي أحوى ) ثم قال ( خذول ) والخذول: نعت الأنثى.قيل له: هذا على طريق التشبيه، أراد: وفي الحي امرأة تشبه الغزال في طول عنقها وحسنها وتشبه البقرة في حسن عينيها.وقوله ( تراعي ربربا ) أي ترعى مع ربرب، والربرب: القطيع من البقر والظباء وغير ذلك، وخص الخذول لأنها فزعة ولهة على خشفها فهي تشرئب وتمد عنقها وترتاع لأنها منفردة، وهو أحسن لها، ولو كانت في قطيعها لم يبن حسنها، والخميلة: الأرض السهلة اللينة ذات الشجر، والبرير: ثمر الأراك.

( وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَوِّراً. . . . . . . .تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِ )

أي وتبسم عن ثغر ألمى، أي أسمر اللثات، وهم يمدحون سمرة اللثة لأنها تبين بياض الأسنان، والمنور: الأقحوان الذي قد ظهر نوره، وتخلل: أي دخل في خلله، وحر الرمل: خالصه، وكذلك حر كل شيء، والدعص: الكثيب من الرمل.ومما يسأل عنه في هذا البيت أن يقال: ما يعود على قوله ( ألمى ) ؟ وأين خبر كأن ؟ لأن الهاء في قوله ( له ) تعود على الأقحوان.فالجواب عن هذا أن خبر كأن محذوف، وهو يعود على قوله ألمى، والمعنى كأن مُنورا متخللا حر الرمل دعص له ند هذا الثغر، فحذف لعلم السامع.

( سَقَتْهُ إِيَاةُ الشَّمْسِ إِلاَّ لِثَاتِهِ. . . . . . . .أُسِفَّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بِأَثْمِدِ )

إياة الشمس: ضوءها وشعاعها، ويقال: ( إيا الشَّمْس ) بالقصر، وأياء: إذا كسرت الهمزة قصرت، وإذا فتحت مددت ومعنى سقته: حسَّنته وبيضته وأشربته حسنا، وقيل في قوله: ( سقته إياة الشمس ) من قول الأعراب إذا سقطت سن أحدهم كان يرميها إلى عين الشمس، ويقول: أبدليني سنا من ذهب أو فضة، ومعنى ( أسفَّ ) ذُر عليه، أي أسف بإثمد ( ولم تكدم عليه ) أي لم تعضض عظما فيؤثر في ثغرها ويذهب أشره، والهاء في سقته تعود على الثغر، وكذلك الهاء في ( لثاته )، واللثات: في موضع نصب على الاستثناء، والمضمر الذي في قوله ( أسف ) يعود على الثغر أيضا على قول أهل اللغة، والمعنى عندهم إنه يعود على الثغر وهو يريد اللثات، وليس يمتنع أن يعود على اللثات، وقد يُذكر يحمل على تذكير الجمع، وإنما قالوا إنه يريد اللثات لأنه يريد أن اللثات كأنها ذر عليها كحل، وهم يمتدحون النساء بهذا، وكذلك سمرة الشفة.

( وَوَجْهٌ كَأَنَّ الشَّمْسَ حَلَّتْ رِدَاءَهَا. . . . . . . .عَلَيْهِ، نَقِىُّ اللَّوْنِ، لَمْ يَتَخَدَّدِ )

أي لها وجه، وروى بعضهم ( ووجه ) بالجر عطفه على ( ألمى ) أي وتبسم عن وجه، ومعنى ( حلت رداءها عليه ) قلعته وألبسته إياه، وقوله: ( لم يتخدد ) لم يضطرب مشتق من الخد ؛ لأنه يضطرب عند الأكل.

( وَإِنِّي لأُمْضِي الهَمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ. . . . . . . .بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي )

يقال: مضي الشيء يمضى مضاء ومضيا، وأمضيته أنا أمضيه إمضاء ؛ إذا أذهبته عنك، والمضاء: السرعة، يقول: إذا نزل بي هم سليته عنى وأمضيته بأن أرتحل على هذه الناقة العوجاء، وهي الضامرة التي قد لحق بطنها بظهرها واعوج شخصها، والمرقال: السريعة في سيرها كأن في سيرها خببا، ومرقال: على التكثير، كما تقول: مذكار ومئناث وقوله: ( بعوجاء ) يقال للذكر أعوج، وكان يجل أن يقال للأنثى أعوجة كما يؤنث بالهاء في غير هذا، إلا أن قولك أعوج وما أشبهه ضارع الفعل من جهتين، إحداهما إنه صفة، والأخرى أن لفظه كلفظ الفعل، فلو قلت أعوجة وأحمرة، لزالت إحدى الجهتين، فلهذا أنث بالهمزة لأن مخرجها من مخرج الهاء، وأزيلت الهمزة من أوله لأنهم لو تركوها على حالها لكان في وزن أحمرة، وأما زيادتهم الألف قبل الهمزة ففيه قولان: أحدهما أن هاء التأنيث يكون ما قبلها مفتوحا، والهمزة يختلف ما قبلها، فجاءوا بالألف عوضا من الفتحة، والقول الآخر أنهم أرادوا أن يخالفوا بينها وبين الهاء فزادوا حرفين ولم يزيدوا واحدا فيكون بمنزلة الهاء.

( أَمُونٍ كَأَلوَاحِ الإرَانِ نَسَأْتُهَا. . . . . . . .عَلَى لاَ حِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ )

الأمون: التي يؤمن عثارها، والإران: تابوت كانوا يحملون فيه ساداتهم وكبراءهم دون غيرهم، وكل خشبة عريضة فهي لوح، ونسأتها: ضربتها بالمنسأة ويروى ( نصأتها ) قال ابن الأعرابي: نصأتها ونسأتها: زجرتها وضربتها بالمنسأة، وهما واحد، وقيل: نصأتها قدمتها، ونسأتها أخرتها، واللاحب: طريق منقاد، ويقال: مر فلان يلحب ؛ إذا مر مرا سريعا، واللاحب: البين المؤثر فيه.فإن قبل: كان يجب أن يقول ملحوب.فالجواب عنه إنه يجوز أن يكون مثل قوله تعالى: ( مِنْ مَاءِ دَافِق ) قيل: معناه مدفوق، وحقيقته إنه بمعنى ذي دفق ويجوز أن يكون لا حب على بابه كأنه يلحب أخفاف الإبل، أي يرثؤ فيها، والهاء في ( كأنه ) تعود على الطريق، كأنه قال: على طريق لاحب، وشبه الطرائق التي في الطريق يطرائق البرجد، وهو كساء مخطط، وأراد كأنه برجد، ولم يرد الظهر دون البطن.

( تُبارِى عِتَاقاً نَاجِياتٍ، وَأَتْبَعتْ. . . . . . . .وَظِيفاً وَظِيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ )

تبارى: تعارض، يقال: هما يتباريان في السير، إذا فعل هذا شيئا فعل هذا مثله، والعتاق: الكرام من الإبل البيض، والعتق: الكرم، والعتق أيضا: الحُسن والجمال، ويقال: عتق الفرس ؛ إذا سبق، وبه سمي بيت الله العتيق ؛ لأنه عتق أن يملك أي سبق ذلك، ويقال: سمي العتيق لأن الله أعتقه من الغرق أيام الطوفان، وقيل: سمي العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يقصده جبار إلا قصمه الله، والناجيات: السراع، يقال: نجا ينجو ؛ إذا أسرع، والنجوة: المكان المرتفع، سمى بذلك لأنه ينجي عليه من السيل، والوظيف: عظم الساق، وقوله، وقوله: ( وأتبعت وظيفا وظيفا ) أي أتبعت وظيف يدها وظيف رجلها، ويستحب من الناقة أن تجعل رجلها في موضع يدها إذا سارت، ويستحب أن تكون خرقاء اليد صناع الرجل، والمور: الطريق، ويقال: مار يمور مورا، إذا دار، والمُور - بالضم - التراب والغبار، والمُعبد: المذلل، يقال: بعير مُعبد، أي مذلل بالهناء، وبعير معبد: أي مكرم، وهو من الأضداد، قال الشاعر:

تَقُولُ: أَلاَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّنِي. . . . . . . .أَرَى المَالَ عِنْدَ البَاخِلِينَ مُعَبَّدَا

معناه مكرما كأنهم يعبدونه من كرامته عليهم، وموضع ( تبارى ) يجوز أن يكون نصبا على الحال من الهاء والألف، أي مبارية عتاقا، ويجوز أن يكون في موضع جر على الإتباع لأمون.

( تَرَبَّعَتِ القُفيْنِ بالشَّوْلِ تَرْتَعِي. . . . . . . .حَدَائِقَ مَوْلِىِّ الأَسِرِّةِ أَغْيَدِ )

القف: ما غلظ من الأرض وارتفع، ولم يبلغ أن يكون جبلا، والشول من النوق: التي قد ارتفعت ألبانها، والحدائق: البساتين، والمولى: الذي أصابه الول من المطر، وهو الذي يجيء بعد الوسمي، والأسرة: بطون الأودية الواحدة سرارة، وهو أكرم الوادي، لأنه يقال: فلان في سر قومه، أي في صميمهم، وقوله ( بالشول ) أي في الشول، ويروى ( في الشول ) والشول: جمع شائلة، وكأنها التي قد شال ضرعها، وهي التي قد أتى عليها من وقت نتاجها سبعة أشهر، وهذا كقولهم: شال الميزان يشول ؛ إذا ارتفع، وقال الكوفيون: هذا من الشاذ، كان يجب أن يقال: شائل ؛ لأنه شيء لا يكون إلا للإناث، وهو عند البصريين جيد، على أن تجريه على الفعل، فتقول: شالت فهي شائلة فأما إذا شالت بذنبها فإنما يقال ( شائل ) بلا هاء، هذا الأكثر ويجوز أن تجريه على الفعل فتقول ( شائلة ) وترتعى: تفتعل من الرعي، وكل شجر ملتف أو نخل فهي حديقة، والحدائق هنا: الرياض، والأغيد: الناعم، أي ذو النعمة، وكأنه اللين من النعمة.

( تَرِيعُ إلى صَوْتِ المُهِيبِ، وَتَتَّقِي. . . . . . . .بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلفَ مُلْبِدِ )

المهيب: الذي يصيح بها هوب هوب، وتريع: أي ترجع إلى صوت الراعي إذا دعا بها، و ( تتقي بذي خصل ) المفعول محذوف، المعنى: وتتقي الفحل بذنب ذي خصل ؛ لأن الناقة إذا كانت حاملا اتقت الفحل بحركة ذنبها فيعلم الفحل إنها حامل، فلا يقربها، والأكلف: من صفة الفحل وهو الذي في لونه حمرة إلى السواد، والملبد: الذي قد صار على وركه مثل اللبد من ثلطه ؛ لأنه يضرب بذنبه من الهياج على ظهره، والروعات: جمع روعة، وهو الفزع، ومن العرب من يقول: روعات ليفرق بين الاسم والصفة مثل جفنة وجفنات، إلا أن الأحسن روعات بتسكين الواو، لاستثقالهم الحركة فيها.فإن قيل: سبيل الواو إذا كانت في موضع حركة، وكانت قبلها فتحة أن تُقلب ألفا، فيجب على هذا على لغة من حرك أن يقول: راعات.فالجواب عنه إنه وإن حرك فالأصل الإسكان ؛ فصار بمنزلة قولك صيد البعير، فلم تقلب الياء ألفا لأنه في معنى أصيد وأصياد، ألا ترى أنهم يقولون حوكة فيأتون به على الأصل

( كَأَنَّ جَنَاحَىْ مَضْرَحِىٍّ تَكَنَّفَا. . . . . . . .حِفافَيْهِ شُكاَّ فِي العَسِيبِ بِمِسْرَدِ )

شبه هُلب ذنبها بجناحي مضرحي، وهو العتيق من النسور يضرب إلى البياض وحفافاه: جانباه، وقوله ( تكنفا ) أي صارا من جانبيه عن يمين الذنب وشماله، و ( شكا ) غرزا وأدخلا فيهما، والعسيب: عظم الذنب، والمسرد: المخصف، وهي الإشفى، وقال الأصمعي: يستحب من المهاري أن تقصر أذنابها، وقلما ترى مهريا إلا ورأيت ذنبه أعصل كأنه أفعى وهو عيب فيما يُحلب، ويمدح في ذوات الحلب سبوغ الأذناب وكثرة هلبها وقال غيره: كل الفحول من الشعراء وصف الأذناب بكثرة الهلب: منهم امرؤ القيس، وطرفة، وعيينة بن مرداس، وغيرهم.

( فَطَوْراً بِهِ خَلْفَ الزَّمِيلِ، وَتَارَةً. . . . . . . .عَلَى حَشِفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ )

يقول: طورا ترفع ذنبها وتضرب به خلف الزميل، أي الرديف، ولا زميل هناك، وإنما أراد موضع الزميل، ومرة تضرب به على ضرعها، وإنما سماه حشفا لأنه مُتقبض لا لبن فيه والشن: القربة الخلق، والذاوي: الذابل الذي قد أخذ في اليبس، والمجدد: الذاهب اللبن، ناقة جدود، وأتان جدود: ذهب لبنها من غير بأس، وأصل الكلمة من قولهم ( جددت الشيء ) إذا قطعته، فالجدود: التي انقطع لبنها، والطور والتارة: وقتان.

( لَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْصُ فِيهمَا. . . . . . . .كأَنَّهُمَ بَابَا مُنِيفٍ مُمُرَّدِ )

أكمل: أتم، والكمال: التمام، والنحض: اللحم، ويقال: نحض العظم ؛ إذا أخذ ما عليه من النحض، وروى الطوسي ( لها فخذان عولي النحض فيهما ) وعولي: معناه ظوهر وكثر، وقوله ( بابا منيف ) يقول: كأن الفخذين بابا قصر منيف، يقال: أناف الشيء ينيف إنافة ؛ إذا علا وأشرف، والممرد: قالوا هو المطول، ويكون على هذا من قولهم ( تمرد ) إذا تجاوز في الشر، وأنشد الأصمعي في صفة فحل وذكر ارتفاع سنامه:

بَنَى لَهُ العُلَّفُ قَصْراً مَارِداً

وقيل: الممرد المملس، ومنه ( شجرة مرداء ) إذا سقط ورقها فصارت ملساء، ومنه سمى الأمرد أمرد لأنه أملس الخدين.

( وَطَيُّ مَحَالٍ كَالحُنِيِّ خُلُوفُهُ. . . . . . . .وَأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ )

أي لها محال مطوية، والمحال: قفار الظهر، الواحدة محالة، والحني: القسي، واحدتها حنية، ويروى بضم الحاء وكسرها كما يقال: عُصِى، وعِصِى، والخلوف: أطراف الأضلاع، والجران: باطن العنق، جمعه بما حواليه، ولُزَّت: قُرن بعضها إلى بعض فانضمَّتْ واشتدت، ودأي: جمع دأية، وهي الفقار، وكل فقرة من فقار العنق والظهر دأية، يقول: محال ظهرها متراصف متدان بعضه من بعض، وذلك أشد لها وأقوى من أن لا تكون متدانيات.

( كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفَانِهَا. . . . . . . .وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْت صُلْبٍ مُؤَيَّدِ )

الكناس: أن يحتفر الثيران في أصل الشجرة كالسرب يكنها من الحر والبرد، والجمع كُنُس، وقد كنست تكنس ؛ إذا استظلت في كُنُسها من الحر، وإنما قال ( كناسي ) لأنه يستكن بالغداة في ظلها وبالعشي في فيئها، والضال: الشدر البرى الواحدة ضالة، والأطر: العطف، والمؤيد: المقوى، والأيد: القوة، يقول كأن كناسي ضالة يكنفان هذه الناقة من سعة ما بين مرفقيها وزورها، وإنما أراد أن مرفقيها قد بانا عن إبطيها، فشبه الهواء الذي بينهما بكناسي ضالة ؛ فليس بها حازولا ناكت، وكأن قسيا مأطورة تحت صلبها، يعني تحت ضلوعها.

( لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلاَنِ كأَنَّمَا. . . . . . . .تَمُرُّ بِسَلْمَىْ دَالج مُتَشَدِّدِ )

الأفتلان: المتباينان كأنما فتلا عن صدرها، أي عدلا، والسلم: الدلو لها عروة واحدة نحو دلو السقائين، والدالج: الذي يمشي بين الحوض والبئر، يقول: هما مفتولان كأنهما سلمان بيدي دالج فهو يجافيهما عن ثيابه، والرواية الجيدة ( تَمُرَّ ) بفتح التاء، ويروى ( تُمرُّ ) معناه تفتل وتجود الفتل.وقال ابن الأعرابي: أراد ( كأنما تمرُّ سَلمى ) فزاد الباء، أراد تباين مرفقا الناقة وتباعدا عن زورها، كما يتباعد عضد الدالج عن زوره.

( كَقَنْطَرَةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّهَا. . . . . . . .لَتُكْتَنَفَنْ حَتَّى تُشَاد بِقَرْمَدِ )

لتكتنفا: أي لتؤتيا من أكنافها لتبنى ؛ وتشاد: ترفع، والقرمد: الآجر الواحدة قرمدة، وقصد بناء الروم لإحكامه، وقوله: ( لتكتنفا ) أقسم، بالنون الخفيفة، والوقف عليها بالألف عوضا من النون، ولا يعوض منها إذا كان قبلها ضمة أو كسرة ؛ لأنهم شبهوها بالتنوين في الأسماء لأنك تعوض منه في موضع النصب، ولا تعوض في موضع الرفع والجر، إلا أن النون في الأفعال تحذف لالتقاء الساكنين، والتنوين في الأسماء الاختيار فيه التحريك لأن ما يدخل في الأسماء أقوى مما يدخل في الأفعال.

( صُهابِيّةُ العُثْنُونِ مُؤْجَدَةُ القَرَا. . . . . . . .بَعِيدَةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَدِ )

الصهابية: التي يضرب لونها إلى الصهبة، وهي بياض يخالطه حمرة والعثنون: ما تحت لحييها من الشعر، والموجدة: المحكمة، قال أبو عمرو الشيباني: يقال: ناقة أجُد إذا كان عظم عدم من فقارها واحدا، وقوله ( بعيدة وخد الرجل ) يريد سعو خطوها، والوخد: ضرب من السير السريع، وقوله ( موارة اليد ) أي أن كتفيها تتبعان يديها في سهولة، يريد أنها خرقاء اليد، ويقال ( مار يمور ) إذا دار.

( أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ، وَأُجْنِحَتْ. . . . . . . .لَهَا عَضُدَاهَا فِي سَقِيفٍ مُسَنَّدِ )

أُمرت: فتلت، والشزر: الفتل الذي يقال له الدبير، ومنه يقال ( فلان ينظر إليك شزرا ) كأنه يرفع طرفه ثم يطرف ؛ لأن الشزر الذي يفتل به عن الصدر متعالي فلهذا سمي الدبير، وانتصب ( فتل ) لأنه نعت لمصدر محذوف، كأنه قال: أُمرت يداها إمرارا نثل فتل شزر، ومعنى ( أجنحت ) أميلت إلى خارج، فيقول: كأن ظهرها صفائح صخر، لا يؤثر فيه شيء، وقيل: السقيف هنا زورها وما فوقه، وأصل السقيف: صفائح من حجارة، ومسند: أسند بعضه إلى بعض.

( جَنُوحٌ، دُفَاقٌ، عَنْدَلٌ، ثُمَّ أُفْرِعَتْ. . . . . . . .لَهَا كَتِفَاهَا فِي مُعَالي مُصَعَّدِ )

الجنوح: التي تميل على أحد شقيها في السير، والدفاق: التي تتدفق في السير، والعندل: الضخمة الرأس، وأفرعت: عوليت، وفي معالى: أي مع معالي.

( كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ فيِ دَأَيَاتِهَا. . . . . . . .مَوَارِدُ مِنْ خَلْقَاءَ فيِ ظَهْرِ قَرْدَدِ )

العلوب: الآثار، واحدها علب، والنسع: جبل مضفور من أدم، والدأيات: منتهى الأضلاع، قيل: في الظهر، وقيل: في الصدر، والموارد: طرق المياه، والخلقاء: الصخرة الملساء، والقردد: الأرض الصلبة المستوية، وظهر القردد: أعلاه، يقول: هذه العلوب في صدرها مثل آثار الموارد، وقيل: معنى البيت أن النسوع لا تؤثر في هذه الناقة إلا كما تؤثر الموارد في الصخرة الملساء، وقيل: أراد بالموارد مواضع مر الحبال على حرف البئر المزبورة حتى تؤثر فيها أثرا ليس بالمبالغ، فكذلك آثار النسوع في جنب هذه الناقة ليس بالمبالغ لصلابة جلدها.

( تَلاَقَى، وَأَحْيَاناً تَبِينُ كَأَنَّهَا. . . . . . . .بَنَائِقُ غُرٌّ فيِ قَمِيصٍ مُقَدَّدِ )

( تلاقى ) أي تتلاقى، أي تجتمع، وتبين: تفترق، يعني هذه الموارد يكون بعضها يلي بعضا ويتصل بعضها ببعض، والبنائق: جمع بنيقة، يقول: كأنها دخاريص قميص، والغر: البيض، والمقدد: المشقق، وقال أحمد ابن عبيد: تلاقى يعني الحبال والآثار إذا سفلت إلى العُرى رءوسها، وإذا ارتفعت إلى الرحل تباينت، وخص الدخاريص لدقة رءوسها وسعة أسافلها، فأراد أن الآثار مما يلي الحلق دقيقة، وما علا من ذلك إلى الرحل واسع ؛ لأن الحلق تجمع الحبال فيدق الأثر.

( وَأَتْلَعُ نَهَّاضٌ إذا صَعَدَتْ بِهِ. . . . . . . .كَسُكَّانِ بُوصِيٍّ بِدِجْلَةَ مُصْعِدِ )

يعني بالأتلع عنقها، والأتلع: المشرف، والتلع: الطول، ونهاض: ينهض في السير، أي يرتفع إذا سارت، ويقال: نهض إليه ؛ إذا ارتفع اليه، ونهض الفرخ ؛ إذا ارتفع وفارق عشه، وهي النواهض، ومعنى ( صعدت به ) أشخصته في السماء، والسُّكان: الذي تقوم به السفينة، والبوصي: السفينة، فارسي معرب، ويروى ( كسكان نوتى ) والنوتى: الملاح، وقال ( مُصعِد ) لأنه يعالج الموج.

( وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ العَلاَةِ كَأَنَّمَا. . . . . . . .وَعَى المُلْتَقَى مِنْهَا إلى حَرْفِ مِبْرَدِ )

العلاة: السندان التي يضرب عليها الحداد حديدته، شبَّه جمجمتها بها في صلابتها، والجمجمة: عظام الرأس، ووعى: اجتمع وانضم، يقال: وعى عظمه ؛ إذا اجتبر وتماسك، ولا وعى عن ذلك، أي لا تماسك عنه، والملتقى: يعني كل قبيلتين من قبائل الرأس التقتا، ويعنى حيود رأس الناقة، وكل نادر حيد، وإنما أراد صلابتها، فليس لملتقى شئونها نتوء، كأنه ملتئم كله كالتئام المبرد من تحت حزوزه، فيقول: هذه الجمجة كأنها قطعة واحدة في التئامها، وخص المبرد للحزوز التي فيه، فيقول: فيها نتوء غير مرتفع، قال الأصمعي: لم يقل أحد مثل هذا البيت، كما لم يقل أحد مثل قول عنترة:

غَرِدٌ يَسُنُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ. . . . . . . .قَدْحَ المُكِبِّ عَلَى الزِّنَادِ الأجْذَمِ

( وَخَدٌّ كَقِرْطَاسِ الشَّآمِي وَمِشْفَرٌ. . . . . . . .كَسِبْتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لَمْ يُحَرَّدِ )

شبه بياض خدها ببياض القرطاس قبل أن يكتب فيه، وقيل: أراد إنه عتيق لا شعر عليه، والشعر في الخد هجنة، والمراد إنه جعله كالقرطاس لنقائه وقصر شعرته، والمشفر من البعير كالشفة من الإنسان، والسِّبْت: جلود البقر إذا دبغت بالقرظ، فإن لم يدبغ بالقرظ فليس بِسبت، وأراد أن مشافرها طوال كأنها نعال السبت، وذلك مما يمدح به، وخص السبت للينه، وقوله ( لم يحرد ) أي لم يميل، يصف أنها شابة فتية، وذلك أن الهرمة والهرم تميل مشافرهما.

( وَعَيْنَانِ كَالمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكَنَّتَا. . . . . . . .بِكَهْفْي حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ )

شبَّه عينيها بالماويتين لصفائهما، والماويتان: المرآتان، واستكنتا: حلتا في كن، والكهف: غار في الجبل، وهو هنا غار العين الذي فيه مقلتها، والحجاج: العظم المشرف على العين الذي ينبت عليه شعر الحاجب، والقلت: نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء مؤنثة وجميعها قلات، وقوله ( قَلْتِ مورد )، بدل من صخرة، وإذا كانت الصخرة في ماء كان أصلب لها، والمراد أن صفاء عينيها كصفاء ماء القلت، وقوله ( مورد ) أراد أن ماء المطر يردها، ولو وردها الناس لكدروها.

( طَحُورَانِ عُوّارَ القَذَى، فَتَرَاهُمَا. . . . . . . .كَمَكْحُوَلَتْي مَذْعُورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ )

( طحوران ) أي دفوعان: يقال طحره ودحره، أي دفعه، والعوار والعائر: ما أفسد العين من الرمد، فيقول: عينها صحيحة لا قذى فيها كأنها قد طحرته، وقوله ( فتراهما كمكحولتي مذعورة ) يريد كعيني بقرة مذعورة، وفرقدها: ولدها، وإذا كانت مذعورة مطفلا كان أحد لنظرها.

( وَصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للِسُّرى. . . . . . . .لَهِجْسٍ خَفيٍّ أو لِصَوْت مُنَدَّدِ )

يعني أذنيها، أي لا تكذبها إذا سمعت النبأة، والتوجس: التسمع بحذر، والهجس: الصوت الخفي، وقوله ( للسرى ) أي في السرى أو عند السرى، ويقال: سرى وأسرى ؛ إذا سار بالليل، وقيل للنهر ( سرِيٌّ ) من هذا ؛ أن الماء يسري فيه، قال المبرد: خص النهر بهذا الاسم من قولهم ( خير المال عين ساهرة لعين نائمة ) أي لا تنام وإن نمت عنها، ويروى ( لصَوْت مُندِّد ) بالإضافة، والمندِّد: الذي يرفع صوته، والرواية الجيدة ( صَوْتٍ مُنَدِّد ) والمندد صفة للصوت.

( مُؤَللّتَانِ، تَعْرِفُ العِتْقَ فِيِمَا. . . . . . . .كَسَامِعَتَيْ شَاة بِحَوْمَلَ مُفْرَدِ )

المؤلل: المحدد كتحديد الآلة، وهي الحربة، والعتق: الكرم، ويريد هنا الحسن والنقاء، ويريد بالشاة هنا الثور الوحشي وقال ( مُفرد ) بلا هاء لأنه أراد الثور الوحشي ؟، وإذا كان مفردا كان أسمع له ؛ لأنه ليس معه ما يشغله وقيل: العتق أن لا يكون في داخلهما وبر ؛ فهو أجود لسمعهما، وكذلك آذان الوحش.

( وَأَرْوَعُ نَبَّاضٌ أًَحَذّ ُ مُلَمْلَمٌ. . . . . . . .كَمِرْدَاةِ صَخْرٍ فِي صَفِيحٍ مُصَمَّدِ )

( أروع ) يعني قلبها، وهو الحديد السريع الارتياع، ونباض: ينبض: أي يضرب من الفزع، والأحذ: الأملس الذي ليس له شيء يتعلق به، وقال أبو عمرو: هو الخفيف، وقال ابن الأعرابي: الأحذ الذكي الخفيف، وململم: مجتمع، وقولهم للشعر ( لمة ) من هذا، وألم بنا: أي ادخل في جماعتنا، وبنو تميم يقولون: لم بنا، وقوله عز وجل: ( الذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ ) معناه إلا أن يقاربوا ولا يدخلوا في معظم الشيء، وليس في الكلام دليل على إنه أباح اللمم ؛ لأنه استثناء ليس من الأول، وهو مثل قوله: ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) فليس فيه دليل على إنه أباح ما سلف، وإنما المعنى ولكن ما قد سلف فإن الله يعفو عنه.وكذلك قوله عز وجل: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن أن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأَ ) أي ولكن أن قتله خطأ فعليه ما أمر به، وقولهم: ( لمَّ الله شَعَثَك ) فيه قولان: أحدهما أن المعنى جمع الله مفترقك، والثاني - وهو قول المبرد - أن المعنى جمع الله ما يزيل الشعث عنك.والمرداة: صخرة تدق الصخرة بها والمراد كمرداة من صخر.والصفيح من الحجارة: العريض، والمصمد: الصلب الذي لا خور فيه.

( وَإِنْ شِئْتَ سامي وَاسِطَ الكُورِ رَأْسُها. . . . . . . .وَعَامَتْ بِضَبْعَيْها نَجاءَ الخَفَيْدَدِ )

سامي: عالي، وواسط الكور: العود الذي بين موركة الرحل ومؤخره، وموركة الرحل: الموضع الذي يضع عليه الراكل رجله، وقيل: الموركة: مهاد يمهده الرجل لرجله إلى جانب الواسط أسفل منه، فإذا أعيا من الغرز نزع رجله من الغرز وجعلها على الموركة، وقيل: الواسط للرحل كالقربوس للسرج وعامت: سبحت، والضبع: العض، والنجاء: السرعة، والخفيدد: الظليم، وهو ذكر النعام.

( وَإِنْ شِئْتَ لم تُرْقِلْ، وَإِنْ شِئْتَ أَرقَلَتْ. . . . . . . .مَخَافَة مَلْوِيٍّ مِنَ القِدِّ مُحْصَدِ )

الإرقال: ضرب من السير السريع، وأراد بالملوى السوط، والمحصد: المحكم، ومخافة: منصوب لأنه مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا.

( وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ مِنَ الأنْفِ مَارِنٌ. . . . . . . .عَتِيقٌ مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ تَزْدَدِ )

أراد بالأعلم: مشفرها، والإبل كلها علم، والعلم: شق في الشفة العليا، فإن كان في السفلى قيل له: أفلح، والمخروت: المشقوق، وخرت كل شيء: شقه وثقه، والمارن: اللين، وقوله.( متى تَرْجُمْ بِه الأرضَ ) أي إذا أدنت رأسها من الأرض في سيرها فذلك رجمها إياها، يقول: إذا أومأت برأسها إلى الأرض ازدادت سيرا.

( عَلَى مِثْلِهَا أَمْضِى إذا قَالَ صَاحِبِي. . . . . . . .أَلاَ لَيْتَنِي أَفْدِيكَ مِنْهَا وَأَفَتدِي )

أي على مثل هذه الناقة أسير وأمضي إذا قال صاحبي: إنا هالكون من خوف الفلاة، وقوله ( ألا ليتني أفديك منها وأفتدى ) معناه من الفلاة.فجاء بمكنيها ولم يجر لها ذكر لدلالة المعنى عليها، كقوله تعالى ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجْاب )، وقوله ( أفديك منها ) أي أعطيك فداءك وتنجو، وأفتدى أنا منها: أي أنجو، وقيل: معناه ليتني أقدر على أن أفتديك منها وأفتدى نفسي، و ( على ) تتعلق بأمضى، وكذلك إذا.

( وَجَاشَتْ إليه النَّفْسُ خَوْفاً وَخَالَهُ. . . . . . . .مُصَاباً وَلَوْ أَمْسَى عَلَى غَيْرِ مَرْصَدِ )

جاشت: ارتفعت إليه من الخوف ولم تستقر كما تجيش القدر إذا ارتفع غليانها، وقوله ( اليه ) أي إلى صاحبه، وقوله ( وخاله ) يعني وخال نفسه، وإنما جاز أن يقال ( خاله مصابا ) ولم يجز ( ضربه ) إذا أردت ضرب نفسه على مذهب سيبويه انهم استغنوا عن ضربه بقولهم ( ضرب نفسه ) والذي يذهب إليه أبو العباس إنه لم يجز ( ضربه ) لئلا يكون فاعلا مفعولا في حال وجاز ( خاله ) لأن الفاعل في المعنى مفعول لأنه إنما رأى شيئا فأظنه، وقوله ( ولو أمسى على غير مرصد ) أي ولو أمسى لا يرصد ولا يخاف من أحد لظن إنه هالك من العطش لهول المفازة، أي فأنا أنجو منها على ناقتي.

( إذا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى خِلْتُ أَنَّنِي. . . . . . . .عُنِيتُ فَلَمْ أَكْسَلْ، وَلَمْ أَتَبَلَّدِ )

يقول: إذا قالوا من فتى لهذه المفازة خلت أنهم يعنونني ويقولون ليس لها غيره ؛ فلم أكسل عن أن أقول أن لها ولم أتبلد عن سلوكها، ويقال ( رجل بليد، ومتبلد ) إذا أثر فيه الجهل كي يذهب به عن فطن الناس واحتيالهم وكذا يقال في الدواب، وأصل البلادة والتبلد من التأثير، يقال: في جلده بلد، إذا كان فيه أثر، وكذلك في غير الجلد، ويقال لكركرة البعير ( بلدة ) لأنها تؤثر في الأرض، أو تؤثر فيها الأرض، قال الشاعر:

أَنِيخَتْ فَأَلقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ. . . . . . . .قَلِيلٍ بِهَا الأَصْوَاتُ إِلاَّ بُغَامُهَا

وبهذا سميت البلدة والبلد ؛ لأنه موضع مواطن الناس وتأثيرهم.

( أَحَلْتُ عَلَيْهَا بِالقَطِيعِ فَأَجْدَمَتْ. . . . . . . .وَقَدْ خَبَّ آلُ الأَمْعَزِ المُتَوَقِّدِ )

القطيع: السوط، أي أقبلت عليها بالسوط، يقال: أحلت عليه ضربا، إذا أقبلت عليه تضربه ضربا في أثر ضرب، أو على ضرب، ومنه قوله:

يُحِيلُونَ السِّجَالَ عَلَى السِّجَالِ

أي يصبون دلوا على إثر دلو، وأجذمت: أسرعت، وخب الآل: جرى واضطرب، والآل يكون بالغداة والعشي والأمعز والمعزاء: الموضع الغليظ الكثير الحصى، والمتوقد: الذي يتوقد بالحر، والواو في قوله ( وقد خب ) واو الحال.

( فَذَالَتْ كَمَا ذَالَتْ وَلِيدَةُ مَجْلِسٍ. . . . . . . .تَرِى رَبَّهَا أَذْيالَ سَحْل مُمَدَّدِ )

أي ماست في مشيها وتبخترت، يقول: تبخترت هذه الناقة في مشيها كما تتبختر وليدة أي أمة عرضت على أهل مجلس فأرخت ثوبها واهتزت بأعطافها، وخص ( وليدة مجلس ) يريد إنها ليست بممتهنة فإذا مشت تبخترت وجرت أذيالها، والسحل: الثوب الابيض، والممدد: الذي ينجر في الأرض، ومعنى البيت: إني أبلغ على هذه الناقة حاجتي بأقل تعب.

( وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ مَخَافَةً. . . . . . . .وَلَكِننْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أَرْفِدِ )

التلاع: مجارى الماء من رءوس الجبال إلى الأودية، والمعنى إني لست ممن يستتر في التلاع، أي لا أنزلها مخافة فتواريني من الناس حتى لا يراني ابن السبيل والضيف، ولكن أنزل الفضاء، وأرفد من يسترفدني، وأعين من استعان بي، والرفد: العطية، والرفد: المعونة، و ( مخافة ) ينتصب على إنه مفعول له، أو على المصدر، ويروى ( ولست بحلالِ التلاع ببيته ).

( وَإِنْ تَبْغِنِي فيِ حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقَنِى. . . . . . . .وَإِنْ تَقْتَنِصْنِي فيِ الحَوَانِيت تَصْطَدِ )

يقول: أن تبغني - أي تطلبني - في موضع يجتمع فيه الناس للمشورة وإجالة الرأي تلقني ؛ لما عندي من الرأي، لا أتخلف عنهم، وإن تطلب صيدي في حوانيت الخمارين تجدني أشرب وأسقي من يحضرني، والحانوت: يذكر ويؤنث والحوانيت: بيوت الخمارين، والحوانيت أيضا: الخمارون.

( مَتَى تَأْتِنِي أَصْبَحْكَ كَأساً رَوِيَّةً. . . . . . . .وَإنْ كُنْتَ عَنْهَا غَانِياً فَاغْنَ وَازْدَدِ )

ويروى ( وإن تأتني أصبحك كأسا ) أصبحك: من الصبوح، والصبوح: شرب الغداة، والكأس مؤنثة، قال الفراء: الكأس الإناء الذي فيه لبن أو ماء أو خمر أو غير ذلك، وان كان فارغا لم يقل له كأس كما أن المهدى الطبق الذي يكون للهدية، فإن أخذت منه الهدية قيل له طبق ولم يقل له مهدى، وأكثر أهل اللغة يقول: لا يقال للإناء كأس حتى يكون فيها الخمر، وقال بعضهم: قد يقال للزجاجة كأس، وللخمر كأس، كقوله تعالى: ( يُطافُ عَلَيْهِمْ بكأسٍ مِنْ مَعِين، بَيضاءً لذَّةٍ للِشَّارِبِينَ ) فاللذة هاهنا: الخمر ( وإن كُنتَ عنها غانيا ) أي غنيا، والمعنى: متى تأتني تجدني قد أخذت خمرا كثيرا مروية لمن يحضرني، ومعنى ( فاغن وازدد ) فاغن بما عندك وازدد.

( وَإِنْ يَلْتَقِ الحَيُّ الجَمِيعُ تُلاَقِنِي. . . . . . . .إلى ذِرْوَةِ البَيْتِ الرَّفِيعِ المُصَمَّدِ )

يقول: إذا التقى الحي الجميع الذين كانوا متفرقين للمفاخرة وذكر المعاني تجدني في الشرف، و ( إلى ذروة ) أي مع ذروة، وذروة كل شيء: أعلاه، وإنما يريد بالبيت هنا الأشراف، والمصمد والصمد: الذي يُصمد إليه في الحوائح والأمور، أي يُقصد.

( نَدَامَايَ بِيضٌ كَالنُّجُومِ وَقَيْنَةٌ. . . . . . . .تَرُوحُ إِلَيْنَا بَيْنَ بُرْدٍ وَمُجْسَدِ )

ويروى ( تروح علينا ) الندامى: الأصحاب، يقال ( فلان نديم فلان ) إذا شاربه، و ( فلانة نديمة فلان ) ويقال ذلك أيضا إذا صاحبه وحدثه وإن لم يكونا على شراب، قال أبو جعفر: سمي النديم نديما لندامة جذيمة حين قتل جذيمة مالكا وعقيلا اللذين أتياه بعمرو ابن أخته، فسألاه أن يكونا في سمره، فوجد عليهما فقتلهما، وندم، فسمى كل مشارب نديما، وقيل من الندم: ندمان وندمى، وقيل: الأصل فيهما واحد ؛ لأنه إنما قيل للمتواصلين ( ندامى ) لأنهم يجتمعون على ما يندم عليه من إتلاف المال.وقوله: ( كالنجوم ) أي هم أعلام، والقينة: الأمة مغنية كانت أو غير مغنية، وإنما قيل لها قينة لأنها تعمل بيديها مع غنائها، والعرب تقول لكل من يصنع بيديه شيئا: قين، والمجسد: الثوب المصبوغ بالزعفران، ومعنى قوله ( بين برد ومجسد ) أي عليها برد ومجسد، وقيل: معناه مرة تأتي وعليها بُرد ومرة تأتي وعليها مُجسد، والمجسد: المصبوغ الذي قد يبس عليه الصباغ من قولهم ( جسد الدم ) إذا يبس عليه، والمجيد أيضا: الذي يلي الجسد من الثياب، وقيل في الذي يلي الجسد ( مِجسد ) بكسر الميم.

( رَحِيبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا، رَفِيقَةٌ. . . . . . . .بِجَسِّ النّدَامَى، بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ )

ويروى ( رحيب قطاب الجيب ) بالإضافة، والرحيب: المتسع، وقطاب الجيب: مُجتمع الجيب، قطب: أي جمع، ومنه ( قطب بين عينيه ) أي جمع، و ( جاء الناس قاطبة ) أي جميعا، والجس: المس، وجس الندامى: أن يجسُّوا بأيديهم يلمسونها، كما قال الأعشى:

لجسِّ النَّدَامَى فيِ يَدِ الدِّرْعِ مفتق

وذلك أن القينة كان يُفتق فتق في كمها إلى الرفع، فإذا أراد الرجل أن يلمس منها شيئا ادخل يده فلمس، ويد الردع: كمه، وقال بعضهم: بجس الندامى بما يطلب الندامى من اقتراحها وغنائها، والجس بمعنى الطلب و ( قطاب ) يرتفع برحيب، ومعنى قوله ( رحيب قطاب الجيب ) أن عنقها واسع فتحتاج إلى أن يكون جيبها واسعا، والبضة: البيضاء الرخصة، والمُتجرد: جسدها المتجرد من ثيابها

( إذا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمِعِينَا انْبَرَتْ لَنَا. . . . . . . .عَلَى رِسْلِهَا مَطْرُوفَةً لَمْ تَشَدَّدِ )

أسمعينا: غنِّينا، وانبرت: اعترضت، و ( على رسلها ) على هينتها، أي ترنمت في رفق، ومطروفة - بالفاء - ساكنة الطرف وفاترته، كأنها قد طرفت عن كل شيء تنظر إليه وطرف طرفها، ومن روى ( مطروقة ) بالقاف فمعناه مسترخية، ( لم تشدد ) لم تجتهد، وقيل في المطروفة بالفاء: إنها التي عينُها إلى الرجال، وانبرت: جواب إذا، وهو العامل فيه، ومطروفة: منصوب على الحال.

( وَمَا زَالَ تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِي. . . . . . . .وَبَيْعيِ وَإِنْفَاقِي طَرِيفي وَمُتْلَدِي )

تشراب: تفعال من الشرب، إلا أن تشرابا يكون للكثير، والشرب يقع للقليل والكثير والطارف، والطريف: ما استحدثه الرجل واكتسبه، والمُتلد والتالد والتليد والتلاد: ما ورثه عن آبائه، ومعناه المتولد، والتاء بدل من الواو.

( إلى أن تَحَامَتْنِي العَشِيرَةُ كُلُّهَا. . . . . . . .وَأُفْرِدْتُ إفْرَادَ البَعِيرِ المُعَبَّدِ )

تحامتني: تركتني، والعشيرة: أهل بيته، ويدخل فيه غيرهم ممن يخالطه، وأفردت إفراد البعير: أي أفردت إفراداً مثل إفراد البعير، والمعبد: الأجرب، وقيل: هو المهنوء الذي سقط وبره فأفرد عن الإبل، أي تُركت ولذَّاتي.

( رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُوَنِني. . . . . . . .وَلاَ أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ )

الغبراء: الأرض، وبنو غبراء: الفقراء، ويدخل فيهم الأضياف، والمعنى انهم يجيئون من حيث لا يحتسبون، و ( أهل ) مرفوع معطوف على المضمر الذي في ( ينكرونني )، قال الله عز وجل: ( سَيَقُولُ الَّذِينُ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا ولاَ آبَاؤُنَا )، والطراف: قبة من أدم يتخذها المياسير والأغنياء، والممدد: الذي قد مد بالأطناب، والطراف: لفظه لفظ الواحد ومعناه معنى الجمع، ومعنى البيت إنه يخبر أن الفقراء يعرفونه ؛ لأنه يُعطيهم، والأغنياء يعرفونه ؛ لجلالته.

( أَلا أَيُّهذَا الّلائمِي أَحْضُرُّ الوَغَى. . . . . . . .وَأَنْ أَشْهَدَ الّلذَّاتِ، هَلْ أنْتَ مُخْلِدِي ؟ )

ويروى ( أَلا أَيُّها الّلاحِي أن أَحْضُرُّ الوَغَى )، واللاحي: اللائم، لحاه يلحوه ويلحاه، إذا لامه، والزاجر: الناهي، وقد روى ( أَلا أَيُّهذَا الّزاجري أَحْضُرَ الوَغَى ) على إضمار أن، وهذا عند البصريين خطأ ؛ لأنه أضمر ما لا يتصرف وأعمله، فكأنه أضمر بعض الاسم، ومن رواه بالرفع فهو على تقديرين، أحدهما أن يكون قدره ( أن أحضُر ) فلما حذف أن رفع، ومثله على أحد مذهبي سيبويه قوله عز وجل: ( قُلْ أَ فَغَيْرَ اللهِ تأمُرُونِّي أعْبُدُ ) المعنى عنده أن أعبد، والقول الآخر في رفع ( أحضر ) - وهو قول أبي العباس - أن يكون في موضع الحال، ويكون ( وأن أشهد ) معطوفا على المعنى ؛ لأنه لما قال: ( أحضر ) دل على الحضور كمما تقول: من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرا له، ومعنى قوله: ( هل أنت مُخلدي ) هل أنت مُبقى، ومعنى البيت: ألا أيهذا اللائمي في حضور الحرب لئلا أقتل وفي أن أنفق مالي لئلا أفتقر، ما أنت مُخلدي أن قبلت منك، فدعني أنفق مالي ولا أخلفه.

( فإن كُنْتَ لاَ تَسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي. . . . . . . .فَدَعْنِي أُبَادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي )

أي فدعني ولذاتي قبل أن يأتيني الموت، ويقال: معناه أبادر المنية بإنفاق ما ملكت يدي في لذاتي.

( فَلَوْلاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الفَتَى. . . . . . . .وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُوَّدِي )

عيشة الفتى: ما يعيش به ويلتذ، وقد بينهن فيما بعد، وقوله: ( وَجدك )، قيل: معناه وحقك، وقيل: معناه ونفسك، وقيل: معناه وأبيك، وقوله: ( لم أحفل ) أي لم أبال، وعوده: من يحضره عند موته في مرضه وينوح عليه.

( فَمِنْهُنَّ سَبْقُ العَاذِلاَتِ بِشَرْبَةٍ. . . . . . . .كُمَيْتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالماءِ تُزْبِدِ )

الكميت من الخمر: التي تضرب إلى السواد، وقوله: ( متى ما تُعل بالماء ) أي متى تمزج به ( تزبد ) ؛ لأنها عتيقة.

( وَكَرِّي إذا نَادَى المُضَافُ مُحَنَّباً. . . . . . . .كَسِيد الغَضَا نَبَّهْتَهُ المُتَوَرِّدِ )

كري: عطفي، والمضاف: الذي قد أضافته الهموم، والمحنَّب: فرس أقنى الذراع، والسِّيد: الذئب، والغضا: شجر، وذئابه أخبث الذئاب، ونبهته: هيجته، والمتورد: الذي يطلب أن يرد الماء، وقوله ( محنبا ) منصوب بكرى، والمعنى: وكري فرسا محنبا، والكاف من قوله: ( كسيد ) في موضع نصب ؛ لأنها من نعت المحنب.

( وَتَقَصْيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ. . . . . . . .بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الطِّرَافِ المُعَمَّدِ )

الدجن: قيل هو الندى والمطر الخفيف، وقيل: هو إلباس الغيم السماء وإن لم يكن مطر يقول: أقصره باللهو، ويوم اللهو وليلة اللهو قصيران، قال بعض الأعراب:

لكن أيَّامُنَا أَمْسَتْ طِوَالاَ. . . . . . . .لَقَدْ كُنَّا نَعِيشُ بِهَا قِصَارَا

أراد طالت بالحزن وقصُرت بالسرور، وقال:

ظَلِلْنَا عِنْدَ دَارِ أبي أنِيسٍ. . . . . . . .بِيَوْمٍ مِثْلِ سَالِفَةٍ الذُّبَابِ

وقال آخر:

وَيَوْمٍ كَإبْهَامِ القَطَاةِ مُزَيَّنٍ. . . . . . . .إلى صِبَاه غَالِبٍ لِيَ بَاطِلُهْ

( والدجن معجب ) ' أي يعجب من رآه، والبهكنة: التامة الخلق، ويروى ( بهيكلة ) والهيكلة: العظيمة الألواح والعجيزة والفخذين، ويروى ( تحت الخباء المعمد ) أي ذي العمد.

( كَأَنَّ البُرِينَ وَالدَّمَالِيجَ عُلِّقَتْ. . . . . . . .عَلَى عُشَرٍ أو خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّدِ )

البرين: الخلاخيل، واحدتها بُرة، والعُشر: شجر أملس مستو ضعيف العود، شبه عظامها وذراعيها به لملامسته واستوائه، وكل ناعم خروع، ( لم يُخضد ) لم يُثن، يقال: خضدت العود أخضده خضدا ؛ إذا ثنيته لتكسره، وفي ( برين ) لغتان، من العرب من يجعل إعرابه في النون، ومنهم من يجعله بمنزلة مُسلمين، والدماليج: جمع دُملُج، وكان يجب أن يقول دمالج ؛ فيجوز أن يكون جمعا على غير واحده، ويجوز أن يكون أشبع الكسرة فتولدت منها ياء، ويجوز أن يكون بناه على دملوج، وهو الوجه.

( فَذَْنِي أُرَوِّ هَامَتِي فِي حَيَاتِهَا. . . . . . . .مَخَافَةَ شِرْبٍ فِي الحَيَاةِ مُصَرَّدِ )

الشِّرب بكسر الشين، والشُّرب بضمها: اسمان للمشروب، والشَّرب بالفتح: مصدر، وقد تكون الثلاثة مصدرا، والمصرد: المُقلل والمنغص.

( كَرِيمٌ يُرَوِّي نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ. . . . . . . .سَتَعْلَمُ أن مُتْنَا غَداً أَيُّنَا الصَّدِى )

ويروى ( إن متنا صدى ) أي عطشا، والصدى: العطشان، ويروى ( إن متنا صدى أينا الصدى ) والمراد بالصدى في هذه الرواية ما كانت العرب تزعمه في الجاهلية أن الرجل إذا قتل ولم يُدرك بثأره خرج من رأسه طائر يشبه البُوم فيصيح: ( اسقوني، اسقوني ) فإذا أخذ بثأره سكن، والصدى في غير هذا قالوا: بدن الميت، والصوت الذي تسمعه من ناحية الجبل ونحوه، وذكرُ البوم، ويقال: ( هو صدى مال ) أي الذي يقوم به، وقوله: ( يروى نفسه ) أراد يروى نفسه من الخمر، ثم حذف لعلم المخاطب، ومن روى ( إن متنا صدى ) أراد أن متنا عطشا، ومن روى ( صدى أينا الصدى ) بالإضافة أراد صدى أينا العطشان.

( أَرَى قَبْر نَحَّامٍ بَخِيلٍ بِمَالِهِ. . . . . . . .كَقَبْرِ غَوِيٍّ فيِ البَطَالَةِ مُفْسِدِ )

النَّحام: الزَّحار عند السؤال البخيل، والغوي الذي يتبع هواه ولذاته، ومعنى البيت أن من يبخل بماله عند أداء الحق، وعند السؤال، وعند لذاته، إذا مات فقد استوى هو ومن ينفق ماله ويقضي لذاته، وفضله من ينفق في حياته.

( تَرَى ِجُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا. . . . . . . .صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدِ )

الجثوة: التراب المجموع، يقال للرجل: ( إنما هو جثوة اليوم أو غد )، ويقال لكل مجتمع ( جُثوة ) والجمع جُثى، وفي الحديث: ( مَنْ دَعَا دُعَاء الجاهلية فإنه من جُثَى جهنم ) أي من جماعات جهنم، ويروى ( من جثى جهنم ) وهو جمع جاث، والصُّمُّ: الصلبة، والمُنضد: الذي قد نضد بعضه على بعض.

( أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ، وَيَصْطَفِي. . . . . . . .عَقِيلَةَ مَالِ الفَاحِشِ المُتَشَدِّدِ )

يعتام: معناه يختار، يقال: اعتامه، واعتماه، إذا اختاره، وعقيلة كل شيء: خيرته وأنفسه عند أهله، ويروى ( يعتام الكريم )، والكريم: الشريف الفاضل، قال الله تعالى: ( ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )، أي شرفناهم وفضلناهم، ويقال للصفوح كريم لفضله، كما قال عز وجل: ( إنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم )، ويقال للكثير كريم، كقوله تعالى: ( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم ) أي كثير، ويصطفي: يختار صفوته، والفاحش: القبيح السيئ الخلق، والمُتشدد: البخيل، وكذلك الشديد، قال الله تعالى: ( إنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ )، قال أبو العباس: إنه من أجل حب الخير لبخيل.

( أَرَى الدَّهْرَ كَنْزاً نَاقِصاً كُلَّ لَيْلَةٍ. . . . . . . .وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَدِ )

أراد أهل الدهر، ويروى ( أرى العيش )، و ( أرى العمر )، والكنز: ما استعد وحُفظ، وقوله: ( ما تنقُص الأيام ) أي ما تنقصه الأيام ينفد.

( لَعَمْرُكَ أن المَوْتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى. . . . . . . .لَكَالطِّوَلِ المُرْخَى وَثِنْيَاهُ بِاليَدِ )

الطول: الحبل، وثنياه: ما ثُنى منه، ويقال: طرفاه، لأنهما يُثنيان، وقوله: ( ما أخطأ الفتى ) أي في إخطائه الفتى، أي في أن يطول عمره بمنزلة حبل رُبطت به دابة يُطوَّل لها في الكلأ حتى ترعاه، فيقول: الإنسان قد مُدَّ له في أجله وهو آتيه لا محالة، وهو في يدي من يملك قبض روحه، كما أن صاحب الفرس الذي قد طوَّل له إذا شاء اجتذبه وثناه اليه، وموضع ( ما ) نصب، وهو في تقدير المصدر.

( فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمّيَ مَالِكاً. . . . . . . .مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ )

معناه إذا أردت وده ودنوه تباعد مني، وقال ( ينأ عنى ويبعُد ) ومعناهما واحد، وإنما جاء بهما لأن اللفظين مختلفان، وإنما المعنى يبعد ثم يبعد بعد ذلك.

( يَلُومُ وَمَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُومُنِي. . . . . . . .كَمَا لاَمَنِي فِي الحَيِّ قُرْطُ بْنُ أَعْبَدِ )

قُرْطُ: رجل لامه على ما لا يحب أن يلام عليه، وقوله: ( علام ) الأصل ( على ما ) لأن المعنى على أي شيء يلومني، إلا أن هذه الألف تحذف في الاستفهام مع ما، إذا كان قبلها حرف خافض ليفرق بين ما إذا كانت استفهاما وبينها إذا كانت بمعنى الذي، ويكون الحرف الخافض عوضا مما حذف.

( وَأَيْأَسَنِي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُهُ. . . . . . . .كَأَنَّا وَضَعْنَاهُ إلى رَمْس مُلْحَدِ )

أي جعلني ذا يأس من الخير، فهو بمنزلة الموتى إذ كان لا يُرجى منه خير، والرمس: القبر، والملحد: اللحد.

( عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ قُلْتْهُ، غَيْرَ أَنَّنِي. . . . . . . .نَشَدْتُ فَلَمْ أُغْفِلْ حَمُولَةَ مَعْبَدِ )

معبد: أخو طرفة، قال ابن الأعرابي: كان لطرفة ولأخيه إبل يرعيانها يوما ويوما، فلما أغبها طرفة قال له أخوه معبد: لم لا تسرح في إبلك ؟ وكأنك ترى أنها أن أُخذت يردُّها شعرُك هذا ؟ قال: فإني لا أخرج فيها أبدا حتى تعلم أن شعري سيردها أن أخذت، فتركها، وأخذها ناس من مُضر، فادَّعى جوار عمرو وقابوس ورجل من اليمن يقال له بشر بن قيس، فقال في ذلك طرفة:

أَعَمْرُو بْنَ هِنْدٍ مَا تَرَى رَأْىَ صِرْمَةٍ

وقال غيره: هذه إبل ضلت لمعبد، فسأل طرفة ابن عمه مالكا أن يعينه في طلبها، فلامه وقال: فرَّطت فيها ثم أقبلت تتعب نفسك في طلبها.ويقال: نشدت الضالة، إذا طلبتها، وأنشدتها إذا عرَّفتها، والحمولة: الإبل التي تحمل، والحمولة: الأحمال، وقوله: ( فلم أغفل ) أراد نشدت حمولة معبد فلم أغفل ذلك، وأعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لقال: فلم أغفلها، ويروى ( فلم أغفل حمولة معبد ) أي لم أغفل عن ذلك.يقول: لامني على غير ذنب كان مني اليه، الا إنني طلبت حمولة معبد، و ( غير ) منصوب على الاستثناء، وهو استثناء ليس من الأول، وعلى ذلك يجوز أن تكون متعلقة بلا منى أو بأيأسنى.

( وَقَرَّبْتُ بِالقُرْبَى، وَجَدِّكَ إِنَّنِي. . . . . . . .مَتَى يَكُ أَمْرٌ للِنَّكِيِثَةِ أَشْهَدِ )

أي أدللت على مالك بالقرابة، والنكيثة: بلوغ الجهد، وقيل: النكيثة شدة النفس، وقوله: ( وجدِّك ) أي وحظك، يخاطب مالكا ويقول: أدللت بما بيني وبينك من القرابة، ويحلف إنه متى يك أمر للنكيثة يشهد ذلك الأمر، ويعينه على حضوره، ويروى ( وَجَدِّك إنه ) والهاء للأمر والشأن.

( وَإِنْ أُدْعَ فيِ الجُلَّي أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا. . . . . . . .وَإِنْ يَأْتِكَ الاعْدَاءُ بِالجَهْدِ أَجْهَدِ )

ويروى ( وإن أدع للجلي ) والجلي: الأمر العظيم الجليل، قال يعقوب: الجلي فعلى من الأجل كما تقول الأعظم والعظمى، وقال غيره: الجلي بضم الجيم مقصورة، فإذا فتحت جيمها مددت فقلت: الجلاء، أبو جعفر النحاس: الجلي الأمر الجليل، وأنثه على معنى القصة والحال، ويقال: جليل وجلال، كما يقال: طويل وطوال، وقولهم جلل للعظيم والصغير، قال أصحاب الغريب المحض: هما ضدان، وقال أهل النظر: جلل للعظيم على بابه وجلل للصغير على بابه من الجل وهو الشيء الذي لا يُعبأ به، ويجوز أن يكون جلل لما جاوز في العظم والصغر، وقالوا في قول الله عز وجل: ( إِنَّ اللهَ لاَ يَستَحِي أن يَضْرِبَ مَثَلاَ مَا بَعُوضَةً فمَا فَوْقَهَا ) أي فما فوقها في الصغر، ومعنى: ( أكُنْ من حماتها ) أي ممن يدفع ويقاتل، يقال: حميت الموضع ؛ إذا دفعت عنه، وأحميته: جعلته ذا حمى، و وحميت أنفي محمية، إذا استنعت من الضيم.

( وَإنْ يَقْذِفُوا بالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهِمْ. . . . . . . .بِكَأْسِ حِيَاضِ المَوْتِ قَبْلَ التَّهَدُّدِ )

ويروى ( بشرب حياض الموت قبل التنجد ) القَذْع والقَذَع: اللفظ القبيح والشتم، والصحيح في العِرْضِ إنه النَّفْسُ كما قال:

فإن أَبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي. . . . . . . .لِعِرْضِ محمدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

والمعنى: أن شتمك الأعداء عاقبتهم قبل أن أتهددهم، والتنجد: الاجتهاد فيمن رواه.

( بِلاَ حَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وَكَمُحْدِثٍ. . . . . . . .هِجَائِي وَقَذْفِي بِالشَّكَاةِ وَمُطْرَدِي )

الباء في ( بلا حدث ) يجوز أن تكون متعلقة بقوله: ( ينأ عني ) ويجوز أن تكون متصلة بقوله يلوم وبقوله أيأسنى، والكاف في ( كمحدث ) في موضع رفع، المعنى: هو كمحدث هجائي: أي هو متعد عليّ، ويجوز أن يكون المعنى: وأنا كمحدث هجائي، أي قد صيرتي بمنزلة من قد فُعِل هذا به، ومن روى ( مُطردي ) بضم الميم فهو من أطرده إذا جعله طريدا، ومن فتح الميم فهو من طرده إذا نحاه، ويروى ( كمحدَثٍ ) بفتح الدال ؛ فمن كسر الدال أراد الرجل الذي هجاني كرجل أحدث حدثا عظيما، ومن فتح الدال أراد هجائي كأمر محدَث عظيم، قال الأصمعي: يقال هجأ غرثه، وأهجَأَ غَرَثَهُ، إذا كسره، والهجاء: الذم، يقال: فلانة تهجو زوجها، أي تذُمُّ صحبته، وقال في قوله ( كمحدث ) بفتح الدال: أي كإحدَاثي شكايته إياي.

( فَلَو كَانَ مَوْلاَيَ امْرَءاً هُوَ غَيْرُهُ. . . . . . . .لَفَرَّجَ كَرْبِي أو لأَنْظَرَنِي )

ويروى ( فلو كان مولاي ابن اصرم مسهر ) ومولاي في موضع نصب خبر كان في هذه الرواية، وفي الرواية الأولى في موضع رفع اسم كان، ويجوز أن يروى ( فلو كان مولاي امرُؤُ ) على أن يكون امرؤ اسم كان ومولاي الخبر، ويكون مثل قوله:

كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ ؤَأْسٍ. . . . . . . .يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ

إلا إنه في بيت طرفة أحسن ؛ لأنه قد وصله بقوله هو غيره، فقارب المعرفة وقوله: ( لفرَّج كربي ) أي أعانني على ما نزل بي من الهم ( أو لأنظرني غدى ) أي تأنى عليَّ فلم يعجلني.

( وَلَكِنَّ مَوْلاَي امْرْؤٌ هُوَ خَانِقِي. . . . . . . .عَلَى الشُّكْرِ وَالتَّسْآلِ أو أَنَا مُفْتَدِ )

معناه يسألني أن أشكره وأفتدى منه بمالي، وقال الأصمعي: أو أنا مفتد منه، ويروى ( أو أنا مُعتد ) أي معتد عليه.

( وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبى أَشَدُّ مَضَاضَةً. . . . . . . .عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ )

قيل: أن هذا البيت لعدى بن زيد العبادي، وليس من هذه القصيدة، وقوله ( أشد مضاضة ) أي أشد حُرقة من قولهم: مضني الشيء، وأمضني.

( فَذَرْنِي وَخُلْقِي ؛ إِنَّنِي لَكَ شَاكِرٌ. . . . . . . .وَلَوْ حَلَّ بَيْتِي نَائِياً عِنْدَ ضَرْغَدِ )

ضرغد: اسم جبل، وقيل: هو حرة بأرض غطفان.

( فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بْنَ خَالِدٍ. . . . . . . .وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْرو بْنَ مَرْثَدِ )

قال أبو عبيدة: قيس بن خالد من بني شيبان، وعمرو بن مرثد: ابن عم طرفة، فلما بلغ هذا عمرو بن مرثد وجه إلى طرفة فقال له: أما الولد فالله يعطيكهم، وأما المال فسنجعلك فيه أسوتنا، فدعا ولده - وكانوا سبعة - فأمر كل واجحد فدفع إلى طرفة عشرا من الإبل، ثم أمر ثلاثة من بني بنيه فدفع كل واحد منهم إلى طرفة عشرا من الإبل، وكان الثلاثة الذين دفعوا إلى طرفة يفتخرون على من لم يدفع، ويقولون: جعلنا جَدُّنا بمنزلة بنيه.

( فَأُلْفِيتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، وَعَادَنِي. . . . . . . .بَنُونَ كِرَامٌ سَادَةٌ لمسَوَّدِ )

ويروى ( فأصبحت ذا مال ) ابن كيسان يقال: عادني واعتادني، وزارني وازدارني.وقوله ( سادة لمسود ) أي سادة أبناء سيد، كما يقال: شريف لشريف، أي شريف ابن شريف.

( أَنَا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الّذِي تَعْرِفُونَهُ. . . . . . . .خَشَاشٌ كَرَأْسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّدِ )

الضَّرْبُ: الخفيف، ومن روى ( الجعد ) أراد المجتمع الشديد والخشاش: الرجل الذي ينخش في الأمور ذكاء ومضاء، وروى الأصمعي خِشاش بكسر الخاء، وقال: كل شيء خِشاش بالكسر إلا خَشاش الطير لخسيسه.وقوله ( كرأس الحية ) العرب تقول لكل متحرك نشيط: رأسه كرأس الحية، وأما الحديث الذي يروى في صفة الدجال ( كأن رأسه أصلة ) فإن الأصلة الأفعى، والمتوقد: الذكي، يقال: توقدت النار توقدا ووقدت تقد وقدانا ووقدا وقدة.

( فَآلَيْتُ لاَ يَنْفَكُّ كَشْحِي بِطَانَةْ. . . . . . . .لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ )

ويروى ( لأبيض عضب ) آليت: حلفت، ولا ينفك: لا يزال، والكشح: الجنب، ومعناه لا يزال جنبي لاصقا بالسيف، والعضب: السيف القاطع، وشفرتاه: حدَّاه، ومُهنَّد: منسوب إلى الهند.

( حُسَامٍ إذا مَا قُمْتُ مُنْتَصِراً بِهِ. . . . . . . .كَفَى العَوْدَ مِنْهُ البَدْءُ لَيْسَ بِمِضْدِ )

الحُسام: القاطع، وقوله ( كفى العود ) أي كفت الضربة الأولى من أن يعود، وقولهم ( رجع عوده على بدئه ) أي رجع ناقضا لمجيئه، وعوده منصوب لأنه في موضع الحال عند سيبويه، ويجوز أن يكون مفعولا، لأنه يقال: رجع الشيء ورجعته، ويجوز ( رجع عوده على بدئه ) أي وهذه حاله، كما تقول: ( كلمته فوه إلى فِيَّ ) وإن شئت نصيته، والمعضد: الكال الذي يُعضد به الشجر، وقوله ( منتصرا ) معناه متابعا للضرب، ويقال: قد تناصر القوم على رؤية الهلال ؛ إذا تتابعوا، ونصر الله أرض بني فلان ؛ إذا جادها بالمطر، ويقال: منتصرا معناه ناصرا، وقيل: منتصرا أنتصر من ظلمي.

( أَخِي ثِقَةٍ لاَ يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيبَةٍ. . . . . . . .إذا قِيلَ مَهْلاً قَالَ حَاجِزُهُ قَدِي )

أخي ثقة: أي يثق بسيفه، ومعنى ( لا ينثني عن ضريبة ) أي لا ينبو عنها ولا يعوج، والضريبة: المضروبة، وحاجزه: حده، وقول قد أي قد فرغ.

( إذا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاَحَ وَجَدْتَنِي. . . . . . . .مَنِيعاً إذا بَلَّتْ بِقَائِمِهِ يَدِي )

أي إذا عجلوا إليه وتبادروا، ومنه يقال: ( ناقة بدرية ) إذا كانت تبكر اللقاح وتنتج قبل الإبل، وذلك من فضل قوتها وجودتها، قال الراجز:

لِسَالِمٍ أن سَكَتَ العَشِيَّهْ. . . . . . . .عَنِ البُكَاءِ نَاقَةٌ بَدْرِيَّهْ

والسلاح يُذكَّر ويؤنث، ويروى ( وجدتُني ) بضم التاء، والمنيع: الذي لا يوصل إليه، ومعنى ( بَلَّتْ ) ظفرت وتمكنت، وقائم السيف: مقبضه.

( وَبَرْكٍ هُجُودٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِي. . . . . . . .نَوَادِيَهَا أَمْشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ )

البرك: جماعة إبل أهل الحواء، وقال أبو عبيدة: البرك يقع على جميع ما يبرُكُ من الجمال والنوق على الماء وبالفلاة من حر الشمس أو الشبع، الواحد بارك، والأنثى باركة، وقيل لها برك لاجتماع مباركها، وبرك البعير إذا ألقى صدره على الأرض، يقال للصدر: برك وبركة، ويقال: أن البركة مشتقة من البرك ؛ لأن معناها خير مقيم وسرور يدوم، وقولهم ( مُبارك ) معناه الخير يأتي بنزوله، و ( تبارك الله ) منه، ونواديها: ما ندَّ منها، ويروى ( هواديها ) وهو أوائلها، والهجود: النيام، وإنما خصَّ النوادي لأنه أراد: لا يفلت من عقري ما قرب وما شذّ، وأمشي: حال، أي قد أثارت مخافتي نوادي هذا البرك في حال مشي إليه بالسيف.

( فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلاَلَة. . . . . . . .عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالْوَبِيلِ يَلَنْدَدِ )

الكهاة: الضخمة المسنة، والخيف: جلد الضرع الأعلى الذي يُسمى الجراب، وناقة خيفاء: إذا كان ضرعها كبيرا، والجُلال والجليلة: العظيمة، والوبيل: العصا، وقيل: هي خشبة القصَّارين، وكل ثقيل وبيل، ومنه قوله عز وجل: ( فَأَخَذْنَاهُ أَخَذاً وَبِيلاً )، واليلندد: الشديد الخصومة.

( يَقُولُ وَقَدْ تَرَّ الوَظِيفُ وَسَاقُهَا:. . . . . . . .أَلَسْتَ تَرَى أن قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤَْيِدِ ؟ )

تر الوظيف: انقطع، وأتررته: قطعته، والوظيف: عظم الساق والذراع، والمؤيد: الداهية، ويروى ( بُمويد ) أي جئت بأمر شديد يُشدد فيه من عقرك هذه الناقة.

( وَقَالَ: أَلاَ مَاذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ. . . . . . . .شَدِيدٍ عَلَيْنَا بَغْيُهُ مُتَعَمِّدِ ؟ )

ويروى ( سخطه متعيد ) والمتعيد: الظلوم، قال الشاعر:

يَرَى المُتَعَيِّدُونَ عَلَىَّ دُونِي. . . . . . . .أُسُودَ خَفِيَّةَ الغُلْبَ الرِّقَابَا

وموضع ( ماذا ) نصب بترون، ويجوز أن يجعل ( ما ) في موضع رفع، ويكون التقدير: ما الذي ترونه بشارب.

( فَقَالَ: ذَرُوهُ إنما نَفْعُهَا لَهُ. . . . . . . .وَإِلاَّ تَرُدُّوا قَاصِيَ البَرْكِ يَزْدَدِ )

وروى أبو الحسن ( فقالوا ذروه ) وهو الصواب ؛ لأن المعنى: وقال الشيخ يشكو طرفة إلى الناس، فقالوا - يعني الناس - ومن روى ( فقال ) فروايته بعيدة ؛ لأنه يحتاج إلى تقدير فاعل، والهاء في قوله ( ذَرُوهُ ) تعود على طرفة، وكذلك في قوله ( نفعُها لهُ ) وقال أبو الحسن: الهاء في قوله ( ذرُوهُ ) تعود على طرفة، وفي قوله نفعها له على الشيخ، و ( قاصي البرك ) ما تباعد منه، والمعنى أنكم أن لم تردوه يزدد في عقره، ويروى ( تزدد ) - بالتاء - أي تزدد نفارا، أي ذروه لا تلتفتوا إليه، واطلبوا قاصي البرك لا يذهب على وجهه.

( فَظَلَّ الإمَاءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا. . . . . . . .وَيُسْعَى عَلَيْنَا بِالسَّدِيفِ المُسَرْهَدِ )

الإماء: الخدم، الواحدة أمه، وقد تجمع على إموان، والجمع السلم أموات، وحكى الكوفيون أميات، و ( يمتللن ) أي يشتوين في الملة، وهي الرماد والتراب الحار، وقولهم ( أطعمنا ملة ) خطأ ) ؛ لأن الملة الرماد، ويحتمل أن يكون المراد أطعمنا خبز ملة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كقوله عز وجل: ( واسْأَلِ القَرْيَةَ ) والحوار: ولد الناقة، والسديف: شطائب السنام، الواحدة شطيبة، وهو ما قطع منه طولا، والمسرهد: الناعم الحسن الغذاء.

( فإن مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ. . . . . . . .وَشُقِّي عَلَىَّ الجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ )

انعيني: أي اذكري من أفعالي ما أنا أهله، يقال: فلان ينعى على فلان ذنوبه، إذا كان يعددها عليه ويأخذه بها، المعنى: فإن مت من قصدي هذا، يخاطب ابنة أخيه.

( وَلاَ تَجْعَلِينِي كَامْرِئٍ لَيْسَ هَمّهُ. . . . . . . .كَهَمِّي، وَلاَ يُغْنِي غَنَائِي وَمَشْهَدِي )

أي لا يغني غناء مثل غنائي، أي لا يغني في الحرب غنائي ومشهدي في المجالس والخصومات.

( بَطِيءٍ عَنِ الجُلَّي، سَرِيعٍ إلى الخَنَا. . . . . . . .ذَلِيلٍ بإجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ )

ويروى ( ذلول ) والجلي: الأمر العظيم الذي يُدعى له ذوو الرأي، والخنا: الفساد في المنطق، والذليل: المقهور، وهو ضد العزيز، يقال: ذلَّ يذلُّ ذُلا فهو ذليل وذالّ، والذَّلُول: ضد الصعب، وإجماع: جمع جُمع، وهو ظهر الكف إذا جمعت أصابعك وضممتها، والملهد: المضروب وهو المدفَّع.

( فَلَوْ كْنْتُ وَغْلاً فيِ الرِّجَالِ لَضَرَّنِي. . . . . . . .عَدَاوَةُ ذِي الأصحاب وَالمُتَوَحِّدِ )

الوغل: الضعيف الخامل الذي لا ذكر له والمتوحد: المنفرد.

( وَلَكِنْ نَفَى عَنِّي الأعَادِيَ جُرْأَتِي. . . . . . . .لَمَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْقِي وَمَحْتِدِي )

ويروى ( ولكن نفى عني الرجال جراءتي ) ويروى ( ولكن نفى الأعداء عني جرأتي ) والمحتد: الأصل يقول: محتدى وصدقي وجرأتي نفين عني إقدام الرجال وتسرع الأعداء إلى أن يقدموا عليَّ بالمساءة.

( لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِي عَلَىَّ بِغُمَّةٍ. . . . . . . .نَهَارِي، وَلاَ لَيْلِي عَلَىَّ بِسَرْمَدِ )

الغمة: الأمر الذي لا يُهتدى له، والمعنى: إني لا أتحير في أمري نهارا، ولا أؤخره ليلا فيطول على الليل ؛ لأن السرمد الطويل.

( وَيَوْمًٍ حَبَسْتُ النَّفْسَ عِنْدَ عِرَاكِهِ. . . . . . . .حِفَاظاً عَلَى عَوْرَاتِهِ وَالتَّهَدُّدِ )

ويروى ( ويوم حبست حبست النفس عند عراكها ) ويروى ( حفاظا على روعاته ) أصل العراك الازدحام، أي صبرت النفس عند ازدحام القوم في الحرب والخصومات على روعات اليوم، وهن فزعاته، ومن روى ( على عوراته ) فمعناه على مخافة العدو، قال الله عز وجل: ( يَقُولُونَ أن بُيُرتَنَا عَوْرَة، ومَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ) أي إنها حذاء العدو، والعورة: موضع المخافة، ومن روى ( عند عراكه ) أي عراك اليوم وهو علاجه، ومن روى ( عند عراكها ) أراد الحرب.

( عَلَى مَوْطِن يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى. . . . . . . .مَتَى تَعْتَرِكْ فِيهِ الفَرَائِصُ تُرْعَدِ )

الموطن هنا: مستقر الحرب، والردى: الهلاك، والفرائص: جمع فريصة، وهي المضغة التي تحت الثدي مما يلي الجنب عند مرجع الكتف، وهو أول ما يُرعد من الإنسان ومن كل دابة إذا فزع، و ( على ) تتعلق بقوله ( حبست ) في البيت الذي قبله.وروى أبو عمرو الشيباني - ولم يروه الأصمعي، ولا ابن الأعرابي - بيتا، وهو:

( وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظرْتُ حِوَارَهُ. . . . . . . .عَلَى النَّارِ وَاسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ )

عنى بالأصفر قدحا، وإنما جعله أصفر لأنه من نبع أو سدر، والأصفر هنا الأسود، والمضبوح: الذي قد غيرته النار، والحوار: المرد، يقال: ما أدري ما حوار هذا الكلام، والحوار: مصدر حاورته، و ( على النار ) أي عند النار، وذلك في شدة البرد، كانوا يوقدون النيران، وينحرون الجزور، ويضربون عليها القداح، وأكثر ما يفعلون ذلك بالعشي عند مجيء الضيفان، وقوله ( نظرتُ حواره ) أي انتظرت فوزه ( واستودعته كف مجمد ) المجمد هنا: الذي يضرب بالسهام، والمجمد: الذي يأخذ بكلتا يديه ولا يخرج من يديه شيء، ويقال ( أجمد الرجل ) إذا لم يكن عنده خير.

( سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً. . . . . . . .وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تزَوِّدِ )

أي ستظهر لك الأيام ما لم تكن تعلمه، ويأتيك بالخبر من لم تسأله عن ذلك ولم تزود.وروى جرير:

( وَيَأْتِيكَ بِالأنْبَاء مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ. . . . . . . .بَتَاتاً، وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ )

تبع له بتاتاً: أي تشتر له زاداً.وأنشدوا بيتين، وقيل: إنهما لعذي بن زيد:

( لَعَمْرُكَ مَا الأيَّامُ إِلاَّ مُعَارَةٌ. . . . . . . .فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فتَزَوَّدِ )

( عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِينَهُ. . . . . . . .فإن القَرِينَ بِالمُقَارِنِ يَقْتَدِي )

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي