شرح القصائد العشر/معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي

معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي - شرح القصائد العشر

معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي وقال عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جُشم بن بكر ابن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.قال أبو عمرو الشيباني: كانت بنو تغلب بن وائل من أشد الناس في الجاهلية، وقالوا: لو أبطأ الإسلام قليلا لأكلت بنو تغلب الناس، ويقال: جاء ناس من بني تغلب إلى بكر بن وائل يستسقونهم فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم، فرجعوا، فمات سبعون رجلا عطشا.ثم أن بني تغلب اجتمعوا لحرب بكر بن وائل، واستعدت لهم بكر حتى إذا التقوا كره كل صاحبه، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت، فدعا بعضهم بعضا إلى الصلح، فتحاكموا في ذلك إلى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلا من أشراف بكر ابن وائل فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خليت سبيلهم، ففعلوا، وتواعدوا ليوم بعينه يجتمعون فيه، فقال الملك لجلسائه: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا ؟ فقالوا: شاعرهم وسيدهم عمرو بن كلثوم، قال: فبكر بن وائل ؟ فاختلفوا عليه، وذكروا غير واحد من أشراف بكر بن وائل، قال: كلا والله لا تفرج بكر بن وائل إلا عن الشيخ الأصم يعثر في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرفعها، حتى يرفعها قائده فيضعها على عاتقه، فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم حتى جلس إلى الملك، وقال الحارث بن حلزة لقومه: إني قد قلت خُطبة فمن قام بها ظفر بحجته وفلج على خصمه، فرواها ناسا منهم، فلما قاموا بين يديه لم يرضهم، فحين علم إنه لا يقوم بها أحد مقامه قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه - وذلك لبرص كان به - غير أني لا أرى أحدا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم، فانطلق حتى أتى الملك، فلما نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك: أهذا يناطقني وهو لا يُطيق صدر راحلته ؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته:

آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ. . . . . . . .رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثوَاءُ

وهو من راء سبعة ستور، وهند تسمع، فلما سمعتها قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلا يقول مثل هذا القول يُكلم من وراء سبعة ستور، فقال الملك: ارفعوا سترا، ودنا، فما زالت تقول ويرفع ستر فستر حتى صار مع الملك على مجلسه، ثم أطعمه من جفنته، وأمر أن لا يُنضح أثره بالماء، وجزَّ نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، مره أن لا يُنشد قصيدته إلا متوضئا، فلم تزل تلك النواصي في بني يشكر بعد الحارث، وهو من ثعلبة بن غنم من بني مالك بن ثعلبة، وأنشد عمرو بن كلثوم قصيدته.

( أَلاَ هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَا. . . . . . . .وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأنْدَرِينَا )

ألا: تنبيه، وهو افتتاح الكلام وهُي: معناه قومي من نومك، يقال: هب من نومه هبَّا، إذا انتبه وقام من موضعه، والصحن: القدح الواسع الضخم، والصبوح: شرب الغداة، والأندرين: قرية بالشام كثيرة الخمر، ويقال: إنما أراد أندر، ثم جمعه بما حواليه، ويقال: أن اسم الموضع أندرون، وفيه لغتان: منهم من يجعله بالواو في موضع الرفع وبالياء في موضع النصب والجر ويفتح النون في كل ذلك، ومنهم من يجعل الإعراب في النون، ولا يجيز أن يأتي بالواو، وقال أبو إسحاق: يجوز أن يأتي بالواو ويجعل الإعراب في النون، ويكون مثل زيتون يُجرى إعرابه في آخر حرف منه، قال أبو إسحاق: خبرنا بهذا أبو العباس، ولا أعلم أحدا سبقنا إلى هذا.

( مُشَعْشَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيهَا. . . . . . . .إذا مَا المَاءُ خَالَطَهَا سَخِينَا )

المشعشعة: الرقيقة من العصر أو من المزج، والحص: الورس، و ( فيها ) أي في الخمر، ويقال في الحص: إنه الزعفران، شبه صفرتها بصفرته، وقوله: ( سخينا ) قال أبو عمرو الشيباني: كانوا يُسخنون لها الماء في الشتاء، ثم يمزجونها به، وهو على هذا منصوب على الحال، أي إذا خالطها في هذه الحال، وقيل: هو نعت لمحذوف، والمعنى فاصبحينا شرابا سخينا، ثم أقام الصفة مُقام الموصوف، وقيل: سخينا فعل، أي إذا شربناها سخينا كما قال:

وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكاً. . . . . . . .وَأُسْدَا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ

فأما قوله ( مشعشعة ) فانه منصوب على الحال، وان شئت على البدل من قوله ( خمور الأندرينا ) وإن شئت رفعت بمعنى هي مشعشعة، وقد قيل: أن مشعشعة منصوبة بقوله: فاصبحينا.

( تَجُورُ بِذِي اللُّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ. . . . . . . .إذا مَا ذَاقَهَا حَتَّى يَلِينَا )

تجور: تعدل، واللبانة: الحاجة، أي تعدل بصاحب الحاجة عن هواه حتى يلين لأصحابه ويجلس معهم ويترك حاجته، وقيل: حتى يلين عن هواه فيسكر عنه.

( تَرَى اللَّحِزَ الشّحِيحَ إذا أُمِرَّتْ. . . . . . . .عَلَيْهِ لِمَالِهِ فيها مُهينا )

اللحز: الضيق البخيل، وقيل: هو السيئ الخلق اللئيم، ويقال: هي من الأشياء التي تجمع كثيرا من الشرور مثل الهلباجة، وروى بعض أهل اللغة إنه قيل لأعرابي: ما الهلباجة ؟ فقال: السيئ الخلق، ثم قال: والأحمق، ثم قال: والطياش، ثم قال بيديه: احمل عليه من الشر ما شئت والشحيح: البخيل وقوله: ( إذا أمرت عليه ) أي إذا أديرت.والمعنى: أن الخمر إذا كثر دورانها عليه أهان ماله.يقال: ( فلان مهين لماله ) إذا كان سخيا، و ( فلان معز لماله ) إذا كان بخيلا.

( صَدَدْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْروٍ. . . . . . . .وكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِينَا )

( ومَا شَرُّ الثّلاَثَةِ أُمَّ عَمْروٍ. . . . . . . .بِصَاحِبِكِ الّذِي لاَ تَصْبَحِينَا )

بعضهم يروي هذين البيتين لعمرو أخت جذيمة الأبرش، وذلك لما وجده مالك وعقيل في البرية، وكانا يشربان، وأُمُّ عمرو هذه المذكورة تصد عنه الكأس، فلما قال هذا الشعر سقياه وحملاه إلى خاله جذيمة، ولهما حديث.

( وَأَنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَايَا. . . . . . . .مُقَدَّرَةً لَنَا وَمُقَدَّرِينَا )

المنايا: جمع منية، ويقال: المنايا الأقدار من قول الله عز وجل: ( مِنْ نُطْفَةٍ إذا تُمْنَى ) معناه إذا تُقدر، وقوله: ( مُقَدَّرة لنا ومقدرينا ) أي نحن مقدرون لأوقاتها وهي مقدرة لنا، ومقدرة: منصوبة على الحال، وكذلك مقدرينا، أي تدركنا في هذه الحال، ومعنى هذا البيت في اتصاله بما قبله إنه لما قال: ( هُبِّي بصحنك ) حضها على ذلك، فالمعنى: فاصبحينا قبل حضور الأجل ؛ فإن الموت مُقدَّر لنا ونحن مُقدرون له.

( قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينَا. . . . . . . .نُخَبِّرْكَ اليَقِينَ وَتُخْبِرِينَا )

يا ظعينا: معناه يا ظعينة، فرخم، وحذف الهاء، وأشبع الفتحة فصارت ألفا، أي قفي نُخبرك ما لا تشكين فيه من حروبنا مع أهلك، والمعنى قبل أن يفارقنا أهلك، وقيل: المعنى قبل أن يُفرِّق بيننا الموت، والأول أصح.

( بِيَوْمِ كَرِيهَةِ ضَرْباً وَطَعْناً. . . . . . . .أَقَرَّ بِهِ مَوَالِيكِ العيُوناً )

( بيوم كريهة ) أي بيوم وقعة كريهة، وإنما ثبتت الهاء في كريهة وهي في تأويل مفعولة لأنها جُعلت اسما مثل النطيحة والذبيحة، والكريهة: اسم لشدة البأس في الحرب، والموالي هنا: العصبة، وقيل: يريد بهم بني العم، وقوله: ( طعنا وضربا ) مصدران، أي نطعن طعنا ونضرب ضربا، ويجوز أن يكون مفعولا بهما ويكون الفاعل مضمرا، ويكون المعنى بيوم يُكرَه الضرب والطعن فيه، والباء في قوله ( بيوم ) متعلقة بقوله قفي، ويجوز أن تكون متعلقة بقوله نخبرك، فإذا كانت متعلقة بقوله قفي فالمعنى قفي بهذا اليوم الكريه الذي كان بيننا وبين أهلك فيه حرب لأنظر أغيرك ذلك أم لا، ثم بيَّن بالذي بعده، فقال:

( قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صُرْمَا. . . . . . . .لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأمِينَا )

ويروى ( هل أحدثت وصلا ) والصرم: القطيعة، ووشك البين: سرعته، والمعنى: هل أحدثت قطيعة لقرب الفراق ؟ وجعل ما تخبره به كأنه خيانة، وجعل نفسه بمنزلة الأمين الذي يحفظ السر، أي لم يُغيرني شيء من الحروب التي كانت بيني وبين أهلك، وأنا لك بمنزلة الأمين.

( تُرِيكَ إذا دَخَلْتَ عَلَى خَلاَءٍ. . . . . . . .وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الكَاشِحِينَا )

الكاشح: العدو، وإنما قيل له كاشح لأنه يُعْرِض عنك ويوليك كشحه وهو الجنب، وقيل: إنما قيل له كاشح لأنه يُضمر العداوة في كشحه، وخلاء: خلوة من الرُّقباء.

( ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ. . . . . . . .تَرَبّعَتِ الأجَارِعَ وَالمُتُونَا )

أي تريك ذراعي عيطل، وهي الطويلة، وقيل: الطويلة العنق، والأدماء: البيضاء، والبكر: التي ولدت ولدا واحدا، وتكون التي لك تلد، وتربعت: رعت نبت الربيع، والأجارع: جمع أجرع وجرعاء، وهو من الرمل: ما لم يبلغ أن يكون جبلا، والمتون: جمع متن، وهو ما غلظ من الأرض، وروى أبو عبيدة:

ذِرَاعَيْ حُرَّةٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ. . . . . . . .هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأَ جَنِبنَا

أي لم تضم في رحمها ولدا قط، يقال: ما قرأت الناقة سلى قط، أي لم ترم بولد، وقال: سُمِّيَ كتاب الله قرآنا لأن القارئ يُظهره ويبينه ويُلقيه من فيه.

( وَثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخْصَا. . . . . . . .حَصَاناً مِنْ أَكُفِّ اللاّمِسِينَا )

أي تريك ذراعي عيطل، وتريك ثديا كحق العاج في بياضه ونتوه، والرحض: اللينة، والحصان: العفيفة، وقيل: التي تحصنت من الريب، واللامسون: أهل الريبة، وقوله: ( حصانا ) يجوز أن يكون من نعت الثدي، ويجوز أن يكون حالا من المضمر الذي في ( تُريك ).

( وَمَتْنَيْ لَدْنَةٍ طَالَتْ وَلاَنَتْ. . . . . . . .رَوَادِفُهَا تَنُوءُ بِمَا يَلِينَا )

ويروى ( بما ولينا ) اللدنة: اللينة، وروادفها: أعجازها، وتنوء: تنهض، أي تنوء بما يليهن، أي بما يقرب من اعجازهن، والمتن: جانب الصلب.

( تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا. . . . . . . .رَأَيْتُ حُمُولَهَا أَصُلاً حُدِينَا )

ويروى ( وراجعت الصبا ) أي رجعت إلى ما كنت عليه من اللهو في شبيبتي، والاشتياق: رقة القلب للقاء المحبوب، والحُمُول: الإبل التي يُحمل عليها الأثقال.والأصل: جمع أصيل، و ( أُصُلا ) نصب على الظرف، وحدين معناه قد حدين، وتأويله الحال.

( وَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ. . . . . . . .كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا )

أَعرضت: معناه ظهرت وبدت، ويقال: أعرض وعرض إذا بدل قال ابن كيسان: أحسن ما في هذا أن يكون أعرض بمعنى بدا بعضه، كأنه بدا عرضه: أي ناحيته، وعرض إذا بدا كله، واشمخرت: طالت، والمعنى بدت مستطيلة، والكاف في قوله ( كأسياف ) في موضع نصب على إنها نعت لمصدر محذوف، والمُصلت: الشاهر سيفه، والمعنى أن اليمامة ظهرت فتبَّينتها كما تتبين السيوف إذا شُهرت، فاشتقت لذلك لما رأيت موضعها الذي تصير إليه، وكان ذلك أشد لو لهى.

( فَمَا وجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقْبٍ. . . . . . . .أَضَلّتْهُ فَرَجَّعَتِ الحَنِينَا )

أم سقب: ناقة، وسقبها: ولدها الذكر، وأضلته: ضل منها، فرجَّعت الحنين: أي رددته حزنا على ولدها.

( ولاَ شَمْطَاءُ لَمْ يَتْرُكْ شَقَاهَا. . . . . . . .لَهَا مِنْ تِسْعَةٍ إِلاّ جَنِينَا )

الشمطاء: التي ليست بشابة، وهو أشد لحزنها، والشمطاء: نسق على ( أم سقب ) يقول: وجدي على هذه المرأة أشد من حُزن هذه الناقة التي أضلت ولدها والمرأة التي فقدت تسعة أولاد فما من ولدها إلا جنين، أي قد أجنته الأرض تحتها، وجنين بمعنى مُجن أي لم يترك شقاها لها إلا مقبورا، وحزني على هذه المرأة أشد من حزنها.

( وَإِنَّ غَداً، وَإِنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ. . . . . . . .بَعْدَ غَدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِينَا )

معناه يأتيك بما لا تعلمين من الحوادث وغيرها، أي الأيام مرتهنة بالأقدار، فهي توافينا من حيث لا نعلم، ونظير هذا قوله:

وَأَعْلَمُ مَا فِي اليَوْمِ وَالأمْسِ قَبْلَهُ. . . . . . . .وَلكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ

ومعنى هذا البيت في أثر تلك الأبيات: أني قد علَّقت قلبي بهذه المرأة، والأقدار تأتي، ولا أدري ما يكون من أمرها

( أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا. . . . . . . .وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِينَا )

أبو هند: عمرو بن المنذر وهو أبو المنذر أيضا، وأنظرنا: انتظرنا، ويجوز أن يكون معناه أخرنا.

( بِأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضاً. . . . . . . .وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رَوِينَا )

الرايات: الأعلام، وبيضا وحمرا: منصوبان على الحال، وهذا تمثيل، مثَّل الرايات بالإبل والدم بالماء، فكأن الرايات ترجع وقد رويت من الدم كما ترجع الإبل وقد رويت من الماء.

( وَأَيَّامِ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ. . . . . . . .عَصَيْنَا المَلْكَ فِيهَا أن نَدِينَا )

ويروى ( وأيام لنا ولهم طوال ) يقول: وأيام لنا بيض مشهورة، وواحد الغر أغر، وقال أبو عبيدة: إنما سمي الأيام غرا طوالا لعلوهم على الملك وامتناعهم منه لعزهم، فأيامهم غر لهم طوال على أعدائهم، وقوله: ( وأيام ) معطوف على قوله: ( بأنا ) والمعنى بأيام، ويجوز أن تجعل الواو بدلا من رُبَّ، ومن روى ( لنا ولهم ) أراد القبائل، ولم يجر لها ذكر، إلا إنه لما ذكر الرايات وإصدارها عُلم أن ثم مُقاتلين، فحمل الضمير على المعنى، وقوله: ( أن ندينا ) أي أن نُطيع، والدين: الطاعة، وأن في موضع نصب، أي في أن ندينا، ثم حذف ( في ) فتعدى الفعل، وهذا مُطَّرد، أن تحذف حروف الجر مع أن لطول الاسم، وقال بعض النحويين: أن في موضع خفض على حذف الخافض.

( وَسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَدْ تَوَّجُوهُ. . . . . . . .بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِينَا )

ويروى ( قد عَصَّبُوه بتاج الملك ) ويحمي: معناه يمنع، والمُحجرون: الذين قد أُلجئوا إلى المضيق، و ( يحمي المحجرينا ) صفة لسيد.

( تَرَكْنَا الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ. . . . . . . .مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُوَنَا )

ويروى ( عاطفة عليه ) وعاكفة: مُقيمة، وواحد الصفون: صافن، وهو القائم، وقيل: هو الذي رفع إحدى قوائمه للتعب، و ( تركنا الخيل ) يحتمل معنيين، أحدهما أن يريد خيله وخيل أصحابه، يقول: أحطنا به لأخذ سلبه، فقد نزل الرجال عن الخيل فقلّدوها الأعنة يأخذون السلب، وإذا أراد معشره فالمعنى أن أصحابه لم يُغنوا عنه شيئا وهم حواليه لا يردون عنه.

( وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّا. . . . . . . .وَشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يَلِينَا )

ويروى ( وقد هرت كلاب الجن منا ) والمعنى: إنا قد غلبنا كل أحد حتى قد كرهنا كلاب الحي وكلاب الجن، شبه من كان شديد البأس بالجن، أي من كان شديد البأس قد أخذناه فكيف بغيره ؟ وشذّا: فرَّقنا، والقتادة: شجرة لها شوك، والتشذيب: قطع الأغصان وشوكها، ومعناه إنا فرَّقنا جموعهم وأذهبنا شوكتهم ؛ فصاروا بمنزلة هذه الشجرة التي قُطعت أغصانها، وقوله ( من يلينا ) أي من ولي حربنا، ويجوز أن يكون معناه من يقرُب منا من أعدائنا.

( مَتَى نَنْقُلْ إلى قَوْمٍ رَحَانَا. . . . . . . .يَكُونُوا فيِ اللِّقَاءِ لها طَحِينَا )

أي متى حاربنا قوم كانوا لنا كالطحين للرحا أي كالحنطة، والمعنى إنا نقتلهم ونأخذ أموالهم، فيكونون بمنزلة ما دارت عليه الرحا في الهلاك، أي ننال منهم ما نريد.

( يَكُونُ ثِفَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ. . . . . . . .وَلُهْوَتُها قُضَاعَةُ أَجْمَعِينَا )

ويروى ( شرقي سلمى ) الثفال: جلدة أو خرقة تجعل تحت الرحا يسقط عليه الطحين أراد أن شرقي سلمى للحرب بمنزلة الثفال للرحا، واللهوة: قبضة تُلقى في الرحا والمعنى: أن كيدنا وحربنا تُشبه الرحا، وهذه الرحا تستوعب هذا الموضع العظيم، وتهلك هذا الحي الكبير، فيكون بمنزلة هذه القبضة التي تُلقى في الرحا في هلاكهم.

( وَإِنَّ الضغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَفْشُو. . . . . . . .عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا )

ويروى ( يبدو ) والضغن: الحقد الذي يخفى ولا يظهر إلا بالدلائل، والداء: يعني به الحقد، وأراد بالدفين المستتر في القلب.

( وَرِثْنَا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ. . . . . . . .نُطَاعِنُ دُونَهُ حَتَّى يَبِينَا )

المجد: الشرف والرفعة، وقوله ( حتى يبينا ) معناه حتى يظهر، ويروى ( حتى نُبينا ) - بضم النون - أي حتى نُبين مجدنا وفضلنا، ويروى ( حتى يلينا ) أي حتى ينقاد لنا، وقال أبو جعفر احمد بن عبيد: الرواية ( حتى يَبينا ) - بفتح الياء - أي حتى ينقطع منهم، ويصير إلينا، يقول: أن لآبائنا فعالا صالحا فنحن نرثه لأنه ينسب إلينا ولا يستتر.

( وَنَحْنُ إذا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّتْ. . . . . . . .عَلَى الأحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِينَا )

ويروى ( عن الأحفاض ) والعماد: جمع عمود، والأحفاض، واحدها حفض.وهو متاع البيت، ويسمى البعير الذي يحمل المتاع حفضا، فمن روى ( عن الأحفاض ) أراد عن الإبل، ومن روى ( على الأحفاض ) أراد على المتاع وقوله ( نمنع من يلينا ) يريد من جاورنا، ويجوز أن يكون معناه من والانا، أي من كان حليفا لنا.ومعنى البيت: إنه لا يُطمع فيهم في إقامة ولا ظعن ؛ لأن الأساطين إنما تسقط على المتاع وقت رحيلهم.وكانوا يرحلون إما لخوف وإما لنُجعة، فأخبر إنه لا يطمع فيهم، ويمنعون من يجاورهم، وبين ذلك فقال:

( نُدَافِعُ عَنْهُمُ الأعْدَاءَ قِدْماً. . . . . . . .وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُونَا )

قِدما: أي قديما، وقُدْما: أي تقدما، و ( حملونا ) أي ما جنوا علينا من حمالة أو غيرها.

( نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا. . . . . . . .وَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ إذا غُشِينَا )

ويروى ( ما تراخى الصف عنا ) أي تباعد، يقال: ( تراخت داره ) إذا بعدت، وغُشينا: أي دنا بعضُنا من بعض.

( بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّىِّ لُدْنٍ. . . . . . . .ذَوَابِلَ أو ببِيضٍ يَعْتَلِينَا )

الباء في قوله ( بسُمْرٍ ) متعلقة بقوله نُطاعن، والسُّمر من الرماح أجودها، ولُدن: لينة، وذوابل: فيها بعض اليُبس، يقول: لم تجف كل الجفوف فتنشق إذا طعن بها وتندق، ويعتلين: أي يعلون رؤوسهم.

( نَشُقُّ بِهَا رُؤُوسَ القَوْمِ شَقًّا. . . . . . . .وَنُخْلِيهَا الرِّقَابَ فَيَخْتَلِينَا )

( بها ) أي بالسيوف، و ( نخليها الرقاب ) أي نجعل الرقاب لها كالخلا وهو الحشيش، يصف حدة السيوف وسُرعة قطعها، فكأنهم يقطعون بها حشيشا.

( تَخَالُ جَمَاجِمَ الأبْطَالِ فِيهَا. . . . . . . .وُسُوقاً بِالأمَاعِزِ يَرْتَمِينَا )

الأماعز: جمع أمعز وهي الأرض الصلبة الكثيرة الحصى والوسوق: جمع وسق، وهو الحمل، ويروى ( وسوقا ) جمع ساق، وأصله سووق إلا أن الواو إذا انضم ما قبلها لم تكسر ولم تضم ؛ لأن ذلك يستثقل فيها، فوجب أن تسكن، ولا يجتمع ساكنان، فحذفت إحدى الواوين ؛ فعلى قياس سيبويه أن المحذوفة الثانية ؛ لأنها زائدة فهي أولى بالحذف، وعلى قياس قول الأخفض أن المحذوفة الأولى ؛ لأن القانية علامة فلا يجوز حذفها

( نَحُزُّ رُؤوسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ. . . . . . . .فَمَا يَدْرُونَ مَاذَا يَتَّقُونَا )

ويروى ( نجذ رؤوسهم في غير بر ) أي في غير بر منابهم ولا شفقة عليهم، فما يدرون كيف يردون عن أنفسهم، ويروى ( نجز رؤوسهم ) أي نجزُّ نواصيهم إذا أسرناهم، ونمن عليهم، وقالوا ( في غير بر ) أي لا نتقرب إلى الله بذلك كما نتقرب بالنُّسُك، ويروى ( في غير نُسك ) وقوله ( ماذا يتَّقُونا ) أي ما الذي يتقون، ويجوز أن يكون ماذا حرفا واحدا منصوبا بيتقون، أيْ أيَّ شيء يتقون ويروى ( تخرُّ رءوسُهم في غير بَرٍّ ) أي تقع في بحر من الدماء.

( كَأَنَّ سُيُوفَنَا فِينَا وَفِيهِمْ. . . . . . . .مَخَارِيقٌ بأيْدِي لاَعِبِينَا )

قيل: المخاريق ما مثل بالشيء وليس به، تحو ما يلعب به الصبيان يُشبهونه بالحديد قال ابن كيسان: فيه معنى لطيف ؛ لأنه وصف السيوف وجودتها ثم أخبر أنها في أيديهم بمنزلة المخاريق في أيدي الصبيان، وقيل: إنه أراد سيوف أصحابه وسيوف أعدائه، وعند بعضهم سميت هذه القصيدة المنصفة لهذا، وقيل: بل يصف سيوف أصحابه لا سيوف أعدائه، ومعنى ( فينا وفيهم ) على هذا أن السيوف مقابضها في أيدينا ونحن نضربهم بها.

( كَأَنَّ ثِيَابَنَا مِنَّا وَمِنْهُمْ. . . . . . . .خُضِبْنَ بِأَرْجُوانٍ أو طُلِينَا )

الأرجوان: صبغ أحمر فشبه كثرة الدماء على الثياب بصبغ أحمر، ومن قال ( إنه يصف سيوفه وسيوف أصحابه ) احتج بهذا البيت، ومن قال ( إنما يصف سيوف أصحابه ) يقول: إذا قتلوهم كان عليهم من دمائهم.

( إذا مَا عَيَّ بِالإسْنَافِ حَيٌّ. . . . . . . .مِنَ الهَوْلِ المُشَبَّهِ أن يكُونَا )

الإسناف: التقدم في الحروب، وعَي: من العي في الحرب لهولها، والمُشبَّه: أن يشتبه الأمر عليهم فلم يعلموا كيف يتوجهون له، وقوله ( أن يكون ) أراد كراهة أن يكون، ثم حذف كراهة وأقام أن مُقامها.ومعنى البيت: إذا تحير الحي وتوقفوا كراهة أن يكون الهول تقدَّمنا ونصبنا الكتائب.

( نَصَبْنَا مِثْلَ رَهْوَةً ذَاتَ حَدٍّ. . . . . . . .مُحَافَظَةً وَكُنَّا السَّابِقينَا )

ويروى ( وكنا المُستفينا ) أي المتقدمين، رهوة: جبل، ويقال رهوة أعلى الجبل، وقوله ( ذات حد ) أي كتيبة ذات شوكة، كأنه قال: نصبنا كتيبة ذات حد، وقيل: المعنى نصبنا حربا ذات حد مثل رهوة، ومحافظة: منصوب على إنه مصدر، وإن شئت كان في موضع الحال والمعنى محافظة على أحسابنا.

( بِفِتْيانٍ يَرَوْنَ القَتْلَ مَجْداً. . . . . . . .شِيبٍ فِي الحُرُوبِ مُجَرَّبِينَا )

المجد: الحظ الوافر الكافي من الشرف والسؤدد، وأصل المجد في الكثرة.

( حُدَيَّا النَّاسِ كُلِّهِمُ جَمِيعاً. . . . . . . .مُقَارَعَةً بَنِيهمْ عَنْ بَنِينا )

قالوا معنى ( حُديا الناس ) كما تقول واحد الناس، وقيل: ( حديا الناس ) معناه نحن أشرف الناس، يقال: أن حدياك في الأمر، أي فوقك والحديا: الغاية، وقالوا: حُديَّا معناه أحدو الناس أسوقهم وأدعوهم كلهم إلى المقارعة لا أهاب أحدا فأستثنيه، وحُديَّا: تصغير حدوى ويكون من قولهم ( تحدَّيت ) أي قصدت، فيكون المعنى على هذا أقصد الناس، ومُقارعة: مراهنة ( بنيهم عن بنينا ) أي أقارعهم على الشرف والشدة، وقيل: معناه نقارع بنيهم، أي نقارع بالرماح، وقيل: الرواية ( مقارعة بنيهم أو بنينا ) أي نقتل بنيهم أو يقتلون بنينا، ويكون قوله ( مقارعة ) يدل على القتال، و ( بنيهم ) في موضع نصب، أي نقارع، و ( حديا ) يجوز أن يكون رفعا على إنه خبر مبتدأ، أي نحن حديا الناس، ويجوز أن يكون منصوبا على المدح.

( فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ. . . . . . . .فَصْبِحُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينَا )

التلبُّب: التحزم بالسلاح، ويروى ( فتصبح خيلنا عصبا ثبينا ) قوله: ( فنصبح غارة ) أي فنصبح متيقظين مستعدين، والعُصب: الجماعات، الواحدة عصبة، والثُّبُون: الجماعات في تفرقة، ويقال ( ثِبُون ) بكسر الثاء في الجمع، كما كسرت السين في قولهم ( سُنُون ) ليدل الكسر على إنه جمع على خلاف ما يجب له، ويقال ( ثٌبَات ) وإنما جمع بالواو والنون لأنه قد حذف منه آخره، فقيل: المحذوف منه ياء، وقيل: واو، فأما الفراء فيذهب إلى أن هذه المحذوفات ما كان منها أوَّلها مضموما فالمحذوف منه واو، وما كان أوله مكسورا فالمحذوف منه الياء، ويقول في بنت وأخت مثل هذا.

( وَأَمَّا يَوْمَ لاَ نَخَشَى عَلَيْهِمْ. . . . . . . .فَنُصْبِحُ فِي مَجَالِسِنَا ثُبِينَا )

يقول: إذا خشينا اجتمعنا، فإذا لم نخش تفرَّقنا، وقد تقدم الكلام في ثُبة، وبقي فيها أنك إذا أصغرتها قلت في تصغيرها ( ثُبية ) ترد إليها ما حذف منها، ومنه ( ثبيت الرجل ) إذا أثنيت عليه في حياته، كأنك جمعت محاسنه، فأما قولهم لوسط الحوض ثُبة فليس من هذا، وإنما هو من ثاب يثوب إذا رجع، كأن الماء يرجع اليها، والدليل على إنه ليس من ذلك أن العرب تقول في تصغيره: ثويبة، فالمحذوف منه عين الفعل، ومن ذلك لامه.ومن روى في البيت الأول ( فتصبح خيلنا عصبا ثبينا ) روى هذا البيت:

وَأَمَّا يَوْمَ لاَ نَخْشَى عَلَيْهِمْ. . . . . . . .فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينَا

وغارة: منصوبة على المصدر ؛ لأن معنى نُمعن ونُغير واحد، ويجوز أن يكون المعنى وقت الغارة، ثم حذف وقتا، وأعرب غارة بإعرابه كما قال:

تَبْكِي عَليْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالقَمَرَا

معناه وقت نجوم الليل والقمر.

( بِرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ بَكْرٍ. . . . . . . .نَدُقُّ بِهِ السُّهُولَةَ وَالحزُونَا )

الرأس: الحي العظيم، ويقال للحي الذي لا يحتاجون إلى إعانة أحد ( رأس ).وجشم فعل من ( جشمت الأمر ) إذا تكلفته.ومعنى البيت: إنا ندق به كل صعب ولين لقوتنا.

( بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ. . . . . . . .تُطِيعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِينَا ؟ )

( مشيئة ) من شاء يشاء ؛ وإن شئت لينت الهمزة فقلت مشية، وعمرو: منصوب على إنه اتباع لقوله ابن هند، كما قيل ( مُنتن ) فأتبعوا الميم التاء، والقياس أن يقال: عمرو بن هند، إلا أن الأول أكثر، والوشاة: جمع واش، وهذا جمع يختص بع المعتل كقاض وقضاة، وفي غير المعتل يجيء على فعلة ككاتب وكتبة، وقوله ( تزدرينا ) فيه ضرورة قبيحة، على إنه هذا البيت لم يروه ابن السكيت، والضرورة التي فيه إنه إنما يقال: ( زريت على الرجل ) إذا عبت عليه فعله، و ( أزريت به ) إذا قصرت به، فإذا لم يستعمل في الثلاثي إلا بالحرف كان أجدر أن لا يستعمل في افتعلت منه، إلا إنه يجوز على قبح في الشعر أن تحذف الحرف وتعديه في بعض المواضع، وكأنه جاز هاهنا لأنه قال قبله ( تُطيع بِنا ) ويروى ( وتزدهينا ) وفيه من الضرورة ما في الأول لأنه يقال ( زهى علينا فلان ) إذا تكبَّر، و ( زهاه الله ) إذا جعله متكبرا.

( بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ. . . . . . . .نَكُونُ لِقَيْلِكُمْ فِيهَا قَطِينَا.)

ويروى ( نكون لخلفكم ) والخلف: الرديء من كل شيء، والمراد به هنا العبيد والخدم، والقطين: المتجاورون، وقيل: القطين اسم للجمع كما يقال عبيد، وإنما استعمل للواحد، ويقال في الجمع: قُطَّان، ويقال ( قطن في المكان ) إذا أقام به.

( تَهَدَّدْنَا وَأَوْعِدْنَا رُوَيْداً. . . . . . . .مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينَا ؟ )

ويروى ( تُهدِّدُنا وتُوعدُنا ) قالوا: ( وعدتُه ) في الخير والشر، فإذا لم تذكر الخير قلت: وعدتُه، وإذا لم تذكر الشر قلت: أوعدته، وذكر ابن الأنباري إنه يقال: وعدت الرجل خيرا، وشرا، وأوعدته خيرا، وشرا، فإذا لم تذكر الشر قلت: أوعدته، و ( رويدا ) منصوب على إنه مصدر، وقوله ( مَقتوينا ) بفتح الميم كأنه نسب إلى مقتي وهو مفعل من القتو، والقتو: الخدمة خدمة الملوك خاصة، وقال الخليل: المقتوون مثل الأشعرين، يعني إنه يقال: أشعري وأشعرون، ومقتوي ومقتوون، فتحذف ياء النسبة منهما في الجمع، وفي المقتوين علة اخرى، وهي إنه يقال في الواحد مقتوي ثم تحذف ياء النسبة، فتصير الواو طرفا وقبلها فتحة، فيجب أن تقلب ألفا فيصير مقتى مثل ملهى، ثم يجب أن يجمع على مقتين مثل مصطفين، هذا القياس، غير أن العرب استعملتها على حذف هذا، فقالوا في الرفع: مقتوون، وفي النصب والخفض: مقتوين، وتقديره إنه جاء على أصله، فكأنه يجب على هذا أن يقال في الواحد: مقتو، ثم يجمع فيقال: مقتوون.

( فإن قَنَاتَنَا يَا عَمْرُو أَعْيَتْ. . . . . . . .عَلَى الأعْدَاءِ قَبْلَكَ أن تَلِينَا )

أراد بالقناة الأصل، أي نحن لا نلين لأحد، وموضع ( أن ) نصب على معنى بأن تلينا ولأن تلينا.

( إذا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّت. . . . . . . .وَوَلَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا )

الثِّقاف: ما تُقوم به الرماح، واشمأزت: نفرت، وعشوزنة: صلبة شديدة، والزبون: الدَّفوع، والزبن: الدفع والزبانية عند العرب: الأشد، سُمُّوا زبانية لأنهم يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم، وعشوزنة: منصوبة بولَّتْ.

( عَشَوْزَنَةً إذا انْقَلَبَتْ أَرَنَّتْ. . . . . . . .تَدُقُّ قَفَا المُثَقِّفِ وَالجَبِينَا )

قوله ( أرنت ) يقول: إذا انقلبت في ثقافها صوَّتت وشجَّت قفا من يثقفها.

( فَهَلْ حُدِّثْتَ فجُشَمَ بْنِ بَكْرٍ. . . . . . . .بِنَقْصٍ فِي خُطُوبِ الأوَّلِينَا ؟ )

ويروى ( عن جُشم ) وإنما يخاطب عمرو بن هند، يقول: هل حُدثت أن أحدا اضطهدها في قديم الدهر ؟ والخطوب: الأمور، واحدها خطب.

( وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بْنِ سَيْفٍ. . . . . . . .أَبَاحَ لَنَا حُصُونَ المَجْدِ دِينَا )

ويروى ( حصون الحرب دينا ) الدين: الطاعة، وعلقمة: رجل منهم، وقوله ( أباح لنا حصون الحرب ) معناه إنه كان قاتل حتى غلب عليها ثم تركها مباحة لنا، ودينا: معناه خاضعا ذليلا، وديناً: منصوب على الحال، وروى ( حصون المجد حينا ) ويقال: أن علقمة هذا هو الذي أنزل بني تغلب الجزيرة.

( وَرِثتُ مُهَلْهِلاً وَالخَيْرَ مِنْهُ. . . . . . . .زُهَيْراً، نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِينَا )

يقال: أن مهلهلا كان صاحب حرب وائل أربعين سنة، وهو جد عمرو بن كلثوم من قبل أمه، وزهير: جده من قبل أبيه، فذكرهما يفتخر بهما.

( وَعَتَّاباً وَكُلْثُوماً جِميعاً. . . . . . . .بِهِمْ نِلْنَا تَرَاثَ الأكْرَمِينَا )

ويروى ( تراث الأجمعينا ) يعني جماعتهم، وليست هذه أجمعين التي تكون للتأكيد ؛ لأن أجمعين لا تفرد ولا يدخلها الألف واللام لأنها معرفة، ويروى ( مساعي الأكرمينا ) وجميعا: نصب على الحال.

( وَذَا البُرَةِ الّذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ. . . . . . . .بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلْجَئِيئَا )

( ذو البرة ) رجل من بني تغلب بن ربيعة، وقيل: هو كعب بن زهير، وإنما قيل له ( ذو البرة ) لأنه كان على انفه شعر خشن، فشبه بالبُرة.

( وَمِنَّا قَبْلَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ. . . . . . . .فَأَيُّ المَجْدِ إلاَّ قَدْ وَلِينَا ؟ )

الرواية عند أكثر أهل اللغة بنصب أي على أن تُنصب بولينا، وزعم بعض النحويين إنه لا يجوز أن تنصب أي هنا ؛ لأنه لا يعمل ما كان في حيز الإيجاب فيما كان قبله، وقوله ( ولينا ) من الولاية، أي صار إلينا فصرنا ولاة عليه، وقال هشام بن معاوية: أنشد الكسائي هذا البيت برفع أي بما عاد من الهاء المضمرة، أراد فأي المجد إلا قد وليناه ؟

( مَتَى نَعْقِدْ قَرِينَتَنَا بِحَبْلِ. . . . . . . .نَجُذّ الوَصْلَ أو نَقِصِ القَرِينَا )

ويروى ( متى نعقد قرينتنا بقوم، نحز الحبل ) ويروى ( نجذ الحبل ) والقرينة: التي تُقرن إلى غيرها، يقول: متى نُقرن إلى غيرنا، أي متى نسابق قوما نسبقهم، ومتى قارنَّا قوما في حرب صابرناهم حتى نقص من يقرن بنا: أي ندق عنقه، ونجذ: نقطع، وأصل القرينة الناقة والجمل تكون فبهما خُشُونة يُربط أحدهما إلى الآخر حتى يلين أحدهما.

( وَنُوجَدُْ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَاراً. . . . . . . .وَأَوْفَاهُمْ إذا عَقَدُوا يَمينَا )

الذِّمار: حريم الرجل وما يحق على الرجل أن يحميه، وذمارا ويمينا: منصوبان على التفسير ويجوز أن يروى ( ونوجد نحن أمنعهم ) على أن يكون خبر نحن، والجملة في موضع نصب، ومن نصب فنحن على معنيين أحدهما أن يكون صفة للضمير وفيها معنى التوكيد، والآخر أن يكون فاعله، قال الله تعالى: ( وَمَا تُقَدِّمُوا لأِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وأَعْظَمَ أَجْرا ) ويجوز أفى غير القرآن على ما تقدم، ويقال: وفى وأوفى، وأوفى أفصح، إلا أن ( أوفاهم ) لا يجوز أن يكون من أوفى ؛ لأن الفعل إذا جاوز ثلاثة أحرف لم يُقل فيه: هذا أفعل من هذا، ويقال: عهدت إلى فلان في كذا وكذا، أي ألزمته إياه، فإذا قلت ( عاقدته ) فمعناه ألزمته إياه باستيثاق.

( وَنَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ فِي خَزَازٍ. . . . . . . .رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِينَا )

ويروى ( في خزازي ) وهو جبل، ويقال: موضع يقول: قدت نار الحرب في خزاز، ورفدنا: أعطينا، ومعناه هنا أعنَّا فوق عون من أعان.

( وَنَحْنُ الحَابِسُونَ بِذِي أُرَاطَي. . . . . . . .تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُورُ الدَّرِينَا )

أراطي: مكان، وقيل: ماء والجلة: العظام من الإبل، والخور: الغزار الكثيرة الألبان، وبنى واحدتها على خوراء، والمستعمل في كلام العرب خوارة وتسف: تأكل، والدرين: حشيش يابس يقول: حبسنا إبلنا على الدرين صبرا حتى ظفرنا يطمع فينا عدو.

( وَنَحْنُ الحَاكِمُونَ إذا أُطِعْنَا. . . . . . . .وَنَحْنُ العَازِمُونَ إذا عُصِينَا )

ويروى ( ونحن العاصمون إذا أُطعنا ) والحاكمون: المانعون، والمعنى: إنا نمنع ممن أطاعنا ونعزم أي نثبت على قتال من عصانا.

( وَنَحْنُ التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطْنَا. . . . . . . .وَنَحْنُ لآخِذُونَ لِمَا رَضِينَا )

يقول: إذا كرهنا شيئا تركناه، ولم يستطع أحد إجبارنا عليه، وإذا رضينا أخذناه، ولم يحل بيننا وبينه أحد ؛ لعزنا وارتفاع شأننا.و ( ما ) في معنى الذي.

( وكنَّا الأَيْمَنِينَ إذا التقَيْنَا. . . . . . . .وَكَانَ الأَْيَسرِينَ بَنوُ أَبِينَا )

قال أبو العباس ثعلب: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر، يقال: اجعلني في يمينك، ولا تجعلني في شمالك، أي اجعلني من المتقدمين عندك، ولا تجعلني من المؤخرين، وقال ابن السكيت: أي كنا يوم خزازي في الميمنة وكان بنو عمنا في الميسرة.

( فَصَالُوا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِيِهِمْ. . . . . . . .وصُلْنَا صَوْلةً فِيمَنْ يَلِينَا )

صال فلان على فلان: ترفع عليه، يقول: حملوا حملة فيمن يليهم وحملنا حملة فيمن يلينا، وقال ( فيمن يليهم ) على لفظ من، ولو كان على المعلقال ( فيمن يلُونهم ).

( فآبُوا بِالنِّهَابِ وبِالسَّبَايا. . . . . . . .وَأُبْنَا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا )

آبوا: رجعوا، والنهاب: جمع نهب والمصفدون: المغللون بالأصفاد، الواحد صفد وهو الغُل، يقول: ظفرنا بهم فلم نلتفت إلى أسلابهم ولا أموالهم، وعمدنا إلى ملوكهم فصفدناهم في الحديد.

( إِليْكُمْ يَا بِني بَكْرٍ، إِليْكُمْ. . . . . . . .أَلَمَّا تَعْرِفُوا مِنَّا اليَقِينَا )

قوله ( إليكم ) إليك: اسم للفعل، فإذا قال القائل ( إليك عني ) فمعناه أبعد، وإلى في الأصل لانتهاء الغاية، فكأن معنى قوله ( إليكم يا بني بكر ) تباعدوا إلى أقصى ما يكون من البعد، ولا يجوز أن يتعدَّى ( إليكم ) عند البصريين لا يقال إليك زيدا، لأن معناه تباعد، وقوله ( ألما تعرفوا منا اليقينا ) أي ألما تعرفوا منا الجد في الحرب عرفانا يقينا، والفرق بين لما ولم أن لما نفي قد فعل ولم نفُى فعل، ومن الفرق بينهما أن لم لابد أن يأتي معها الفعل ولمَّا يجوز حذف الفعل معه.

( أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا ومِنْكمْ. . . . . . . .كَتائبَ يَطَّعِنَّ ويرْتَمينَا )

الكتائب: جماعات، واحدتها كتيبة، وسميت كتيبة لاجتماع بعضها إلى بعض.

( عَلَيْنَا البَيْضُ واليَلَبُ اليَمَانِي. . . . . . . .وأَسْيَافٌ يُقَمْنَ ويَنْحَنِينَا )

ويروى ( يُقمن ) والبيض: جمع بيضة الحديد، واليلب: قال ابن السكيت: هو الدرع، و: الديباج، وقيل: ترسة تعمل في اليمن من جلود الإبل لا يكاد يعمل فيها شيء، وينحنين: أي ينثنين من كثرة الضراب وقال الأصمعي: اليلب جلود يخرز بعضها إلى بعض تُلبس على الرؤوس خاصة، وليست على الأجساد، وقال أبو عبيدة: هي جلود تُعمل منها دُروع فتلبس، وليست بترسة، وقيل: اليلب جلود تلبس تحت الدروع.

( عَلَيْنَا كُلُّ سَابِغَةِ دِلاَصٍ. . . . . . . .تَرَى فَوْقَ النِّجَادِ لَهَا غُضُونَا )

السابغة: التامة من الدروع، والدلاص: اللينة التي تزلّ عنها السيوف، والنجاد: حمائل السيف، والغُضُون: التكسر، ويقال: إنه جمع غضن كفلس وفُلُوس.

( إذا وُضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يَوْماً. . . . . . . .رأَيْتَ لَهَا جُلُودَ القَوْمِ جُونَا )

ويروى ( إذا وضعت على الأبطال ) والجون: السود، أي تسود جلودهم من صدأ الحديد، ويقال: أن الجُون جمع جون والأصل فيه على هذا أن يكون على فُعُول، حذفت منه الواو لالتقاء الساكنين، وقيل: إنما بني الواجد على أفعل ثم جمعه على فُعْل.

( كَأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتُونُ غُدْرٍ. . . . . . . .تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إذا جَرَينَا )

ويروى ( كأن غضونهن متون غُدر ) والمتون: الأوساط، والغُدر: جمع غدير.قال ابن السكيت: شبه الدروع في صفائها بالماء في الغدر، وقيل: شبه تشنج الدروع بالماء في الغدير إذا ضربته الرياح فصارت له طرائق، وقوله إذا جرينا ) سناد ؛ لأن الياء إذا انفتح ما قبلها لم يتم لينها، فقوله: ( جرينا ) مع قوله ( أندرينا ) عيب من عيوب الشعر.

( وتَحْمِلُنَا غَداةَ الرَّوعِ جُرْدٌ. . . . . . . .عُرِفْنَ لنَا نَقائِذَ وافتُلِينَا )

الأجرد من الخيل: القصير الشعر الكريم، وطول الشعر هُجنة، وقوله ( نقائذ ) أي استنقذناهن، الواحدة نقيذة، والنقيذة ايضا: المختارة، والنقائذ: ما استنقذت من قوم آخرين.

( ورِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ. . . . . . . .وَنُورِثُهَا إذا مِتْنَا بَنينَا )

( وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مِنْ مَعَدٍّ. . . . . . . .إذا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينَا )

ويروى ( وقد علم القبائل غير فخر ) يقول: قد علم القبائل إذا ربت القباب أنا سادة العرب وأشرافهم ( غير فخر ) يريد ما نفخر به ؛ لأن عزَّنا وشرفنا أعظم من أن نفخر بهذا، والأبطح والبطحاء: بطن الوادي يكون فيه رمل وحصى كأنه المكان المنبطح، فأبطح بمعنى المكان وبطحاء بمعنى البقعة.ويقال: قُبَّة وقُبب وقباب وقِبب، وكذلك جُبّة وجُبب وجباب وجِبب، والأصل في قبب وجبب الضم ؛ لأن الواحدة مضمومة، إلا أن فُعلة وفِعلة يتضارعان في الجمع ألا ترى أنك تقول: رُكبة ورُكبات وكِسرة وكِسرات، ثم يسكنان فيقال: رُكْبات وكِسْرات، استثقالا للضمة والكسرة فلما تضارعا هذه المضارعة أدخلت إحداهما على صاحبتها فقيل: كُسْوة وكِسي وقُبة وقِبب.

( بِأَنَّا العَاصِمُونَ بكل كَحْلٍ. . . . . . . .وأَنَّا البَاذِلُونَ لِمُجْتدِينَا )

العاصمون: المانعون، يقال: عصم الله فلانا، أي منعه من التعرض لما لا يحل له، وكحل: سنة شديدة، قال الفراء: هي أنثى تُجْرى ولا تُجْرى، والوجه ألا تُجرى، والمجتدي: الطالب.

( وأَنّا المَانِعُونَ لِمَا يَلِينَا. . . . . . . .إذا مَا البِيضُ زَايَلَتَ الجُفُونا )

( وَأَنَّا المُنْعِمُونَ إذا قَدَرْنَا. . . . . . . .وَأنَّا المُهْلِكُونَ إذا أُتِينَا )

أي ننعم على من أسرنا بالتخلية، ونُهلك من أتانا يُغير علينا.

( وَأَنَّا الشَّارِبُونَ الماءَ صَفْواً. . . . . . . .ويَشرَبْ غَيْرُنَا كَدَراً وَطِينَا )

ويروى ( ونشرب أن وردنا الماء صفوا ) يقول: لعزتنا نشرب الماء صفوا أن وردنا، وجواب الشرط فيه قولان: أحدهما إنه ونشرب، وهذا لا يقع إلا في الماضي، إلا في الشعر، على قول بعض النحويين، فأما أكثرهم فلا يجيز في الشعر ولا غيره ( أكلمك أن تُكلمني ) فأما الماضي فجائز عند جميع النحويين أن تقول ( أكلمك أن كلمتني ) وأكلمك في موضع الجواب، والقول الآخر أن الجواب محذوف، كأنك قلت أن كلمتني أكلمك، ثم حذفت ( أكلمك ) لما في الكلام من الدلالة.

( أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا. . . . . . . .ودُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُونَا )

ويروى ( ألا أرسل بني الطماح ) قال ابن الأنباري: الطمَّاح ودعمى حيان من إياد، والمعنى فقل لهم: كيف وجدتم ممارستنا، فأضمر القول لبيان المعنى، وموضع ( كيف ) نصب بوجدتم، وقال ابن السكيت: بنو الطمَّاح من بني وائل، وهم من بني نمارة، ودعمى بن جديلة من إياد.

( نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنّا. . . . . . . .فعَجَّلْنَا القِرَى أن تَشْتِمُونَا )

أي نزلتم حيث ينزل الأضياف، أي جئتم للقتال، فعاجلناكم بالحرب، ولم ننتظركم أن تشتمونا، ويقال: معناه عاجلناكم بالقتال قبل أن توقعوا بنا فتكونوا سببا لشتم الناس إيانا، ومعنى ( أن تشتمونا ) على مذهب الكوفيين لأن لا تشتمونا، ثم حذف لا، ولا يجوز عند البصريين حذف لا، لأن المعنى ينقلب، والتقدير على مذهبهم فعجَّلنا الحرب مخافة أن تشتمونا، وحذف ( مخافة ) وأقام تشتمونا مقامها.

( قَرَيْنَاكُمْ فعجَّلْنَا قِرَاكُمْ. . . . . . . .قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونَا )

مرداة: صخرة، شبه الكتيبة بها، فقال: جعلنا قراكم الحرب لما نزلتم بنا، ولقيناكم بكتيبة تطحنكم طحن الرحا.

( عَلَى آثَارِنَا بِيضٌ كِرَامٌ. . . . . . . .نُحَاذِرُ أن تُفَارِقَ أو تَهُونَا )

يروى ( نحاذر أن تُقَسَّم ) أي نساؤنا، خُلقنا نقاتل عنهن، ونحذر أن نفارقهن أو يصرن إلى غيرنا فيهُن.

( ظَعَائِنُ مِنْ بَني جُشَمَ بَنِ بَكْرٍ. . . . . . . .خَلَطْنَ بِمِيسَمٍ حَسَباً ودِينا )

الميسم: الحسن، وهو مفعل من وسمت، أي لهن مع جمالهن حسب ودين.

( أَخَذْنَ عَلَى بُعولِتِهنَّ عَهْداً. . . . . . . .إذا لاقَوْا فَوَارِسَ مُعْلِمِينَا )

ويروى:

أَخَذْنَ عَلَى بُعولِتِهنَّ نَذْراً. . . . . . . .إذا لاقَوْا كَتَائِبَ مُعْلِمِينَا

البعل: الزوج، وأصله في اللغة ما علا وارتفع، ومنه قيل للسيد بعل، قال الله تعالى: ( أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخَالِقِينَ ) أي أتدعون ما سميتموه سيدا، ومنه قيل لما روي بالمطر بعل.

( لَيَسْتلِبُنَّ أَبْدَاناً وَبَيْضاً. . . . . . . .وَأَسْرَى فِي الحَدِيدِ مُقَرَّنِينَا )

ويروى ( وأسرى في الحديد مقنعينا ) واللام في قوله: ( ليستلبن ) جواب لأخذ العهد لأنه يمين، وقال الفراء: قال المفضل: هذا البيت ليس من هذه القصيدة، قال الفراء: فجواب أخذ العهد محذوف لبيان معناه، قال الله تعالى: ( فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أن تَبْتَغِيَ نَفَقَاً فِي الأرْضِ أو سُلَّماً فِي السَّمَاءِ ) فجوابه محذوف، معناه أن استطعت فافعل، وقال أبو جعفر في قوله ( أخذن على بعولتهن عهدا ) معناه أن الواجب علينا أن نحميهن فصار كالعهد، وعهدهن مالهن في قلوبهم من المحبة، لا أنهن أخذن عليهن عهدا، والأبدان: الدروع، واحدها بدن والبيض: الحديد، ومن كسر الباء فالمراد به السيوف، ويروى أن أحدهم كان في الحرب إذا لم يكن معه سلاح وثب على آخر، وأخذ سلاحه، والمراد في بيت سلب الأعداء، وأسرى وأسارى بمعنى واحد وقال أبو زيد: الأسرى من كان في وقت الحرب، والأسارى من كان في الأيدي.

( إذا مَا رُحْنَ يَمْشِينَ الهُوَيْنَا. . . . . . . .كَمَا اضْطرَبتَ مُتُونُ الشَّارِبِينَا )

معناه إذا ما راح النساء يمشين الهوينا، أي لا يعجلن في مشيهن ( كما اضطربت مُتُون الشاربينا ) أي يتشنين في مشيهن ويتمايلن كما يفعل السكارى، وإنما يصف نعمتهن.

( يَقُتْنَ جِيادَنَا وَيَقُلْنَ: لَسْتُمْ. . . . . . . .بُعولَتَنَا إذا لَمْ تَمْنَعُونَا )

يقتن: من القوت، يقال: قات أهله يقوتهم قياتة وقوتا، والقوت: الاسم، ويروى ( يقدن ) وكانوا لا يرضون للقيام على الخيل إلا بأهليهم إشفاقا عليها، والجياد: الخيل، واحدها جواد، فإذا قلت ( رجل جواد ) جمعته على أجواد للفرق.

( إذا لَمْ نَحْمِهِنَّ فَلاَ بَقِينَا. . . . . . . .لِشَيءٍ بَعْدَهُنَّ وَلاَ حَيِينَا )

ويروى ( إذَا لمْ نْحْمِهِنَّ فلا تركنا لِشَيْءٍ بعدهُنَّ ).

( وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَرْبٍ. . . . . . . .تَرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كالْقُلِينَا )

القُلُون: جمع قُلة، وهي الخشبة التي يلعب بها الصبيان، يضربونها بالمقلاء، وهو أطول من القُلة.

( لَنَا الدُّنْيَا وَمَنْ أَمْسَى عَلَيْهَا. . . . . . . .ونَبْطِشُ حِينَ نَبْطِش قَادِرِينَا )

( إذا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً. . . . . . . .أَبَيْنَا أن نُقِرَّ الخَسْفَ فِينَا )

الخسف هاهنا: الظُلم والنقصان، وإنما يصف عزتهم، وأن الملوك لا تصل إلى ظلمهم.

( نُسَمَّى ظَالِمِينَ وَمَا ظَلَمْنَا. . . . . . . .وَلَكنَّا سَنَبْدَأُ ظاَلِمِينَا )

ويروى ( بُغاة ظالمين وما ظلمنا ).

( إذا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ. . . . . . . .تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِدِينَا )

( مَلأَْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا. . . . . . . .وَظَهْرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِينَا )

( ظهر ) منصوب على إضمار فعل ليعطف على ما عمل فيه الفعل، وإن شئت رفعته على الابتداء وعطف جملة على جملة، ويروى ( وسط البحر )، ويروى ( ونحن البحر ).

( أَلاَ لاَ يَجْهَلنْ أَحَدٌ عَلَينا. . . . . . . .فَنَجْهَلَ فوق جَهْل الجاهلِينا )

معناه نهلكه ونعاقبه بما هو أعظم من جهله، فنسب الجهل اسه، وهو يريد الإهلاك والمعاقبة ليزدوج اللفظتان فتكون القانية على مثل لفظة الأولى، وهي تخالفها في المعنى ؛ لأن ذلك أخف على اللسان وأحضر من اختلافهما.^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي