شرح القصائد العشر/معلقة عنترة بن شداد العبسي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

معلقة عنترة بن شداد العبسي

معلقة عنترة بن شداد العبسي - شرح القصائد العشر

معلقة عنترة بن شداد العبسي وقال عنترة بن معاوية بن شداد بن قُراد، كذا قال يعقوب بن السكيت، وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: عنترة بن شداد بن معاوية بن قُراد أحد بني مخزوم بن عوف بن غالب، وكانت أمه حبشية ويكنى أبا المغلس:

( هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ. . . . . . . .أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ ؟ )

مُتردم: من قولك ( ردمت الشيء ) إذا أصلحته، ومعناه هل بقي الشعراء لأحد معنى إلا وقد سبقوا إليه ؟ وهل يتهيأ لأحد أن يأتي بمعنى لم يُسبق إليه ؟ ويروى من ( مترنم ) والترنم: صوت خفي ترجعه بينك وبين نفسك، والشعراء: جمع شاعر، وإنما يكون فُعلاء جمع فعيل مثل ظريف وظرفاء، إلا أن فعيلا إنما يقع لمن قد كمل ما هو فيه، فلما كان شاعر إنما يقال لمن قد عرف بالشعر شُبِّه بفعيل، ودخلته ألف التأنيث لتأنيث الجماعة، كما تدخل الهاء في قولك صياقلة وما أشبهه، وقوله ( أم هل ) إنما دخلت أم على هل وهما حرفا استفهام لأن هل ضعُفت في حروف الاستفهام فأدخلت عليها أم، كما أن لكن ضعفت في حروف العطف لأنها تكون مُثقلة ومخففة من الثقيلة وعاطفة، فلما لم تقو في حروف العطف أدخلت عليها الواو، ونظير هذا ما حكى عن الكسائي إنه يجيز ( جاءني القوم إلا حاشا زيد ) لأن حاشا ضعفت عنده إذ كانت تقع في غير الاستثناء، ويروى ( أم هل عرفت الربع ) والربع: المنزل في الربيع، ثم كثر استعمالهم غياه حتى قيل ( ربع ) وإن لم يكن في الربيع، وكذلك دار من التدوير، ثم كثر استعمالهم حتى قيل دار وإن لم تكن مدورة، والتوهم هنا: الإنكار، ويحتمل أن يكون بمعنى الظن.

( يَا دَارَ عَبْلَة بِالجِوَارِ تَكَلّمِي. . . . . . . .وَعِمِى صَبَاحاً دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي )

الجواء: بلد يسميه أهل نجد جواء عدنة، والجواء أيضا: جمع جو، وهو البطن من الأرض الواسع في انخفاض، ومعنى ( تكلمي ) أي أخبري عن أهلك وسكنك، و ( عمي ) قال الفراء: عم وأنعم واحد، يذهب إلى أن النون حفت منه، كما حذفت فاء الفعل من قولك خُذ وكُلْ ويروى أن أبا ذر لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ( أنعم صباحا ) قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله قد أبْدَلَنِي منها ما هو خير منها ) فقال له أبو ذر: ما هي ؟ قال: السلام ؛ ومعنى ( اسلمي ) سلمك الله من الآفات.

( فَوَقَفْتُ فِيهَا نَاقَتِي وَكَأَنَّهَا. . . . . . . .فَدَنٌ ؛ لأقِضيَ حَاجَةً المُتَلَوِّم )

الفدن: القصر، والمتلوم: المتمكث، وعنى بالمتلوم نفسه، وقوله: ( لأقضي ) منصوب بإضمار أن، ولام كي بدل منها، واللام متعلقة بقوله فوقفت فيها.

( وَتَحُلُّ عَبْلَةُ بِالجِواءِ وَأَهْلُنَا. . . . . . . .بِالحَزْنِ فَالصَّمَّانِ المُتَثَلّم )

حل يحل فهو حال، إذا نزل، وحل يحل إذا وجب فهو حال، وحل من إحرامه يحل فهو حلال، ولا يقال حال، والصَّوَّان والصَّمَّان: موضع، ويقال: جبل، والصَّمان والصوان في الأصل: الحجارة، والصوان يستعمل لحجارة النار خاصة، وكانت العرب تذبح بها، وقال أبو جعفر: الجواء بنجد، والحزن لبني يربوع، والصمان لبني تميم، ومتثلم مكان.

( حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ. . . . . . . .أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ )

حُيِّيت: من التحية، والتحية في الأصل: الملك، تقادم عهده: أي قدم العهد به وطال، وأقوى: خلا، قال عز وجل: ( نَحْنُ جعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعَاً للمُقْوِينَ ) يعني النار، أي أنها تذكرهم جهنم، وينتفع بها المقوون، قيل: المقوون الذين فني زادهم كأنهم خلوا من الزاد، وقيل: هم المسافرون كأنهم نزلوا الأرض القواء وقوله: ( أقفر ) معناه كمعنى أقوى، إلا أن العرب تكرر إذا اختلف اللفظان، وإن كان المعنى واحدا، هذا قول أكثر أهل اللغة، وأنشدوا قول الحطيئة:

أَلاّ حَبَّذَا هِنْدٌ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدُ. . . . . . . .وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النّأْيُ وَالبُعْدُ

والنأي والبعد واحد، وكذلك قول الآخر:

فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ

وهما واحد، وزعم أبو العباس إنه لا يجوز أن يتكرر شيء إلا وفيه فائدة، قال: والنأي ما قل من البعد، والبعد لا يقع إلا لما كثر والنشب: ما ثبت من المال نحو الدار وما يشبهها، يذهب إلى إنه من نشب ينشب، وكذلك قال في قول الله عز وجل: ( شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً ) قال: الشرعة ما ابتدئ من الطريق، والمنهاج: الطريق المستقيم، وقال غيره: الشرعة والمنهاج واحد، وهما الطريق، ويعني بالطريق هنا الدين.

( حَلَّتْ بِأَرْضِ الزَّائِرِينَ فَأَصْبَحَتْ. . . . . . . .عَسِراً عَلَىَّ طِلاَبُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ )

وروى أبو عبيدة:

شَطَّتْ مَزَارُ العَاشِقِينَ، فَأَصْبَحَتْ. . . . . . . .عَسِراً عَلَىَّ طِلاَبُهَا ابْنَةُ مَخْرَمِ

والزائرون: الأعداء، كأنهم يزأرون كما يزأر الأسد وعسرا: منصوب على إنه خبر أصبح، وطلابها مرفوع به، واسم أصبح مضمر فيه، ويجوز أن يكون عسر رفعا على إنه خبر الابتداء، ويضمر في أصبح، ويكون المعنى فأصبحت طلابُها عسر عليَّ، ونصب ( ابنة مخرم ) على إنه نداء مضاف، ويجوز الرفع في ابنة على مذهب البصريين، ويكون المعنى فأصبحت ابنة مخرم طلابها عسر علىَّ، كما تقول: كانت هند أبوها منطلق، ومعنى ( شطت ) على رواية أبي عبيدة أي جاوزت، يقال: شطت الدار تَشُطُّ وتَشِطُّ ؛ إذا تباعدت، والمعنى شطَّت عبلة مزار العاشقين، أي بعدت من مزارهم.فإن قيل: كيف قال: ( حلت بأرض الزائرين ) فذكر غائبة، ثم قال ( طلابُكِ ) فخاطب.قيل له: العرب ترجع من الغيبة إلى الخطاب كقوله تعالى: ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً، أن هذا كَانَ لَكُمْ جَزَاءِ ) ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى: ( حَتَّى إذا كُنْتُمْ فيِ الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) ومخرم: اسم رجل، وقيل: اسمه مخرمة، ثم رخم في غير النداء.

( عُلِّقْتُهَا عَرَضاً وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا. . . . . . . .زَعْماً لَعَمْرُ أَبِيكَ لَيْسَ بِمِزْعَمِ )

عُلقتها: أي أحببتها، وبفلان علق وعلاقة من فلانة، وقوله ( عرضا ) معناه كانت عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه، ونصب ( عرضا ) على البيان، وفي قوله ( زعما ) قولان: أحدهما أني أحبها وأقتل قومها فكان حبها زعما مني، والقول الآخر أن أبا عمرو الشيباني قال: يقال ( زَعِمَ يَزْعَم زَعَما ) إذا طمع، فيكون على هذا الزَّعم اسما يعني الزعم، وقال ابن الانباري: معناه علقتها وأنا أقتل قومها فكيف أحبها وأنا أقتلهم ؟ أم كيف أقتلهم وأنا أحبها ؟ ثم رجع مخاطبا لنفسه فقال: ( زعما لعمرُ أبيكَ ليسَ بمزعم ) أي هذا فعل ليس بفعل مثلي، والزعم: الكلام، ويقال: ( أمر فيه مزاعم ) أي فيه منازعة، قال: والعرض منصوب على المصدر، والزعم كذلك أيضا.

( وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظْنِّي غَيْرَهُ. . . . . . . .مِنِّى بِمَنْزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ )

الباء في قوله ( بمنزلة ) متعلقة بمصدر محذوف ؛ لأنه لما قال ( نزلت ) دل على النزول، وقال أبو العباس في قوله عز وجل: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) أن الباء متعلقة بالمصدر ؛ لأنه لما قال: ( ومَنْ يُرِدْ ) دلَّ على الإرادة، وقوله ( بمنزلة ) في موضع نصب، والمعنى: ولقد نزلت منى منزلة مثل منزلة المحب.وقوله ( فلا تظني غيره ) أي لا تظني غير ما أنا عليه من محبتك، والمُحب جاء على أحب وأحببت، والكثير في كلام العرب محبوب.

( كَيْفَ المَزَارُ وَقَدْ تَرَبَّعَ أَهْلُهَا. . . . . . . .بِعُنًيْزَتْينِ وَأَهْلُنَا بِالْغَيْلَمِ ؟ )

يقال ( تربع القوم ) نزلوا في الربيع، وعنيزتان والغيلم: موضعان يقول: كيف أزورها وقد بعدت عنى بعد قربها وإمكان زيارتها ؟ والمزار: مرفوع بالابتداء على مذهب سيبويه، وبالاستقرار على مذهب غيره.

( أن كُنْتِ أَزْمَعْتِ الفِراقَ فَإنَّمَا. . . . . . . .زُمَّتْ رِكَابُكُمُ بِلَيْلٍ مُظْلِمِ )

يقال: أزمعت، وأجمعت، فأنا مُزمع، والرِّكاب: لا يستعمل إلا في الإبل خاصة والركب: الجماعة الذين يركبون الإبل وقوله ( زُمَّتْ ركابكم ) أي شدت بالأزمة، والمعنى أن هذا أمر أحكمتموه بليل، فكأن أجمالكم زُمَّتْ في ذلك الوقت، وتما قصد الليل لأنه وقت تصفو فيه الأذهان، ولا يشتغل القلب بمعاش ولا غيره.

( مَا رَاعَنِي إِلاَّ حَمُولَةُ أَهْلِهَا. . . . . . . .وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمٍ )

( راعني الشيء ) أي أفزعني، والحمولة: الإبل التي يُحمل عليها، ووسط: ظرف ؛ وإذا لم يكن ظرفا حركت السين فقلت: وسَطُ الدار واسِعٌ، وتَسَفُّ: تأكل، يقال: سففتُ الدواء وغيره أسفه، وقال أبو عمرو الشيباني: الخمخم: بقلة لها حب أسود إذا أكلته الغنم قلت ألبانها وتغيرت، وإنما يصف أنها تأكل هذا لأنها لم تجد غيره، وروى ابن الأعرابي ( الحمحم ) بالحاء غير معجمة، وقال: الحمحم أسرع هيجا - أي يبساً - من الخمخم.ومعنى البيت إنه راعه سف الحمولة حبَّ الخمخم، لأنه لم يبق شيء إلا الرحيل إذا صارت تأكل حب الخمخم، وذلك أنهم كانوا مجتمعين في الربيع، فلما يبس البقل ارتحلوا وتفرقوا.

( فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حَلُوَبَةً. . . . . . . .سُوداً كَخَافِيَةِ الغُرَابِ الأَسْحَمِ )

ويروى ( خلية ) في موضع حلوبة، والخلية: أن يعطف على الحوار ثلاث من النوق ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن، فتلك الخلية، والحلوبة: المحلوبة تستعمل في الواحد والجمع على لفظ واحد، والخوافي: أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر، والأسحم: الأسود، واثنتان: مرفوع بالابتداء، وإن شئت بالاستقرار، وأربعون معطوف عليه، وقوله ( سودا ) نعت لحلوبة ؛ لأنها في موضع الجماعة، والمعنى من الحلائب.ويروى ( سود ) على أن يكون نعتا لقوله ( اثنتان وأربعون ).فإن قيل: كيف جاز أن ينعتهما وأحدهما معطوف على صاحبه.قيل: لأنهما قد اجتمعا فصارا بمنزلة قولك ( جاءني زيد وعمرو الظريفان ) والكاف في ( كخافية ) في موضع نصب، والمعنى سودا مثل خافية الغراب الأسحم.

( إِذْ تسْتَبِيكَ بِذِي غُرُوبٍ وَاضِحٍ. . . . . . . .عَذْبٍ مُقَبَّلُهُ لَذِيذِ المَطْعَم )

تستبيك: تذهب بعقلك، وقولهم ( سباه الله ) أي غربه الله، وغرب كل شيء: حدُّه، وأراد بثغر ذي غروب، وغروب الأسنان: حدُّها، والواضح: الأبيض، ويريد بالعذب أن رائحته طيبة فقد عذُب لذلك، ويريد بالمطعم المُقبَّل، و ( إذ ) في موضع نصب، والمعنى عُلِّقتها إذ تستبيك، وإن شئت كان بمعنى اذكر، وقوله ( عذب ) نعت، ومُقبَّله: مرفوع به، وإن شئت رفعت عذبا ولذيذا وكان المعنى مُقبلّله عبٌ لذيذُ المطعم.

( وَكَأَنَّ فَأرَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيمَةٍ. . . . . . . .سَبَقَتْ عَوَارِضَهَا إِلَيْكَ مِنَ الفَمِ )

معناه ( وكأن فأرة مسك ) والتاجر هنا: العطَّار، ويسأل عن هذا فيقال: لم خصَّ فأرة التاجر دون فأرة الملك ؟ فيقال: إنما خص فأرة التاجر لأنه لا يتربص بالمسك إذ كان يتغير فمسكه أجود، وقال الأصمعي: العوارض منابت الأضراس، واحدها عارض، وهذا الجمع الذي على فواعل لا يكاد يجيء إلا جمع فاعلة نحو ضاربة وضوارب، إلا أنهم ربما جمعوا فاعلا على فواعل لأن الهاء زائدة كهالك وهوالك، فعلى هذا جمع عارضا على عوارض أي سبقت الفأرة عوارضها، وإنما يصف طيب رائحة فيها، وخبر كأن قوله سبقت، وقوله ( بقسيمة ) تبيين وليس بخبر كأن، والقسيمة قالوا: هي الجونة، وقيل: سوق المسك، وقيل: هي العير التي تحمل المسك.

( أو رَوْضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَا. . . . . . . .غَيْثٌ قَلِيلُ الدِّمْنِ لَيْسَ بِمَعْلَم )

معناه كأن ريحها ريح مسك أو ريح روضة، والروضة: المكان المطمئن يجتمع إليه الماء فيكثر نبته، ولا يقال في الشجر روضة، الروضة في النبت والحديقة في الشجر، ويقال ( أروض المكان ) إذا صارت فيه روضة، والأنف: التام من كل شيء، وقيل: هو أول كل شيء، ومنه ( استأنفت الأمر ) والغيث: المطر، والمعلم والعلم والعلامة واحد.والمعنى أن هذه الروضة ليست في موضع معروف فيقصدها الناس للرعي فيؤثروا فيها ويوسخوها، وهو أحسن لها إذا كانت في موضع لا يُقصد.وقوله ( أو روضة ) روضة منصوبة لأنها معطوفة على اسم كأن، ويجوز فيه الرفع على العطف على المضمر الذي في سبقت، وحسن العطف على المضمر المرفوع لأن الكلام قد طال، ألا ترى أنك لو قلت ( ضربت زيدا وعمرو ) فعطفت عمرا على التاء كان حسنا لطول الكلام.

( جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ. . . . . . . .فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ )

ويروى ( بكر ثرة ) و ( عين ثرة ) أي جادت بمطر جود، والبكر: السحابة في أول الربيع التي لم تمطر، والحُرَّة: البيضاء، وقيل: الخالصة، والثرة: الكثير والثرثار: بمعناه وإن لم يكن من لفظه، والقرارة: الموضع المطمئن من الأرض يجتمع فيه السيل، فكأن القرارة مستقر السيل، وقوله: ( فتركن ) محمول على المعنى ؛ لأن المعنى جادت عليه السحاب، ولو كان في الكلام لجاز ( فترك ) على لفظ كله، و ( فتركن ) ترده على بكر، والهاء في ( عليه ) ضمير الموضع، وشبَّه بياضه ببياض الدرهم، وقيل: بل شبهها بالدرهم ؛ لأن الماء لما اجتمع استدار أعلاه، فصار كدور الدرهم، وهذا قول الأصمعي.

( سَحًّا وَتَسْكَاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ. . . . . . . .يَجْرِي عَلَيْهَا المَاءُ لَمْ يَتَصَرَّمِ )

السح: الصب، وتسكاب: تفعال من السكب، وهو بمعناه وسحًّا: منصوب على المصدر ؛ لأن قوله ( جادت عليه ) يدل على سح ؛ فصار مثل قول العرب: ( هو يدعه تركا )، وتسكابا مثله في إعرابه، وكل عشية: منصوب على الظرف، والعامل فيه يجري، ولم يتصرم: لم ينقطع ولم ينفد، وقال ابن الأعرابي: خص مطر العشي لأنه أراد الصيف، وأكثر ما يكون مطره بالعشي.

( وَخَلاَ الذُّبَابُ بِهَا فَلَيْسَ بِبَارِحٍ. . . . . . . .غَرِداً كَفِعْلِ الشّارِب المُتَرَنِّمِ )

الغرد من قولهم: غَرَّد يُغَرِّد تغريدا ؛ إذا طرب، وأخرج غردا على قوله: غَرِدَ يَغْرَدُ غَرَداً فهو غَرِدٌ، والمترنم: الذي يُرجِّع الصوت بينه وبين نفسه، وغَرِداً: منصوب على الحال، والمعنى وخلا الذباب بها غَرِداً، والكاف في قوله: ( كفعل الشارب ) في موضع نصب ؛ لأنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى: يفعل مثل فعل الشارب، والذباب واحد يؤدي عن جماعة والدليل على إنه واحد قول الله عز وجل: ( وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً رَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ) وجمعه أذبة في أقل العدد، وذِبَّان في الكثرة، وقوله ( ليس ببارح ) أي بزايل، يقال ( ما برحت قائما ) أي ما زلت.

( هَزِجاً يَحُكُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ. . . . . . . .قَدْحَ المُكِبِّ عَلَى الزِّنَادِ الأجْذَم )

الهزج: السريع الصوت المدارك صوته، والهزج: خفة وتدارك، ويقال ( فرس هزج ) إذا كان خفيف الرفع والوضع سريع المناقلة، ويروى ( هَزِجاً ) و ( هَزَجاً ) بكسر الزاي وفتحها ؛ فمن كسر الزاي منه فهو منصوب على الحال، وإذا فتحت الزاي من هزج فهو مصدر، وكسر الزاي أجود ؛ لأن بعده ( يحك ) ولك يقل حكا، ويحكُّ أيضا في موضع نصب على الحال، ومعنى ( يحكُّ ذراعه بذراعه ) أي يمر إحداهما على الأخرى، وكذلك الذباب، ويروى ( يسن ذراعه بذراعه ) وأصل السن التحديد، يريد ( قدح المكب الأجذم ) على الزناد ) فهو يقدح بذراعه، فشبه الذباب به إذا سن ذراعه بالأخرى، وقال بعضهم: الأجذم هو الزناد، وهو قصير، فهو أشد لإكبابه عليه، فشبه الذباب إذا سن ذراعه بالأخرى برجل أجذم قاعد يقدح نارا بذراعه، والأجذم: المقطوع اليد، قال ابن الأنباري: هزَجا منصوب بالرد على الغرد، والقدح منصوب على المصدر، و ( على الزناد ) صلة للمُكب، أي قدح الذي أكب على الزناد.

( تُمْسِى وَتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشِيَّةٍ. . . . . . . .وَأَبِيتُ فَوْقَ سَرَاةِ أَدْهَمَ مُلْجَمِ )

ويروى ( فوق ظهر فراشها ) ويروى ( فوق سراة أجرد صلدم ) وهو الشديد، يعني فرسه، أي تمسى عبلة وتصبح هكذا، أي هي مُنعَّمة مُوطَّأ لها الفراش، وأبيت أنا على ظهر فرسي.

( وَحَشِيَّتِي سَرْجٌ عَلَى عَبْلِ الشَّوَى. . . . . . . .نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ نَبِيلِ المَحْزِمِ )

حشيته: فراشه، وقوله ( على عبل الشوى ) أي على فرس غليظ القوام والعظام كثير العصب، والشَّوى: القوائم هنا، وفي غير هذا الموضع جمع شواة، وهي جلدة الرأس، والنهد: الضخم المنتفخ الجنبين، والمراكل: جمع مرل، وهو حيث تبلغ رِجْلُ الرجُلِ من الدابة، والمحزم: موضع الحزام.

( هَلْ تُبْلِغَنِّي دَارَهَا شَدَنِيَّةٌ. . . . . . . .لُعِنَت بِمَحْرُوم الشَّرَابِ مُصَرَّمِ )

( شدنية ) ناقة نسبت إلى أرض أوحى باليمن وقوله ( لُعنت ) يدعو عليها بانقطاع لبنها، أي بأن يُحرم ضرعُها اللبن ؛ فيكون أقوى لها، ويجوز أن يكون غير دعاء، ويكون خبرا، وأصل اللعن البعد، وقوله ( بمحروم الشراب ) أي بممنوع شرابه، وأصل حرم منع، وقيل ( بمحروم الشراب ) أي في محروم الشراب، وقال خالد بن كلثوم: لعنت نحيت عن الإبل لما علم إنها معقومة فجعلت للركوب الذي لا يصلح له إلا مثلها، والمُصرم: الذي أصاب أخلافه شيء فقطعه من صرار أو غيره، وقال أبو جعفر: المُصرم الذي يُكوى رأس خلفه حتى ينقطع لبنه، وهو هنا مثل لاكي، يريد انها معقومة لا لبن لها.

( خَطَّارَةٌ غِبَّ السُّرَى، زَيَّافَةٌ. . . . . . . .تَطِسُ الإكَامَ خُفٍّ مِيثَمِ )

خطَّارة: تخطر بذنبها تحركه وترفعه وتضرب به حاذيها، والحاذان: حافتا الأليتين، وإنما تفعل ذلك لنشاطها، و ( غب السرى ) أي بعد السرى، وزيافة: تزيف في سيرها تُسرع، والوطس: الضرب الشديد يقال: وطس يطس، وكذلك وثم يثم، وميثم على التكثير، ومن روى ( موَّارة ) بدل زيافة فانه أراد السُّرعة، وقوله ( بذات خُف ) أي بقوائم ذات أخفاف، أو بأوظفة ذات أخفاف، ويروى ( بوقع خف ).

( وَكَأَنَّمَا أَقِصُ الإكَامَ عَشِيَّةً. . . . . . . .بِقَرِيبِ بَيْنَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّمِ )

أقص: أكسر، أي كأنما أكسر الإكام بظليم قريب بين المنسمين، يقال: ليس بأفرق، والصلم: قطع كل شيء من أصله، فالظليم مُصلم ؛ لأنه ليست له أذن ظاهرة، ومنسماه: ظفراه المقدمان في خفه، فإذا كان بعيد ما بينهما قيل: منسم أفرق، وإذا لم يكن أفرق كان أصلب لخفه، قال النحاس: وروى بعض أهل اللغة ( بقريب بين المنسمين ) واحتج بقراءة من قرأ ( لقد تقطَّع بينكم ) قال: المعنى: لقد تقطع ما بينكم، وهذا القول خطأ ؛ لأنه إذا أضمر ( ما ) وهي بمعنى الذي حذف الموصول وجاء بالصلة، فكأنه أضمر بعض الاسم، فأما قراءة من قرأ ( لقد تقطع بينكم ) فهو عند أهل النظر من النحويين لقد تقطع الأمر بينكم

( تَأوِي لَهُ قُلصُ النَّعَامِ كَمَا أَوَتْ. . . . . . . .حِزَقٌ يَمَانِيَةٌ لأعْجَمَ طِمْطِمِ )

تأوي له، وتأوي اليه، بمعنى، أي يُنقنق لهن فيأوين إليه كما أوت هذه الحزق اليمانية لراع أعجم لا يفهم كلامه، والحزق: الجماعات، وهي الحزائق أيضا من الإبل وغيرها، ويقال: أعجم طمطم وطمطماني ؛ إذا كان لا يفهم الكلام، والقُلُصُ: أولاد النعام حين يدففن ويلحقن ولم يبلغن المسان، ويروى ( تبرى له حول النعام كما انبرت ) والحول: التي لا بيض بها، فيقول: إذا نقنق هذا الظليم اجتمع إليه النعام كما يجتمع فرق الإبل لإهابة راعيها الأعجمي، وقوله ( تبرى له ) أي تعرض له، وتبريت لفلان: أي تعرضت له.

( يَتْبَعْنَ قُلّةَ رَأسِهِ، وَكَأَنَّهُ. . . . . . . .حَرَجٌ عَلَى نَعْشٍ لَهنَّ مُخيَّمِ )

( يتبعن ) يعني النعام تتبع الظليم، وقُلة رأسه: أعلاه، وكأنه حرج: أي وكأن الظليم حرج، وهو مركب من مراكب النساء، وأصله النعش ثم صاروا يشبهون به المركب، ومُخيم: مجعول خيمة.ومعنى البيت أن النعام تنظر إلى أعلى رأسي هذا الظليم فتتبعه.

( صَعْلٍ يَعُودُ بِذِي العُشَيرةِ بَيْضَهُ. . . . . . . .كَالعَبْدِ ذِي الفَرْوِ الطَّويلِ الأَصْلَم )

الصعل: الصغير الرأس الدقيق العنق، ويعود: أي يأتي إلى بيضه، ومنه ( عُدْتُ المريض ) وذو العشيرة: موضع، والأصلم: المقطوع الأذنين، والظلمان كلها صُلم، أي لا آذان لها، فشبَّه الظليم براع أسود مُجتاب فروة.

( شَرِبتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فأَصْبَحَتْ. . . . . . . .زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عن حِيَاضِ الدَّيلَمِ )

أي شربت من ماء الدُّحرضين، والدحرضان: اسم موضع، وقيل: هما دُحرض ووسيع، فغلب أحدهما على الآخر، والزوراء: المائلة، يقال: زور يزور زورا فهو أزور، والمؤنث زوراء، والديلم: الأعداء، عن الأصمعي، وعن أبي عمرو الجماعة، وقيل: الديلم الظلمة، وقيل: الديلم الداهية، وقيل: قُرى النمل، وقال بعضهم: الديلم ماء من مياه بني سعد، فيقول: تجانفت عنها لأنها تخافها.

( وكأَنمّا تنأَى بِجانبِ دَفِّها ال

وَحشيِّ من هَزِجِ العشِيِّ مُؤَوَّمِ )

ينأى: يبعد، والدفُّ: الجنب، والوحشي: الجانب الأيمن من البهائم، وإنما قيل له وحشي لأنه لا يركب منه الراكب ولا يحلب الحالب، وعنى يهزج العشي هرا، كأنه قال: تنأى بدفها من هر يخدشها، هزج العشي: لأن السنانير اكثر صياحها بالعشيات وبالليل، و ( من ) تتعلق بينأى، وال: المشوه الخلق، وقيل: هو العظيم الرأس، رأس مؤوم، ومعدة مؤومة، يقال ( أوم فهو مؤوم ) إذا كان عظيم الرأس، والهزج: تدارك الصوت، ويروى ( تنأى ) بالتاء، ويكون الفعل للناقة، و ( هر ) في البيت الذي بعده تجره بجعله بدلا من ( هزج العشي ) ومن روى بالياء رفع الهر بينأي، وقالوا: إنما جعله بالعشي لأنه ساعة الفتور والإعياء، فأراد إنها أنشط ما تكون في هذا الوقت الذي تفتر فيه الإبل، فكأنها من نشاطها يخدشها هر تحت جنبها، وقيل: أراد أن السوط بيمنه، فهي تميل على ميامنها مخافة السوط، كما قال الأعشى:

تَرَى عَيْنَهَا صَغْوَاءَ فِي جَنْبِ مَأْقِهَا. . . . . . . .تُرَاقِبُ كَفِّى وَالقَطِيعَ المُحَؤًّمَا

( هِرٌّ جَنِيبٌ كُلَّما عَطَفَتْ لهُ. . . . . . . .غَضْبَي اتَّقاها باليدَينِ وبالفَم )

جنيب: أي مجنوب، يقول: كلما عطفت الناقة للهر اتقاها الهر، ويروى ( تقاها ) بالتخفيف، يقال: اتقاه يتَّقيه، وتقاه يتقيه.

( أَبقَى لها طُولُ السِفّارِ مُقَرمَداً. . . . . . . .سَنَداً، ومِثْلَ دَعَائِمِ المُتَخَيِّمِ )

أصل المقرمد المبنى بالآجر وأراد به سناما لزم بعضه بعضا، وسندا: أي عاليا، والمتخيم: صاحب الخيمة، والمُتَخَيَّم - بفتح الياء -: الذي يُتخذ خيمة.

( بَرَكَتْ عَلى ماءِ الرِّداعِ، كأَنَّمَا. . . . . . . .بَرَكَتْ على قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ )

ويروى ( على جنب الرداع ) والرداع: مكان، والأجش: الذي في صوته جُشَّة، والمُهضم: قيل المخحرق، وقيل: المكسر، يقول: كأنَّما بركت على زمر، والمعنى: إنها بركت فحنَّت، فشبه صوت حنينها بصوت المزامير، وقيل: إنما يصف إنها بركت على موضع قد حسر عنه الماء وجف، فله صوت، والوجه الأول أجود ؛ لأن القصب الأجش معروف إنه من قصب الزمر، ولهذا قيل: هو المخرَّقُ.

( وكأَنَّ رُبًّا أو كُحَيلاً مُعْقَداً. . . . . . . .حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُمِ )

الكحيل: القطران، شبه عرق الناقة بالرُّبِّ أو القطران، وقيل: الكحيل هناء تهنأ به الإبل من الجرب شبيه بالنفط، يقال له الخضخاض، والمُعقد: الذي أوقد تحته حتى انعقد وغلظ، وقال أبو جعفر: الكحيل رديء القطران يضرب إلى الحمرة ثم يسود إذا اعقد، والوَقُود: الحطب، والوُقُودُ بالضم المصدر، فيجوز أن يكون الوقود مرفوعا بحش، وجوانب منصوبة على أنها مفعولة، ويجوز أن يكون حش بمعنى احتش، أي اتقد، كما يقال: هذا لا يخالطه شيء، أي لا يختلط به، ويكون جوانب منصوبة على الظرف.

( يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَي غَضُوبٍ جَسْرةٍ. . . . . . . .زَيّافةٍ مِثْلِ الفَنيقِ المُكْدَمِ )

قال ابن الأعرابي: ينباع ينفعل من ( باع يبُوع ) إذا مرَّ مرا لينا فيه تلو كقول الآخر:

ثُمَّتَ يَنْبَاعُ انْبِيَاعَ الشُّجَاع

وأنكر أن يكون الأصل فيه ينبعُ، وقال: ينبعُ يخرج كما ينبع الماء من الأرض، ولم يرد هذا، إنما أراد السيلان وتلويه على رقبتها كتلوي الحية، وقال غيره: هو من نبع ينبع، ثم أشبع الفتحة فصارت ألفا، والذفريان: الحيدان الناتئان بين الأذن ومنتهى الشعر، وأوَّل ما يعرق من البعير الذفريان، وأول ما يبدأ فيه السمن لسانه وكرشه، وآخر ما يبقى فيه السمن عينه وسلاماه وعظام أخفافه، والغضوب والغضبي واحد، وغضوب للتكثير، كما يقال ظلوم وغشوم، والجسرة: الماضية في سيرها، ومنه جسر فلان على كذا، وقيل: الجسى الضخمة القوية، والزيافة: المسرعة، والفنيق: الفحل، والمكدم: بمعنى المُكدم والكدم: العض.

( أن تُغْدِفِي دُونِي القِنَاعَ فإِنّني. . . . . . . .طَبٌّ بأَخْذِ الفارِسِ المُسْتلئِمِ )

الإغداف: إرخاء القناع على الوجه، والإغداف أيضا: إرواء الرأس من الدهن، يقول: أن نبت عينك عنى فأغدفت دوني قناعك فإني حاذق بقتل الفرسان وأسر الأقران، والقناع: مشتق من العلو يقال: ضرع مقنع، إذا كان عاليا، والطب: الحاذق، والفعل منه طَبَّ يَطُبُّ والمستلئم: الذي قد لبس اللامة وهي الدرع.

( أَثْنِى عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنّنِي. . . . . . . .سَهْلٌ مُخَالَقَتي إذا لم أُظْلَمِ )

ويروى ( سمح مخالطتي )، و ( مخالقتي ) في موضع رفع بقوله ( سهل ) أي تسهل مخالقتي، وإذا: ظرف، والعامل فيه سهل، قال أبو جعفر: قد قال قبل هذا ( إن تُغْدِفي دوني القناع ) ثم قال ( أثنى عليَّ بما علمت ) لأن المعنى إذا رآك الناس قد كرهتني فأغدفت دوني القناع توهَّموا أنك استقللتني، وأنا مستحق لخلاف ما ص فأثنى علىَّ بما علمت

( فإِذا ظُلِمتُ فإن ظُلمِي باسِلٌ. . . . . . . .مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كطَعْم العَلْقَمِ )

معناه إذا ظلمني ظالم فظلمه إياي باسل، أي كريه هنا، ويقال للحلال بسل وللحرام بسل، وقوم بسل إذا كان قتالهم محرما، والعلقم: الحنظل، ويقال لكل مر: علقم، والكاف في قوله ( كطعم ) في موضع رفع على أن يكون مذاقته ابتداء وقوله ( كطعم ) خبرا، والمعنى مذاقته مثل طعم العلقم، ويجوز أن يكون مذاقته مرفوعة بقوله مُر، ويكون كطعم خبرا بعد خبر، وإن شئت كانت نعتا لقوله مر، ويجوز على إضمار هي، كأنه قال: هي مثل طعم العلقم.

( وَلَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ المُدَامَةِ بَعْدَمَا. . . . . . . .رَكَدَ الهَوَاجِرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ )

يقول: شربت من الخمر بعد ركود الهواجر، أي حين ركدت الشمس ووقفت وقام كل شيء على ظله، والركود: السكون، والمشوف: الدينار والدرهم عن الأصمعي، وقال غيره: هو البعير المهنوء، وقيل: هو الكأس، والمعروف ما قال الأصمعي ؛ لأنه يقال ( شُفْتُ ) إذا جلوته والمعلم: الذي فيه كتابة، والباء في ( بالمشوف ) تتعلق بشربت، وكذلك مِنْ، والمشوف: أصله مشووف، ثم ألقيت حركة الواو على الشين، فبقيت الواو ساكنة وبعدها واو ساكنة، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، والمحذوفة عند سيبويه الثانية ؛ لأنها زائدة، وعند الأخفش الأولى.

( بِزُجَاجَةٍ صَفْرَاءَ ذَاتِ أَسِرَّةٍ. . . . . . . .قُرِنَتْ بأَزْهَرَ فِي الشَّمَالِ مُفَدَّمِ )

ذات أسرة ي ذات طرائق وخطوط، والمستعمل في واحد الأسِرة سُر وسرر وقوله ( بأزهر ) يعني إبريقا من فضة أو رصاص، ومُفدم: مشدود فمه بخرقة، وقيل: مُفدم عليه الفِدام يصفَّى به ويروى ( ملثم ) أي وعليه لئام، والباء في ( بزجاجة ) تتعلق بشربت، وقال الأخفش: قوله بزجاجة صفراء هو في اللف نعت للزجاجة، وهو في المعنى نعت للخمر، وقال ابن الأعرابي: يجوز أن يكون للخمر والزجاجة، وقال غيرهما: أراد بخمر زجاجة، ثم حذف، وقيل: قوله ( صفراء ) منصوب على الحال من قوله: ( ولقد شربتُ ).

( فَإِذَا شَرِبْتُ فَإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ. . . . . . . .مَالِي، وَعِرْضِي وَافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ )

يقول: إذا شربت أنفقت مالي وأهلكته في السماح، والعرض: موضع المدح والذم من الرجل، والواو في ( وعرضي ) واو الحال، يقول: أنا أصون عرضي ولا أشح بمالي، ولم يُكلم: لم يُجرح.

( وَإِذَا صَحَوْتُ فَمَا أُقَصِّرُ عَنْ نَدًى وَكمَا عَلِمْتِ شَمَائِلِي وَتَكَرُّمِي )

يقال: صحا يصحو، إذا أفاق من سكره، والندى: السخاء، وواحد الشمائل شمال، وهي الخلق، وجمع في هذين البيتين إنه يسخو على السكر والصحو.

( وَحَلِيلِ غَانِيَةِ تَركْتُ مُجَدَّلاً. . . . . . . .تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الأَعْلَمِ )

الحليل: الزوج، والمرأة الحليلة، قيل لهما ذلك لأن كل واحد منهما يحل على صاحبه، و ( الغانية ) قيل: هي التي استغنت بزوجها، وقيل: يحسنها، وقيل: الشابة، وتمكو: تصفر، والفريصة: الموضع الذي يُرعد من الدابة والإنسان إذا خاف، والأعلم: المشقوق الشفة العليا، والكاف في قوله ( كشدق الأعلم ) في موضع نصب ؛ لأنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى تمكو مكاء مثل شدق الأعلم، يريد سعة الطعنة، أي كأن هذه الطعنة في سعتها شدق الأعلم و ( تمكو ) في موضع الحال.

( سَبَقَتْ يَدَايَ لَهُ بِعَاجِلِ ضَرْبَةٍ. . . . . . . .وَرَشَاشِ نَافِذَةٍ كَلَوْنِ العَنْدَمِ )

أي عجلت إليه بالطعنة، والرشاش: ما تطاير من الدم، والنافذة: الطعنة التي نفذت إلى الجانب الآخر، ويقال: التي نفذت إلى الجوف، والعندم:صبغ أحمر، وقيل: هو البقم، وقيل: العصفر، وقيل: هو صبغ الأعراب، وهو جمع عندمة، والكاف في قوله ( كلون العندم ) في موضع جر لأنها نعت لرشاش، وإن كان رشاش مضافا إلى نكرة لأن الكاف بمعنى مثل، ومثل وإن أضيفت إلى معرفة جاز أن تكون نكرة، والدليل على ذلك أن رُبَّ تقع عليها وهي مضافة إلى معرفة، ورُبَّ لا تقع إلا على نكرة، وأنشد النحويون:

يَا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النِّسَاءِ غَرِيرَةٍ. . . . . . . .بَيْضاءَ قَدْ مَتَّعْتُهَا بِطَلاَقِ

ويجوز أن تكون الكاف في قوله ( كلون في موضع رفع على إضمار مبتدا، ويكون التقدير: لونه كلون العندم.

( هَلاَّ سَأَلْتِ الخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ. . . . . . . .أن كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي )

يقول: هلا سألت أصحاب الخيل، وقوله ( إن كنت جاهلة بما لم تعلمي ) يقال: ما في هذا من الفائدة وليس أحد إلا وهو يجهل ما لم يعلمه ؟ فالجواب في هذا أن في البيت تقديما وتأخيرا، والمعنى هلا سألت الخيل بما لم تعلمي إن كنت جاهلة يا ابنة مالك، وقوله ( بما لم تعلمي ) يريد عما لم تعلمي، والباء بمعنى عن، وقوله: ( فاسأل به خبيرا ) أي عنه.

( إِذْ لاَ أَزَالُ عَلَى رِحَالَةِ سَابِحٍ. . . . . . . .نَهْدٍ، تَعَاوَرُهُ الكُمَاةُ مُكَلّمِ )

الرحالة: سرج كان يعمل من جلود الشاء بأصوافها يتخذ للجري الشديد، والسابح من الخيل: الذي يدحو بيديه دحوا، والنهد: الغليظ، و ( تعاوره ) أي تتعاوره، فحذف إحدى التاءين، أي يطعنه ذا مرة وذا مرة، والكماة: جمع كمي وهو الشجاع، سمي كميا لأنه يقمع عدوه، يقال: كمي شهادته ؛ إذا قمعها ولم يُظهرها، وقال أبو عبيدة: الكمي التام السلاح، وقال ابن الأعرابي: سمى كميا لأنه يتكمى الأقران، أي يتعمدهم.

( طَوْراً يُجَرَّدُ للِطِّعَانِ، وَتَارَةً. . . . . . . .يَأْوِى إلى حَصَدِ القِسِيِّ عَرَمْرَمِ )

الطور هنا: المرة، والجمع أطوار، وقال قوم: الطور الحال، وقالوا في قوله تعالى: ( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ) قولين: أحدهما خلق نُطفة ثم علقة ثم مُضغة إلى أن كمل، وقيل: اختلاف المناظر، وأصل الطور من الناحية، ومنه طوار الدَّار، وعدا فلان طوره، أي حده، ويجرَّد: يهيأ، ومنه ( خيل جريدة ) وتارة: بمعنى مرة، وتر الشيء: سقط، وأتررته: أسقطته، والحصد: الكثير، وكذلك العرمرم، والتجريد: أن لا يكون مع الخيل رواحل، ونصب ( طورا ) بيجرد، و ( تارة ) بيأوى.

( يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِي. . . . . . . .أَغْى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ )

الوقيعة والوقعة واحد، ويقال في المثل: ( الحذر أشد من الوقيعة ) والوغى والوعى والوحى: الصوت والجلبة، ثم غلب عليه الصَّوْت في الحرب، وقوله: ( وأَعفُّ عند المغنم ) أي لا أستأثر بشيء دون أصحابي، يقال: عفَّ يعفُّ عفافا وعفافة وعفة، وقيل: معناه إنني لا تشره نفسي إلى الغنيمة، ولكني أهب نصيبي للناس، وقوله ( يُخبرك ) جزم لأنه جواب لقوله ( هلا سألت الخيل ) وقال الله عز وجل: ( لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) إلى آخر الآية، وقوله ( وأكنْ ) معطوف على موضع ( فأصَّدَّقَ ) لأنه لولا الفاء كان مجزوما.

( وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُمَاةُ نِزَالَهُ. . . . . . . .لاَ مُمْعِنٍ هَرَباً وَلاَ مُسْتَسْلِمِ )

المُدجَّج: الذي توارى بالسلاح، بفتح الجيم وكسرها، وقد جاءت أحرف في لفظ الفاعل والمفعول هذا أحدها، ومنها قولهم مُخَيَّس ومُخَيِّس للسجن، ورجل مُلفَج ومُلفِج للفقير، وعبد مكاتَب ومكاتِب.ونزاله: منازلته، وقوله ( لا ممعن هربا ) معناه لا ممعن هربا فيبعد ولا هو مستسلم فيؤسر، ولكنه يُقاتل، ويقال: معناه لا يَفر فرارا بعيدا، إنما هو منحرف لرجعة أو كرة يكرُّها، و ( هربا ) منصوب على المصدر ؛ لأن معنى لا ممعن لا هارب، فصار مثل ( لا يدعه تركا ).

( جَادَتْ يَدَايَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ. . . . . . . .بِمُثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوِ )

أي سبقته بالطعن لأني كنت أحذق منه، والمثقف: المصلح المقوَّم، والكعوب: عُقد الأنابيب، والصَّدق: الصلب، وما بين كل أنبوبتين كعب، والمقوم: الذي قد قُوِّمَ وسُوِّىَ.وروى الأصمعي - ولم يروه غيره - هذا البيت:

( بِرَحِيبَةِ الفَرْغَيْنِ يَهْدِي جَرْسُهَا. . . . . . . .بِاللَّيْلِ مُعْتَسَّ الذِّئَابِ الضُّرَّمِ )

الرحيبة: الواسعة، وما بين كل عرقوتين فرغ، ومدفع الماء إلى الأدوية فرغ، فضرب هذا مثلا لمخرج الدم من هذه الطعنة، فجعله مثل مصب الدلو، والجرس: الصوت، فيقول: جرس سيلان دم هذه الطعنة يدل السباع إذا سمعن خرير الدم منها فيأتينه ليأكلن منه، والمعتس من الذئاب وغيرها: المبتغي الطالب والضرم: الجياع، يقال: لقيت فلانا ضرما، ولا يقال: هو ضارم، وضُرَّم: جمع ضارم، ولم يُتكلم بضارم.

( فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الاصَمِّ ثِيابَهُ. . . . . . . .لَيْسَ الكَرِيمُ عَلَى القَنَا بِمُحَرَّمِ )

( شككته أشكه ) إذا انتظمته، وقيل: شككته وشققته بمعنى واحد، ويعنى بثيابه درعه، وقيل: قلبه: وقيل: بدنه، ويروى ( فشككت بالرمح الطويل إهابه ) وقوله ( ليس بالكريم على القنا بمُحرم ) أي لا يمتنع من الطعان

( فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ. . . . . . . .مَا بَيْنَ قُلّةِ رَأْسِهِ وَالمِعْصَمِ )

الجزر: جمع جزرة، والجزرة: الشاة والناقة تُذبح وتُنحر، وينشنه: يتناولنه بالأكل، ويروى ( يقضمن حُسن بنانه ) والقضم: أكل الشيء اليابس والبنان: الأصابع واحدتها بنانة، والأنامل: أطرافها، والمعصم: موضع السِّوار، وقُلَّة كل شيء: أعلاه، و ( ما ) في موضع نصب بينُشنه، أي فيما بين قُلة رأسه.

( وَمِسَكِّ سَابِغَةٍ هَتَكْتُ فُرُوجَهَا. . . . . . . .بِالسَّيْفِ عَنْ حَامِي الحَقِيقَةِ مُعْلَمِ )

مسكها: سمرها وروى الأصمعي ( ومشك سابغة ) قال: مشكها حيث يجمع جيبها بسير، وكانت العرب تجعل سيرا في جيب الدرع يجمع جيبها، فإذا أراد أحدهم الفرار جذب السير فقطعه واتسع له الجيب فألقاها عنه وهو يركض، وقيل: المشك الدرع التي قد شك بعضها إلى بعض، وقيل: المشك المسامير التي تكون في حلق الدرع، وقيل: المشك: الرجل الشاك، فمن قال ( هي الدرع ) فالجواب هتكت لأن الواو بمعنى ربَّ.ويقال: إذا كان المشكُّ الدرع فكيف أضافه إلى السابغة والشيء لا يضاف إلى نفسه ؟فالجواب أن الكوفيين يجيزون إضافة الشيء إلى نفسه، واحتجوا بقول الله تعالى: ( وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ) وهذا عند البصريين لا يجوز، لأنك إنما تضيف الشيء لتخصصه، والمضاف إليه غيره، أو يكون هو بعضه، فأما قوله عز وجل: ( وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ) فتقديره عندهم: دين الجماعة القيمة، وتقدير ( ومشك سابغة ) ومشك حديدة سبغة، ومن قال ( المشك المسامير ) جعل الجواب أيضا في قوله ( هتكت ) لأن المسامير من الدرع فصير الإخبار عن الدرع، ومن قال ( المشك الرجل ) فهو عنده بمعنى الشاك، كأنه يشك الرِّجال في الحربي، ونظير هذا قول ثعلب في قول الشاعر:

وَمِرْكَضَةٌ صَرِيحِيٌّ أَبُوهَا. . . . . . . .يُهَانُ لَهَا الغُلاَمَةُ وَالغُلاَمُ

قال: المركضة الركاضة، أي ذات الركض، ويروى ( ومُركضة ) بضم الميم، وجواب قوله ( ومشك سابغة ) على قول من قال ( هو الرجل ) في قوله: ( لما رآني قد نزلت أريده ) ويجوز أن يكون محذوفا ويكون المعنى، و ( هتكت فُرُوجها ) شققت، والحامي: المانع، والحقيقة: ما يحقُّ على الرجل أن يمنعه، والمُعلم: الذي قد أعلم نفسه بعلامة في الحرب

( رَبِذٍ يَدَاهُ بِالقِدَاحِ إذا شَتَا. . . . . . . .هَتَّاكِ غَايَاتِ التَّجَارِ مُلَوَّمِ )

الربذ: السريع الضرب بالقداح، يقول: هو حاذق بالقمار والميسر خفيف اليد بضرب القداح ؛ وهذا كان مدحا عند العرب في الجاهلية، وقوله ( إذا شتا ) لأن القحط والجدب أكثر ما يكون في الشتاء، وقوله ( هتَّاك غايات التِّجار ) الغايات: العلامات والرايات، وأراد بالتِّجار الخمارين، ومعناه أنه يأتي الخمارين فيشتري كل ما عندهم من الخمر، فيقلعون راياتهم ويذهبون، فذلك هتكها، والمُلوَّم: الذي يكثر لومه على إنفاق ماله في الفُتوة، وقال ( ربذ يداه ) ولم يقل ( ربذة ) واليد مؤنثة لأنه أضمر في ربذ، ثم جعل قوله ( يداه ) بدلا من المضمر، كما تقول: ضربت زيدا يده، ومذهب الفراء في هذا إنه يجوز أن يذكَّر المؤنث في الشعر إذا لم تكن فيه علامة التأنيث.

( لَمَّا رَآنِي قَدْ نَزَلْتُ أُرِيدُهُ. . . . . . . .أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ )

أي كلح في وجهي فبدت أضراسه، والناجذ الأضراس ومعناه إنه لما رآني أستبسل للموت، و ( أريده ) في موضع الحال.

( فَطَعَنْتُهُ بالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْنُهُ. . . . . . . .بمُهَنَّدٍ صَافِي الحَدِيدَةِ مِخْذَمِ )

ويروى ( صافي الحديد مُخذم ) والمُخذم: الذي ينتسف القطعة، أي يرمى بها، والمهنَّد: المعمول بالهند، قال أبو عمرو الشيباني: التهنيد شحذُ السيف، والمِخذم: مفعل من الخذم وهو القطع.

( عَهْدِي بِهِ مَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا. . . . . . . .خُضِبَ البَنَانُ وَرَأْسُهُ بِالعِظْلمِ )

مد النهار: أوله حين امتد النهار، يقال: أتيته مد النهار، وشد النهار، ووجه النهار: وسبب النهار، أي أوله، ويروى ( شدَّ النهار ) أي ارتفاعه، والعظلم: الوسمة، والبنان: الأصابع، وقوله ( كأنما خضب البنان ) أراد كأنما خضب بنانه ورأسه، فأقام الألف واللام في ( البنان ) مقام الهاء، كما قال تعالى: ( وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى ) أي عن هواها، وعهدي: في موضع رفع بالابتداء، والخبر في الاستقرار، وقوله ( شدَّ النهار ) بدل من الاستقرار كما تقول: القتال اليوم، وكما تقول: عهدي به قريبا، أي وقتا قريبا، إلا إنه يجوز في هذا أن تقول: قريب، على أن تجعل القريب العهد.

( بَطَلٌٍ كَأَنَّ ثِيَابَهُ فِي سَرْحَةٍ. . . . . . . .يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْأَمٍ )

بطل بالجر مردود على قوله ( ختَّاك ) ويروى ( بطل ) أي هو بطل، وهو الشُّجاع والفعل منه بطل بطالة بفتح الباء، وأجير بطَّال بين البطالة بكسر الباء، وقد تفتح، والفعل بطل يبطُل، ويقال في الفساد: بَطَل يبْطُل بُطلا وبُطُولا وسرحة: شجرة، وفي هنا بمعنى على، والمعنى كأَن ثيابه على سرحة من طوله، والعرب تمدح بالطول وتذم بالقصر، ويُحذى: يلبس، ونعال السِّبت: المدبُوغة بالقرظ، وكانت الملوك تلبسها، وقوله: ( ليس بتوأم ) أي لم يولد معه آخر فيكون ضعيفا.

( يَا شَاةَ مَا قَنَصٍ لَمِنْ حَلَّتْ لَهُ. . . . . . . .حَرُمَتْ عَلَىَّ، وَلَيْتَهَا لَمْ تَحْرُمِ )

قوله ( يا شاة ) كناية عن المرأة، والعرب تكنى أيضا عن المرأة بالنعجة، وأراد ( يا شاة قنص ) أي صيد، وقوله ( لمن حلَّت له ) أي لمن قدر عليها، وقوله ( حرُمتْ عليَّ ) معناه هي من قوم أعداء، وقال الأخفش: معنى ( حرُمت على ) أي هي جارتي، ( وليتها لم تحرم ) أي ليتها لم تكن لي جارة حتى لا تكون لها حُرمة ؛ وقيل: إنما كانت امرأة أبيه، واحتج من قال أنها كانت في أعدائه بقوله:

عُلِّقْتُهَا عَرَضاً وَأَقْتُلُ قومها

والمعنى على هذا: إنها لما كانت في أعدائي لم أَصل إليها وامتنعت مني، وأصل الحرام الممنوع، وقوله عز وجل: ( وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) فالحرمات: كل ممنوع منك ما بينك وبين غيرك، وقولهم ( لفلان بي حُرمة ) أي أنا أمتنع من مكروهه، وحرمة الرجل محظورة به عن غيره، وقوله عز وجل: ( لِلسَّائِل وَالمَحْرُومِ ) المحروم: هو الممنوع.

( فَبَعَثْتُ جَارِيَتِي، فَقُلْتُ لهَا: اذْهَبي. . . . . . . .فَتَجَسَّسِي أَخْبَارَهَا بيَ وَاعْلَمِي )

الياء في قوله ( لي ) تسكن وتفتح، فمن فتحها قال: أن الياء اسم وهو على حرف واحد، وفي سكونه إخلال، فيجب أن يُقوَّي بالحركة، ومن سكنها قال: هي وإن كانت اسما على حرف واحد فإنه يعتمد على ما قبله لا ينفك منه ؛ فقد صار ما قبله بمنزلة ما هو منه حركة تستثقل في الواو والياء، فلذلك أُسكنت.

( قَالَتْ: رَأَيْتُ مِنَ الأعَادِي غِرَّةً. . . . . . . .وَالشّاةُ مُمْكِنَةٌ لَمِنْ هُوَ مُرْتَمِ )

الأعادي: جمع الجمع، يقال في جمع عدُوّ: عُداة، وعُدى، وأعداء ويجمع أعداء على أعاد وأعادي، والغرة: الغفلة، والواو في قوله: ( والشاة ممكنة ) واو الحال.

( وَكَأَنَّمَا الَفَتَتْ بِجِيدِ جَدِايَةٍ. . . . . . . .رَشَإِ مِنَ الغِزْلاَنِ حُرٍّ أَرْثَمِ )

الجيد: العنق، يقول: كأن جيدها الذي التفتت به جيد جداية، وهي من الظباء بمنزلة الجدي من الغنم، وهي التي أتت عليها خمسة أشهر أو ستة والرشأ: الصغير منها، والأرثم: الذي في شفته العليا بياض أو سواد، فإن كان في السفلى فهو ألمظ ولمظاء.

( نُبِّئْتُ عَمْراً غَيْرَ شَاكِرِ نِعْمَتِي. . . . . . . .والكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ المُنْعِمِ )

قوله: ( لنفس المنعم ) معناه لنفس المنعم عليه، فيقول: إذا كفره خبث ذلك نفس المنعم الذي له عليه نعمة، ويقال: طعام مطيبة للنفس ومخبثة لها، وشراب مبولة، وسيبويه يذهب إلى أن ( نُبِّئْتُ ) بمعنى خُبِّرْتُ إذا قلت: ( نُبِّئْتُ زيداً مُنطلقاً ) ويذهب إلى أن عن محذوفة، ثم تعدَّى الفعل بعد حذفها، وقال سيبويه: ليست عن هاهنا محذوفة، ومعنى نبئت أعلمت.

( وَلَقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بالضُّحَى. . . . . . . .إِذْ تَقْلِصُ الشّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ )

وصاة ووصية بمعنى واحد، و ( بالضحى ) أي وقت الضحى، والضُّحى مؤنثة، والضحاء - بالفتح والمد - مذكر والضحاء للإبل بمنزلة الغداء للإنسان، ومعنى ( تقلص ) ترتفع، وفي الحرب ترتفع الشفة من الإنسان حتى يُرى كأنه يتبسم.

( فِي حَوْمَةِ المَوْتِ الّتِي لاَ تَشْتَكِي. . . . . . . .غَمَرَاتِهَا الأبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُمِ )

ويروى ( في غمرة الموت ) وحومة كل شيء: مُعظمه، ونعم: أي كثير، وغمراتها: شدائدها، و ( في ) تتعلق بتقلص، وإن شئت بحفظت، والتغمغم: صوت تسمعه ولا تفهمه، و ( غير ) منصوب على إنه استثناء ليس من الأول، وسيبويه يمثل مثل هذا بلكن، فكأنه قال: لكنهم يتغمغمون فيقول ذلك مقام الشكوى، والكوفيون يقدِّرون مثل هذا بسوى، وإنما قدر سيبويه وأصحابه بمعنى لكن وأنكروا أن يقدروا بمعنى سوى، لأن لكن في كلام العرب تقع للإضراب عن الأول والإيجاب لما بعده، فكأنها لخروج من كلام إلى كلام، وهذا أشبه شيء بالاستثناء الذي ليس من الأول.

( إذْ يَتَّقُونَ بِيَ الأسِنَّةِ لَمْ أَخِمْ. . . . . . . .عَنْهَا، وَلَكِنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمِي )

معنى ( يتقون بي الأسنة ) أي يجعلونني بينهم وبينها، أي يقدمونني للموت، وقوله ( لم أخم ) أي لم أجبن و ( تضايق مُقدمي ) أي تضايق الموضع الذي هو قدامي من أن يدنوه أحد، والمُقدم: الإقدام أيضا، وكلاهما يحتمل.ويقع في بعض الروايات هذه الأبيات الثلاثة:

( لمَّا سَمِعْتُ نِدَاءَ مُرَّةَ قَدْ عَلاَ. . . . . . . .وَابْنَيْ رَبِيعَةَ فِي الغُبَارِ الأقْتَمِ )

( وَمُحَلّم، يَسْعَوْنَ تَحْتَ لِوَائِهِمْ. . . . . . . .وَالمَوْتُ تَحْتَ لِوَاءٍ آلِ مُحَلّمِ )

محلم: مرفوع بالابتداء، والجملة في موضع الحال، كما تقول: كلمت زيدا وعمرو جالس، قال الله تعالى: ( يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ) والمعنى عند سيبويه إذ طائفة.

( أَيْقَنْتُ أن سَيَكُونُ عِنْدَ لِقَائِهِمْ. . . . . . . .ضَرْبٌ يُطِيرُ عَنِ الفِرَاخِ الجُثَّمِ )

( أنْ ) هاهنا هي الثقيلة التي تعمل في الأسماء ومفعول ( يُطِير ) محذوف، والمعنى بُطِير الهام عن الفراخ الجثَّم، وإنما شبَّه ما حل الهام بالفراخ.

( لَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهُمْ. . . . . . . .يَتَذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّمِ )

( قد ) هاهنا محذوفة، أي قد أقبل جمعهم وقوله ( يتذامرون ) أي يخص بعضهم بعضا، و ( غير ) منصوب على الحال، كأنه قال: كررت مُخالفا للمذموم، و ( يتذامرون ) موضعه نصب على الحال، و ( أقبل جمعهم ) حال للقوم.

( يَدْعُونَ عَنْتَرَ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا. . . . . . . .أَشْطَانُ بِئْرٍ في لَبَانِ الأدْهَمِ )

ويروى ( عنترُ ) فمن رواه بفتح الراء فإنه رخم عنترة وترك ما قبل المحذوف على حاله مفتوحا، ومن روى عنترُ وضم الراء احتمل وجهين: أحدهما: أن يكون قد جعل ما بقي اسما على حياله ؛ لأنه قد صار طرفا كحرف الإعراب، والوجه الثاني: ما رواه المبرد عن بعضهم إنه كان يسمى ( عنترا ) أي هذا الوجه لا يجوز إلا الضم، هكذا ذكره النحاس، ويجوز أن يكون ( عنتر ) في هذا الوجه منصوبا بيدعون، والواو في قوله: ( والرماح ) واو الحال، والأشطان: جمع شطن وهو حبل البئر، يريد أن الرماح في صدر هذا الفرس بمنزلة حبال البئر من الدلاء ؛ لأن البئر إذا كانت كثيرة الجرفة اضطربت الدلو فيها، فيجعل لها حبلان لئلا تضطرب، واللبان: الصدر، والأدهم: فرسه.

( مَا زِلتُ أَرْمِيهمْ بِغُرَّةِ وَجْهِهِ. . . . . . . .وَلَبَانِهِ حَتَّى تَسَرْبَلَ بِالدَّمِ )

ويروى ( بثغرة نحره ) والثغرة: الهزمة التي في الحلق، واللَّبان: الصدر، وتسربل: صار بمنزلة السربال.

( فَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنَا بِلَبَانِهِ. . . . . . . .وَشَكَا إلى بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ )

ازورَّ: مال، و ( شكا إليَّ ) مثل، يقول: لو كان ممن يصح منه الشكاية لشكا، والتحمحم: صوت مُقَطَّع ليس بالصهيل

( لَوْ كَانَ يَدْرِى مَا المُحَاوَرَةُ اشْتَكَى. . . . . . . .وَلَكَانَ لَوْ عَلِمَ الكَلاَمَ مُكَلِّمِي )

المحاورة: المراجعة، حاوره محاورة وحوارا، وما لفلان عندي حوير، و ( ما ) في موضع رفع بالابتداء، وهو اسم تام، والمُحاورة: خبر الابتداء، والمبتدأ وخبره في موضع نصب بقوله يدرى، وقوله ( ولكان ) فجاء باللام، فإنما هو محول على المعنى، والتقدير: لو كان يدرى ما المحاورة لاشتكى ولكان ؛ لأنه يقال: لو قام زيد لقمت، ولو قام زيد قمت، بمعنى واحد، وقيل: أن قوله ( ولكان ) عطف جملة على جملة.

( وَالخَيْلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِساً. . . . . . . .مِنْ بَيْنِ شَيْظَمَةٍ وَأَجْرَدَ شَيْظَمِ )

الاقتحام: الدخول في الشيء بسرعة، والخبار: الأرض اللينة ذات الجحرة والجرفة، والركض يشتد فيها، والعوابس: الكوالد من الجهد، والشيظم: الطويل، والأجرد: القصير الشعر.

( وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا. . . . . . . .قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ )

يقال: سُقْمٌ وسَقَمٌ، قال أبو جعفر: معنى البيت أني كنت أكبرهم فلذلك خصوني بالدعاء، وقوله ( ويك ) قال بعض النحويين: معناه ويحك، وقال بعضهم: معناه ويلك، وكلا القولين خطأ ؛ لأنه كان يجب على هذا أن يقرأ ( وَيْكَ إنه )، كما يقال: وَيلَكَ إنه، وويحك إنه، على إنه قد احتج لصاحب هذا القول بأن المعنى ويلك اعلم إنه لا يفلح الكافرون، وهذا خطأ أيضا من جهات ؛ إحداها: حذف اللام من ( ويلك ) وحذف ( اعْلَم ) لأن مثل هذا لا يحذف ؛ لأنه لا يُعرف معناه، وأيضا فإن المعنى لا يصح ؛ لأنه لا يدري من خاطبوا بهذا، وروى عن بعض أهل التفسير أن المعنى ويك ألم ترَ، وأما ترى، والأحسن في هذا ما روى سيبويه عن الخليل، وهو أن وَيْ منفصلة، وهي كلمة يقولها المتندم إذا تنبه على ما كان منه ؛ فهي على هذا مفصولة، كأنهم قالوا على التندم ( وَيْ كأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ )، وأنشد النحويون:

وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْ

بَبُ، وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ

( ذُلُلٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ، مُشَايِعِي. . . . . . . .قَلْبِي، وَأَحْفِزُهُ بِأَمْرٍ مُبْرَمِ )

ويروى ( مشايعي همي وأحفزه برأي مُبرم ) وذلل: جمع ذلول والذلول من الإبل وغيرها: الذي هو ضد الصعب، و ( ركابي ) في موضع رفع بالابتداء يُنوى به التقديم، وذُلُل خبره، وإن شئت كان ذلل رفعا بالابتداء، وركابي خبره، وإن شئت جعلت ركابي فاعلا يسدُّ مسد الخبر، فيكون على هذا قال ذُلُل ولم يوحد لأنه جمع مُكسر، والمعنى أن ناقتي معتادة للسير ذلول، وروى الأصمعي ( مُشايعي لُبى ) وقال: معناه لا يعزب عني عقلي في حال من الأحوال، وأحفزه: أدفعه، والمبرم: المُحكم.

( وَلَقَدْ خَشِيتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَكُنْ. . . . . . . .لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ )

ويروى ( ولم تَدُرْ للحرب )، ويروى ( ولم تَقُمْ )، قال ابن السكيت: هما هرم وحُصين ابنا ضمضم المُريان، والدائرة: ما ينزل، وقيل في قوله عز وجل: ( وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِر ): يعني الموت أو القتل، وهرم وحُصين ابنا ضمضم اللذان قتلهما ورد بن حابس العبسي، وكان عنترة قتل أباهما ضمضما، فكانا يتوعدانه.

( الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتُمِهُمَا. . . . . . . .وَالنَّاذِرَيْنِ إذا لَمَ الْقَهُمَا دَمِي )

ويروى ( إذا لقيتهما دمي ) أي يقولان: إذا لقيناه لنقتلنه، وقوله: ( الشاتمي عرضي ) أي اللذان شتما عرضي، والنون تحذف في مثل هذا كثير للتخفيف، تقول: جاءني الضاربا زيد، والمعنى الضاربان زيدا، وإنما جاز أن تجمع بين الألف واللام والاضافة ؛ لأن المعنى الضاربان زيدا، ويقال: نذرت الندر انذره وأنذره ؛ إذا أوجبته على نفسك، وأنذرت دم فلان ؛ إذا أبحته.

( أن يَفْعَلاَ فَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَاهُمَا. . . . . . . .جَزَرَ السِّبَاعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمِ )

يقول: أن ينذرا دمي فقد قتلت أباهما، وأجزرته ع، أي تركته جزرا لها، والقشعم: الكبير من النسور.^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي