شرح القصائد العشر/معلقة لبيد بن ربيعة العامري

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

معلقة لبيد بن ربيعة العامري

معلقة لبيد بن ربيعة العامري - شرح القصائد العشر

معلقة لبيد بن ربيعة العامري وقال لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن معد بن عدنان، وكان يكنى أبا عقيل:

( عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا. . . . . . . .بِمِنًى تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فَرِجَمُهَا )

الأول من الكامل، والقافية متدارك.عفت: درست، وتأبد: توحَّش، أبدت الدار تأبد أبودا وتأبدت تأبدا إذا توحشت، والأوابد: الوحش، واحدها آبدة، ومنه أوابد الشعر المشار إليه بالجودة، والمحل: حيث يحل القوم من الدار، والمقام: حيث طال مكثهم فيه، وكذلك المصدر المقام من الإقامة، فإن كان من قام فالموضع والمصدر جميعا مقام بفتح الميم، ومحلُّها: بدل من الديار، ومنى: موضع قريب من طخفة بالحمى، والحمى حمى ضرية، وقال: المراد منى مكة، وهي تؤنث وتذكر، فمن أنث لم يصرفها، ومن ذكر صرفها، وسميت منى لأن آدم لما انتهى إليها قيل له: تمن، قال: أتمنى الجنة، وقيل: سميت منى لما يُمنى فيها من الدم، وقيل: لما يُمنى فيها من ثواب الله، والغول والرجام: بنفس الحمى، وقال بعض الرواة: الغول والرجام جبلان، وقيل: الغول ماء معروف، والرجام: الهضاب واحدتها رجمة، والرجام في غير هذا: حجارة تجمع تجعل أنصابا ينسكون عندها ويطوفون بها، واحدتها أيضا رجمة.

( فَمَدَافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّىَ رَسْمُهَا. . . . . . . .خَلَقاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلاَمُهَا )

المدافع: مجاري الماء، وهو التلاع، والريان: واد بالحمى، ويروى ( فصدائر الريان ) وهو ما صدر من الوادي، وهو أعلاه ( عُرى رسمها خلقا ) أي ارتحل عنه فعُري بعد أن أخلق لسكونهم إياه ( كما ضمن الوحي سلامها ) الوحي: جمع وحي، وهو الكتاب، والمعنى: أن آثار هذه المنازل كأنها كتاب في حجارة ؛ لأنه لا يتبين من بعيد، لأن نقشه ليس بشيء مخالف للونه، فإنما يتبين لمن يقرب منه، والسِّلام: الحجارة، الواحدة سلمة، و ( خلقا ) منصوب على الحال من الرسم، والكاف منصوبة بعُرى، وما: مصدرية، ويروى ( كما ضمن الوَحي ) بفتح الواو، وأصلاه الموْحُوُّ، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا مقدُور وقدير، ومقتُول وقتيل.

( دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَا. . . . . . . .حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلاَلُهَا وَحَرَامُهَا )

الدمن: جمع دمنة، وهي الآثار وما سودوا بالرماد وغير ذلك، وتجرَّم: تقطع، وقيل تكمل، وحول مجرم: مكمل، وقوله ( بعد عهد أنيسها ) أي بعد نزول الأنيس فيها، والحجج: السِّنُونَ، الواحدة حجة بكسر الحاء، ويقال ( حَجَّ حِجَّة ) بكسر الحاء، أي عمل عمل سنة، ولا يقال: حَجَّة بالفتح لانك لا تريد قصدة واحدة، فإن أردت المصدر قلت: حَجَجْتُ حَجَّا، و ( حلالُها ) يريد به الشهور الحلال، و ( حرامها ) يريد الشهور الحُرم، ورفع حلالها على إنه بدل من حِجَج، وحرامُها معطوف عليه، ويروى ( دمنا تجرم ) بالنصب على الحال من الديار والمنازل المذكورة، والحجج رفع بتجرَّم.إن قيل: حجج يقع للقليل والكثير، ولا يدري حقيقة ما أراد من المدد، فما معنى تكمل سنين لا يعرف كم هي ؟فالجواب على ما حكاه ابن كيسان عن بندار أن من الناس من يتجنَّب دخول الديار في شهور الحل، وهي ثمانية، ويدخلها في الشهور الحرم، وهي أربعة: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، لأنه آمن، وهذا يصف أن هذه الديار لا يدخلها آمن ولا خائف لخرابها، فقد تكملت لها أحوال على هذا يؤكد بها محو آثارها.

( رُزِقَتْ مَرَابِيعَ النُّجُومِ، وَصَابَهَا. . . . . . . .وَدْقُ الرَّوَاعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُهَا )

ورواه الأصمعي: ( مرابيع السحاب ) وواحد المرابيع مرباع، وهو المطر الذي يكون في أول الربيع، وأضاف المرابيع إلى النجوم لأنه يقال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، وأراد بمرابيع النجوم نجوم الوسمي وهذا تمثيل ؛ لأن المرباع في الأصل هي التي نتجت في أول الربيع، وصابها وأصابها بمعنى واحد، والودق من المطر: الداني من الأرض، ويقال: ودَقَ يَدِقُ ؛ إذا دنا، والرواعد: السحائب ذوات الرعد، واحدتها راعدة، والجود: المطر الشديد الكثير، والرهام: جمع رهمة، وهي المطرة اللينة، يصف الأمطار بأنها مالت على هذه الديار فعفت آثارها.

( مِنْ كُلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ. . . . . . . .وَعَشِيَّةٍ مُتَجَاوِبٍ إِرْزَامُهَا )

سارية: سحابة تجيء ليلا، وغاد: يجيء بالغداة، ومدجن: من الإدجان وهو إلباس الغيم السماء، وإرزامها: تصويتها بالرعد، وإرزام الناقة: حنينها على ولدها، ويقال: سحابة رزمة مصوتة بالرعد، ويوم مُدجن: مُتغيم من أوله إلى آخره، وأنث السارية على معنى السحابة، وذكَّر ( غاد ) على معنى السحاب، ومن من صلة صابها، ويروى ( أرزامها ) بفتح الهمزة، أي لكل واحد منها رزمة، أي صوت شديد، وقال أهل اللغة: الهاء في قوله ( أرزامها ) تعود على العشية.فإن قال قائل: فهل للعشية صوت ؟فالجواب على هذا أن التقدير: وسحاب عشية متجاوب إرزامها، ثم حذف.

( فَعَلاَ فُرُوعَُ الأيْهُقَانِ، وَأَطْفَلَتْ. . . . . . . .بِالجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَنَعَامُهَا )

ويروى ( فَغَلا ) بغين معجمة، أي ارتفع وزاد، من قولهم: قد غلا السعر ؛ إذا ارتفع، وغلا الصبي يغلو ؛ إذا شب، وفعل ذلك في غلوائه: أي في شبابه، ويروى ( فاعتم نورُ الأيهقان ) واعتم: ارتفع، ومن نصب ( فروع الإيهقان ) فمنعاه علا السيل فروع الإيهقان، والرفع أجود ؛ لأن المعنى فعاشت الأرض وعاش ما فيها، ألا ترى أن بعده ( وأطفلت بالجلهتين ظباؤها ونعامها ) وقوله ( أطفلت ) إنما يقال أفرخ النعام، وأرأل، وإنما قال هذا لأن الفرخ بمنزلة الطفل، فصار بمنزلة قول الشاعر:

يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا. . . . . . . .مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحا

فحمله على المعنى ؛ لأن السيف يُحمل، كأنه قال: ويحمل رمحا، والفروع: الأعالي، والأيهقان: جر جير البر، الواحد أيهقانة، والجلهتان: جانبا الوادي، وهما ما استقبلك منه، يصف أن هذه الديار خلت فقد كثر أولاد الوحش بها، لأمنها فيها.

( وَالعِينُ سَاكِنَةٍ عَلَى أَطْلاَئِهَا. . . . . . . .عُوذاً تَأَجَّلُ بالْفَضاءٍ بِهَامُهَا )

العين: البقر، واحدتها عيناء، والذكر أعين، وسميت عينا لضخم عيونها، وساكنة: مطمئنة، وأطلاؤها: أولادها، الواحد طلا، والعوذ: الحديثات النتاج، وتأجل: تصير آجالا الواحد إجل، وهو القطيع من الظباء والبقر والشاء، وقال ابن الأنباري: الإجل القطيع من الظباء، وربما استعمل في البقر، والصُّوار: القطيع من البقر خاصة، والفضاء: المتسع من الأرض، والبهام: جمع بهمة، وهي من أولاد الضأن خاصة، ومجرى البقرة الوحشية مجرى الضائنة في كل شيء، ومحرى الأروبة مجرى الماعزة، وعوذا: منصوب على الحال، يصف أن هذه الديار صارت مألفا للوحش لخلائها، وقال أبو زيد: يقال لولد الغنم ساعة تضعه أمه من المعز والضأن جميعا ذكرا كان أم أنثى: سخلة، وجمعه سخال، ثم هي البهمة للذكر والأنثى، وجمعها بهم.

( وَجَلاَ السُّيُولُ عَنِ الطُّلُولِ كَأَنَّهَا. . . . . . . .زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَهَا أَقْلاَمُهَا )

أي جلت السيول التراب عن الطلول، أي كشفته، وكل جلاء كشف، ومنه جلاء العروس، ومنه الجلية الأمر الواضح، والطلول: ما شخص من آثار الدار، وزبر: جمع زبور، وهو الكتاب، فعول بمعنى مفعول، زبرت الكتاب: كتبته، وذبرته: قرأته وتجد: أي تجدد، أي يعاد عليها الكتاب بعد أن درست، ومتونها: ظهورها وأوساطها، وأرادها كلها، ولم يخص المتون، والهاء في ( كأنها ) تعود على الطلول، وفي ( أقلامها ) تعود على الزُبُّرُ، يصف أن هذا السيل قد كشف عن بياض وسواد، فشبهه بكتاب قد تطمس، فأعيد على بعضه وترك ما تبين منه ؛ فكأنه مختلف، وكذلك آثار هذه الديار.

( أو رَجْعُ وَاشِمَةٍ أُسِفَّ نَؤُورُهَا. . . . . . . .كِفَفاً تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا )

الرجع: تريدها الوشم، والواشمة: التي تشم يديها، تضربها بالإبرة ثم تحشوها النؤور، والنؤور: حصاة مثل الإثمد تدق فتسفه اللثة واليد فتسودهما، وأصل الإسفاف الإقماح.ومعنى ( أسف ) سُقى وذُر عليه النؤور، والكفف: الدارات من النقش، الواحدة كُفة، وهي كل دارة وحلقة، وأصله من الكف وهو المنع ؛ ومنه سميت اليد كفا ؛ لأن الإنسان يمتنع بها، وتعرَّض: أقبل وأدبر، ومنه يقال ( تعرض فلان في الجبل ) ومن روى تعرض بفتح الضاد جعله ماضيا، ومن روى تعرض بضم الضاد أراد تتعرض ثم حذف إحدى التاءين، ورفع لأنه يريد الفعل المستقبل، وكففا: منصوب على إنه خبر ما لم يسم فاعله يريد أن هذه الديار كهذا الكتاب أو كهذا الوشم الذي هذه صفته.

( فَوَقَفْتُ أَسْأَلْهَا، وَكَيْفَ سُؤَالُنَا. . . . . . . .صُمًّا خَوَالِدَ مَا يَبِينُ كَلاَمُهَا ؟ )

ويروى ( سُفعا ) وهي الأثافي، والسُفعة: سواد إلى الحمرة، والصم: الصخور، والخوالد: البواقي، وقوله: ( كيف سؤالنا ) تعجب، يقول: كيف تسأل ما لا يفهم، وقوله ( ما يبين كلامها ) أي ليس لها كلام فيتبين وقيل: أن المعنى ليس بها من الأثر ما يقوم مقام الكلام فيبين لنا قُرب العهد أو بعده، ومعنى ( خوالد ) أي لم تذهب آثارها فيذهل عنها.

( عَرِيَتْ وَكَانَ بِهَا الجَمِيعُ، فَأَبْكَرُوا. . . . . . . .مِنْهَا، وَغُودِرَ نُؤْيُهَا وَثُمَامُهَا )

عربت: أي خلت من أهلها، وهذا تمثيل، كأنه جعل سكانها بمنزلة اللباس لها لأنهم يغشونها بإبلهم ومواشيهم، وقوله ( فأبكروا منها ) فيه قولان: أحدهما أنهم ارتحلوا منها بكرة، يقال: بَكَر وأبْكَرَ وبَكَّرَ وابْتَكَر، والقول الآخر أن معناه ارتحلوا في أول الزمان، ومنه الباكورة ؛ وغودر: تُرك وخُلف، وسمي الغدير غديرا لأن السيل غادره، أو لأن المسافرين يمرون به وهو ملآن ثم يرجعون فلا يجدون فيه شيئا فكأنه غدر بهم، والنؤى: حاجز يجعل حول الخباء لئلا يصل السيل إليه، والثمام: نبت يجعل حول الخباء أيضا ليمنع السيل، ويقي الحر، ويلقونه على بيوتهم وعلى وطاب اللبن ؛ لأنه أبرد ظلا.

( شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ يَوْمَ تَحَمَّلُوا. . . . . . . .فَتَكَنَّسُوا قُطْنُاً تَصِرُّ خِيَامُهَا )

شاقتك: أي دعتك إلى الشوق اليها، والظعن: النساء اللواتي في الهوادج، وتحملوا: ارتحلوا بأحمالهم، وتكنسوا: دخلوا في الهوادج، شبهها بالكنس الواحد كِناس، وهو شيء يتخذه الظباء: تجذب أغصان الشجرة فتقع إلى الأرض ؛ فيصير بينها وبين ساق الشجرة مدخل تستظل به، والقطن: جمع قطين وهم الجماعة، والقطن أيضا: الحشم والضبنة والقطين: الجيران، والقطين أيضا: العبيد، ويكون قُطُنا على هذا ينصب على الحال، وقال أبو جعفر: معنى قوله ( فتكنسوا قطنا ) يريد ثياب قطن قال: وليس القطين هنا معنى، قال: والدليل على إنه عنى أغشية القطن قوله في البيت الذي بعده ( من كل محفوف يظل عصيه زوج، البيت ) وقوله ( تصر خيامها ) أي تعجل بهن إبلهن فتهز الخشب فتصر، وقيل: إنما تصر لأنها جدد، وقيل: تصر من ثقلها.

( مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ. . . . . . . .زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وَقِرَامَهَا )

المحفوف: الهودج قد حُف بالثياب، أي جعلت على أحفته، وهي جوانبه، الواحد حفاف، وعصيه: خشبه، والزوج: النمط الواحد، والكلة: الستر الرقيق، والقرام: يجعل فوق الفراش تحت الرَّجُل والمرأة، والقِرَام والمقرم: ما يُغَطِّى به الشيء، يقال: قرمته أقرمه.

( زُجَلاً كَأَنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَهَا. . . . . . . .وَظِبَاءَ وَجْرَةَ عُطّفاً أَرْءَامُهَا )

زُجل: جماعات، الواحدة زُجلة، والنعاج: البقر الوحشية، ولا يقال إلا للإناث منهن، وتوضح ووجرة: موعان، وعطف: ملتفتات، وقيل: متحننات على أولادهن، ومن روى زجلا فالواحد عنده زاجل، وهو الصيت، وزُحلا: منصوب على الحال من الضمير الذي في ( تحملوا ) وقوله: ( فوقها ) الهاء تعود على الهوادج، ويجوز أن تعود على الإبل، وعطفا: منصوب على الحال، ويجوز ( عُطَّف أرآمها ) على أن يكون المعنى أرآمها عطف.

( حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ، كَأَنَّهَا. . . . . . . .أَجْزَاعُ بِيشَةً أَثْلُهَا وَرِضَامُهَا )

حُفزت: دفعت واستحثت في السير، وزايلها السراب: دفعها سراب إلى سراب، ورواها الأصمعي ( حزئت وزايلها السراب ) وحزئت يهمز ولا يهمز ؛ يريد حزاها السراب، أي رفعها، وزايلها: حركها، من قولك: ( أزلت فلانا عن مكانه ) إذا أحرجته إلى الحركة منه، وقيل: زايلها فارقها، والسراب: لمعان الشمس في الفضاء، وبيشة: موضع، والأثل: شجر، والرضام: جبال صغار، والرضام: صخور عظام يجتمع بعضها إلى بعض، ورضم الحجارة رضما، إذا نضد بعضها على بعض، والواحدة من الرِّضام رَضْمَة ورَضَمَة، وفعال يكون جمعا لفَعْلَة وفَعَلَة جميعا فيقال: صَحْفَة وصِحَاف وثَمَرة وثِمَار.ومعنى البيت أن هذه الأجمال لما زايلها السراب تبينت كأنها شجر قد ضربته الريح فهو يخفق، أو كأنها جبال صغار.وأثلها: بدل من أجزاع، ورضامها: معطوف على أثلها.

( بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارَِ وَقَدْ نَأَتْ. . . . . . . .وَتَقَطَّعَتْ أَسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا )

نَوار: اسم امرأة، والنَّوار: النفُور من الوحش، نأَت: بعدت، و ( أسبابها ) السبب: الحبل، وأراد حبال مودتها، ورمام: جمع رمة، وهي القطعة من الحبل المخلقة، والمعنى: ما تذكر من نوار وقد تقطَّع جديد وصلها وقديمه ؟ و ( بَلْ ) هنا لخروج من حديث إلى حديث، وما في قوله ( بل ما تذكَّر ) في موضع نصب، والمعنى أي شيء تذكَّر، والأصل تتذكر ثم حذف إحدى التاءين.

( مُرِّيَّةٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ، وَجَاوَرَتْ. . . . . . . .أضهْلَ الحِجَازِ، فَأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا ؟ )

ويروى ( وجاورت أهل الجبال ) وحلت: نزلت، ومُرية: منسوبة إلى مُرة بن عوف بن سعد بن ذُبيان بن بغيض، ومرامها: مطلبها، ويروى ( مُرية ) على البدل من نوار.ومعنى البيت أنها مرية، وليست من أهلك، وقد حلت بفيد ؛ فقد بعدت عنك - وفيد: موضع في طريق مكة - وهي مجاورة أهل الحجاز وهم أعداؤك فما طلبك لها ؟ثم وصف تنقلها من موضع إلى موضع فقال:

( بِمَشَارِقِ الجَبَلَيْنِ أو بِمُحَجَّرٍ. . . . . . . .فَتَضَمَّنَتْهَا فَرْدَةٌ فَرُخَامُهَا )

أراد بالجبلين جبلي طيئ أجأ وسلمى، ومحجر - بكسر الجيم - اسم موضع، ويروى عن الأصمعي إنه كان يفتح الجيم، وقال أبو زياد: محجر جبل حوله رمل حُجِّر به، فعلى هذا الجيم مفتوحة، وفردة: أرض، ورخامها: جبل قريب من فردة، وقال ابن السكيت: هو موضع غليظ كثير الشجر.

( فَصُوَائِقٌ أن أَيْمَنَتْ فَمَظَّنِه. . . . . . . .مِنْهَا وِحَافُ القَهْرِ أو طِلْخَامُهَا )

البغداديون يروون ( أو طلخامها' ) بالخاء معجمة، وهو الصواب ؛ لأن الخيل ذكر هذا الحرف في باب الخاء فقال: طلخام موضع، والطلخام: الأنثى من الفيلة، وصوائق: موضع، ويروى ( فصعايد ) وأيمنت: أخذت نحو اليمن، وقيل: أخذت ذات اليمين، وقوله: ( فمنظنه منها وحاف القهر ) أي موضعها الذي تُظن فيه وتُطلب وحاف القهر، والوحاف: إكام صغار إلى جانب القهر، والقهر: جبل، وواحد الوحاف وحفة ووحف، والمعنى خليق بها أن تكون في هذه المواضع.

( فَقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ. . . . . . . .وَلَخَيْرُ وَاصِلِ خُلّةٍ صَرَّامُهَا )

ويروى ( ولشر واصل خلة ) والخُلة: الصداقة، واللبانة: الحاجة، وتعرض وصله: تغير وحال كأنه أخذ يمينا وشمالا، يقال: ( تعرض فُلان في الجبل ) إذا أخذ يمينا وشمالا، وقال أكثر أهل اللغة: معنى ( ولخير واصل خلة صرامها ) خير الواصلين من صرم من قطعه، أي كافأه على ما فعل، ومن روى ( ولشر واصل خلة ) أي شر الناس من كان يتجنى ليقطع مودة صاحبه، قال أبو الحسن: قال بندار: معنى ( ولخير واصل خُلة صرامها ) خير الأصدقاء من إذا علم من صديقه أن حاجته تثقل عليه قطع حوائجه منه لئلا يفسد ما بينه، قال بندار: ومثل هذا قول بعضهم: إذا أردت أن تدوم لك مودة صديقك فاقطع حوائجك عنه إذا كنت تكره أن يردك، قال: ومعنى ( ولشر واصل خلة صرامها ) من صرمه لإنزال الحاجة به، والمعنى يرجع إلى ذلك، فإن كنت تحب مودته فلا تسأله حاجة إذا كان على هذا.

( وَاحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ. . . . . . . .بَاقٍ إذا ضَلْعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا )

ويروى ( المحامل ) والمحامل: المكافئ الذي يحمل لك وتحمل له، والمجامل - بالجيم - الذي يجاملك بالمودة ظاهرا وسره على خلاف ذلك، واحب: من الحباء وهو العطية، وروى أبو الحسن ( وزاغ قوامها ) والمعنى زاغ استقامتها، ومن روى ( قوامها ) فمعناه عنده ما تقوم به، ومعنى ( ضلعت ) مالت وجارت، أي إذا مالت مودته، أضمر المودة ولم يجر لها ذكر ؛ لأن المعنى مفهوم، ويقال ( حبوته ) إذا خصصته بالعطاء، يقول: أخصص من يُظهر لك جميلا بأكثر مما يظهره لك، وصرمه باق: أي ثابت، وقطيعته ثابتة عندك لا تظهرها فاستبقه ولا تعجل بالقطيعة، والواو في قوله ( وصرمه باق ) واو الحال، وزاغ: مال، والزيغ: الميل.

( بِطَلِيحِ أَسْفَارٍ ترَكْنَ بَقِيَّةً. . . . . . . .مِنْهَا فَأَحْنَقَ صُلْبُهَا وَسَنَامُهَا )

الطليح: المعيية، وقيل: المهزولة، أي تركت الأسفار منها بقية، أي بقيت ضامرا، وقوله ( فأحنق ) أي ضمر، ولا يقال ( أحنق السنام ) إنما يقال ( ذهب ) إلا إنه حمله على المعنى ؛ لعلم السامع بما يريد، كما يقال: أكلت خبزاً ولبناً، أي وشربت لبنا، وكقوله:

عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً. . . . . . . .حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا

والباء في قوله: ( بطليح أسفار ) متعلقة فاقطع لبانة، أي اقطع حاجتك وحاجة غيرك بهذه الناقة التي من صفتها كذا ليسليك ذهابك عنه.

( فَإِذَا تَغَالَى لَحْمُهَا وَتَحَسَّرَتُ. . . . . . . .وَتَقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلاَلِ خِدَامُهَا )

تغالى: معناه ذهب وارتفع، قال الأصمعي: معناه ركب رؤوس العظام، وذهب ما سوى ذلك، وتحسرت: معناه تحسر عنها البدن، وقيل: معناه سقط وبرها، وقيل: صارت حسيرا أي معيية، وقيل: هي تفعلت من الحسرة، والخدام: سيور تشد على الأرساغ، الواحدة خدمة، ويقال للخلخال: خدمة، وهذه السيور في موضع الخلاخيل فسميت باسمها، يقول: إذا صارت هكذا فلها هباب.

( فَلَهَا هِبَابٌ فيِ الزِّمَامِ كَأَنهَا. . . . . . . .صَهْبَاءُ رَاحَ مَعَ الجَنُوبِ جَهَامُهَا )

هباب: هيج ونشاط، يقول: إذا صارت في هذه الحال لم يذهب نشاطها، وقوله: ( كأنها صهباء ) أي سحابة صهباء، وإذا اصهابت وقل ماؤها خفت وسرع مرها، أي لهذه الناقة بعد ذهاب لحمها هباب في الزمام مثل هذا السحاب الذي قد هراق ماءه ؛ فأدنى ريح تسوقه.

( أو مُلْمِعٌ وَسَقَتْ لأحْقَبً لاَحَهُ. . . . . . . .طَرَْدُ الفُحُولِ وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا )

الملمع: التي قد استبان حملها، ويروى ( طرد الفحالة ضربها وعذامها ) ويروى ( وزرُها وكِدامها ) والعذم: العض، وكذلك الزَّرُّ والكدم، و ( وسقت ) قيل: معناه جمعت، قال الله عز وجل: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) ومنه سمى الوسق، وقيل: معنى وسقت استجمعت، كأنه بمعنى استوسقت، وقال أكثر أهل اللغة: معنى وسقت حملت، وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد ؛ لأن من قال جمعت فمعناه عنده جمعت ماء الفحل فحملت، والأحقب: الذي في موضع الحقب منه بياض، ولاحه: غيره، والطَّرَدُ: اسم، والطَّرْد - بسكون الراء - مصدر، وقوله ضربها يعني ضربها بأرجلها، وكدامها: عضاضها، شبه ناقته بسحاب قد هراق ماءه فهو أسرع لمره، أو بأتان يتبعها حمار هذه صفته.

( يَعْلُو بِهَا حَدَبَ الإكَامِ مُجَّجاً. . . . . . . .قَدْ رَابَهُ عِصْيَانُهَا وَوِحَامُهَا )

الحدب: ما ارتفع من الأرض، والإكام: الجبال الصغار، الواحدة أكمة، والمسحج: المعضض قد عضضته الحمير، ويروى ( مسحَّجٌ ) بالرفع، ويروى ( مسحجٍ ) بالجر ؛ فمن رفعه رفعه بفعله وهو يعلو، ومن رواه منصوبا أضمر في يعلو، وجعل مسحجا حالا من المضمر، ومن جره جعله نعتا لأحقب، وقوله ( قد رابه ) أي قد استبان الريب، وعصيانها: امتناعها عليه، وقوله: ( وحامها ) الوحم: الشهوة على الحمل، يقال: امرأة وحمى، و نساء وحام ووحامى، وقد وحمت توحم وحما، قال العجاج:

أَزْمَانَ لَيْلَى عَامَ لَيْلَى وَحَمِى

أي شهوتي وقوله ( يعلو بها ) أي يعسفها عسفا ليس يهتم إلا بطردها لا يبالي أين سلكت، وإنما يعلو بها خوف الرامي، وقال أبو الحسن: يقال: وحمت توحم، إذا اشتهت الفحل، والمعنى إنها وادق، وإذا تبعها الفحل منعته لأنها حامل فاستراب بها، وإذا امتنعت منه تبعها وكان أحرص عليها، فشبه ناقته بها في سرعتها.

( بِأَحِزَّةِ الثَّلَبُوتِ يَرْبأُ فَوْقَهَا. . . . . . . .قَفْرَ المَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَا )

الأحزة: جمع حزيز، وهو ما غلظ من الأرض، والجمع الكثير حُزَّان، وهو خارج عن القياس ؛ لأن نظيره إنما نظيره إنما يجمع على فعلان نحو رغيف ورغفان إلا أن فعيلا وفُعالا يتضارعان، ألا ترى انك تقول طويل وطوال ؛ فعلى هذا شبه فعيل بفعال فقيل حزيز وحزان كما يقال: غلام وغلمان، والثلبوت: ماء لبني ذبيان ويربأ: يعلو ويشرف، وريئة القوم: طليعتهم، والمراقب: مواضع مشرفة ينظر منها من يمر بالطريق، والآرام: حجارة تجعل أعلاما ليعرف بها الطريق.والمعنى: أن الحمار يخاف من هذه الحجارة إذا رآها ؛ لأنه يتوهم إنها مما تخيفه.

( حَتَّى إذا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّة. . . . . . . .جَزَآ فَطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا )

ويروى ( حتى إذا سلخا جمادى كلها ) يعني العير والأتان خرجا منها، وجمادى: شدة القر، وكذلك كان الشتاء في ذلك الزمان وفيها كان يكون أول المطر، فيقول: لما خرج عنهما كلب البرد وأنبتت الأرض استقبلا الجزء فصاما عن الماء، أي عن الانتجاع في طلب الماء ؛ لأنهما قد اكتفيا بالرطب، ويقال: طال قيامهما يفكران أين يردان بعد فناء الرطب، والبيت الثاني يبين هذا المعنى، ومعنى قوله ( جمادى ستة ) - على ما ذكر الأصمعي - جعل الشتاء كله جمادى ؛ لأن الماء يجمد فيه، وأنشد:

إذا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرَهَا. . . . . . . .زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ

ويروى ( جمادى ستة ) و ( جمادى حجة )، وقال أبو عبيدة: يعني جمادى بعينها ؛ فالمعنى على هذا القول: جمادى تمام ستة، كما تقول: اليوم خمسة عشر يوما، أي تمام خمسة عشر يوما، والمعنى إنه قدَّر جمادى انقضاء الستة فلما انقضى الشتاء جزأ، أي اكتفيا بالرطب ؛ لأنهما إذا أكلاه استغنيا عن الماء، ومن روى جزءا جعل هذه الشهور جزءا، ونصب جزءا على البيان، والجزء: الوقت الذي يتجزأ فيه بالرطب عن الماء، وقال أبو الحسن: قال قوم هذا غلط ؛ لأن الجزء إنما يكون شهرين، وقال أبو الحسن: قال بندار: أراد جمادى الآخرة، أي ستة أشهر من أول السنة، ونصب ستة على الحال، كأنه قال: تتمة ستة، فجعل جمادى وقتا لانقطاع الجزء، وعلى هذا يصح البيت.

( رَجَعَا بِأَمْرِهِمَا إلى ذِي مِرَّةٍ. . . . . . . .حَصِدٍ، ونُجْحُ صَرِيَمةٍ إِبْرَامُهَا )

المرَّة: القوة أي رجعا بأمرهما إلى رأى قوي، أي عزما على ورود الماء بعد طول قيامهما، والحصد: المحكم، والصريمة: العزيمة، كأنه قطع الأمر، وأصل الصرم القطع وقوله: ( ونُجْح صريمة إبرامها ) أي نجاح الأمر في إبرامه، أي إحكامه.

( وَرَمَى دَوَابِرَهَا السَّفَا، وتَهِيَّجَتْ. . . . . . . .رِيحُ المَصَايِفِ سَوْمُهَا وَسَهَامُهَا )

الدوابر: مآخير الحوافير، واحدتها دابرة، والسفا: سفا البهمى وهو كشوك السنبل، وهو يجف إذا جاء الصيف، واحدته سفاة، والمصايف: جمع مصيف، وسومها: بدل من الريح، وسهامها: معطوف عليه، وقيل: سومها حرُّها، وقيل: مرُّها، وقيل: اختلاف هبوبها، وهذا أصح الأقوال لأن أبا زيد حكى إنه يقال: سوَّم الرجل يسوم ؛ إذا قاتل القوم ففرقهم يمينا وشمالا، وقال أبو العباس: قال أهل النظر في قول الله عز وجل: ( والخيل المُسوَّمة ) هي المهملة كأنها قد تُركت ترعى حيث شائت، ومنه: سامني فلان في البيع، إذا صرفك كذا مرة وكذا مرة، ومنه ( أبي فلان أن يُسام خُطة ضيم ) والسهام: الريح الحارة.

( فَتَنَازَعَا سَبِطاً يَطِيرُ ظِلاَلُهُ. . . . . . . .كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا )

أي فتنازع العير والأتان سبطا، يعني غبارا ممتدا، ومشعلة: نار قد اشتعلت، يُشب: يوقد ويرفع، والضرام: ما دق من الحطب.يصف سرعة ناقته حتى شبهها بهذا الحمار الذي يطلب الأتان وهي تهرب منه، وقد أثارا غبارا ممتدا يطير ظلاله، أي ما أظل منه وغطى الشمس.

( مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابتِ عَرْفَجٍ. . . . . . . .كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ إِسْنَامُهَا )

مشمولة: من نعت مشعلة، أي نار قد أصابتها الشمال فهي تلتهب، وغلثت: أي خلط ما أوقدت به بنابت عرفج، أي بغضه وطريه ؛ فهو أكثر لدخانها، والنابت: الحديث، وإسنامها: إشرافها، يقال: أسنمها يُسنمها، وأَسنامها - بفتح الهمزة - يعني جمع سَنِمٍ، ويقال ( تَسَنَّم ) إذا علا، ومنه السَّنَام، وقيل في قول الله عز وجل ( وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ): إنه أعلى شراب في الجنة، وقيل: أن شراب الجنة يُمزج لبعضهم من تسنيم وهو نهر عال، وإن بعضهم يشربه صرفا.

( فَمَضَى وَقَدّمَهَا، وَكَانَتْ عَادَةً. . . . . . . .مِنْهُ - إذا هِيَ عَرَّدَتْ - إقْدَامُها )

يقول: مضى الحمار وقدَّم الأتان لكي لا تعند عليه، وعرَّدت: تركت الطريق وعدلت عنه، وأصل التعريد الفرار، وقال ( وكانت ) فأَنث والإقدام مذكَّر ؛ فزعم الكوفيون إنه لما أولى كان خبرها وفرق بينها وبين اسمها توهم التأنيث فأنث، وكان الكسائي يجيز ( كانت عادة حسنة عطاء الله ) و ( كانت رحمة المطر البارحة ) وكان يقول: إذا كان خبر كان مؤنثا واسمها مذكرا وأوليتها الخبر فمن العرب من يؤنث، كأنه يتوهم أن الاسم مؤنث إذا كان الخبر مؤنثا، وقال غير الكسائي: إنما بنى كلامه على ( وكانت عادة تقدمتها ) لأن التقدمة مصدر تقدمها، إلا إنه انتهى إلى القافية فلم يجد التقدمة تصلح لها فقال: إقدامها، واحتج بقول الشاعر:

أَزَيْدُ بْنَ مَصْبُوحٍ فَلَوْ غَيْرُكُمْ جَنَى. . . . . . . .غَفَرْنَا، وكَانَتَ مِنْ سَجِيَّتِنَا الغَفْرُ

زعم الكسائي إنه أنث ( كانت ) لأنه أراد كانت سجية من سجايانا الغفر، وقال الذي خالفه: بل بنى على المغفرة فانتهى إلى آخر البيت والمغفرة لا تصلح له فقال ( الغفر ) لأن الغفر والمغفرة مصدران، والأتن لا تتقدم حتى يتقدم الفحل إلى الماء فيشرب وينظر هل يرى بالماء شيئا يريبه.

( فَتَوَسَّطاً عُرْضَ السَّرِيِّ وَصدَّعَا. . . . . . . .مَسْجُورَةً مُتَجَاوِراً قُلاَّمُهَا )

العرض: الناحية، والسري: النهر وصدعا: شققا النبت الذي على الماء، ومسجورة: عين مملوة، والمتجاور: المتقارب، والقُلام: نبت، وقيل: هو القصب.

( وَمُحَفّفاً وَسْطَ اليَرَاعِ يُظِلُّهُ. . . . . . . .مِنْهَا مُصَرَّعُ غَابَةٍ وَقِيَامُهَا )

ويروى ( محفوفة ) يعني العين، يعني أنها حُفت بالقصب نابتا فيها، وأصله إنه ينبت في أحفتها، أي جوانبها، وقال بعض أهل اللغة: الواو في قوله ( وحففا ) زائدة، يذهب إلى إنه منصوب على الحال، والمعنى على قوله ( فتوسطا عرض السرى محففا ) وهذا القول خطأ ؛ لأنه لو كان هذا لجاز ( جاء زيد ومسرعا ) على أن يريد جاء زيد مسرعا، وهذا لا يجيزه أحد، والصحيح أن ( محففا ) معطوف على مسجورة، المعنى وصدعا عينا مسجورة ومحففا، ويكون تذكير محفف على أن تكون العين والسرى واحدا والرواية الجيدة ( محفوفة ) وهي رواية ابن كيسان، والمصرع: المائل، كأن الريح تصرعه أي تميله، والغابة: الأجمة، وكل قصب مجتمع يقال له غابة، والشجر الملتف غابة، كأنه قيل له غابة لأن الشيء يتغيب فيه ؛ وقيامها: يعني ما انتصب منها.ومعنى البيت أن الحمار والأتان انتهيا من عدوهما إلى الموضع الذي فيه الماء.ثم خرج إلى شيء آخر فقال:

( أَفَتِلْكَ أمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ. . . . . . . .خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا )

يقول: أفتلك الأتان تشبه ناقتي أم بقرة وحشية مسبوعة أكل السبع ولدها فهي مذعورة، وخذلت: تأخرت عن القطيع وأقامت على ولدها، وهادية الصِّوار: متقدمته، وفي معناه قولان: أحدهما أن المعنى وهي هادية الصِّوار وهي قوامها وقد تخلَّفت، والقول الآخر أن هادية الصِّوار تقوم أمرها فقد تركتها وتخلفت في طلب ولدها، والصِّوار: القطيع من البقر، يقال: قد صار الشيء يصوره ؛ إذا قطعه، وصاره يصوره ويصيره، إذا أماله وإذا جمعه

( خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ ؛ فَلَمْ يَرِمْ. . . . . . . .عُرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا )

خنساء: صفة البقرة الوحشية، والخنس: تأخر الأنف في الوجه وقصره، والفرير: ولد البقرة، وأصل الفرير الخروف، وهو من ولد الضأن، ولكن البقرة تجرى مجرى الضائنة، والشقائق: جمع شقيقة، وهي أرض غليظة بين رملتين، وطوفها: ذهابها ومجيؤها، وبغامها: صوتها.والمعنى أن هذه البقرة لا تبرح من هذه الرملة تطلب ولدها ؛ لأن في هذه الرملة نباتا ؛ فهي تصيح بولدها لئلا يكون النبات قد غطاه، ولو كانت مصحرة لما ثبتت في موضع واحد.

( لِمُعَفْرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ. . . . . . . .غُبْسٌ كَوَاسِبُ مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا )

المعفر: الذي قد سحب في العفر وهو التراب، وقال أبو عبيد: التعفير أن تعفِّر ولدها، وذلك إذا أرادت فطامه منعته من اللبن، فإذا خافت عليه النقصان رجعت فأرضعته ثم قطعت عنه حتى يأنس بذلك، واللام في قوله ( لمعفَّر ) متعلقة بقوله فلم يرم، والمعنى: فلم يبرح طوفها وبُغامها من أجل معفر، وقيل: اللام متعلقة بقوله وبغامها، أي صوتها لمعفر، والقهد: الأبيض، وقيل: هو الأبيض الذي يخالط بياضه صفرة أو حمرة، وتنازع: تعاطى، قال الله عز وجل ( يَتَنَازعُون فيها كأساً ) أي يتعاطون، والشلو: بقية الجلد، والغيس: الذئاب، والغبسة: لون فيه شبيه بالغُبرة، وكواسب: تكسب الصيد، وقوله ( ما يُمن طعامها ) فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن المعنى إنه لا يُطعمها أحد فيمن عليها، إنما تصيد لنفسها، والقول الآخر أنها لا تمن بشيء مما تصيده، ويقال: أن الذئب إذا أصاب شيئا أكله مكانه، والثالث أن معنى قوله ( ما يمن طعامها ) ما ينقص، قال الله عز وجل ( لهم أجر غيرُ ممنون ).

( صَادَفْنَ مِنْهَل غِرَّةً فَأَصَبْنَهَا. . . . . . . .أن المَنَايَا لاَ تَطِيشُ سِهَامُهَا )

يقول: صادفن من البقرة غرة فأصبنها بولدها، ويروى ( صادفن منه غرة فأصبنها ) أي صادفن من الفرير غرة فأصبنها، أي فأصبن الغرة، ويروى ( فأصبنه، أن المنايا لا تطيش سهامها ) أي لا تخف ولا تُخطئ، بل تقصد، والمنية لا سهام لها، إنما هو مثل.

( بَاتَتْ وَأَسْبَلَ وَاكِفٌ مِنْ دِيمةٍ. . . . . . . .يُرْوِى الخَمَائِلَ دَائِماً تَسْجَامُهَا )

أسبل: سال واسترخى، يقال: أسبل إزاره، ورفله، وجاء يجر سبلته ؛ إذا جاء يجر إزاره، وقال أبو زيد: يقال ( أسبلت السماء إسبالا ) وهو المطر الذي بين السماء والأرض حين يخرج من السحاب ولم يصل إلى الأرض، والاسم السبل، ويقال: بات يفعل كذا، إذا فعله ليلا، وليس بات بمعنى نام، لأنك تقول: بات فلان يصلي ؛ إذا لم يزل يصلي بالليل، والواكف: القطر، والديمة: المطر الدائم، والخمائل: جمع خميلة، وهي الرملة التي قد غطاها النبت كأنه أخملها، والتسجام: المطر الجود.وفيه من النحو إنه لم يأت لباتت بخبر ؛ فالمعنى باتت بهذه الحال، ثم حذف لعلم السامع، ويجوز أن يكون باتت بمعنى دخلت في المبيت فلا تحتاج إلى خبر، كما تقول ( أصبح ) إذا دخل في الإصباح، ونصب ( دائما ) على إنه حال من المضمر الذي في ( يروى ) ورفع تسجامها بدائم، ويجوز رفع دائم على إنه خبر الابتداء قُدِّم، ويكون المعنى تسجامها دائم، ويجوز أن تنصب دائما على الحال من وجه آخر، ويكون المعنى يروى تسجامها دائما.يقول: باتت هذه البقرة بعد فقدها ولدها ممطورة تمطرها الديمة التي وصفها.

( تَجْتَافُ أَصْلاً قَالِصاً مُتَنَبِّذَا. . . . . . . .بِعُجُوبِ أنْقَاءٍ يَمِيلُ هَيَامُهَا )

تجتاف: تدخل في جوفه، والقالص: المرتفع الفروع، وقيل: معنى قالص الفروع إنه ناحية، والمتنبذ: المتنحى، يقال: جلس فلان متنبذا عن الناس، وجلس نَبذة ونُبذة عنهم، أي متنحيا، وقيل: معنى قوله متنبذا متفرقا، والعجوب: جمع عجب وهو أصل الذنب، وإنما يريد هنا أطراف الرمال، والأنقاء: جمع نقا وهو الكثيب من الرمل الذي لم يخالطه غيره، ويقال في تثنيته: نقوان، وحكى الفراء نقيان، ولا يعرفه البصريون، والهيام.الرمل اللين، وقيل: هو ما تناثر منه، يقال: انهام وانهار وانهال بمعنى واحد، وجمع هيام في القياس أهيمة، وقال بعضهم في قوله ( تجتاف أصلا ): هو مثل قول ذي الرمة:

مَيْلاَءَ مِنْ مَعْدِنِ الصِّيرَانِ قَاصِيَة. . . . . . . .أَبْعَارُهُنَّ عَلَى أَهْدَافِهَا كُثُبُ

والمعنى أنها متنحية عن معظم الشجر متنحية عن الطريق لتأمن، و ( تجتاف ) موضعه نصب في التأويل على معنى باتت مجتافة أصلا.

( يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِراً. . . . . . . .فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غمَامُهَا )

أي يعلو طريقة متن هذه البقرة مطر متتابع، هذا على من رواه ( متواتر ) بالرفع، ومن نصبه فعلى الحال، والمعنى يعلو الواكف متواترا، والطريقة: خُطة مخالفة للونها، ويقال لها: جُدَّة، والمتنان: مكتنفا الظهر، وكفر: غطى، يريد أنها ليلة مظلمة وقد غطى السحاب فيها النجوم، وقالوا: سُمى الكافر كافرا لأنه غطَّى ما ينبغي أن يُظهره من دين الله، وقيل: لأن الكُفر كفَر قلبه، أي غطاه.

( وَتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلاَمِ مُنِيرَةً. . . . . . . .كَجُمَانَةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَا )

يعني البقرة تضيء من شدة بياضها، ووجه الظلام: أوله، والجمانة: اللؤلؤة الصغيرة، والكبيرة الدرة، وأراد بالبحري الغواص، وقال أبو الحسن: إنما خص جمانة الغواص لأنها قد تُعمل من فضة، وأراد أن الغواص أخرجها، وقوله ( سل نظامها ) أي خيطها، يريد أن اللؤلؤة إذا سُل خيطها سقطت وصارت بمنزلة القلق في تحركها ؛ فيريد أن هذه البقرة قلقة، وقيل: إنما أراد شدة عدو البقرة، فشبهها باللؤلؤة إذا سُل خيطها فسقطت، ومنيرة: نصب على الحال، وقيل: معنى البيت أن هذه البقرة كلما تحركت في الليل أشرق لونها.

( حَتَّى إذا انْحَسَرَ الظَّلاَمُ وَأَسْفَرَتْ. . . . . . . .بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثِّرَى أَزْلاَمُهَا )

ويروى ( حتى إذا حسر الظلام ) أي ذهب، وأسفرت: دخلت في الإسفار، كما يقال ( أظلم ) إذا دخل في الظلام، ويقال: أسفر الصبح، وأسفر وجه المرأة ؛ إذا أضاء، وسفرت المرأة: ألقت خمارها، وبكرت: غدت بكرة، والثرى: التراب الندى، وأزلامها: قوائمها التي كأنها قداح وتزل: أي تزلق لا تثبت على الأرض من الطين، وواحد الأزلام زَلم وزُلَم، قال ابن الأنباري: الأزلام مرتفعة ببكرت، و ( تزل ) في موضع نصب على الحال، أي بكرت زالة عن الثرى.

( عَلِهَتْ تَبَلّدُ فيِ نِهَاءِ صُعَائِدٍ. . . . . . . .سَبْعاً تُؤَاماً كَامِلاً أَيَّامُهَا )

العله: خفة من جزع، وتبلد: أصله تتبلد، أي تتحير تذهب وتجيء لا تدري أين تمر، وتبلد في موضع الحال، والنهاء: جمع نِهْى وهو الغدير ويقال: ( نَهْى )، و ( نِهْى ) فمن قال نَهْى سماه بالمصدر، ومن قال نهى بالكسر أماله عن المصدر، كما يقال مَلْء وَمِلْء وَطَحْن وَطِحْن، وصُعائد: اسم موضع، ويروى ( في نِهاء صُوائق ) وهو اسم موضع ايضا، ويروى ( في شقائق عالج ) والشقائق: جمع شقيقة، وهي الرملة يكون فيها النبت، وعالج: موضع يقال إنه كثير الرمل، وقوله ( سبعا تؤاما ) واحدها توأم، جعل كل ليلة مع يومها توأما، ثم جمع توأما على تُؤَام، كما يقال ظُؤَار في جمع ظَؤُور، وكأنه اسم الجمع، وقوله ( كاملا أيامها ) أي لا ينقص جزعها في هذه الأيام، ويروى ( علهت تردد ).

( حَتَّى إذا يَئِسَتْ وَأَسْحَقَ حَالِقٌ. . . . . . . .لَمْ يُبْلِهِ إِرْضَاعُهَا وَفِطَامُهَا )

أي حتى إذا يئست من ولدها، وأسحق: ارتقع، وقيل: أخلق، وحالق: ضامر، وقيل: ممتلئ لبنا، وأصله من الارتفاع، وقوله ( لم يبله إرضاعها وفطامها ) أي لم يذهب به كثرة إرضاعها ولا فطامها إياه، ولكن ذهب به فقدها ولدها وتركها العلف، ورواه الأصمعي ( حتى إذا ذهلت ) أي سليت ونسيت، ويروى ( لم يغنه إرضاعها وفطامها ).

( وَتَسَمَّعَتْ رِزَّ اْلأنِيسِ، فَرَاعَهَا. . . . . . . .عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ وَالأنِيسُ سَقَامُهَا )

ويروى ( وتوجست ركز الأنيس ) أي تسمعت البقرة صوت الناس فأفزعها، ولم تر الناس، والرِّزُّ والركزُ: الصوت الخفي، وقوله ( عن ظهر غيب ) معناه من وراء حجاب، أي تسمع من حيث لا ترى، و ( الأنيس سقامها ) معناه والأنيس هلاكها، أي يصيدها، وراعها: أي أفزعها، وفاعل تسمعت ضمير البقرة، وفاعل راعها ضمير الرز.

( فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ إنه. . . . . . . .مَوْلَى المَخَافَةِ خَلْفُهَا وَأَمَامُهَا )

ويروى ( فعدت ) أخبر إنها خائفة من كلا جانبيها من خلفها وأمامها، والفرج: الواسع من الأرض، والفرج أيضا: الثغر، والثغر: موضع المخافة، ومولى المخافة معناه وليُّ المخافة، أي الموضع الذي فيه المخافة، قال النحاس: الأجود في ( كلا ) أن تكون في موضع نصب على إنها ظرف، والمعنى: فغدت في كلا الفرجين، وإنما جاء بالألف في ( كلا ) وهو في موضع نصب ليفرق بين الألف إذا كان أصلها الواو والياء وبينها إذا لم يكن لها أصل، ولما لم يعلم أن الألف في ( كلا ) منقلبة من شيء تثبت للفرق في موضع الرفع والنصب والجر، و ( خلفها ) مرفوع على إنه بدل من مولى و ( أمامها ) معطوف عليه، ويجوز أن يكون مولى مرفوعا بالابتداء وخلفها خبره، والجملة خبر أنَّ، ويجوز أن يكون خلفها وأمامها مرفوعين على انهما خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: هما خلفها وأمامها، وقال ابن كيسان: يجوز أن يكون ( كلا ) في موضع رفع، كأنه قال: فغدت وكِلاَ الفرجين تحسب إنه مولى المخافة، وأما قوله: ( أنه ) ولم يقل انهما فهو محمول على معنى قولك كل واحد من الفرجين تحسب إنه مولى المخافة.

( حَتَّى إذا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسَلُوا. . . . . . . .غُضْفاً دَوَاجِنَ قَافِلاَ أَعْصَامُهَا )

يعنى إذا يئس الرماة من البقرة أن ينالها نبلهم أرسلوا الكلاب الغضف، والبواو زائدة، واحتج صاحب هذا القول بقوله تعالى: ( حَتَّى إذا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) والقول عند أهل النظر أن الواو لا يجوز أن تزاد، وإن المعنى حتى إذا يئس الرماة تركوا رميهم، ثم حذف هذا لعلم السامع، والواو عاطفة، والغُضف: المسترخية الآذان، والدواجن: الضاريات المتعودات، وقيل: هي المقيمة مع أصحابها، والقافل: اليابس، وقيل في قول امرئ القيس:

نَظَرْتُ إليها والنُّجُومُ كَأَنَّهَا. . . . . . . .مَصَابِيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لِقُفالِ

إن القفال هنا عُباد النصارى الذين يبسوا من العبادة والصوم، والأعصام: قلائد من أدم تجعل على أعناق الكلاب، الواحدة عصام، وهذا جمع على غير قياس عند أهل اللغة، فكأنه جمع الجمع، جمع عصاما على عصم، كما يقال حمار وحُمُر، ثم جمع عُصُما على أعصام كما يقال طنُب وأطناب، وقيل: أن واحد الأعصام عصمة، وهذا جمع على حذف الهاء، كأنه جمع عصما على أعصام فيكون مثل حمل وأحمال، وقيل: أن واحدها عصم، فهذا مثل جذع وأجذاع، وقيل في يئس: إنه بمعنى علم، أي حتى إذا علم الرماة أنهم لا ينالونها، قال الله تعالى: ( أَفَلَمْ يَيْئَسِ الّذِينَ آمَنُوا أن لَوْ يَشَاءُ الله لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ) معناه أفلم يعلم.

( فَلَحِقْنَ وَاعْتَكَرَتْ لَهَا مَدَرِيَّةٌ. . . . . . . .كَالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّهَا وَتَمَامُهَا )

أي فلحقت الكلاب هذه البقرة، فرجعت البقرة عليهن تظعنهن، واعتكرت: معناه رجعت، عكر واعتكر بمعنى عطف، والمدرية هنا: القرون الحادَّة، والسمهرية: الرماح، ومنه ( اسمهر الأمر ) إذا اشتد، فشبه قرنها بالرماح لصلابته وحدته، ألا ترى إنه قال ( حدُّها وتمامها ) يعني بتمامها طولها والكاف في قوله ( كالسمهرية ) في موضع رفع بالابتداء، وحدها خبره، وإن شئت كانت الكاف خبرا، وإن شئت كانت الكاف نعتا لقوله مدرية، وترفع حدها بمعنى الفعل، كأنه قال: مدرية مماثلة للسمهرية حدُّها وتمامها.

( لِتَذُودَهُنَّ وَأَيْقَنَتْ أن لَمْ تَذُدْ. . . . . . . .أن قَدْ أَحَمًّ مَعَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا )

أي لتطردهن وتمنعهن، ويروى ( من الحتوف ) فأحم مع الحتوف حمامها: معناه حان حمامها وحتفها من بين الحتوف، فيقول: قد علمت أن لم تطرد الكلاب أن أجلها قد حضر، وكل ما حان وقوعه يقال فيه أجم بجيم معجمة وأحم بحاء غير معجمة ويقال: أحَمَّ هذا الأمر، وَحَمَّ، وَحُمَّ، وأما أجم فليس فيه إلا لغة واحدة، واللام في ( لتذودهن ) تتعلق بقوله ( اعتكرت ) في البيت الذي قبله، وجواب ( إن لم تذُد ) الجملة بعدها تقوم مقام الجواب، وهذا لا يجوز إلا في الفعل الماضي ؛ لأنه لا يُجزم، تقول: أن قام زيد لأكرمنه، ولا يجوز هذا في المستقبل ؛ لأن الشرط يجزمه، فلا بد من الجواب إما بالفعل وإما بالفاء.

( فَتَقَصَّدَت مِنْهَا كَسَابَِ فَضُرِّجَتْ. . . . . . . .بِدَمٍ، وَغُودِرَ فِي المَكَرِّ سُخَامُهَا )

( فتقصدت ) قيل: معناه قصدت، تفعَّلت منه، وقيل: قتلت، من قولهم ( رماه فأقصده ) أي قتله مكانه، وكساب: اسم كلبة، في موضع النصب في القولين جميعا، وهو مبني على الكسر، وإنما بنى لأن فيه ثلاث علل فوجب أن يبنى ؛ لأن ما كانت فيه علتان منع الصرف، فإذا زادت عليه علة بنى والعلل أنها مؤنثة ومعرفة ومعدولة، هذا قول أبي العباس، وقال أبو إسحاق: إنما بني هذا لأنه في موضع فعل الأمر، ثم سمى به فبنى كما بني الأمر، والاختيار ما قال سيبويه أن هذا يجري مجرى ما لا ينصرف، وهو اختيار سيبويه ؛ فيكون كساب بفتح الباء، والرواية على هذا، وضُرِّجت: لطخت بالدم، وغُودر: تُرِك، وسخام: اسم كلب، والهاء تعود على الكلاب.

( فَبِتِلْكَ إِذ رَقَصَ اللوامِعُ بِالضُّحَى. . . . . . . .وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرابِ إِكَامُهَا )

معناه فبتلك الناقة أقضى اللبانة، ورقص: اضطرب، واللوامع: الأرضوان التي تلمع بالسراب، الواحدة لامعة، وقيل: أراد باللوامع الآل تراها كأنها تنزو، والآل يكون بالضحى، وهو الذي يرفع كلَّ شيء، والسراب: نصف النهار، وهو الذي يلزق بالأرض، وقوله ( بالضحى ) أراد في الضحى، واجتاب: لبس، يقال: جبت الثوب إذا لبسته ؛ ومنه سمي الجيب لأنه منه يُلبس القميص، وهذا الفعل من ذوات الياء من جاب يجيب ) وأما جاب الأرض يجُوبها إذا قطعها ومرَّ فيها فمن ذوات الواو والإكام: الجبال الصغار، يصف أن السراب قد غطَّى الإكام فكأم الإكام قد لبسته.

( أَقْضِى اللُّبَانَةَ لاَ أُفَرِّطُ رِيبَةً. . . . . . . .أو أن يَلُومَ بِحَاجَةٍ لَوَّامُهَا )

( أقضى ) متعلقة بقوله فبتلك، وهذا يسمى التضمين، واللبانة: الحاجة، لا أفرط: لا أقصر، أي أمضى في الحاجة ولا أقصر فيها، قال أبو الحسن: ويروى ( أقضى اللبانة أن أفرط ريبة ) بنصب ريبة ورفعها ؛ فمن رفع جعله خبر الابتداء، والمعنى تفريطي ريبة، ومن نصب فالمعنى مخافة أن أفرط، ثم حذف مخافة، هذا قول البصريين، وقال الكوفيون: لا مضمرة، والمعنى لئلا أفرط ريبة، يريد أني أتقدم في قضاء حاجتي لئلا أشك وأقول إذا فاتني: ليتني تقدمت، أو يلومني لاثم على تقصيري، ولوام: على التكثير، والمعنى إني لا أدع ريبة تنفذني حتى أحكمها، والتفريط: الإنفاذ والتقديم، والريبة: الشك.ومعنى هذا البيت والذي قبله إنه وصف مواصلته ومصارمته، وأن هذه الناقة تعينه على من أراد مواصلته، وعلى ترك من أراد مصارمته، وهذا البيت يوضع المعنى الذي يقصده.

( أو لَمْ تَكُنْ تَدْرِى نَوَارُِ بِأَنَّنِي. . . . . . . .وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَا )

نوار: اسم امرأة من بني جعفر، وجذَّام: قطَّاع، أي أصل في موضع المواصلة من يستحقها، واقطع من يستحق القطيعة، والهاء في ( جذامها ) تعود على الحبائل.

( تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضَهَا. . . . . . . .أو يَرْتَبِطْ يَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا )

يقول: أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما يكره، إلا أن يدركني الموت فيحبسني، ويروى ( أو يعتقي بعض النفوس ) وأراد بالنفوس نفسه، ويعتقي: يحتبس، والحمام: الموت، ويقال: القدر، وقيل: أن ( يرتبط ) في موضع رفع إلا إنه أسكنه لأنه ردَّ الفعل إلى أصله ؛ لأن أصل الأفعال ألا تعرب، وإنما أعربت للمضارعة، وقيل: أن ( يرتبط ) في موضع نصب، ومعنى ( أو ) معنى إلا أن، كما قال.

فَقُلْتُ لَهُ: لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ، إنما. . . . . . . .نُحَاوِلُ مُلْكَا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا

بمعنى ( إلا أنْ ) غير إنه أسكن لأنه ردَّ الفعل أيضا إلى أصله، وأجود من هذين الوجهين أن يكون ( أو يرتبط ) مجزوما عطفا على قوله ( إذا لم أرضها ) لأن أبا العباس قال: لا يجوز للشاعر أن يسكن الفعل المستقبل ؛ لأنه قد وجب له الإعراب لمضارعته الأسماء، وصار الإعراب فيه يفرق بين المعاني، ألا ترى أنك إذا قلت: ( لا تأكل السمك وتشرب اللبن ) كان معناه خلاف معنى قولك ( وتشربُ اللبن ) ولو جاز أن يسكن الفعل المستقبل لجاز أن يسكن الاسم، ولو جاز أن يسكن الاسم لما تبينت المعاني.

( بَلْ أَنْتِ لاَ تَدْرِينَ كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ. . . . . . . .طَلْقٍ لَذِيذٍ لهوُهَا وَنِدَامُهَا )

( كم ) تقع في كلام العرب للتكثير، وليلة طلق وطلقة ؛ إذا لم يكن فيها حرٌّ يؤذي ولا برد، وقوله ( لذيذ لهوها وندامها ) أضاف اللهو إلى الليلة على المجاو، وإنما اللهو فيها، والنِّدام: المنادمة، ولهوها رفع بلذيذ.

( قَدْ بِتُّ سَامِرَهَا وَغَايَةَِ تَاجِرِ. . . . . . . .وَافَيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُهَا )

سامرها: من السمر وهو حديث الليل، قال أبو إسحاق: ويقال لظل القمر ( السمر ) والذين يتحدثون فيه السُّمار، والتاجر: الخمار، وغايته رايته التي ينصبها ليُعرف موضعه، و ( غاية تاجر ) جرُّها من وجهين، أحدهما أن يكون جعل الواو بدل رُبَّ، والآخر أن يكون عطفها على ليلة في البيت الذي قبله، ويجوز النصب بوافيت، و ( عزَّ مدامها ؟ ) أي لكثرة من يشتريها.

( أُغْلِى السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْ كَنَ عَاتِقٍ. . . . . . . .أو جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتَامُهَا )

السِّباء: شراء الخمر، ولا يستعمل في غيرها، والأدكن: الزق الأغبر، والعاتق: قيل هي الخالصة، يقال لكل ما خلص: عاتق، وقيل: التي عُتقت، وقيل: عاتق من صفات الزق، وقيل: من صفة الخمر ؛ لأنه يقال: اشترى زق خمر، وإنما اشترى الخمر، وقيل: العاتق التي لم تفتح، والجونة: الخابية وقُدحت: غُرفت، ويقال للمغرفة: المقدحة، وقيل: قدحت مُزجت وقيل: بُزلت، وختامها: طينها، وفُض: كِسرَ.

( بِصَبُوح صَافِيَةٍ وَجَذْبِ كَرِينَةٍ. . . . . . . .بِمُوَترٍ تَأَتَالُهُ إِبْهَامُهَا )

ويروى ( بسماع مُدجنة ) والمُدجنة: التي تُسمع في يوم الدجن، ويروى ( بسماع صادحة ) والكرينة: المغنية، وجمعها كرائن، ويقال للعود: الكران ومُوتر: له أوتار، وتأتالَه - بفتح اللام من قولك ( تأَتيتُ له ) كأنه يفعل ذلك على مهل وترسل، ويروى ( تأتالُه ) - بضم اللام - من قولك: ( ألت الأمر ) إذا أصلحته، وروى ابن كيسان ( وصَبُوح صافية ).

( بَاكَرْتُ حَاجَتَهَا الدجَاجَ بِسُحْرَةٍ. . . . . . . .لأُِعَلّ مِنْهَا هَبَّ نيَامُهَا )

ويروى ( أن يهب نيامُها ) ويروى ( بادرت لذتها ) وقوله ( باكرت حاجتها ) معناه حاجتي في الخمر، فأضاف الحاجة إلى الخمر اتساعا، والدجاج هنا: الديكة والمعنى باكرت بشربها صياح الديكة، وقوله ( لأعلَّ منها ) من العلل وهو الشرب الثاني، وقد يقال للثالث والرابع عَلَل، من قولهم ( تعَلَّلتُ به ) أي انتفعت به مرة بعد مرة، ومن روى ( أن يهبَّ نيامها ) من قولهم ( هبَّ النائم ) إذا استيقظ، فإن عنده في موضع نصب، والمعنى وقت أن يهب نيامها، كما تقول: أنا أجيئك مَقْدَمَ الحاج، أي وقت مقدم الحاج، ثم حذفت وقتاً وأعربت مقدما بإعرابه، ونصب الدجاج على الوقت كذلك.

( وَغَداةٍ ريحٍ قَدْ وَزَعْتُ وَقَرَّةٍ. . . . . . . .إذْ أصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمالِ زِمَامُهَا )

وزعتُ: كففت، ويروى ( كشفت ) أي بالطعام والكسوة وإيقاد النيران، وقالوا في قوله عز وجل: ( يوزَعُونَ ) أي يكف آخرهم عن أولهم، وقيل في قوله تعالى: ( أوْزِعْني أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) ألهمني، وقيل: أكففني عن جمع الأشياء إلا عن شكرك والعمل الصالح والقِرَّة: البرد، وقوله ( إذ أصبحت بيد الشمال زمامها ) أي إذ أصبحت الغداة الغالب عليها الشمال وهي أبرد الرياح، وجعل للشمال يداً وللغداة زماماً.

( وَلَقَدْ حَمَيْتُ الخَيْلَ تَحْمِلُ شِكَّتي. . . . . . . .فُرُطٌ وِشاحي - إذْ غَدَوْتُ - لِجَامُهَا )

ويروى ( ولقد حميتُ الحيَّ ) أي منعته من أن يصاب، يقال: حميتُ المكان حمىً ؛ إذا منعت منه، وأحميته: جعلته حمىً لا يُقرَب، وحميتُ القوم في الحرب حماية، وحميت المريض حمية، وتحامى القوم: إذا منع بعضهم بعضاً، والشكة: اسم لجميع السلاح، وقولهم ( شائك السلاح أي لسلاحه شوكة، وفرط: يعني فرسا متقدما، وقوله ( وشاحي لجامها ) معناه أن الفرسان كان أحدهم يتوشح اللجام ليكون ساعة يفزع قريبا منه، وتوشحه إياه: أن يُلقيه على عاتقه ويخرج يده منه، و ( تحمل ) في موضع الحال، و ( فُرُط ) رفع بتحمل.

( فَعَلَوْتُ مُرْتَقِبَاً عَلَى مَرْهُوَبةٍ. . . . . . . .حَرَجٍ إلى أَعْلاَمِهِنَّ قَتَامُهَا )

ويروى ( على ذي هبوة ) ويروى ( مرتقبا ) بفتح القاف فيكون مفعولا، وبكسر القاف يكون منصوبا على الحال، ومعناه أحرس أصحابي وأرقبهم، والمرتقب: الموضع الذي يُرقب فيه، والهبوة: الغُبار والمعنى أن القتام كثر حتى بلغ إلى الأعلام وهي الجبال، والمرهوبة: المخوفة، وأصل الحرج الضيق، ويقال للشجر الملتف بعضه إلى بعض: حرج، ويقال: أن حرجا بمعنى مُحرج، فكأنه قد ألجئ إلى الجبال، ويروى ( حرج إلى أعلامهن قتامها ) بمعنى قتامها حرج إلى أعلامهن، والهاء في ( قتامها ) تعود على مرهوبة، وقال ابن الانباري، وقال ابن الانباري: حرج إلى أعلامهن معناه دائم إلى أعلامهن قتامها وثابت معهم، يقال: حرج الموت بآل فلان، أي لصق وثبت، والحَرِجُ والحَرَجُ: الشديد الضيق، والقتام رفع بحرج.

( حَتَّى إذا أَلْقَتْ يَداً فِي كَافِرٍ. . . . . . . .وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلاَمُهَا )

( ألقت ) يعني الشمس أضمرها ولم يجر لها ذكر، ومعنى قوله ( ألقت يدا ) أي بدأت في المغيب، ومنه يقال ( وضع فلان يده في كذا وكذا ) إذا بدأ فيه، وعنى بالكافر الليل لأنه يستر بظلمته، وأجن: ستر، وعورات الثغور: المواضع التي تؤتى المخافة منها، وكل مكان يتخوف منه فهو ثغر، وفرج، و ( مدينة مُعورة ) إذا كان فيها مكان يتخوف منه.

( أَسْهَلْتُ وَانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنِيفَةٍ. . . . . . . .جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جَرَّامُهَا )

أسهلت: أي نزلت من مرقبتي إلى السهل، فنصبت عنقها من مرحها ولم تكسرها، أي لما غربت الشمس ولم أتمكن من حراسة أصحابي على المرتقب صرت إلى السهل من الأرض، والفرس يقع على الذكر والأنثى، إلا أنك تقول في التصغير للذكر فُريس، وللأنثى فُريسة، هذا قول البصريين، وقوله ( كجذع منيفة ) أي كجذع نخلة مُنيفة، والجرداء: التي قد انجردت من سعفها وليفها، ويحصر: يكل ويضجر، والجرام: القطاع، ويروى ( جَرامها ) بفتج الجيم.

( رَفَّعْتُهَا طَرَدَ النَّعَامِ، وَفَوْقَه، حَتَّى إذا سَخِنَتْ وَخَفَّ عِظَامُهَا )

أي رفعتها في السير، وطرد النعام: عدوه، يقال: طَرَد، وَطَرْد، وفوقه: يعني فوق الطّرَد، وطَرَدَ منصوب لأن معنى رفعتها طَرَدْتها، وسخنت: حميت من العرق، ويروى سخُنِت وَسَخِنت، من قولهم: سخنت عين الرجل، ومعنى ( سَخِنت عين الرجل ) على التمثيل، كأنها سخنت من الدمع، كما أن معنى ( قرَّتْ ) كفت من الدمع، وقيل معنى قرت من القرَّة، وقوله ( خف عظامها ) وقيل: المعنى إنها إذا كثر عرقها خف عظامها، وقيل: معنى ( خف عظامها ) أسرعت، كما تقول: خَفَّ فلانٌ في حاجتي، ولم يقل ( خَفّت ) لأن التأنيث غير حقيقي.

( قَلِقَتْ رِحَالَتُهَا، وَأَسْبَلَ نَحْرُهَا. . . . . . . .وَابْتَلَّ مِنْ زَبَدِ الحَمِيمِ حِزَامُهَا )

الرحالة: سرج كان يعمل من جلود الشتاء بأصوافها يُتخذ للجري الشديد، و ( أسبل نحرها ) أي سال بالعرق، والحميم: العرق، والحميم في غير هذا: الماء الحار، والقريب، يقول: أسرعت فقلقت رحالتها، وليس ذلك من ضُمر، وقال بعض أهل اللغة: الرحالة شبيه بالسرج لا قربوس له ولا مؤخرة، وربما كان من لبود، وربما كان من بُجُد، و ( قلقت ) جواب حتى إذا.

( تَرْقَى، وَتطعُنُ فيِ العِنَانِ، وَتَنْتَحِي. . . . . . . .وِرْدَ الحَمَامَةِ إِذْ أَجَدَّ حَمَامُهَا )

يصف إنها ترفع رأسها فكأنها تصعد، وتطعن: أي تعتمد في العنان كما يعتمد الطاعن، وتنتحي: تقصد، والحمامة: القطاة، يعني أنها تمر كما تمر القطاة إلى الماء وبين يديها قطا قد انكمش فهي في اثره، وهو أسرع لها، ويريد بالحمام هنا جماعة ؛ لأنه يقال للذكر والأنثى ( حمامة ) ولا يقال للذكر حمام ؛ لئلا يشبه الجمع، فإن أردت أن تبين قلت: رأيت حمامة ذكراً.ومعنى البيت أن فرسه تُسرع كما تسرع هذه القطاة إلى شُرب الماء وهي في أثر قطا بعد الكلال والتعب.

( وَكَثِيرَةٍ غُرَبَاؤُهَا مَجْهُولَةٍ. . . . . . . .تُرْجَى نَوَافِلُهَا وَيُخْشَى ذَامُهَا )

في معنى فوله ( وكثيرة غرباؤها ) اختلاف، قيل: معناه وخطة كثيرة غرباؤها، ثم أقام الصفة مقام الموصوف، والواو بدل من رُبَّ، والمعنى على هذا: رُبَّ خطة قد جُهل القضاء فيها وجهلت جهاتها، وقيل: المعنى وحرب كثيرة غرباؤها ؛ لأن الحرب مؤنثة وإن كانت العرب تقول في تصغيرها حريب - بغير هاء - لأنه في الأصل مصدر، من قولك: حربته حربا فالمعنى على هذا: ربَّ حرب كثيرة غرباؤها، وجعلها كثيرة الغرباء لما يحضرها من ألوان الناس وغيرهم، وجعلها مجهولة لأن العالم بها والجاهل يجهلان عاقبتها، ثم قال ( تُرجى نوافلها ) يعني الغنيمة والظفر، ويخشى ذامها: أي عيبها.وقيل: المعنى وجماعة كثيرة غرباؤها، وقيل: إنما يريد قُبَّة النعمان، وجعلها كثيرة الغرباء لاجتماع الناس عندها، وجعلها مجهولة لأن بعضهم لا يعرف بعضا إلا بالسؤال، وقيل: يريد وأرض كثيرة غرباؤها، أي أرض يضل بها من يسلكها إذا جهل طرقها، وإنما وقع الاختلاف في المعنى لأنه أقام الصفة مقام الموصوف، فاحتمل هذه المعاني، إلا أن الأشبه بما يريد الجماعة، لأن بعد هذا البيت ( أنكرت باطلها وبؤت بحقها ) وإقامة الصفة مقام الموصوف في مثل هذا قبيح ؛ لما يقع فيه من الإشكال، ألا ترى إنك لو قلت ( مررت بجالس ) كان قبيحا، ولو قلت ( بظريف ) كان حسنا، وغرباؤها مرفوع بكثيرة، أي كثرت غرباؤها.

( غُلْبٌ تَشَذّرُ بِالذُّحُولِ كَأَنّهَا. . . . . . . .جِنُّ البَدِيِّ رَوَاسِياً أقْدْامُهَا )

الغلب: الغلاط الأعناق ؛ تشذر: أي يُوعد بعضهم بعضا، وقيل: التشذر رفع اليد ووضعها، أي أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا تفاخروا وتثالبوا وتشذرت الناقة: إذا شالت بذنبها، والذحول: جمع ذحل، وهو الحقد، والبدي: البادية، وقيل: البدي موضع، والرواسي: الثوابت، ورواسيا منصوب على الحال، وصرفه للضرورة، وأقدامها رفع برواس، وقال ابن الأنباري: البدي واد لبني عامر، ويروى ( غلب تشازر ) وتشازرهم: نظر بعضهم إلى بعض بمآخير أعينهم.

( أَنْكَرْتُ باطِلَهَا، وَبُؤْتُ بِحَقِّهَا. . . . . . . .يَوْماً، وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَىَّ َكِرَامُهَا )

ويروى ( وبؤت بحقها عندي ) ومعناه انصرفت به، جاء في الحديث ( باء طلحة بالجنة ) أي انصرف بها، وقيل: بؤت اعترفت، وهذا البيت متعلق بقوله ( وكثيرة غرباؤها ) والمعنى: وكثيرة غرباؤها أنكرت باطلها: أي رددته، وبؤت بحقها: أي احتملته ولزمته، و ( لم يفخر على كرامها ) أي أن فخري ظاهر بيِّن، وقيل: بؤت بحقها أي بحقي ؛ لأني فخرت بحق، وأصل الفخر الارتفاع والتعظيم، يقال ( دار فاخرة ) أي مرتفعة عظيمة، و ( ناقة فخور ) أي عظيمة الضرع، قال القطامي:

وَتَراهُ يَفْخَرُ أن تَحُلَّ بُيُوتُه. . . . . . . .بِمَحَلَّة الزَّمِرِ القَصِيرِ عِنَانَا

أي يرفع نفسه أن تحل بيوته بمحلة الزمر، وهو الناقص، وقالوا في ( أنكرت باطلها ) أي أنكرت ما فخر به الوفود من الباطل.

( وَجَزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا. . . . . . . .بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِهٍ أَعْلاَمُهَا )

ويروى:

دعوت إلى الندى. . . . . . . .بمغالق متشابه أجسامها

الجزور: الناقة تشتري للذبح، وجمعها جزائر وجزر، والأيسار: جمع يسر، وهو الذي يضرب بالقداح، ويقال له أيضا ياسر، وقوله ( لحتفها ) أي لنحرها، والمغالق: القداح التي يُضرب بها، الواحد مِغلق ومغلاق، وإنما سميت مغالق لأنه يجب بها غلوق الرهن، يقال: غلق الرهن يغلق غلقا وغلوقا ؛ إذا لم يقدر على فكه، والأعلام: العلامات، واحدها علم، و ( متشابه أجسامها ) أي يشبه بعضها بعضا وهي على قدر واحد.

( أَدْعُو بِهِنَّ لِعَاقِرٍ أو مُطْفِلٍ. . . . . . . .بُذِلَتْ لِجِيرَانِ الجَمِيعِ لِحَامُهَا )

يقول: أدعو بهذا المغالق لأيسر بها على ناقة عاقر: أي لا تلد، وناقة مُطفل: معها ولد صغير، والعاقر أسمن، والمطفل أغلى، واللحام: جمع لحم، يقال: لحم وألحم ولحمان ولحام، ويروى ( لجيران الشتاء ) و ( لجيران العشى ).

( فَالضَّيْفُ وَالجَارُ الغَرِيبُ كَأَنَّمَا. . . . . . . .هَبَطَا تَبْالَةَ مُخْصِباً أَهْضَامُهَا )

ويروى ( والجار الجنيب ) وأراد بالضيف النازل غير المقيم، والجار الجنيب: الغريب، وكذلك الجانب، والجُنُب، وتبالة: اسم موضع، يقال: إنه كثير الخصب، ومن أمثالهم ( ما نزلت تبالة لتحرم الأضياف )، والأهضام: بطون منهضمة، واحدها هضم، وفيها نخل كثير، يقول: فإذا نزل بهم الضيف صادف عندهم من الخصب والفواكه ما يصادفه بتبالة إذا هبطها، وإنما يعني نفسه، أي إذا نزل عليَّ، ومخصبا: نصب على الحال من تبالة، والأهضام: رفع بمخصب، وخص ما تطامن من الأرض لأن السيل إليه أوصل فهو أخصب.ومعنى البيت: أن ضيفه وجاره بمنزلة من نزل تبالة من الخصب.

( تَأْوِي إلى اْلأَطْنَابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ. . . . . . . .مِثْلِ البَلِيَّةِ قَالِصٍ أَهْدَامُهَا )

ويروى ( قالصا أهدامها ) بالنصب، و ( تأوي ) تنضم، والرذية: الناقة المهزولة التي قد تركت لُهزالها، والرذية هنا: المرأة التي قد أرذاها أهلها، أي ألقوها، والمراد بقوله ( كل رذية ) الأرامل واليتامى، فيقول: منزلنا معان من الأضياف وذوى الحاجة، والبلية في الأصل: الناقة يموت صاحبها فيشد وجهها بكساء، وتُشد عند قبره، ولا تطعم ولا تسقى حتى تموت، والقالص: المرتفع، والأهدام: جمع هدم وهو الثوب الخلق، وإنما يريد أن أطنابه - وهي حبال الخيام - تأوي إليها الفقراء والأرامل: لأنه يُطعمهم ويُعطيهم، وروى أبو عبيدة ( يأوي ) بالياء على لفظ كل، والتاء على المعنى.

( وَيُكَلِّلُونَ إذا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَتْ. . . . . . . .خُلُجاً تُمَدُّ شَوَارِعاً أَيْتَامُهَا )

التكليل: نضد اللحم بعضه على بعض، أي يٌكللون الجفان باللحم، وتناوحت: أي قابل بعضها بعضا، وذلك في الشتاء، وقال ابن كيسان: يجوز أن يكون تناوحت من ( نحوت نحوه ) فيكون الأصل على هذا تناحى وللمؤنث تناحت، مثل تقاضت، ثم تقدَّم لام الفعل فيصير تناوحت، ونصب ( خلجا ) بقوله يُكللون، وإنما شبه الجفان بالخلج لسعتها، وقوله ( تمدُّ ) أي يزاد فيها، وشوارع: ترد شارعة، قال ابن كيسان: يجوز أن يكون شوارع منصوبا على الحال من المضمر الذي في تمد، والأجود أن يكون منصوبا على إنه نعت لقوله خُلُجا، وأيتامها مرفوع بشوارع.ومعنى البيت انهم يُطعمون الطعام في الشتاء ووقت الجهد.

( إِنَّا إذا الْتَقَتِ المَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ. . . . . . . .مِنَّا لِزَازُ عَظِيَمةٍ جَشَّامُهَا )

ويروى ( كُنَّا إذا التقت المجامع ) ويروى ( المحافل )، قال ابن كيسان: إنَّا أبلغ في المدح من كنا، يعني أن كنا إنما تدل على ما مضى فقط ؛ فلهذا صار إنَّا أمدح، وجاز كنا لأنه إذا أخبر عما مضى فليس فيه دليل على إنه نفى غيره، وأيضا فإن كنا يجوز أن تؤدي عن معنى ما زال، قال الله عز وجل: ( وكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً )، واللزاز: الذي يلزم الشيء ويعتمد عليه فيه، ومنه سُميت الخشبة التي يُشد بها الباب لزازا أو هي المترس، ولز فلان بفلان ؛ إذا لزمه، والجشام: المتكلف للأمور القائم بها.ومعنى البيت إنه إذا اجتمع الناس للفخار أو لعظيم من الأمر كان الذي يقوم بذلك ويحكمه منهم.

( وَمُقَسِّمٌ يُعْطِي العَشِيرَةَ حَقّهَا. . . . . . . .وَمُغَذْمِرٌ لِحُقُوقِهَا هَضَّامُهَا )

أي ومنا مقسم يقسم بالعدل وبغيره، وقال الأصمعي: المغذمر: الذي يضرب بعض حقوق الناس ببعض، فيأخذ من هذا ويعطي هذا، وقال أبو عبيدة: هو الذي لا يُعصى ولا يُرد قوله، والهضام: الذي ينقص قوما ويعطي قوما بتدبير، وقد وثق به في ذلك، وأصل الهضم الكسر، يقال ( اهضم له من حقك ) أي اكسر له، ومن ثم قيل: رجل هضُوم الشتاء، أي يكسر ما له في الشتاء، ومنه ( هضيم الحشا ) وفي الأرض هُضُوم، أي مُطمئنات.

( فَضْلاً، وَذُو كَرَمٍ يُعِينُ عَلَى النَّدَى. . . . . . . .سَمْحٌ كَسُوبُ رَغَائِبٍ غَنَّامُهَا )

معناه يفعل ذلك رغبة في الفضل، وذو كرم: مرفوع على معنى ومنا ذو كرم، وقوله ( يعين على الندى ) يعني السخاء والبذل، ويروى ( يُعين على العلى ) يعني ما يرفع، والسمح: السهل الأخلاق، و ( كسوب رغائب ) أي يغنمها من أعدائه.

( مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ. . . . . . . .وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإِمَامُهَا )

يقول: هؤلاء الذين ذكرت من معشر هذه العادة فيهم سُنَّة، و ( لكل قوم سنة ) معناه سَنَّ لهم آباؤهم سُنة، وعلموهم مثال السنة، والإمام: المثال، والسُّنَّة: الطريق، والأمر الواضح.ومعنى البيت إنَّا ورثنا هذه الأفعال عن آبائنا، ولم يزل هذا الشرف فينا متقدما.ويروى بعده هذا البيت:

( أن يَفْزَعُوا تُلْقَ المَغَافِرُ عِنْدَهُمْ. . . . . . . .وَالسِّنُّ يَلْمَعُ كَالكَوَاكِبِ لاَمُهَا )

يريد بالسِّنِّ الأسنَّة، واللام: جمع لامة، وهي الدرع.

( لاَ يَطْبَعُونَ وَلاَ يَبُورُ فَعَالُهُمْ. . . . . . . .إِذْ لاَ تَمِيلُ مَعَ الهَوَى أَحْلاَمُهَا )

لا يطبعون: أي لا تدنس أعراضهم، و ( لا يبور فعالهم ) أي لا يهلك، و ( بار الطعام ) إذا كسد.والمعنى: إنَّا لا نميل مع هوانا، وإن عقولنا تغلب هوانا.

( فَبَنَوْا لَنَا بَيْتاً رَفِيعاً سَمْكُهُ. . . . . . . .فَسَمَا إليه كَهْلُهَا وَغُلاَمُهَا )

ويروى ( فبنى ) يعني الإمام، وقوله ( فبنوا ) يعني الآباء، وقوله ( بيتا ) تمثيل، وإنما يعني به الشرف، والسَّمْك: الارتفاع، ويجوز أن يروى ( رفيع سمكه ) على معنى سمكه رفيع، والأولى أجود، وسما: ارتفع.

( فَاقْنَعْ بِمَا قَسَمَ المَلِيكُ ؛ فَإِنَّمَا. . . . . . . .قَسَمَ الخَلائِقَ بَيْنَنَا عَلاَّمُهَا )

ويروى ( فإنما قسم المعايش ) والخلائق: الطبائع، وقال الخليل: الخلائف الأخلاق الحسنة، والضمير من ( علاَّمُها ) يعود إلى الخلائق، والعلاَّم: هو الله سبحانه وتعالى.

( وَإِذَا الأَمَانَةُ قُسِّمَتْ فيِ مَعْشَرِ. . . . . . . .أَوْفَى بِأَعْظَمِ حَظَّنَا قَسَّامُهَا )

ويروى ( بأفضل حظِّنَا )، وأوفى: معناه ارتفع، وقيل في معناه: الذي قسم لنا أعطانا أفضل الحظ، يقال: وَفَى وأَوفَى بمعنى، ويريد بقوله ( أوفى بأفضل حظنا قسَّامها ) الله عز وجل، كأنه يصف ما فُضِّلُوا به.

( فَهُمُ السُّعَاةُ إذا العَشِيرَةُ أُفْظِعَتْ. . . . . . . .وهُمُ فَوَارِسُهَا وَهُمْ حُكَّامُهَا )

ويروى ( إن العشيرة أُفظعت ) أي: حل بها أمر عظيم فظيع، ويروى ( أُقطعت ) أي غُلبت، والمقطع: المغلوب، وقيل: المقطع الذي لا ديوان له ولا حيلة، ومعناه انهم السُّعاة في صلاح الحي من الدِّيات وغيرها، وهم فوارسها الذين يمنعونها، وحكامها الذين يُرجع إلى رأيهم، ويُقبل قولهم، ولا يُرد فيما أصدروه وأوردوه.

( وَهُمُ رَبِيعٌ لِلْمُجَاوِرِ فِيهِمُ. . . . . . . .وَالمُرْمِلاَتِ إذا تَطَاوَلَ عَامُهَا )

أي هم بمنزلة الربيع في الخصب لمن جاورهم، والمرملات: اللواتي لا أزواد لهن، واللواتي قد مات أزواجهن، وهو المراد هنا ؛ لأن قوله ( إذا تطاول عامها ) يدل عليه ؛ لأن المرأة كانت إذا توفي عنها زوجها أقامت عاما، ونزل بذلك القرآن في أول شيء، قال عز وجل: ( وَالّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إلى الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج )، ثم نسخ هذا بقوله: ( وَالّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ).

( وَهُمُ العَشِيرَةُ أن يُبَطِّئَ حَاسِدٌ. . . . . . . .أو أن يَلُومَ مَعَ العِدَى لَوَّامُّهَا )

رواية أبي الحسن ( مع العدو لئامها )، وقوله ( وهم العشيرة ) فيه مدح، كما تقول ( هو الرجل ) أي هو الرجل الكامل، وقوله ( أن يبطئ حاسد ) قال أبو الحسن: معناه من أن يبطئ حاسد ؛ فإن على هذا في موضع نصب كما تقول: عجبت أن تكلم زيد، فلما حذفت تعدى الفعل، وأجاز بعض النحويين أن تكون أن في موضع خفض على إضمار الحرف، ومعنى من أن يبطئ حاسد، كما تقول: هو الحصن أن يُرام، أي من أن يُرام، ويقال: معناه هم العشيرة التي لا يقدر حاسد أن يبطئ الناس عنهم بسوء قول منهم ( أو أن يلوم ) أي ولا يقدر لائمهم على لومهم، من كرمهم، وقال أبو جعفر: قوله ( أن يبطئ حاسد ) معناه هم العشيرة الذين يقومون بأمرنا من أن يبطئ حاسد فيقول: قد أبطأوا في أمرهم ولم يعجلوا الغوث، حسدا منهم لهم، ويروى ( إن تبطأ حاسد ) ويروى ( إن تنبط حاسد ) أي استخرج أخبارهم، والعدى: الاختيار فيه كسر العين أن لم تكن فيه هاء، وقد تضم، فإذا أدخلت الهاء ضممت العين لا غير.^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي