شرح المعلقات التسع/عنترة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

عنترة

هو عنترة بن شداد العبسي أحد شعراء العرب وفرسانهم وأبطالهم ومن أصحاب المعلقات، أمه أمة حبشية يقال لها زبيبة، وكان لعنترة أخوة من أمه عبيد وكان هو عبدا أيضا لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلا إذا امتازوا على أكفائهم ببطولة أو شاعرية أو سوى ذلك. وسرعان ما اعترف به أبوه لبسالته وشجاعته وكان السبب في ذلك أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فلحقوهم وقاتلوهم وفيهم عنترة فقال له أبوه كر يا عنترة فقال له العبد لا يحسن الكر وإنما يحسن الحلاب والصر.فقال كر وأنت حر فكر وقاتل يومئذ فأبلى واستنفذ ما في أيدي القوم من الغنيمة فادعاه أبوه بعد ذلك. عنترة أحد أغرب العرب وهم ثلاثة عنترة وأمه سوداء واسمها زبيبة، وخفاف بن ندبة وأبوه عمير من بني سليم وأمه سوداء وإليها نسب والسليك بن السلكة من بني سعد وأمه اسمها السلكة وإليها نسب وهو أحد الصعاليك العرب الشجعان. كان عمرو بن معد يكرب الزبيدي يقول كنت أجوب الجزيرة العربية لا أخاف إلا من أبيضين وأسودين أما الأبيضان فربيعة بن زيد المكدم وعامر بن الطفيل وأما أسوداها فعنترة والسليك بن السلكة. كان عنترة شجاعا لا كالشجعان وكان أجود العرب بما ملكت يداه ولم يكن ذلك الشاعر الذي يعتد به فكانت مقطوعاته قصيرة. وسابه رجل فعيره بسواده وسواد أمه وأنه لا يقول الشعر فقال عنترة والله إن الناس ليترافدون الطعمة فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك مرفد الناس وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قط. وإن اللبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك خطة فصل وإني لأحضر اللبس وأوفي المغنم وأعف عند المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفضل الخطة الصماء وأما الشعر فستعلم فكان أول ما قاله معلقته المشهورة هل غادر الشعراء من متردم. ولكني لا أرى هذا فالشعر لا يكون هكذا ينتقل الإنسان من البيت والبيتين إلى المعلقة دفعة واحدة وإنما له مقطوعات كثيرة وقصائد إذا ما عرفنا أن القصيدة تزيد على عشرة الأبيات ولهذا فهو شاعر قبل المعلقة وقد تكون المعلقة قمة نتاجه من ناحية الطول إلا أن نفسه في قصائد كثيرة يظهر لمن يقرأ شعر عنترة. ابتلى عنترة بعشق عبلة وأهاج ذلك شاعريته ورفض عمه أن يزوجه عبلة وهو عبد فكان حافزا ليدفعه إلى الأمام للمعالي وللفروسية. حضر عنترة حرب داحس والغبراء وأبلى بلاء حسنا وصارت العرب تعده من فحولها بل إن السيرة اعتبرته أسطورة من أساطير العرب وسيرته من ست مجلدات ضخمة حوت التاريخ العربي الجاهلي فالغساسنة والمناذرة وملوك حمير وصراع العرب في ذي قار مع الفرس. وهذه السيرة فيها الكثير من القيم الخلقية والمثل العليا الكثير.وقد كتبها الشيخ يوسف بن إسماعيل وكان متصلا بالعزيز الفاطمي بالقاهرة دونها في اثنين وسبعين كتابا جعل كل اثني عشر كتاب في مجلد. عده صاحب الجمهرة ثاني أصحاب المجمهرات ويقول ابن قتيبة إن قصيدته هل غادر الشعراء تسميها العرب المذهبة. أما أبو عبيدة فعده في الطبقة الثالثة من الشعراء. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه ما وصف لي أعرابي فأحببت أن أراه إلا عنترة.

معلقة عنترة

وقال: عنترة بن معاوية بن شداد بن قراد، وكذا يعقوب بن السكيت.وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: عنترة بن شداد بن معاوية بن قراد أحد بني مخزوم بن ربيعة بن مالك بن قطيعة بن عبس العبسي. وقيل: ابن عود بن غالب، وكانت أمه حبشية، ويكنى أبا المغلس وقال غيره هو عنترة بن شداد بن معاوية بن رباح.وقيل بن عوف بن مخزوم بن ربيعة بن مالك ابن قطيعة بن عبس.

هل غادر الشعراء من متردم

أم هل عرفت الدار بعد توهم

متردم: من قولك ردمت الشيء إذا أصلحته، ومعناه: هل أبقى لأحد معنى إلا وقد سبقوا إليه.وهل تهيأ لأحد أن يأتي بمعنى السبق إليه، ويروى من مترنم والترنم صوت ترجعه بينك وبين نفسك، وقوله أم هل إنما دخلت أم على هل: وهما حرفا استفهام، لأن هل ضعفت في حروف الاستفهام فأدخلت عليها أم كما أن لكن ضعفت في حروف العطف. لا تكون مثقلة ومخففة وعاطفة، فلما لم تقف حروف العطف، أدخلت عليها الواو، ونظيره ما حكي عن الكسائي: أنه يجيز جاء في القوم إلا حاشا لأن حاشا ضعفت عنده إذا كانت تقع في غير الاستثناء ويروى: أم هل عرفت الربع، والربع المنزل في الربيع، ثم كثر استعمالهم حتى قالوا: لكل منزل ربع وإن لم يكن في الربيع وكذلك الدار من التدوير، ثم كثر استعمالهم حتى قيل لكل دار، إن لم يكن مدورا والتوهم: قل هو الابتكار ويحتمل أن يكون الظن.

أعياك رسم الدار لم يتكلم

حتى تكلم كالأصم الأعجم

إلا رواكد بينهن خصائص

وبقية من نؤيها المجرنثم

ولقد حبست بها طويلا ناقتي

ترغو إلى سفع رواكد جثم

يا دار عبلة بالجواء تكلمي

وعمي صباحا دار عبلة واسلمي

الجواء: بلد يسميه أهل نجد جواء عدنة، والجواء أيضا جو، وهو البطن من الأرض، الواسع في انخفاض، معنى تكلمي: أخبري عن أهلك، وسكانك وعمي قال الفراء: عمي وانعمي واحد، يذهب إلى أن النون حذفت كما حذفت فاء الفعل من قولك خذ وكل ويروى أن أبا ذر لما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: أنعم صباحا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله قد أبدلني منها ما هو خير منها.فقال له أبو ذر: ما هي.قال السلام.ومعنى اسلمي: سلمك الله من الآفات.

دار لآنسة غضيض طرفها

طوع العناق لذيذة المتبسم

فوقفت فيها ناقتي وكأنها

فدن لأقضي حاجة المتلوم

الفدن: القصر، والمتلوم: المنتظر، وعنى بالمتلوم نفسه، لأقضي منصوب بإضمار أن ولام كي بدل عنها واللام متعلقة بوقفت فيها.

وتحل عبلة بالجواء وأهلنا

بالحزن فالصمان فالمتثلم

فالصمان، والصوان ؛ ويقال: جبل الصوان، والصمان في الأصل لحجارة.والصوان: يستعمل لحجارة النار خاصة، وكانت العرب تذبح بها. وقال أبو جعفر: الجواء بنجد، والحزن لبني يربوع، والصمان لبني تميم، والمتثلم مكان.

وتطل عبلة في الخزوز تجرها

وأظل في حلق الحديد المبهم

حييت من طلل تقادم عهده

أقوى، وأقفر بعد أم الهيثم

أقوى: خلا، والمقوون الذين فني زادهم، كأنهم خلوا من الزاد، وقيل المسافرون كأنهم نزلوا الأرض القواء، وأقفر معناه كأقوى، إلا أن العرب قد تكرر إذا اختلف اللفظان، وإن كان المعنى واحدا كقول الحطيئة:

ألا حبذا هند وأرض بها هند

وهند أتى من دونها النأي والبعد

والنأي والبعد واحد. وكقول الآخر:

فقد تركتك ذا

مال وذا نشب

وهما بمعنى واحد، وزعم أبو العباس أنه لا يجوز أن يتكرر شيء إلا وفيه فائدة قال والنأي لما قل، والبعد لا يقع إلا لما كثر، والنشب ما ثبت من المال كالدار وما أشبهها يذهب إلى أنه نشب ينشب، وكذلك قال في قوله تعالى ( شرعة ومنهاجا )الشرعة: ما ابتدى من الطريق، والمنهاج الطريق المستقيم.وقال غيره: الشرعة والمنهاج واحد: وهما الطريق، ويعني بالطريق هنا الدين.

حلت بأرض الزائرين، فأصبحت

عسرا علي طلابك ابنة محرم

وروى أبو عبيدة:

شطت مزار العاشقين فأصبحت

عسرا علي طلابك ابنة مخرم

والزائرون: الأعداء كأنهم يزأرون كما يزأر الأسد، وعسرا منصوبة على أنه خبر أصبحت، وطلابها مرفوع به، واسم أصبحت مضمر فيه، ويجوز أن يكون عسر رفع على أنه خبر الابتداء، ويضمر في أصبح، ويكون المعنى، فأصبحت طلابها عسر علي ونصب ابنة مخرم على أنه نداء مضاف، ويجوز الرفع في ابنة على أنه في مذهب البصريين فأصبحت ابنة مخرم طلابها عسر علي كما تقول: هند أبوها منطلق.ومعناه: شطت عبلة مزار العاشقين أي بعدت مزارهم وفيه رجوع الغيبة إلى الخطاب ومثله قوله تعالى ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء ) ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح ). ومخرم اسم رجل، وقيل اسمه مخرمة ثم رخم في النداء.

علقتها عرضا وأقتل قومها

زعما لعمرو أبيك ليس بمزعم

علقتها: أي أحببتها يقال علق، وعلاقة من فلانة، وقوله عرضا أي كانت عرضا من الأعراض، اعترضني من غير أن أطلبه، ونصبه على البيان، وفي قوله زعما قولان أحدهما في أحبها، وأقتل قومها فكأن حبها زعم مني، والقول الآخر أن أبا عمرو الشيباني قال يقال زعم يزعم زعما إذا طمع، فيكون على هذا الزعم اسما يعني الزعم. وقال ابن الأنباري علقتها، وأنا أقتل قومها فكيف أحبها، وأنا أقتلهم ؟ ! أي كيف أقتلهم وأنا أحبها ؟ثم رجع مخاطبا نفسه فقال: زعما لعمر أبيك ليس بمزعم أي هذا فعل ليس بفعل مثلي والزعم الكلام، ويقال أمر فيه مزاعم أي فيه منازعة، قال وقوله عرضا منصوب على المصدر والزعم كذلك.

ولقد نزلت فلا تظني غيره

مني بمنزلة المحب المكرم

الباء في قوله بمنزلة متعلقة بمصدر محذوف لأنه لما قال نزلت دل على المنزول وقال أبو العباس في قوله تعالى ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) إن الباء متعلقة بمصدر لأنه لما قال بمعنى على النصب على الإرادة، وقوله بمنزلة في موضع نصب، والمعنى لقد نزلت مني منزلة المحب، فلا تظني ما أنا عليه من محبتك والمحب جاء على أحب، وأحببت، والكثير في كلام العرب محبوب.

إني عداني أن أزورك فاعلمي

ما قد علمت وبعض ما لم تعلمي

حالت رماح ابني بغيض دونكم

وزوت جواني الحرب من لم يجزم

يا عبل لو أبصرتني لرأيتني

في الحرب أقدم كالهزبر الضيغم

كيف المزار وقد تربع أهلها

بعنيزتين وأهلنا بالغيلم

عنيزتين والغيلم موضعان يقول كيف أزورها، وقد بعدت عني، وتعذرت زيارتها، والمزار مرفوع بالابتداء على مذهب سيبويه، وبالاستقرار على مذهب غيره.

إن كنت أزمعت الفراق فإنما

زمت ركابكم بليل مظلم

يقال أزمعت، وأجمعت، فأنا مزمع، الإزماع توطين النفس على الشيء، والأزمة في الركاب، ولا يستعمل إلا في الإبل خاصة، والركب الجماعة الذين يركبون الإبل دائما، وإنما قصد الليل لأنه وقت تصفو فيه الأذهان، ولا يشتغل القلب بمعاش لا غيره.

ما راعني إلا حمولة أهلها

وسط الديار تسف حب الخمخم

وسط: ظرف، وإذا لم يكن ظرفا، حركت السين، فقلت وسط الديار، وأسف تسف تأكل يقال سففت الدواء، وغيره أسفه سفا. قال أبو عمرو الشيباني: الخمخم: بقلة لها حب أسود، إذا أكلته الغنم، قلت ألبانها وتغيرت، وإنما يصف أنها تأكل هذا لا تجد غيره. وروى ابن الأعرابي الحمحم بالحاء المهملة غير المعجمة.ومعنى البيت أنه إذا أكلت حب الحمحم لجفاف العشب، والوقت خريف، وذلك أنهم كانوا مجتمعين في الربيع، فلما يبس البقل ارتحلوا:

وتفرقوا منها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم

وروى خلية، والخلية أن تعطف على الحوار ثلاث نوق، ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن فتلك الخلية، والحلوبة المحلوبة، تستعمل في الواحد، والجمع على لفظه واحد، والخوافي جمع خافية أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر، والأسحم الأسود واثنتان مرفوع بالابتداء أو بالاستقرار، وأربعون معطوف عليه، وسودا: نعت لحلوبة لأنها في موضع الجماعة، ويروى سود بالرفع على أن يكون نعتا لقوله اثنتان وأربعون. وإن قيل كيف جاز أن في أحدهما معطوفة على صاحبه قلت لأنهما اجتمعا فصارا بمنزلة جاءني زيد وعمرو الظريفان، والكاف في كخافية في موضع نصب والمعنى سودا مثل خافية الغراب الأسحم.

فصغارها مثل الدبى وكبارها

مثل الضفادع في غدير مفعم

ولقد نظرت غداة فارق أهلها

نظر المحب بطرف عيني مغرم

وأحب لو أسقيك غير تملق

والله من سقم أصابك من دمي

إذ تستبيك بذي غروب واضح

عذب مقبله لذيذ المطعم

تستبيك تذهب بعقلك، وسباه الله أي غربه الله، وغرب كل شيء حده، وأراد بثغر ذي غروب، وغروب الأسنان حدها، والواضح: الأبيض ويريد بالعذب أن رائحته طيبة، فقد عذب لذلك، ويريد بالمطعم: المقبل، وإذ في موضع نصب، والمعنى علقتها إذ تستبيك أو اذكر وقوله عذب نعت، ومقبله مرفوع به، ومعنى عذب: لذيذ كأن معناه مقبله عذب لذيذ المطعم.

وكأنما نظرت بعيني شادن

رشأ من الغزلان، ليس بتوأم

وكأن فأرة تاجر بقسيمة

سبقت عوارضها إليك من الفم

أي وكأن فأرة مسك، والتاجر هنا العطار، والعوارض منابت الأضراس واحدها عارض، وهذا الجمع الذي على فواعل لا يكاد يجئ إلا جمع فاعلة نحو ضاربة، وضوارب، إلا أنهم ربما جمعوا فاعلا على فواعل لأن الهاء زائدة كهالك وهوالك فعلى هذا جمع عارضا على عوارض. أي سبقت الفأرة عوارضها، وإنما يصف طيب رائحة فمها، وخبر كأن قوله سبقت، وقوله بقسيمة هو تبيين وليس بخبر كأن، وهي الجونة، وقيل سوق المسك، وقيل هي العير التي تحمل المسك.

أو روضة أنفا تضمن نبتها

غيث قليل الدمن ليس بمعلم

أي كأن ريحها ريح مسك، أو كريح روضة، وهي المكان المطمئن يجتمع إليه الماء، فيكثر نبته، ولا يقال في الشجر روضة، إنما الروضة في النبت، والحديقة في الشجر، ويقال أروض المكان: إذا صارت فيه روضة، والأنف التام من كل شيء، وقيل الأنف أول كل شيء ومنه استأنفت الأمر وأمر انف، واستأنف العمل والاستئناف، والائتناف بمعنى واحد. والمعلم والمعلم، والعلامة واحد، والمعنى أن هذه الروضة ليس في وضع معروف فيقصدها الناس للرعي فيؤثروا فيها، ويوسخوها، وهي أحسن لها.المرفوع لأن الكلام قد طال، ألا ترى أنك إذا قلت ضربت زيدا وعمرو فقطعت عمرا على التاء كان حسنا لطول الكلام.

أو عاتقا من أذرعات معتقا

مما تعتقه ملوك الأعجم

نظرت إليه بمقلة مكحولة

نظر المليل بطرفه المتقسم

وبحاجب كالنون زين وجهها

وبناهد حسن وكشح أهضم

ولقد مررت بدار عبلة بعدما

لعب الربيع بربعها المتوسم

جادت عليه كل بكر حرة

فتركن كل قرارة كالدرهم

ويروى كل بكر ثرة، أي جادت بمطر جود، والبكر السحابة في أول الربيع التي لم تمطر، والحرة البيضاء، وقيل الخالصة، والثرة الكثيرة، والثرثار بمعناه، وإن لم يكن من لفظه، والقرارة الموضع المطمئن من الأرض، يجتمع فيه السيل.وكأن القرارة مستقر السيل، والهاء في عليه ضمير الموضع، وشبه بياضه ببياض الدرهم، لأن الماء لما اجتمع استدار أعلاه فصار كدور الدرهم.

حا وتسكابا، فكل عشية

يجري عليها الماء لم يتصرم

تسكاب تفعال من السكب، وهو بمعناه، وسحا منصوب على المصدر لأن قوله: جادت عليه يدل على السح، فصار بمنزلة قول العرب هو يدعه دعا. وتسكابا مثله في إعرابهن كل عشية منصوب على الظرف والعامل فيه يجري لم يتصرم لم يتقطع، وخص مطر العشي لأنه أراد الصيف، وأكثر ما يكون بالليل مطره.

وخلا الذباب بها فليس ببارح

غردا كفعل الشارب المترنم

الغرد: من قولهم غرد الشيء يغرد تغريدا إذا طرب، وأخرج غردا على قوله غرد يغرد غردا فهو غرد، وهو نصب على الحال والمعنى وخلا الذباب بها غردا كفعل الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، والمعنى يفعل فعلا، مثل فعل الشارب، والذباب واحد، مؤدى على جماعة بدليل قوله تعلى ( وإن يسلبهم الذباب شيئا ) والجمع أذبة في أقل العدد، وذبان في الكثرة، ببارح أي بزائل، ويقال ما برحت قائما أي ما زلت.

هزجا يحك ذراعه بذراعه

فعل المكب على الزناد الأجزم

الهزج: السريع الصوت، المتدارك بصوته، والهزج خفة، وتدراكا يقال فرس هزج: إذا كان خفيف الرفع والوضع سريع المناقلة، ويروى هزجا بفتح الزاي، وهزجا بكسرها فمن كسرها فهو منصوب على الحال، وإذا فتحها، فهو مصدر والكسر أجود، ولأن بعده يحك، ولم يقل حكا، ويحك أيضا في موضع نصب على الحال ومعنى يحك ذراعه بذراعه: أي يمر بإحداهما على الأخرى وكذلك الذباب ويروى يسن بذراعه، وأصل السن التحديد. يريد قدح المكب الأجذم على الزناد، فهو يقدح بذراعه، فشبه الذباب به إذا سن ذراعه بالأخرى، وقال بعضهم: الزناد هو الأجذم، وهو قصير، فهو أشد لإكبابه عليه، فشبه الذباب إذا سن ذراعه بالأخرى برجل أجذم قاعد يقدح نارا بذراعه.والأجذم المقطوع اليد. وقال ابن الأنباري هزجا منصوب بالرد على الغرد، والقدح منصوب على المصدر وعلى الزناد صلة للمكب أي قدح الذي أكب على الزناد.

تمسي وتصبح فوق ظهر حشية

وأبيت فوق سراه أدهم ملجم

ويروى فوق ظهر فراشها، ويروى فوق سراة أجرد صلدم، وهو الشديد يعني فرسه.أي تمشي عبلة هكذا، أي هي منعمة موطأ لها الفرش، وأبيت أنا على ظهر فرس، وسراة كل شيء أعلاه وسراة النهار أوله.

وحشيتي سرج على عبل الشوى

نهد مراكله نبيل المحترم

حشية: فراش والحشية من الثياب ما حشي والجمع الحشايا والنهد المشرف الصدر. قوله لعنت: يدعو عليها بانقطاع اللبن من ضرعها، وأنها لا تحمل ولا تلد، والشراب هنا اللبن.

خطارة غب السرى زيافة

تطس الإكام بذات خف ميثم

يقال ناقة تخطر في سيرها بذنبها، تطس بكسر الطاء، والوطس الضرب الشديد بالخف، يقال وطس يطس، إذا كسر وكذلك وثم يثم، وميثم على التكثير وكذلك وفض يفض، ولثم يلثم وهرس يهرس إذا كسر وكذلك لكم يلكم.وقوله: خطارة أي بقوائم ذات خف.

وكأنما أقص الإكام عشية

بقريب بين المنسمين مصلم

يعني بذلك الظليم، وهو ذكر النعامة، والمصلوم المقطوع الأذنين.

تأوي له قلص النعام كما أوت

حزق يمانية لأعجم طمطم

ويروى إلى قلص، والحزق بفتح الزاي، وكسرها وجمعه حزائق وهي الجماعات من الإبل يعني به هنا اجتماع النعام حول هذا الظليم، يسمعن كلامه ولا يفهمن ما يقوله، ويقال طمطم وطمطماني وبه طمطمة، إذا كان كلامه يشبه كلام العجم، ويقال ألكن: وبه لكنة إذا كان يعترض في كلامه اللغة الأعجمية، ورجل تمتام وبه تمتمة، إذا كان يكرر الياء، ورجل فأفاه وبه فأفأة إذا كان يكرر الفاء، ويقال به عقلة، إذا كان به التواء عند إرادة الكلام، وبه حسبة إذا تعذر عليه الكلام عند إرادته، ويقال: إنها تعرض من كثرة السكوت، واللغف إدخال بعض الحروف في بعض، والرئة والرتت كالريح تعرض في أول الكلام فإذا مر في الكلام انقطع ذلك، ويقال أنها تكون غريزة، والغمغمة ألا تعرف تقطيع الحروف وهي تستعمل في كل كلام لا يفهم، والتغمغم مثله واللثغة أن يدخل بعض الحروف في بعض، والغنة أن يخرج الصوت من الخياشيم، ويقال إنها تستحسن في الحديث للسن، فإن اشتدت قيل لها الخنة والخنن والترخيم حذف في الكلام.

يتبعن قلة رأسه وكأنه

حرج على نعش لهن مخيم

أي يتبعن القلص، وهن أولاد الظليم قلة رأسه، أي يطرن على رأسه والحرج: مركب من مراكب النساء، وهي أيضا عيدان الهودج، ويروى حرج بسكون الراء وفتحها وهي الجبال، والنعش يريد به الهودج.

صعل يعوذ بذي العشيرة بيضه

كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

الصعل: ذكر النعام الصغير الرأس، والأصلم المقطوع الأذنين شبه به الناقة لسرعة عدوها ونشاطها وذو العشيرة موضع.

شربت يماء الدحرضين فأصبحت

زوراء تنفر عن حياض الديلم

شربت من ماء الدحرضين، وهما ماءان، ويقال للواحد دحرض، والآخر وسيع فلما جمعهما غلب أحد الاسمين على الآخر، وهما يعرفان لبني سعد، والديلم: الأمة التي يقال لها الديلم، وهي صنف من الأتراك وأراد به العدو، والديلم: الداهية، والديلم: الظلمة، والديلم الجماعة. وقال أبو زيد الكلابي حياض الديلم آبار معروفة عندنا وقد أوردت فيها إبلي غير مرة.

وكأنما ينأى بجانب دفها الو _ شي من هزج العشي مؤدم

وبعضهم يكتبها بالألف مأدم والدف الجنب، الجانب الوحشي: الأيمن لأنه لا يركب منه، والأنس: الأيسر، والهزج: الذي يصوت، والمأدم: العظيم القبيح من الرؤوس ويقال أدم فهو مؤدم إذا كان عظيم الرأس.

هر جنيب كلما عطفت له

غضبى اتقاها باليدين وبالفم

جنيب: وكأن بجانبها هرا، يخدشها من نشاطها، وجنيب بمعنى مجنوب، والمعنى كلما عطفت الناقة للهر اتقاها، ويروى تقاها، يقال: تقاه، واتقاه والأصل في اتقاه: أو تقاه ثم أبدلوا من الواو تاء لأنهم يبدلون من الواو تاء.وليس ثمة تاء نحو اتجاه وتخمة فإذا كانت معها تاء كان البدل حسنا.

أبقى لها طول الأسفار مفرقدا

سندا ومثل دعائم المتخيم

أي المتخذ خيمة.

بركت على ماء الرداع كأنما

بركت على قصب أجش مهضم

الرداع: موضع، الأجش: الصوت فيه بحة، ويروى: بركت على جنب الرداع القصب هنا تقع أضلاعها من هزالها، والمهضم، المخرق. المعنى: أنها حين بركت جشت في صوتها فشبه جنبيها بالقصب.

وكأن ربا أو كحيلا معقدا

حش الوقود به جوانب قمقم

الرب الدبس، الكحيل القطران شبه عرق الناقة به وحش أي أحماه ويقال حششت النار إذا أوقدتها، والوقود الحطب وجوانب منصوبة، على أنها مفعولة لحش أو تقول: معنى حش: اتقد كما يقال: هذا لا يخلطه شيء، أي لا يختلط به شيء ويكون جوانب منصوبة على الظرف.

نضحت به والذفرى فأصبح جاسدا

منها على شعر قصار مكدم

بلت مغانيها به فتوسعت

منه على سعن قصير مكرم

ينباع من ذفرى عضوب جسرة

زيافة مثل الفنيق المكدم

قال ابن الأعرابي: ينباع: ينفعل من باع يبوع إذا مر مرا لينا فيه تلو كقول الآخر:

تمت ينباع

انبياع الشجاع

وأنكر أن يكون الأصل فيه ينبع، وقال ينبع كما ينبع الماء من الأرض، ولم يرد ذلك.وإنما أراد السيلان منه وتلويه على رقبتها كما تتلوى الحية. وقال غيره: هو من نبع ينبع، ثم أشبع الفتحة فصارت ألفا والذفريان في أذنيها العظمان النابتان وراء الأذن، ومنتهى الشعر، وأول ما يعرق من البعير الذفريان، وأول ما يبدأ فيه السمن لسانه وكرشه، وآخر ما يبقى في السمن عيناه وسلاماه، ثم عظام أخفافه، والغضوب، والغضبى: واحد وأما غضوب للكثير كظلوم وغشوم، والجسرة الطويلة، وقيل الماضية في سيرها، وقيل الضخمة القوية، والزيافة المسرعة، والفنيق: الفحل، والكدم: العض.

إن تغدفي دوني القناع فإنني

طب بأخذ الفارس المستلئم

الإغداف: إرخاء القناع على الوجه، والاغداف أيضا إرواء الرأس من الدهن، تغدفي: ترسلي وتحتجبي مني.يقال فلان مغدف: إذا غطى وجهه، والقناع مشتق من العلو، يقال: ضرع مقنع بفتح النون وكسرها، وإذا كان عاليا مرتفعا، والطب الحاذق، والمستلئم الذي قد لبس اللأمة، وهي الدرع. يقول إن نبت عينك عني وأغدقت دوني قناعك فإني حاذق بقتل الفرسان وأسر الأقوام.

أثنى علي بما علمت فإنني

سهل مخالطتي إذا لم أظلم

ويروى سمح مخالقتي، ومخالطتي في موضع رفع بقوله سهل أي تسهل مخالقتي، وإذا ظرف، والعامل فيه سهل. ومعنى البيت إذا رآك الناس قد كرهتني، فأغدقت دوني القناع، توهموا أنك استقللتني، وأنا مستحق لخلاف ما صنعت فأثني علي بما علمت.

فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل

مر مذاقته كطعم العلقم

أي فإن ظلمني ظالم فظلمي إياه باسل لديه أي كريه، أي مذاقته مرة، ومر مذاقته مرفوع بقوله مر ويكون كطعم خبر بعد خبر، وإن شئت كانت نعتا لقوله مر، ويجوز على إضمار هي كأنه قال هي كطعم الحنظل.

ولقد أبيت على الطوى وأظله

حتى أنال به كريم المطعم

ولقد شربت من المدامة بعدما

ركد الهواجر بالمشوف المعلم

أي بعدما ركدت الشمس، ووقفت، وقام كل شيء على ظله، والركود: السكون، والهواجر جمع هاجرة، وهي الظهيرة، ويقال لها هجير أيضا. والمشوف الدينار والدرهم، وقيل الكأس، وقيل البعير المهنوء، يقال: شفت الدينار إذا نقشته قال النابغة الجعدي.

كهولا وشبانا كأن وجوههم

دنانير مما شيف في أرض قيصر

وشفت الشيء: إذا جلوته، وأصله مشووف، ثم ألقيت حركة الواو على الشين، فبقيت الواو ساكنة، وبعدها واو ساكنة فحدفت إحداهما لالتقاء الساكنين، والمخلوقة عند سيبويه الثانية لأنها زائدة، وعند الأخفش الأولى.

بزجاجة صفراء ذات أسرة

قرنت بأزهر في الشمال مفدم

الأسرة: الخطوط واحدتها سرة، وسرر، وهذا عند أهل اللغة شاذ، وإنما الواجب أن يقال في واحد الأسرة: سرار، كما يقال في واحد الأمثلة: مثال.إلا أنه يجوز جمع سر على سرائر ويجمع سرارة على أسرة. قرنت أي جعلت قرينته، والأزهر الإبريق من فضة أو رصاص.في الشمال: شمال الساقي، مفدم مسدود بالفدام وهي خرقة تجعل على رأسه تكون مصفاته.

فإذا شربت فإنني مستهلك

مالي وعرضي وافر لم يكلم

يكلم: يثلم.

وإذا صحوت فما أقصر عن ندى

وكما علمت شمائلي وتكرمي

وحليل غانية تركت مجدلا

تمكو فريصته كشدق الأعلم

تمكو فريصته، تصفر، والفريصة في الأصل الموضع الذي يرعد من الدابة عند البيطار، وهي لحمة تحت الثدي والكتف، ترعد عند الخوف، والكاف في موضع نصب أي تمكو مكاء مثل شدق الأعلم.

سبقت يداي له بعاجل طعنة

ورشاش نافذة كلون العندم

أي رشاش ضربة نافذة، فأقام الصفة مقام الموصوف، والعندم صبغ أحمر، وقيل هو البقم، وقيل هو العصفر، وقيل هو صبغ للعرب، وهو جمع عندمة والكاف في موضع خفض لأنها نعت للرشاش، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ فيكون المعنى لونه كلون العندم.

ف مغانم لو أشاء حويتها

ويصدني عنها الحيا وتكرمي

هلا سألت الخيل يابنة مالك

إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

لا تسأليني واسألي بي صحبتي

يملأ يديك تعففي وتكرمي

ولقد ذكرتك والرماح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فهممت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

إذا لا أزال على رحالة سابح

نهد تعاوره الكماة مكلم

الرحالة سرج من سروج العرب، كانت تعمل من جلود الشياه واحدة الرحائل تتخذ للجري الشديد، تعاوره الكماة بفتح الواو وكسرها، وفتح الراء وضمها، أي طعنه ذا مرة وذا مرة، أي تتداوله بالطعن وأصله تتعاوره فحذف إحدى التائين.

طورا يجرد للطعان وتارة

يأوي إلى حصد القسي عرمرم

العرمرم: الكثير: الشديد.

يخبرك من شهد الوقائع أنني

أغشى الوغى وأعف عند المغنم

ومدجج كره الكماة نزاله

لا ممعن هربا ولا مستسلم

نزاله: منازلته في الحرب، لا ممعن أي مسرع، فيذهب ويعدو هربا ولا يسلم نفسه.

فطعنته بالرمح ثم علوته

بمهند صافي الحديدة مخذم

جادت يداي له بالعاجل طعنة

بمثقف صدق الكعوب مقوم

صدق أي صلب، الكعوب جمع كعب وهي أنبوب الرمح والجمع أنابيب.

برحيبة الفرغين يهدي جرسها

بالليل معتس الذئاب الضرم

الرحيبة الواسعة: الفرغين: تثنية الفرغ، وهي مدافع الماء إلى الأودية الجرس: الصوت، المعتس من الذئاب: الطالب.الضرم جمع ضارم الجياع.

فشككت بالرمح الأصم ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرم

الكريم: الشريف السيد الفاضل ومنه قوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم ) ويقال للصبوح الكريم لتفضله قال تعالى ( إن ربي غني كريم ) ويقال للكثير كريم قال تعالى ( ورزق كريم ) ويقال للحسن كريم لقوله تعالى ( ومقام كريم ) وقوله ليس الكريم أي ليس يمنعه كرمه من أن يقتل بالقنا فما عليه ذلك بحرام.

أوجرت ثغرته سنانا لهذما

برشاش نافدة كلون العندم

فتركته جزر السباع ينشنه

يقضمن قلة رأسه والمعصم

يقال: جزرته السباع، إذا تركته جزرا له، والجزر الشحم، والجزر الشاة، والجزر الناقة تذبح وتنحر، وينشنه يتناوله قال تعالى ( وأنى لهم التناوش ) وأنشد أبو عبيدة لغيلان بن حريث:

فمتى تنوش الحوض نوشا من علا

نوشا به تقطع أجراز الفلا

ومن قرأ التناؤش بالهمزة ففيه قولان:أحدهما بمعنى غير المهموز، وأن الواو أبدلت فيها همزة لما انضمت كما يقال أدؤر في جمع دار، والقول الآخر إنه من النيش وهي الحركة في إبطاء. يقضمن: يقطعن، وإنما يكون بأطراف الأسنان خاصة والخضم بجميع الأسنان.

ومشك سابغة هتكت فروجها

بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

السابغة: الدرع، هتكت فروجها أي خرقتها، والمعلم الذي يسم نفسه في الحرب بعلامة.

ربذ يداه بالقداح إذا شتا

هتاك غايات التجار ملوم

الربذ: السريع الضرب بالقداح، الخفيف اللعب، والقداح السهام، كانوا يقامرون بها وشتا: فعل من الشتا، يشتو.هتاك: قطاع، غايات جمع غاية وهي الرايات ينصبها الخمار ليعرف موضع داره والتجار جمع تاجر وهم الخمارون.

لما رآني قد نزلت أريده

أبدى نواجذه لغير تبسم

أبدى: أظهر، فيقال أبدى يبدي، وبدا يبدو إذا ظهر وأنشد الأصمعي للربيع بن زياد العبسي:

قد كن يخبأن الوجوه تسترا

فاليوم حين بدون للنظار

فطعنته بالرمح ثم علوته

بمهند صافي الحديدة مخذم

والمهند ما عمل بالهند، وقال أبو عمرو الشيباني النهنيد شحذ السيف.

عهدي به مد النهار كأنما

خضب البنان ورأسه بالعظلم

ويروى خضب اللبان، ومد النهار أي غاية النهار والعظلم صبغ أحمر تتخذه العرب.

بطل كأنه ثيابه في سرحة

يحذى نعال السبت ليس بتوأم

السرحة: الشجرة، والسبت بكسر السين النعال اليمانية المدبوغة بالقرظ لا شعر عليه، وأما السبت بالضم فنبت يشبه الخطمي. قال حسان بن ثابت:

وأرض يحاربها المدلجون

ترى السبت فيها كركن الكثيب

والسبت أيضا بالضم ما قطر من الثلوج قال الشاعر:

كأن دموع العين يوم ترحلوا

جمال تهادى خال في السلك أو سبت

والسبت بالفتح اليوم المعروف والتوأم الأجرد.

يا شاة ما قنص لمن حلت له

حرمت علي وليتها لم تحرم

الشاة يريد بها المرأة، حلت له لمن قدر عليها، وحرمت علي لأنها بأرض الأعداء.

فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي

فتحسسي أخبارها لي واعلمي

قالت رأيت من الأعادي غرة

والشاة ممكنة لمن هو مرتم

والغرة مكان اغترار وغفلة، والشاة كناية عن المرأة وممكنة من التمكين ومرتم مفتعل من الرمي والواو الحال.

فكأنما التفتت بجيد جداية

رشأ من الغزلان حر أرثم

الجداية من الظباء بمنزلة الجاء من الغنم، وهو الذي عليه خمسة أشهر، والأرثم الذي في شفته العليا بياض أو سواد فإن كان في السفلى فهو ألمظ ولمظاء.

نبئت عمرا غير شاكر نعمتي

والكفر مخبثةٌ لنفس المنعم

مخبثة: مفعلة من الخبث.

ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى

إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم

تقلص بكسر اللام وضمها، ووضح الفم يعني به أسنانه.

في حومة الموت الذي لا تشتكي

غمراتها الأبطال غير تغمغم

ويروى الذي لا يشتكي والحومة من كل شيء معظمه وشدته، ويتقيك يتستر، والغمرة الشدة، والغمرات جمع غمرة وجمعت بالتحريك للتفريق بين الأسماء والصفات كما تجمع جفنة جفنات، وعبلة عبلات، وفي النعت عبلات بإسكان الباء، وكان النعت أحق بالإسكان لأنه أثقل إذا كان ثانيا، والعبل الممتلى، والعبلاء: الهضبة البيضاء.وامرأة عبلاء: إذا كانت بيضاء، والتغمغم صوت تسمعه، ولا تفهمه.

إذ يتقون بي الأسنة لم أخم

عنها ولكني تضايق مقدمي

ويروى نسابق مقدمي، ولم أخم، لم أنكل، ولم أضعف، ولم أجبن، ولم أعدل عنها وهو من خام يخيم ؛ إذا أصاب رجله كسر.

لما سمعت نداء مرة قد علا

وابني ربيعة في الغبار الأقتم

الأقتم: المرتفعن وقيل المتغير ومنه قول رويم 'وقاتم الأعماق خاوي المخترق'.

ومحلم يسعون تحت لوائهم

والموت تحت لواء محلم

محلم مرفوع بالابتداء والجملة في موضع نصب على الحال كما تقول كلمت زيدا وعمرو جالس، قال الله تعالى: ( يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) والمعنى عند سيبويه.

أيقنت أن سيكون عند لقائهم

ضرب يطير عن الفراخ الجثم

وقوله أيقنت أن سيكون عند لقائهم: أن ها هنا الثقيلة التي تعمل في الأسماء، ومفعول يطير محذوف والمعنى يطير الهام عن الفراخ الجثم، وإنما شبه ما حول الهام بالفراخ أي المقيمة في أوكارها وأعشاشها.

ولقد هممت بغارة في ليلة

سوداء حالكة كلون الأدلم

لما رأيت القوم أقبل جمعهم

يتذامرون كررت غير مذمم

أي حملت عليهم غير مذموم، وقوله لما رأيت القوم أقبل جمعهم أي قد أقبل فحذف قد، وقوله يتذامرون أي يحض بعضهم بعضا وغير منصوب على الحال كأنه قال كررت مخالفا للمذمة، ويتذامرون موضعه في محل نصب على الحال، وأقبل جمعهم حال القوم.

يدعون عنتر والرماح كأنها

أشطان بئر في لبان الأدهم

ويروى عنتر وعنتر بالضم والفتح فمن فتح الراء رخم عنترة وترك ما قبل المحذوف على حاله مفتوحا ومن ضمها احتمل وجهين أحدهما أن يكون قد جعل ما بقي اسما على حاله لأنه قد صار كحروف الإعراب. والوجه الثاني ما رواه المبرد عن بعضهم إنه كان يسميهم عنتراً، فعلى هذا الوجه لا يجوز إلا الضم، ويجوز أن يكون عنتراً في هذا الوجه منصوبا بيدعون.والواو في قوله والرماح واو الحال.والأشطان جمع شطن وهو حبل البئر يريد أن الرماح في صدر هذا الفرس بمنزلة حبال البئر من الدلاء ؛ لأن البئر إذا كانت كبيرة كثيرة الوراد، فقد اضطربت الدلاء فيها فيجعل فيها حبلان لئلا تضطرب واللبان الصدر.

يدعون عنتر والسيوف كأنها

برق تلألأ في سحاب مظلم

يدعون عنتر والدروع كأنها

حدق الضفادع في غدير نجم

يدعون عنتر والنبال كأنها

طش الجراد على المنادح حوم

يدعون عنتر والوغى ترمي بهم

والموت نحو لواء آل محلم

كيف التقدم والرماح كأنها

برق تلألأ في السحاب الأركم ؟

كيف التقدم والسيوف كأنها

غوغا جراد في كثيب أهيم ؟

فإذا اشتكى وقع القنا بلبانه

أدنيته من سل عضب مخذم

ما زلت أرميهم بغرة وجهه

ولبانه حتى تسربل بالدم

يقول عن فرسه، ويروى بثغرة نحره، واللبان: الصدر تسربل صار بمنزلة السربال وهو القميص.

يدعون عنتر والدماء سواكب

تجري بفياض الدماء وتنهمي

يدعون عنتر والفوارس في الوغى

في حومة تحت العجاج الأقتم

يدعون عنتر والرماح تنوشني

عادات قومي في الزمان الأول

ولقد شفى قلبي وأبرأ سقمه

قول الفوارس ويك عنتر أقدم

ويروى شفى نفسي، ويروى قيل الفوارس، وهو واحد من الأقيال وهم الملوك، ويك معناها: ألم تر وأما ترى، وروى سيبويه عن الخليل أن وي كلمة منفصلة يقولها المتندم إذا تنبه على ما كان منه.فكأنهم قالوا على التندم في قوله تعالى ( وي كأنه لا يفلح الكافرون ) وأنشدوا لنبيه بن الحجاج:

تسألان مالا وإن رأتاني

قل مالي قد جئتماني بنكر

وي كأن من يكن له نشب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضر

يقال سقم وسقم بفتح القاف وضمها، ومعنى البيت إني كنت أكبرهم فلذلك خصوني بالدعاء. وقوله ويك معناه ويحك وقد قال بعضهم معناه ويلك، وكلا القولين خطأ ؛ لأنه كان يجب على هذا أن يقرأ: ويك أنه كما يقال: ويلك أنه، وويحك أنه. على أنه قد احتج صاحب هذا القول بأن المعنى ويلك اعلم لقوله تعالى ( وي كأنه لا يفلح الكافرون ) وهذا خطأ من جهات:إحداها: حذف اللام من ويلك، وحذف اعلم، لأن مثل هذا لا يحذف ؛ لأنه لا يعرف معناه.وأيضا وأن المعنى لا يصح ؛ لأنه لا يدري من خاطبوا بهذا. وروي عن أهل التفسير أن معنى ويك ألم تروا ما ترى، والأحسن في هذا ما روى سيبويه عن الخليل وهو وي مفصولة كأنه قالوا على التندم.

وازور من وقع القنا بلبانة

وشكا إلي بعبرة وتحمحم

ازور مال، شكا إلي ( مثل ) يقول لو كان ممن تصح منه الشكاية لشكا. والتحمحم صوت متقطع ليس بالصهيل.

لو كان يدري ما المحاورة اشتكى

ولكان لو علم الكلام مكلمي

المحاورة المراجعة ويحاور محاورة وحوارا وهو اسم تام، والمحاورة خبر لمبتدأ وما في موضع رفع مبتدأ وخبره في موضع نصب بقوله يدري. وقوله ولكان جاء باللام فإنه محمول على المعنى.والتقدير لو كان يدري ما المحاورة لاشتكى، وهو عطف جملة على جملة.

آسيته في كل أمر نابنا

هل بعد أسوة صاحب من مذمم

فتركت سيدهم لأول طعنة

يكبو صريعا لليدين وللفم

ركبت فيه صعدة هندية

سحماء تلمع ذات حد لهذم

والخيل تقتحم الخبار عوابسا

من بين شيظمة وأجرد شيظم

الاقتحام الدخول في الشيء بسرعة، والخبار الأرض اللينة ذات الحجر والجرفة، والركض يشتد فيها، والعوابس: الكوالح من الجهد، والشيظم: الطويل، والأجرد القصير الشعر.

ولقد كررت المهر يدمي نحره

حتى اتقتني الخيل بابني حذيم

إذ يتقى عمرو، وأذعن غدوة

حذر الأسنة إذ شرعن لدلهم

يحمي كتيبته ويسعى خلفها

يفري عواقبها كلدغ الأزقم

ولقد كشفت الخدر عن مربوبة

ولقد رقدت على نواشر معصم

ولرب يوم قد لهوت وليلة

بمسور ذي بارقين مسوم

ذلل ركابي حيث شئت مشايعي

قلبي وأحفزه بأمر مبرم

ويروى مشايعي همي، وأحفزه برأي مبرم. ذلل جمع ذلول والذلول من الإبل وغيرها الذي هو ضد الصعب، وركابي في موضع رفع بالابتداء وينوى به التقديم، وذلل خبر وإن شئت كان ذلك رفع بالابتداء وركابي خبره، وإن شئت جعلت ركابي فاعلا يسد مسد الخبر فيكون على هذا قال: ذلل ولم يوجد لأنه جمع تكسير. والمعنى أن ناقتي معتادة للسير ذلولة، وروى الأصمعي مشايعي، وقال معناه لا يعزب عقلي في حال من الأحوال واحفزه أدفعه، والمبرم المحكم.

ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن

للحرب دائرة على ابني ضمضم

ويروى ولم تدر، ويروى ولم تقم.قال ابن السكيت هما هرم وحصين ابنا ضمضم المريان والدائرة ما ينزل وقيل في قوله عز وجل ( ويتربص بكم الدوائر ) يعني الموت أو القتل وهرم وحصين ابنا ضمضم اللذان قتلهما ورد بن حابس العبسي وكان عنترة قتل أباهما ضمضما فكانا يتوعدانه.

الشاتمي عرضي ولم أشتمهما

والناذرين إذا لقيتهما دمي

ويروى إذا لم ألقهما دمي، يقولان إذا لقيناه لنقتله، وقوله الشاتمي عرضي أي اللذان شتما عرضي، والنون تحذف في هذا كثيرا للتخفيف تقول جاءني الضاربا زيد.ويقال نذرت النذر أنذره وأنذره إذا أوجبته على نفسك، وأنذرت دم فلان إذا أبحته.

أسد علي وفي العدو أذلة

هذا لعمرك فعل مولى الأشأم

إن يفعلا فلقد تركت أباهما

جزر السباع وكل نسر قشعم

يقول: إن نذرا دمي فقد قتلت أباهما، وأجزرته للسباع أي تركته جزرا والقشعم الكبير من النسور، والقشعم أيضا الموت، والقشعم العنكبوت.

لما استقام بصدره متحاملا

لا قاصدا صمد الطريق ولا عمي

إن العدو على العدو لقائل

ما كان يعلمه وما لم يعلم

لا تحسبن طعان قيس بالقنا

وضرابهم بالسيف حسو الترتم

أمي زبيبة لست أنكر اسمها

وأنا ابن فرق الجماجم والفم

ملاحظة أخيرة وردت أبيات في العقد الفريد من قافية المعلقة وفيها بعض التشابه منسوبة إلى أفنون التغلبي وهو شاعر جاهلي فأردت أن أثبتها قال أفنون التغلبي:

ولقد أمرت أخاك عمرا مرة

فعصى وضيعها بذات العجرم

في غمرة الموت التي لا تشتكي

غمراتها الأبطال غير تغمغم

وكأنما أقدامهم وأكفهم

سرب تساقط في خليج مفعم

لما سمعت نداء مرة قد علا

وابني ربيعة في العجاج الأقتم

ومحلم يمشون تحت لوائهم

والموت تحت لواء آل محلم

لا يصدفون عن الوغى بوجوههم

في كل سابغة كلون العظلم

ودعت بنو أم الرقاع فأقبلوا

عند اللقاء بكل شاك معلم

وسمعت يشكر تدعي بخبيب

تحت العجاجة وهي تقطر بالدم

يمشون في حلق الحديد كما مشت

أسد العرين بيوم نحس مظلم

والجمع من ذهل كأن زهاءهم

جرد الجمال يقودها ابنا قشعم

والخيل تحت العجاج عوابسا

وعلى سنابكها مناسج من دم

وقال محقق العقد تنسب الأبيات في غمرة الموت، لما سمعت، ومحلم إلى عنترة وأنا أنفي لما سمعت نداء مرة ومحلم فهي في الواقع أقرب إلى أفنون التغلبي لأن محلم الشيباني وقف في الحرب مع بكر ضد بني تغلب ولم يكن في حرب مع عنترة وكذلك آل مرة بن ذهل قاتلوا كليب بن ربيعة قتله جساس بن مرة وابني ربيعة إنما هما حيا بكر وتغلب فهم أبناء ربيعة بن نزار بن معد.وبهذا انتهت المعلقة.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي