شرح ديوان المتنبي (البرقوقي)/قافية الجيم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قافية الجيم

وقال يمدح سيف الدولة: وقد صف الجيش في منزل يعرَف بالسنَبُوس، وركب قاصدًا سمندو:

لِهَذَا الْيَوْمِ بَعْدَ غَدٍ أَرِيجُ

وَنَارٌ فِي الْعَدُوِّ لَهَا أَجِيجُ١

تَبِيتُ بِهَا الْحَوَاصِنُ آمِنَاتٍ

وَتَسْلَمُ فِي مَسَالِكِهَا الْحَجِيجُ٢

فَلَا زَالَتْ عُدَاتُكَ حَيْثُ كَانَتْ

فَرَائِسُ أَيُّهَا الْأَسَدُ الْمَهِيجُ٣

عَرَفْتُكَ وَالصُّفُوفُ مُعَبَّآتٍ

وَأَنْتَ بِغَيْرِ سَيْفِكَ لَا تَعِيجُ٤

وَوَجْهُ الْبَحْرِ يُعْرَفُ مِنْ بَعِيدٍ

إِذَا يَسْجُو فَكَيْفَ إِذَا يَمُوجُ٥

بَأَرْضٍ تَهْلِكُ الْأَشْوَاطُ فِيهَا

إِذَا مُلِئَتْ مِنَ الرَّكْضِ الْفُرُوجُ٦

تُحَاوِلَ نَفْسَ مَلْكِ الرُّوْمِ فِيهَا

فَتَفْدِيهِ رَعِيَّتُهُ الْعُلُوجُ٧

أَبِالْغَمَرَاتِ تُوعِدُنَا النَّصَارَى

وَنَحْنُ نُجُومُهَا وَهْيَ الْبُرُوجُ٨

وَفِينَا السَّيْفُ حَمْلَتُهُ صَدُوقٌ

إِذَا لَاقَى وَغَارَتُهُ لَجُوجُ٩

نُعَوِّذُهُ مِنَ الْأَعْيَانِ بَأْسًا

وَيَكْثُرُ بِالدُّعَاءِ لَهُ الضَّجِيجُ١٠

رَضِينَا وَالدُّمُسْتُقُ غَيْرُ رَاضٍ

بِمَا حَكَمَ الْقَوَاضِبُ وَالْوَشِيجُ١١

فَإِنْ يُقْدِمْ فَقَدْ زُرْنَا سَمَنْدُو

وَإِنْ يُحْجِمْ فَمَوْعِدُهُ الْخَلِيجُ١٢

هوامش

(١) الأريج: الرائحة الطيبة، والأجيج: اشتعال النار وتلهبها، أجت النار تؤج وتئج أجيجًا، وكذلك ائتجت؛ على افتعلت، وتأججت، وقد أججها تأججًا، وأجج بينهم الشر أوقده، والأجوج: المضيء. قاله ابن العلاء، وأنشد لأبي ذؤيب يصف برقًا:

يُضِيءُ سَنَاهُ رَاتِقًا مُتَكَشِّفًا

أَغَرَّ كَمِصْبَاحِ الْيَهُودِ أَجُوجُ

(يصف سحابًا متتابعًا، والهاء في سناه: تعود على السحاب، وذلك أن البرقة إذا برقت انكشف السحاب، وراتقًا: حال من الهاء في سناه، ورواه الأصمعي راتق متكشف، فجعل الراتق: البرق.)

(٢) يقول: سيكون لهذا اليوم — الذي سرت فيه للحرب — أنباء طيبة تسر الأولياء، ونار حرب يضطرم لهيبها على الأعداء، وعبارة ابن جني: يأتي خبر طيب يسر المسلمين ويسوء المشركين.
الحواصن: العفيفات، وتروى الحواضن — أي النساء المربيات لأطفالهن — وتروى: الحواضر — أي نساء أهل الحضر — يقول: إن نار هذه الحرب تأمن بها النساء من السبي، ويسلم الحجاج في مسالكهم فلا يتعرض لهم الروم إذ تنتصر عليهم، فالضمير في مسالكها: للحجيج، والحجيج: الحجاج، جمع حاج، ومثله غاز وغزي، وناج ونجي، وناد وندي — للقوم يتناجون ويجتمعون في مجلس — وللعادين على أقدامهم عدي، والضمير في بها: للنار، ومن روى به: فالضمير للأجيج.

(٣) المهيج: الذي هاجه غيره، وفرائس: خبر زالت. لما ذكر الأسد استعار له الفريسة فقال: لا زالت عداتك أيها الأسد فرائس لك في حيثما كانت.

(٤) لا تعيج: لا تبالي، وكان أبو الطيب مع سيف الدولة في بلاد الروم. فلما صف الجيش كان أبو الطيب متقدمًا، فالتفت فرأى سيف الدولة خارجًا من الصفوف يدير رمحًا، فعرفه وجاء إليه وسايره وأنشده. يقول: عرفتك والصفوف معبأة من حولك وأنت لا تبالي إلا بسيفك. يشير إلى أنه لا يحتفل بجنده وبتعبئته، وأنه شجاع لا يعبأ إلا بسيفه. هذا، ويقال عبأت الجيش عبأ وعبأتهم تبعئة، وقد يترك الهمز فيقال عبيتهم تعبية؛ أي رتبتهم في مواضعهم وهيأتهم للحرب، وقد قلنا: لا تعيج بمعنى لا تبالي. قال صاحب اللسان: العيج شبه الاكتراث، وأنشد:

وَمَا رَأَيْتُ بِهَا شَيْئًا أَعِيجُ بِهِ

إِلَّا الثُّمَامَ وَإِلَّا مَوْقِدَ النَّارِ

قال ابن سيده: ما عاج بقوله عيجًا وعيجوجة: لم يكترث له أو لم يصدقه؛ وما عاج بالدواء عيجًا؛ أي ما انتفع، وما أعيج من كلامه بشيء؛ أي ما أعبأ به، وبنو أسد يقولون ما أعوج بكلامه؛ أي ما ألتفت إليه؛ أخذوه من عجت الناقة، ويقال: ما عجت بخبر فلان، ولا أعيج به؛ أي لم أشتف به ولم أستيقنه. قال ابن العلاء: العياج الرجوع إلى ما كنت عليه.

(٥) يسجو: يسكن تموجه، قال تعالى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ أي سكن بالناس، ومنه البحر الساجي، قال الأعشى:

فَمَا ذَنْبُنَا إِنْ جَاشَ بَحْرُ ابْنِ عَمِّكُمْ

وَبَحْرُكَ سَاجٍ لَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا

(الدعامص والدعاميص: جمع دعموص: دوبية صغيرة تغوص في الماء، وكثيرًا ما تكون في المستنقعات.)
وليلة ساجية: إذا كانت ساكَنة البرد والريح والسحاب غير مظلمة.

(٦) قال الحارثي:

يَا حَبَّذَا الْقَمْرَاءُ وَاللَّيْلُ السَّاجْ

وَطُرُقٌ مِثْلُ مُلَاءِ النساجْ

وامرأة ساجية: فاترة الطرف، وهو معنى حسن في النساء، وناقة سجواء: ساكنة عند الحلب، وسجى الميت: غطاه، والمتسجي: المتغطي، من الليل الساجي؛ لأنه يغطي بظلامه وسكونه. يقول: إن البحر يعرف وهو ساكن فكيف إذا ماج وتحرك؟ وضرب هذا مثلًا له لما رآه يدير رمحه بيده؛ فشبهه بالبحر المائج.
الشوط: الطلق من العدو، قال في اللسان: الشوط: الجري مرة إلى غاية؛ والجمع أشواط، وقد عدا شوطًا؛ أي طلقًا، والفروج: ما بين قوائم الفرس. يقول: عرفتك بأرض واسعة يتلاشى فيها السير، وإن كانت تملأ ما بين القوائم عدوًا لطولها.

(٧) تحاول: تطلب، والضمير للخطاب، والضمير من فيها للأرض، والعلج: الجافي الغليظ من كفار العجم. يقول: تريد أن تأخذ نفس ملك الروم في هذه الأرض فتفديه أصحاب العلوج إذ تفنيهم وتستأصلهم.

(٨) الغمرات: الشدائد. يقول: أتهددنا النصارى بالحرب ونحن أبناؤها لا نفارقها؟ كما لا تفارق النجوم منازلها.

(٩) لج في الأمر لججًا ولجاجًا ولجاجة: تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه. يقول: وفينا سيف الدولة الذي إذا حمل على الأعداء صدق في حملته، ما جبن وما خام عن اللقاء، وإذا أغار عليهم لجت غارته ودامت، فلا ينثني حتى يستأصلهم ويعصف بهم.

(١٠) الأعيان: العيون، جمع عين، قال يزيد بن عبد المدان:

وَلَكِنَّنِي أَغْدُو عَلَيَّ مُفَاضَةٌ

دِلَاصٌ كَأَعْيَانِ الْجَرَادِ الْمُنَظَّمِ

(مفاضة دلاص: يريد درعا.)
وبأسًا؛ أي شدة وشجاعة، وهو مفعول له — أي لبأسه — كما تقول نعوذه بالله حسنًا؛ أي لحسنه، وقال ابن جني: بأسًا أي خوفًا — من قولهم لا بأس عليك — وهو أصح في التركيب، إلا أن الأول أليق بالمعنى. يقول: نعوذ الممدوح بالله من أن تصيبه العيون لدى رؤية بأسه؛ لأنا لا نخاف عليه غير ذلك.

(١١) الدمستق: قائد جيش الروم، والقواضب: السيوف القواطع، والوشيج: عيدان الرماح، ووشجت العروق والأغصان: اشتبكت، والواشجة: الرحم المشتبكة، وقد وشجت به قرابة فلان، والاسم الوشيج. يقول: رضينا بما حكمت به السيوف والرماح في الحرب، ولكن الدمستق لم يرض بذلك؛ لأنها حكمت لنا بالفوز والظفر فرضينا، وحكمت عليه بالهزيمة والفشل فلم يرضَ. هذا، والأوجه أن يكون الدمستق مبتدأ، خبره: غير راضٍ، والجملة حال، وبما حكم: متعلق برضينا.

(١٢) سمندو: قلعة بالروم يقال هي المعروفة اليوم ببلغراد، والخليج: خليج القسطنطينية. يقول: فإن أقدم على قتالنا فقد قصدنا بلاده، وإن هرب وخام عن لقائنا لحقناه إلى الخليج.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي