شرح ديوان المتنبي (البرقوقي)/قافية الهمزة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قافية الهمزة

قال — وقد طلب إليه سيف الدولة إجازة أبيات لأبي ذر سهل بن محمد الكاتب:١

الْقَلْبُ أَعْلَمُ يَا عَذُولُ بِدَائِهِ

وَأَحَقُّ مِنْكَ بِجَفْنِهِ وَبِمَائِهِ٢

فَوَمَنْ أُحِبُّ لَأَعْصِيَنَّكَ فِي الْهَوَى

قَسَمًا بِهِ وَبِحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ٣

أَأُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فِيهِ مَلَامَةً

إِنَّ الْمَلَامَةَ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ٤

عَجِبَ الْوُشَاةُ مِنَ اللُّحَاةِ وَقَوْلِهِمْ

دَعْ مَا بَرَاكَ ضَعُفْتَ عَنْ إِخْفَائِهِ٥

مَا الْخِلُّ إِلَّا مَنْ أَوَدُّ بِقَلْبِهِ

وَأَرَى بِطَرْفٍ لَا يَرَى بِسِوَائِهِ٦

إِنَّ الْمُعِينَ عَلَى الصَّبَابَةِ بِالْأَسَى

أَوْلَى بِرَحْمَةِ رَبِّهَا وَإِخَائِهِ٧

مَهْلًا فَإِنَّ الْعَذْلَ مِنْ أَسْقَامِهِ

وَتَرَفُّقًا فَالسَّمْعُ مِنْ أَعْضَائِهِ٨

وَهَبِ الْمَلَامَةَ فِي اللَّذَاذَةِ كَالْكَرَى

مَطْرُودَةً بِسُهَادِهِ وَبُكَائِهِ٩

لَا تَعْذُلِ الْمُشْتَاقَ فِي أَشْوَاقِهِ

حَتَّى يَكُونَ حَشَاكَ فِي أَحْشَائِهِ١٠

إِنَّ الْقَتِيلَ مُضَرَّجًا بِدُمُوعِهِ

مِثْلُ الْقَتِيلِ مُضَرَّجًا بِدِمَائِهِ١١

وَالْعِشْقُ كَالْمَعْشُوقِ يَعْذُبُ قُرْبُهُ

لِلْمُبْتَلَى وَيَنَالُ مِنْ حَوْبَائِهِ١٢

لَوْ قُلْتَ لِلدَّنِفِ الْحَزِينِ فَدَيْتُهُ

مِمَّا بِهِ لَأَغَرْتَهُ بِفِدَائِهِ١٣

وُقِيَ الْأَمِيرُ هَوَى الْعُيُونِ فَإِنَّهُ

مَا لَا يَزُولُ بِبَأْسِهِ وَسَخَائِهِ١٤

يَسْتَاسِرُ الْبَطَلُ الْكَمِيَّ بِنَظْرَةٍ

وَيَحُولُ بَيْنَ فُؤَادِهِ وَعَزَائِهِ١٥

إِنِّي دَعَوْتُكَ لِلنَّوَائِبِ دَعْوَةً

لَمْ يُدْعَ سَامِعُهَا إِلَى أَكْفَائِهِ١٦

فَأَتَيْتَ مِنْ فَوْقِ الزَّمَانِ وَتَحْتِهِ

مُتَصَلْصِلًا وَأَمَامِهِ وَوَرَائِهِ١٧

مَنْ لِلسُّيُوفِ بِأَنْ تَكُونَ سَمِيَّهَا

فِي أَصْلِهِ وَفِرِنْدِهِ وَوَفَائِهِ١٨

وَعَلِيٌّ الْمَطْبُوعُ مِنْ آبَائِهِ١٩

واستزاده سيف الدولة فقال أيضًا:

عَذْلُ الْعَوَاذِلِ حَوْلَ قَلْبِ التَّائِهِ

وَهَوَى الْأَحِبَّةِ مِنْهُ فِي سَوْدَائِهِ٢٠

يَشْكُو الْمَلَامُ إِلَى اللَّوَائِمِ حَرَّهُ

وَيَصُدُّ حِينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحَائِهِ٢١

وَبِمُهْجَتِي يَا عَاذِلِي الْمَلِكُ الَّذِي

أَسْخَطْتُ كُلَّ النَّاسِ فِي إِرْضَائِهِ٢٢

إِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَ الْقُلُوبَ فَإِنَّهُ

مَلَكَ الزَّمَانَ بِأَرْضِهِ وَسَمَائِهِ٢٣

الشَّمْسُ مِنْ حُسَّادِهِ وَالنَّصْرُ مِنْ

قُرَنَائِهِ وَالسَّيْفُ مِنْ أَسْمَائِهِ٢٤

أَيْنَ الثَّلَاثَةُ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالِهِ

مِنْ حُسْنِهِ وَإِبَائِهِ وَمَضَائِهِ٢٥

مَضَتِ الدُّهُورُ وَمَا أَتَيْنَ بِمِثْلِهِ

وَلَقَدْ أَتَى فَعَجَزْنَ عَنْ نُظَرَائِهِ٢٦

وقال يمدح الحسين بن إسحاق التنوخي، وكان قوم قد هَجَوْه، وعزوا الهجاء إلى أبي الطيب فكتب إليه يعاتبه، فكتب أبو الطيب إليه:

أَتُنْكِرُ يَا ابْنَ إِسْحَاقٍ إِخَائِي

وَتَحْسَبُ مَاءَ غَيْرِي مِنْ إِنَائِي٢٧

أَأَنْطِقُ فِيكَ هُجْرًا بَعْدَ عِلْمِي

بِأَنَّكَ خَيْرُ مَنْ تَحْتَ السَّمَاءِ٢٨

وَأَكْرَهُ مِنْ ذُبَابِ السَّيْفِ طَعْمًا

وَأَمْضَى فِي الْأُمُورِ مِنَ الْقَضَاءِ٢٩

وَمَا أَرْبَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ سِنِّي

فَكَيْفَ مَلِلْتُ مِنْ طُولِ الْبَقَاءِ٣٠

وَمَا اسْتَغْرَقْتُ وَصْفَكَ فِي مَدِيحِي

فَأَنْقُصَ مِنْهُ شَيْئًا بِالْهِجَاءِ٣١

وَهَبْنِي قُلْتُ هَذَا الصُّبْحُ لَيْلٌ

أَيَعْمَى الْعَالِمُونَ عَنِ الضِّيَاءِ٣٢

تُطِيعُ الْحَاسِدِينَ وَأَنْتَ مَرْءٌ

جُعِلْتُ فِدَاءَهُ وَهُمُ فِدَائِي٣٣

وَهَاجِي نَفْسِهِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ

كَلَامِي مِنْ كَلَامِهِمِ الْهُرَاءِ٣٤

وَإِنَّ مِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ تَرَانِي

فَتَعْدِلَ بِي أَقَلَّ مِنَ الْهَبَاءِ٣٥

وَتُنْكِرَ مَوْتَهُمُ وَأَنَا سُهَيْلٌ

طَلَعْتُ بِمَوْتِ أَوْلَادِ الزِّنَاءِ٣٦

وقال يمدح أبا علي هارون بن عبد العزيز الأوراجي الكاتب، وكان يذهب إلى التصوف٣٧.

أَمِنَ ازْدِيَاركِ فِي الدُّجَى الرُّقَبَاءُ

إِذْ حَيْثُ أَنْتِ مِنَ الظَّلَامِ ضِيَاءُ٣٨

قَلَقُ الْمَلِيحَةِ وَهْيِ مِسْكٌ هَتْكُهَا

وَمَسِيرُهَا فِي اللَّيْلِ وَهْيَ ذُكَاءُ٣٩

أَسَفِي عَلَى أَسَفِي الَّذِي دَلَّهْتِنِي

عَنْ عِلْمِهِ فَبِهِ عَلَيَّ خَفَاءُ٤٠

وَشَكِيَّتِي فَقْدُ السَّقَامِ لِأَنَّهُ

قَدْ كَانَ لَمَّا كَانَ لِي أَعْضَاءُ٤١

مَثَّلْتِ عَيْنَكِ فِي حَشَايَ جِرَاحَةً

فَتَشَابَهَا كِلْتَاهُمَا نَجْلَاءُ٤٢

نَفَذَتْ عَلَيَّ السَّابِرِيَّ وَرُبَّمَا

تَنْدَقُّ فِيهِ الصَّعْدَةُ السَّمْرَاءُ٤٣

أَنَا صَخْرَةُ الْوَادِي إذِاَ مَا زُوحِمَتْ

وَإِذَا نَطَقْتُ فَإِنَّنِي الْجَوْزَاءُ٤٤

وَإِذَا خَفِيتُ عَلَى الْغَبِيِّ فَعَاذِرٌ

أَنْ لَا تَرَانِي مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ٤٥

شِيَمُ اللَّيَالِي أَنْ تُشَكِّكَ نَاقَتِي

صَدْرِي بِهَا أَفْضَى أَمِ الْبَيْدَاءُ٤٦

فَتَبِيتُ تُسْئِدُ مُسْئِدًا فِي نَيِّهَا

إِسْآدَهَا فِي الْمَهْمَهِ الْإِنضَاءُ٤٧

أَنْسَاعُهَا مَمْغُوطَةٌ وَخِفَافُهَا

مَنْكُوحَةٌ وَطَرِيقُهَا عَذْرَاءُ٤٨

يَتَلَوَّنُ الْخِرِّيتُ مِنْ خَوْفِ التَّوَى

فِيهَا كَمَا يَتَلَوَّنُ الْحِرْبَاءُ٤٩

بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ مِثْلُهُ

شُمُّ الْجِبَالِ وَمِثْلُهُنَّ رَجَاءُ٥٠

وَعِقَابُ لُبْنَانٍ وَكَيْفَ بِقَطْعِهَا

وَهْوَ الشِّتَاءُ وَصَيْفُهُنَّ شِتَاءُ٥١

لَبَسَ الثُّلُوجُ بِهَا عَلَيَّ مَسَالِكِي

فَكَأَنَّهَا بِبَيَاضِهَا سَوْدَاءُ٥٢

وَكَذَا الْكَرِيمُ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ

سَالَ النُّضَارُ بِهَا وَقَامَ الْمَاءُ٥٣

جَمَدَ الْقِطَارُ وَلَوْ رَأَتْهُ كَمَا تَرَى

بُهِتَتْ فَلَمْ تَتَبَجَّسِ الْأَنْوَاءُ٥٤

فِي خَطِّهِ مِنْ كُلِّ قَلْبٍ شَهْوَةٌ

حَتَّى كَأَنَّ مِدَادَهُ الْأَهْوَاءُ٥٥

وَلِكُلِّ عَيْنٍ قُرَّةٌ فِي قُرْبِه

حَتَّى كَأَنَّ مَغِيبَهُ الْأَقْذَاءُ٥٦

مَنْ يَهْتَدِي فِي الْفِعْلِ مَا لَا تَهْتَدِي

فِي الْقَوْلِ حَتَّى يَفْعَلَ الشُّعَرَاءُ٥٧

فِي كُلِّ يَوْمٍ لِلْقَوَافِي جَوْلَةٌ

فِي قَلْبِهِ وَلِأُذْنِهِ إِصْغَاءُ٥٨

وَإِغَارَةٌ فِيمَا احْتَوَاهُ كَأَنَّمَا

فِي كُلِّ بَيْتٍ فَيْلَقٌ شَهْبَاءُ٥٩

مَنْ يَظْلِمِ اللُّؤَمَاءَ فِي تَكْلِيفِهِمْ

أَنْ يُصْبِحُوا وَهُمُ لَهُ أَكْفَاءُ٦٠

وَنَذِيمُهُمْ وَبِهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ

وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ٦١

مَنْ نَفْعُهُ فِي أَنْ يُهَاجَ وَضَرُّهُ

فِي تَرْكِهِ لَوْ تَفْطَنُ الْأَعْدَاءُ٦٢

فَالسَّلْمُ يَكْسِرُ مِنْ جَنَاحَيْ مَالِهِ

بِنَوَالِهِ مَا تَجْبُرُ الْهَيْجَاءُ٦٣

يُعْطِي فَتُعْطَى مِنْ لُهَى يَدِهِ اللُّهَى

وَتُرَى بِرُؤْيَةِ رَأْيِهِ الآرَاءُ٦٤

مُتَفَرِّقُ الطَّعْمَيْنِ مُجْتَمِعُ الْقُوَى

فَكَأَنَّهُ السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ٦٥

وَكَأَنَّهُ مَا لَا تَشَاءُ عدَاتُهُ

مُتَمَثِّلًا لِوُفُودِهِ مَا شَاءُوا٦٦

يَا أَيُّهَا الْمُجْدَى عَلَيْهِ رُوحُهُ

إِذْ لَيْسَ يَأْتِيهِ لَهَا اسْتِجْدَاءُ٦٧

احْمَدْ عُفَاتَكَ لَا فُجِعْتَ بِفَقْدِهِمْ

فَلَتَرْكُ مَا لَمْ يَأْخُذُوا إِعْطَاءُ٦٨

لَا تَكْثُرُ الْأَمْوَاتُ كَثْرَةَ قِلَّةٍ

إِلَّا إِذَا شَقِيَتْ بِكَ الْأَحْيَاءُ٦٩

وَالْقَلْبُ لَا يَنْشَقُّ عَمَّا تَحْتَهُ

حَتَّى تَحُلَّ بِهِ لَكَ الشَّحْنَاءُ٧٠

لَمْ تُسْمَ يَا هَارُونُ إِلَّا بَعْدَمَا اقـْ

ـتَرَعَتْ وَنَازَعَتِ اسْمَكَ الْأَسْمَاءُ٧١

فَغَدَوْتَ وَاسْمُكَ فِيكَ غَيْرُ مُشَارَكٍ

وَالنَّاسُ فِيمَا فِي يَدَيْكَ سَوَاءُ٧٢

لَعَمَمْتَ حَتَّى الْمُدْنُ مِنْكَ مِلَاءُ

وَلَفُتَّ حَتَّى ذَا الثَّنَاءُ لَفَاءُ٧٣

وَلَجُدْتَ حَتَّى كِدْتَ تَبْخَلُ حَائِلًا

لِلْمُنْتَهَى وَمِنَ السُّرُورِ بُكَاءُ٧٤

أَبَدَأْتَ شَيْئًا مِنْكَ يُعْرَفُ بَدْؤُهُ

وَأَعَدْتَ حَتَّى أُنْكِرَ الْإِبْدَاءُ٧٥

فَالْفَخْرُ عَنْ تَقْصِيرِهِ بِكَ نَاكِبٌ

وَالْمَجْدُ مِنْ أَنْ تُسْتَزَادُ بَرَاءُ٧٦

فَإِذَا سُئِلْتَ فَلَا لِأَنَّكَ مُحْوَجٌ

وَإِذَا كُتِمْتَ وَشَتْ بِكَ الْآلَاءُ٧٧

وَإِذَا مُدِحْتَ فَلَا لِتَكْسِبَ رِفْعَةً

لِلشَّاكِرِينَ عَلَى الْإِلَهِ ثَنَاءُ٧٨

وَإِذَا مُطِرْتَ فَلَا لِأَنَّكَ مُجْدِبٌ

يُسْقَى الْخَصِيبُ وَتُمْطَرُ الدَّأْمَاءُ٧٩

لَمْ تَحْكِ نَائِلَكَ السَّحَابُ وَإِنَّمَا

حُمَّتْ بِهِ فَصَبِيبُهَا الرُّحَضَاءُ٨٠

لَمْ تَلْقَ هَذَا الْوَجْهَ شَمْسُ نَهَارِنَا

إِلَّا بِوَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ حَيَاءُ٨١

فَبِأَيِّمَا قَدَمٍ سَعَيْتَ إِلَى الْعُلَا

أُدُمُ الْهِلَالِ لِأَخْمَصَيْكَ حِذَاءُ٨٢

وَلَكَ الزَّمَانُ مِنَ الزَّمَانِ وِقَايَةٌ

وَلَكَ الْحِمَامُ مِنَ الْحِمَامِ فِدَاءُ٨٣

لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَا الْوَرَى اللَّذْ مِنْكَ هُو

عَقِمَتْ بِمَوْلِدِ نَسْلِهَا حَوَّاءُ٨٤

وغنى المغني في دار الأمير أبي محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج فأحسن فقال:

مَاذَا يَقُولُ الَّذِي يُغَنِّي

يَا خَيْرَ مَنْ تَحْتَ ذِي السَّمَاءِ٨٥

شَغَلْتَ قَلْبِي بِلَحْظِ عَيْنِي

إِلَيْكَ عَنْ حُسْنِ ذَا الْغِنَاءِ٨٦

وبنى كافور دارًا بإزاء الجامع الأعلى على البركة، وطالب أبا الطيب بذكرها فقال:

إِنَّمَا التَّهْنِئَاتُ لِلْأَكْفَاءِ

وَلِمَنْ يَدَّنِي مِنَ الْبُعَدَاءِ٨٧

وَأَنا مِنْكَ لَا يُهَنِّئُ عُضْوٌ

بِالْمَسَرَّاتِ سِائِرَ الْأَعْضَاءِ٨٨

مُسْتَقِلٌّ لَكَ الدِّيَارُ وَلَوْ كَا

نَ نُجُومًا آجُرُّ هَذَا الْبِنَاءِ٨٩

وَلَوَ انَّ الَّذِي يَخِرُّ مِنَ الْأَمـْ

ـوَاهِ فِيهَا مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءِ٩٠

أَنْتَ أَعْلَى مَحَلَّةً أَنْ تُهَنَّى

بِمَكَانٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ٩١

وَلَكَ النَّاسُ وَالْبِلَادُ وَمَا يَسـْ

ـرَحُ بَيْنَ الْغَبْرَاءِ وَالْخَضْرَاءِ٩٢

وَبَسَاتِينُكَ الْجِيَادُ وَمَا تَحـْ

ـمِلُ مِنْ سَمْهَرِيَّةٍ سَمْرَاءِ٩٣

إِنَّمَا يَفْخَرُ الْكَرِيمُ أَبُو الْمِسـْ

ـكِ بِمَا يَبْتَنِي مِنَ الْعَلْيَاءِ٩٤

وَبِأَيَّامِهِ الَّتِي انْسَلَخَتْ عَنـْ

ـهُ وَمَا دَارُهُ سِوَى الْهَيْجَاءِ٩٥

وَبِمَا أَثَّرَتْ صَوَارِمُهُ الْبِيـ

ـضُ لَهُ فِي جَمَاجِمِ الْأَعْدَاءِ٩٦

وَبِمِسْكٍ يُكْنَى بِهِ لَيْسَ بِالْمِسـْ

ـكِ وَلَكِنَّهُ أَرِيجُ الثَّنَاءِ٩٧

لَا بِمَا يَبْتَنِي الْحَوَاضِرُ فِي الرِّيـ

ـفِ وَمَا يَطَّبِي قُلُوبَ النِّسَاءِ٩٨

نَزَلَتْ إِذْ نَزَلْتَهَا الدَّارُ فِي أَحـْ

ـسَنَ مِنْهَا مِنَ السَّنَا وَالسَّنَاءِ٩٩

حَلَّ فِي مَنْبِتِ الرَّيَاحِينِ مِنْهَا

مَنْبِتُ الْمَكْرُمَاتِ وَالْآلَاءِ١٠٠

تَفْضَحُ الشَّمْسَ كُلَّمَا ذَرَّتِ الشَّمـْ

ـسُ بِشَمْسٍ مُنِيرَةٍ سَوْدَاءِ١٠١

إِنَّ فِي ثَوبِكَ الَّذِي الْمَجْدُ فِيهِ

لَضِيَاءً يُزْرِي بِكُلِّ ضِيَاءِ١٠٢

إِنَّمَا الْجِلْدُ مَلْبَسٌ وَابْيِضَاضُ النـْ

ـنَفْسِ خَيْرٌ مِنَ ابْيِضَاضِ الْقَبَاءِ١٠٣

كَرَمٌ فِي شَجَاعَةٍ وَذَكَاءٌ

فِي بَهَاءٍ وَقُدْرَةٌ فِي وَفَاءِ١٠٤

مَنْ لِبِيضِ الْمُلُوكِ أَنْ تُبْدِلَ اللَّوْ

نَ بِلَوْنِ الْأُسْتَاذِ وَالسَّحْنَاءِ١٠٥

فَتَرَاهَا بَنُو الْحُرُوبِ بِأَعْيَا

نٍ تَرَاهُ بِهَا غَدَاةَ اللِّقَاءِ١٠٦

يَا رَجَاءَ الْعُيُونِ فِي كُلِّ أَرْضٍ

لَمْ يَكُنْ غَيْرَ أَنْ أَرَاكَ رَجَائِي

وَلَقَدْ أَفْنَتِ الْمَفَاوِزُ خَيْلِي

قَبْلَ أَنْ نَلْتَقِي وَزَادِي وَمَائِي١٠٧

فَارْمِ بِي مَا أَرَدْتَ مِنِّي فَإِنِّي

أَسَدُ الْقَلْبِ آدَمِيُّ الرُّوَاءِ١٠٨

وَفُؤَادِي مِنَ الْمُلُوكِ وَإِنْ كَا

نَ لِسَانِي يُرَى مِنَ الشُّعَرَاءِ١٠٩

وقال يذكر خروجه من مصر وما لقي في طريقه، ويهجو كافورًا:

أَلَا كُلُّ مَاشِيَةِ الْخَيْزَلَى

فِدَا كُلِّ مَاشِيَةِ الْهَيْذَبَى١١٠

وَكُلُّ نَجَاةٍ بِجَاوِيَّةٍ

خَنُوفٍ وَمَا بِي حُسْنُ الْمِشَى١١١

وَلَكِنَّهُنَّ حِبَالُ الْحَيَاةِ

وَكَيْدُ الْعُدَاةِ وَمَيْطُ الْأَذَى١١٢

ضَرَبْتُ بِهَا التِّيهَ ضَرْبَ الْقِمَا

رِ إِمَّا لِهَذَا وَإِمَّا لِذَا١١٣

إِذَا فَزِعَتْ قَدَّمَتْهَا الْجِيَادُ

وَبِيضُ السُّيُوفِ وَسُمْرُ الْقَنَا١١٤

فَمَرَّتْ بِنَخْلٍ وَفِي رَكْبِهَا

عَنِ الْعَالَمِينَ وَعَنْهُ غِنَى١١٥

وَأَمْسَتْ تُخَيِّرُنَا بِالنِّقَا

بِ وَادِي الْمِيَاهِ وَوَادِي الْقُرَى١١٦

وَقُلْنَا لَهَا أَيْنَ أَرْضُ الْعِرَاقِ

فَقَالَتْ وَنَحْنُ بِتُرْبَانَ هَا١١٧

وَهَبَّتْ بِحِسْمَى هُبُوبَ الدَّبُو

رِ مُسْتَقْبِلَاتٍ مَهَبَّ الصَّبَا١١٨

رَوَامِي الْكِفَافِ وَكِبْدِ الْوِهَادِ

وَجَارِ الْبُوَيْرَةِ وَادِي الْغَضَى١١٩

وَجَابَتْ بُسَيْطَةَ جَوْبَ الرِّدَا

ءِ بَيْنَ النَّعَامِ وَبَيْنَ الْمَهَا١٢٠

إِلَى عُقْدَةِ الْجَوْفِ حَتَّى شَفَتْ

بِمَاءِ الْجَرَاوِيِّ بَعْضَ الصَّدَى١٢١

وَلَاحَ لَهَا صَوَرٌ وَالصَّبَاحَ

وَلَاحَ الشَّغُورُ لَهَا وَالضُّحَى١٢٢

وَمَسَّى الْجُمَيْعِيَّ دِئْدَاؤُهَا

وَغَادَى الْأَضَارِعَ ثُمَّ الدَّنَا١٢٣

فَيَا لَكَ لَيْلًا عَلَى أَعْكُشٍ

أَحَمَّ الْبِلَادِ خَفِيَّ الصُّوَى١٢٤

وَرَدْنَا الرُّهَيْمَةَ فِي جَوْزِهِ

وَبَاقِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا مَضَى١٢٥

فَلَمَّا أَنَخْنَا رَكَزْنَا الرِّمَا

حَ فَوْقَ مَكَارِمِنَا وَالْعُلَا١٢٦

وَبِتْنَا نُقَبِّلُ أَسْيَافَنَا

وَنَمْسَحُهَا مِنْ دِمَاءِ الْعِدَا١٢٧

لِتَعْلَمَ مِصْرُ وَمَنْ بِالْعِرَاقِ

وَمَنْ بِالْعَوَاصِمِ أَنِّي الْفَتَى١٢٨

وَأَنِّي وَفَيْتُ وَأَنِّي أَبَيْتُ

وَأَنِّي عَتَوْتُ عَلَى مَنْ عَتَا١٢٩

وَمَا كُلُّ مَنْ قَالَ قَوْلًا وَفَى

وَلَا كُلُّ مَنْ سِيمَ خَسْفًا أَبَى١٣٠

وَلَا بُدَّ لِلْقَلْبِ مِنْ آلَةٍ

وَرَأْيٍ يُصَدِّعُ صُمَّ الصَّفَا١٣١

وَمَنْ يَكُ قَلْبٌ كَقَلْبِي لَهُ

يَشُقُّ إِلَى الْعِزِّ قَلْبَ التَّوَى١٣٢

وَكُلُّ طَرِيقٍ أَتَاهُ الْفَتَى

عَلَى قَدَرِ الرِّجْلِ فِيهِ الْخُطَا١٣٣

وَنَامَ الْخُوَيْدِمُ عَنْ لَيْلِنَا

وَقَدْ نَامَ قَبْلُ عَمًى لَا كَرَى١٣٤

وَكَان عَلَى قُرْبِنَا بَيْنَنَا

مَهَامِهُ مِنْ جَهْلِهِ وَالْعَمَى١٣٥

لَقَدْ كُنْتُ أَحْسِبُ قَبْلَ الْخَصِيـْ

ـيِ أَنَّ الرُّءُوسَ مَقَرُّ النُّهَى١٣٦

فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَى عَقْلِهِ

رَأَيْتُ النُّهَى كُلَّهَا فِي الْخُصَى١٣٧

وَمَاذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ

وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالْبُكَا١٣٨

بِهَا نَبَطِيٌّ مِنَ اهْلِ السَّوَادِ

يُدَرِّسُ أَنْسَابَ أَهْلِ الْفَلَا١٣٩

وَأَسْوَدُ مِشْفَرُهُ نِصْفُهُ

يُقَالُ لَهُ أَنْتَ بَدْرُ الدُّجَى١٤٠

وَشِعْرٍ مَدَحْتُ بِهِ الْكَرْكَدَنَّ

بَيْنَ الْقَرِيضِ وَبَيْنَ الرُّقَى١٤١

فَمَا كَانَ ذَلِكَ مَدْحًا لَهُ

وَلَكِنَّهُ كَانَ هَجْوَ الْوَرَى١٤٢

وَقَدْ ضَلَّ قَوْمٌ بِأَصْنَامِهِمْ

فَأَمَّا بِزِقِّ رِيَاحٍ فَلَا١٤٣

وَتِلْكَ صُمُوتٌ وَذَا نَاطِقٌ

إِذَا حَرَّكُوهُ فَسَا أَوْ هَذَى١٤٤

وَمَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ قَدْرَهُ

رَأَى غَيْرُهُ مِنْهُ مَا لَا يَرَى١٤٥

وعاب قوم عليه علوَّ الخيام، فقال١٤٦:

لَقَدْ نَسَبُوا الْخِيَامَ إِلَى عَلَاءِ

أَبَيْتُ قَبُولَهُ كُلَّ الْإِبَاءِ١٤٧

وَمَا سَلَّمْتُ فَوْقَك لِلثُّرَيَّا

وَلَا سَلَّمْتُ فَوْقَكَ لِلسَّمَاءِ١٤٨

وَقَدْ أَوْحَشْتَ أَرْضَ الشَّامِ حَتَّى

سَلَبْتَ رُبُوعَهَا ثَوْبَ الْبَهَاءِ١٤٩

تَنَفَّسُ وَالْعَوَاصِمُ مِنْكَ عَشْرٌ

فَتَعْرِفُ طِيبَ ذَلِكَ فِي الْهَوَاءِ١٥٠

وقال يهجو السامري١٥١:

أَسَامِرِيُّ ضُحْكَةَ كُلِّ رَاءِ

فَطِنْتَ وَأَنْتَ أَغْبَى الْأَغْبِيَاءِ١٥٢

صَغُرْتَ عَنِ الْمَدِيحِ فَقُلْتَ أُهْجَى

كَأَنَّكَ مَا صَغُرْتَ عَنِ الْهِجَاءِ١٥٣

وَمَا فَكَّرْتُ قَبْلَكَ فِي مُحَالِ

وَلَا جَرَّبْتُ سَيْفِي فِي هَبَاءِ١٥٤

هوامش

(١) وهذه هي أبيات أبي ذر المذكور، وكان شيخ سيف الدولة:

يَا لَائِمِي كُفَّ الْمَلَامَ عَنِ الَّذِي

أَضْنَاهُ طُولُ سِقَامِهِ وَشَقَائِهِ

إِنْ كُنْتَ نَاصِحَهُ فَدَاوِ سِقَامَهُ

وَأَعِنْهُ مُلْتَمِسًا لِأَمْرِ شِفَائِهِ

حَتَّى يُقَالَ بِأَنَّكَ الْخِلُّ الَّذِي

يُرْجَى لِشِدَّةِ دَهْرِهِ وَرَخَائِهِ

أَوْ لَا، فَدَعْهُ فَمَا بِهِ يَكْفِيكَ مِنْ

طُولِ الْمَلَامِ فَلَسْتَ مِنْ نُصَحَائِهِ

نَفْسِي الْفِدَاءُ لِمَنْ عَصَيْتُ عَوَاذِلِي

فِي حُبِّهِ لَمْ أَخْشَ مِنْ رُقَبَائِهِ

الشَّمْسُ تَطْلُعُ مِنْ أَسِرَّةِ وَجْهِهِ

وَالْبَدْرُ يَطْلُعُ مِنْ خِلَالِ قَبَائِهِ

(٢) الضمير في مائه يعود على الجفن، وضمير جفنه يعود إلى القلب، وإضافة الجفن إلى القلب؛ لأنه أمير الأعضاء المهيمن عليها جميعًا، والمراد بمائه دموعه يقول: القلب أدرى منك أيها اللائم بدائه، وما أدركه من برح الهوى، فهو يلتمس شفاءه في البكاء، ويأمر الجفن به. وَإِنَّ شِفَائي عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ. والقلب حقيق بأن يطاع؛ لأن له السلطان الأكبر، وأنت أيها العذول خليق بأن تعصى، ولا اكتراث لنهيك.

(٣) الفاء للعطف والواو للقسم، يقول: بحق من أحبه، وبحق حسنه، ونور وجهه لا أطعتك أيها اللائم فيه.

(٤) الاستفهام في أأحبه إنكاري. يقول: لا أجمع بين حبه وبين النهي عن حبه؛ لأن الملامة معناها النهي عن حبه، وقد ناقض بذلك قول أبي الشيص:

أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكِ لَذِيذَةً

حُبًّا لِذِكْركِ فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ

وقال الواحدي: معنى قوله: إن الملامة فيه من أعدائه، أن صاحب الملامة أي اللائم هو من أعداء هذا الحبيب حين ينهى عن حبه، ومن أحب حبيبًا عادى عدوه، وهذا تكلف لا موجب له. فالمتنبي يقول: إن اللوم من أعداء حبيه، فلا يجمع بينه وبين حبه إياه؛ أي إنه لا يصغي للوم اللوام ولا يقبله.

(٥) وقولهم عطف على اللحاة، والوشاة جمع واشٍ، وهو النمام؛ لأنه يشي الكذب أي يزخرفه وينمقه من وشي الثوب، واللحاة جمع لاحٍ وهو العاذل أي اللائم. يقول: ليس هناك إلا واشٍ أو لاحٍ، فاللحاة يقولون دع هذا الحب الذي لا تطيق كتمانه، والوشاة يتعجبون من قولهم هذا قائلين إذا لم يطق كتمانه كان عن تركه أعجز. يعني: إنني وإن كنت ضعفت عن إخفاء هذا الحب بيد أنني لا أتركه.

(٦) الخل والخليل: الصديق، والطرف: العين، وسوى إذا قصرته كسرته وإذا مددته فتحته. يقول: ليس الصديق إلا من لا فرق بيني وبينه فإذا وددت فكأني أود بقلبه، وإذا نظرت فكأني أنظر بعينه، والمعنى صديقك من وافقك في كل شيء فيود ما وددت ويرى ما ترى، أو تقول: ما خليلي إلا الذي يبلغ الغاية من المودة فكأنه يود بقلبي، وقال بعضهم: المعنى: ليس لك خليل إلا نفسك، وهو كقوله:

خَلِيلُكَ أَنْتَ لَا مَنْ قُلْتَ خِلِّي

وَإِنْ كَثُرَ التَّجَمُّلُ وَالْكَلَامُ

(٧) الصبابة رقة الشوق، والأسى الحزن، والإخاء الأخوة، وربها أي صاحبها والضمير للصبابة. يقول: إن العاذل أراد أن يعينه على الصبابة، ويخلصه منها مستعينًا على ذلك باللوم والزجر فأحزنه بذكر ما يسوءه وكان أجدر في إعانته بأن يرحمه ويرثي لحاله ويؤاخيه في بلواه، أو تقول: إن الذي يعين على صاحب الصبابة بإيراد الحزن عليه بلومه إياه أولى بأن يرحمه فيشفق عليه ويؤاخيه، ويحتال في طلب الخلاص له من ورطة الهوى، وهذا في عراض قول أبي ذر المتقدم.

إِنْ كُنْتَ نَاصِحَهُ فَدَاوِ سِقَامَهُ

وجعل إيراده الحزن عليه عونًا على معنى أنه لا معونة عنده إلا هذا كقولهم: عتابك السيف، وحديثك الضرب، وقال الواحدي: يجوز أن يكون معنى قوله على الصبابة مع ما أنا فيه من الصبابة كقول الأعشى يمدح رجلًا:

تَضَيَّفْتُهُ يَوْمًا فَقَرَّبَ مَقْعَدِي

وَأَصْفَدَنِي عَلَى الزَّمانَةِ قَائِدَا

(الزمانة: العاهة.) أي أعطاني مع ما كنت أقاسيه من الزمانة قائدًا يقودني.

(٨) يقول: دع اللوم أيها اللائم فإني سقيم، واللوم يزيدني سقمًا على سقم، وترفق في لومك فإن السمع — والمراد الأذن — من أعضائي فلا تسمعها ما يزيدها سقمًا.

(٩) هب أي احسب، والكرى النعاس، والسهاد الأرق. قال ابن جني. المعنى اجعل ملامتك إياه في التذاذكها كالنوم في لذاذته فاطردها عنه بما عنده من الأرق والبكاء أي لا تجمع عليه اللوم والسهاد والبكاء أي فكما أن السهاد والبكاء قد أزالا نومه فلتزل ملامتك إياه، وقال الواحدي تعقيبًا على ما ذهب إليه ابن جني: هذا كلام من لم يفهم المعنى إذ ظن زوال الكرى من العاشق، وليس على ما ظن، ولكنه يقول للعاذل هبك تستلذ الملامة كاستلذاذك النوم وهو مطرود عنك بسهاد العاشق وبكائه فكذلك دع الملام فإنه ليس بألذ من النوم؛ أي فإن جاز ألا تنام جاز ألا تعذل «وأما بعد» ففي الحق أن البيت من مشكلات الأبيات، ومن ثم اضطربت فيه كلمة الشراح. قال بعض المحققين: وذلك أن تفسير ابن جني قوله مطرودة بقوله فاطردها لا يستقيم، وشتان بين الأمر والوصف، ولا يقال: إنه تناول معنى الأمر من قوله هب على تقدير هبها مطرودة؛ لأن هب على تفسيره قد استوفى مفعوليه من صدر البيت فلم يبقَ له دخل فيما يليه، وبقى قوله مطرودة حالًا عن الملامة، وإن شئت جعلته خبرًا عن ضميرها محذوفًا أي وهي مطرودة، وعلى كليهما يكون في معنى شبه جملة أو جزء جملة خبرية لا في معنى جملة طلبية، وقول الواحدي وهو مطرود أي النوم مقتضاه جعل مطرودة حالًا عن الكرى، والكرى مذكر لأنه مصدر كرى، ولفظ مطرودة مؤنث فلا يصح كونها حالًا عنه. على أن جعل ملام العاذل في قول ابن جني أو نومه في قول الواحدي مطرودًا بسهاد العاشق وبكائه مما يشكل وجهه، وما أرى المتنبي إلا أنه قد غلط في هذا البيت بأن سبق وهمه إلى أن الكرى يؤنث على حد الهدى مثلًا، أو أراد أن يقول مطرودًا فسبق خاطره إلى التأنيث باستدراج الوزن؛ لأن المقام يقتضي أن يكون قوله مطرودة جاريًا على الكرى كما هو تفسير الواحدي، ويكون المعنى على نحو ما قال ابن جني أي احسب ملامتك لذيذة عند العاشق كمنامه، والمنام مطرود عنه بالسهاد والبكاء؛ أي فلتكن ملامتك كذلك.

(١٠) لا: ناهية، ويروى لا تعذر فتكون نافية. يقول: لا تلم العاشق حتى تحب مثل ما يحب، وهذا من قول البحتري:

إِذَا شِئْتَ أَنْ لَا تَعْذُلَ الدَّهْرَ عَاشِقًا

عَلَى كَمَدٍ مِنْ لَوْعَةِ الْبَيْنِ فَاعْشَقِ

(١١) مضرجًا في الموضعين نصب على الحال، والمضرج الملطخ بالدم من ضرجت الثوب إذا صبغته بالحمرة. جعل دموع العاشق كالدماء، والعاشق كالمقتول تهويلًا لأمر الهوى يقول: إن القتل إنما هو باستنزاف الدم، فمن استنزف دمه من طريق الدمع كمن استنزف دمه من طريق الجراحات.

(١٢) المبتلى العاشق الذي امتحن بالحب، والحوباء النفس، والواو في قوله وينال واو الحال. يقول: إن العشق حلو القرب كقرب المعشوق وإن كان ينال من نفس العاشق أي يتلفها؛ أي إن العشق قاتل وهو مع ذلك مستعذب.

(١٣) الدنف ذو الدنف أي المرض الملازم، وأغرته أي بعثته على الغيرة، وقوله بفدائه أي بفدائك إياه فأضاف المصدر إلى المفعول. يقول: لو قلت للدنف ليت ما بك من برح الهوى بي؛ لغار من ذلك ضنًّا بمحبوبه، وخشية أن يحل أحد محله برغم ما يلاقيه.

(١٤) وقى أي وقاه الله، والبأس الشجاعة، والسخاء البذل. يدعو له بالسلامة من الهوى؛ لأنه ليس مما يزال بالشجاعة والبذل، والأمير وإن كان من الشجاعة والجود بحيث يدفع كل أمر شديد بيد أن الهوى ألطف من ذلك.

(١٥) يستأسر أي الهوى يجعله في الأسر، والبطل: الشجاع، والكمي لابس السلاح، والعزاء التجلد، يقول: إن الهوى يأسر البطل الشجاع المستلئم سلاحه بمجرد نظرة فيملك عليه أمره، ويعصف بصبره وجلده على الرغم من بطولته فلا يترك بين فؤاده والعزاء سبيلًا، وهذا ينظر إلى قول جرير.

يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لَا حَرَاكَ بِهِ

وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللهِ أَرْكَانَا

(١٦) النوائب الشدائد، وسامعها سيف الدولة، والأكفاء جمع كفء وهو القرن والنظير. يقول: إني دعوتك لدفع الشدائد عني، ولست بهذه الدعوة أدعوك إلى نظرائك لجلادها؛ لأنك فوق الشدائد وأشد بطشًا منها.

(١٧) المتصلصل الذي له صلصلة وحفيف من وقع الحديد، وقد طابق بين فوق وتحت وأمام ووراء يقول: دعوتك لدفع نوب الزمان عني فأحطت به دوني، وحلت بينه وبين الوصول إلي وحميتني بذلك منه، وهذا قريب من قول أبي نواس:

تَغَطَّيْتُ مِنْ دَهْرِي بِظِلِّ جَنَاحِهِ

فَعَيْنِي تَرَى دَهْرِي وَلَيْسَ يَرَانِي

(١٨) ضمير تكون للسيوف أي بأن تكون السيوف سميها؛ أي مثل سميها، وتقول: من له بكذا أي من يتكفل له به أو من يضمنه له ونحو ذلك، وفرند السيف جوهره ووشيه، وهو ما يرى فيه شبه مدب النمل أو شبه الغبار، استعاره هنا للممدوح وهو سيف الدولة، والمراد مكارمه ومحاسنه والأصل النجار والحسب والوفاء معروف. يقول: من يكفل للسيوف التي شاركت سيف الدولة في التسمية بأن تكون مثله في أصله ومناقبه وفعاله وفي وفائه، وهذا كقوله:

تَظُنُّ سُيُوف الْهِنْدِ أَصْلكَ أَصْلهَا

(١٩) طبع الحديد فعل ونائب فاعل، واسم كان ضمير يعود إلى الحديد، ومن أجناسه جار ومجرور في موضع نصب خبر كان، وعليٌّ مبتدأ والمطبوع صفة له، ومن آبائه في موضع رفع خبر، والمطبوع المصنوع، وعلي اسم سيف الدولة وهو علي بن أبي الهيجاء بن حمدان التغلبي. يقول: إن السيوف مصنوعة من الحديد فهي تنزع إلى أصلها الذي صنعت منه، أما سيف الدولة الشريف ابن الشريف المعرق له في الكرم فإنه ينزع إلى أصله في المجد والفعال، فهي وإن شاركته في الاسم تخالفه في الأصل، وشتان ما بينهما.

(٢٠) يعني بالتائه نفسه، وعذل العواذل مبتدأ، وحول قلب التائه خبر، والعذل اللوم، والعواذل جمع عاذلة أما العاذل فجمعه عذال وعذل، والتائه المتحير، وسوداء القلب وسويداؤه العلقة السوداء التي في جوفه كأنها فلذة كبد، يقول: إن لوم اللوام حوال قلبي وهوى الأحبة قار في سويدائه، وإذن لا يصل اللوم إلى قلبي، وهذا المعنى ينظر إلى قول بعضهم:

تَغَلْغَل حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ

وَلَا حُزْنٌ وَلَمْ يَبْلُغْ سُرُورُ

وقد روي بدل قلب التائه قلبي التائه على أن التائه صفة لقلبي، وليس هناك؛ لأنه لا يقال تاه قله، وقال قوم: المعنى أن قلبي يتيه على عذلهم، من التيه بمعنى الكبر، قال الواحدي: ليس بمستحسن، هذا وقد قال العكبري: عيب على أبي الطيب قوله التائه والقصيدة مهموزة كلها، واعتذر له قوم بأنه لم يرد التصريع (التصريع تقفية المصراع الأول مأخوذ من مصراع الباب. قال العلماء: المصراعان بابا القصدية بمنزلة المصراعين اللذين هما باب البيت قالوا: وإنما وقع التصريع في الشعر ليدل على أن صاحبه مبتدئ إما قصيدة وإما قصة) لأن الهاء في القافية أصلية، وقد جعل قوم ممن رتبوا الديوان على الحروف هذه القطعة في حرف الهاء؛ لجهلهم القوافي، وقد جعلها ابن جني والخطيب التبريزي في أول حرف الهمزة فاقتدينا بفعلهما، والقوافي خمس يجمعهما سكبرف كل حرف لقافية، وهي متكاوس ومتدارك ومتراكب ومتواتر ومترادف، فالمتكاوس — مأخوذ من تكاوس النبت والشجر التف وتراكب لكثرة الحركات فيه كأنها التفت — أربع حركات بين ساكنين كقوله:

قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرْ

(هو للعجاج، والجبر خلاف الكسر يقال جبر العظم والفقير واليتيم وجبر العظيم بنفسه، وقد جمع العجاج في هذا بين المتعدي واللازم) والمتدارك (قال ابن سيده: والمتدارك من الشعر كل قافية توالى فيها متحركان بين ساكنين، وهي متفاعلن ومستفعلن ومتفاعلن وفعل إذا اعتمد على حرف ساكن نحو فعولن فعل، فاللام في فعل ساكنة، وفل إذا اعتمد على حرف متحرك نحو فعول فل اللام من فل ساكنة، والواو من فعول ساكنة، سمي بذلك؛ لتوالي حركتين فيها، وذلك أن الحركات من آلات الوصل وأماراته فكأن بعض الحركات أدرك بعضها، ولم يعقه عنه اعتراض الساكن بين المتحركين) حركتان بين ساكنيْنِ كما في هذه القصيدة، والمتراكب (المتراكب كل قافية توالت فيها ثلاث أحرف متحركة بين ساكنين، وهي مفاعلتن ومفتعلن وفعلن؛ لأن في فعلن نونًا ساكنة، وآخر الحرف الذي قبل فعلن نون ساكنة، وفعل إذا كان يعتمد على حرف متحرك نحو فعول فعل اللام الآخرة ساكنة، والواو في فعول ساكنة) ثلاث حركات بين ساكنين كقول المتنبي:

بِمَ التَّعَلُّلُ لَا أَهْلٌ وَلَا وَطَنُ

والمتواتر (المتواتر كل قافية فيها حرف متحرك بين حرفين ساكنين نحو مفاعيلن وفاعلاتن وفعلاتن ومفعولن وفعلن وفل إذا اعتمد على حرف ساكن نحو فعولن فل وإياه عنى أبو الأسود بقوله:

وَقَافِيَةٍ حَذَّاءَ سَهْلٌ رَوِيُّهَا

كَسَرْدِ الصَّنَاعِ لَيْسَ فِيهَا تَوَاتُرُ

أي ليس فيها توقف ولا فتور) حركة واحدة بين ساكنين كقوله — أي المتنبي: صِلَةُ الْهَجْرِ لِي وَهَجْرُ الْوِصَالِ
والمترادف (المترادف كل قافية اجتمع في آخرها ساكنان، وهي متفاعلان ومستفعلان ومفاعلان ومفتعلان وفاعلتان وفعلتان وفعليان ومفعولان وفاعلان وفعلان ومفاعل وفعول، سمي بذلك لأن غالب العادة في أواخر الأبيات أن يكون فيها ساكن واحد رويًّا مقيدًا كان أو وصلًا أو خروجًا، فلما اجتمع في هذه القافية ساكنان مترادفان كان أحد الساكنين ردف الآخر ولاحقًا به) اجتماع ساكنين كقوله — أي المتنبي:

لَا تحْسُن الْوَفْرَةُ حَتَّى تُرَى

مَنْشُورَةَ الضفْرَيْنِ يَوْمَ الْقِتَال

أقول: وهذا كله من العكبري؛ لأنه أورد هذه الأبيات قبل الأبيات السالفة ظنًّا منه أنها هي التي قالها المتنبي بادئ ذي بدء حين طلب إليه سيف الدولة إجازة أبيات أبي ذر، ولكن الذي تحقق لدينا هو أن المتنبي قال الأبيات السابقة أولًا، ثم أردفها بهذه الأبيات التالية، وإذن ينهار هذا المأخذ الذي توركه بعضهم على المتنبي، وانهار معه الدفاع عنه.

(٢١) البرحاء: الشدة، وتباريح الشوق: توهجه، وتقول: لقيت منه برحًا بارحًا أي شدة وأذى، ويقال للمحموم الشديد الحمى أصابته البرحاء. يقول: إن اللوم يشكو حرارة قلبي إلى اللوائم كأنه يقول لهن: لا تبعثنني إليه؛ لأني أخشى برحاء قلبه، وإذا لمنني أعرض اللوم عن قلبي خشية أن تلفحه ناره، يعني بذلك أن قلبه لا يقبل اللوم، واللوم لا يطيق أن يصل إلى قلبه؛ لما يضطرم فيه من حرارة الحب. فالضمير في حره وبرحائه للقلب في البيت السابق، وليس يخفى ما في هذا البيت من لطف التخيل وبديع التمثيل.

(٢٢) الباء في بمهجتي للتفدية، والملك يجوز فيه الرفع والنصب؛ إذ لك أن تجعل بمهجتي خبرًا مقدمًا والملك مبتدأ، ولك أن تجعل الملك مفعولًا لفعل محذوف تقديره أفدي، ويريد بالملك سيف الدولة، والمهجة الروح، وأراد بقوله: يا عاذلي يا من يعذلني فليس لك أن تقول كان ينبغي أن يقول يا عاذلتي؛ لأنه قال العواذل في الأول؛ إذ المراد كما قلنا يا من يعذلني، ومن تقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وهذا اقتضاب عدل به عن النسيب إلى المديح. يقول: إني يا لائمي أفدي بنفسي الملك الذي لم أسمع فيه لوم من هو أشد لومًا منك فلم أتركه وآت غيره، وأسخطت لوامي جميعًا في سبيل مرضاته.

(٢٣) الباء في بأرضه بمعنى مع يقول: غير عجيب أن يملك هذا الملك القلوب، ويستولي حبه عليها ما دام قد ملك الزمان بما يحتويه من الكائنات يصرفه على مشيئته، وقال بعضهم: أراد بالسماء الأفلاك التي تنسب إليها السعود والنحوس؛ أي إن ذلك يجري على مقادير مشيئته؛ لأنه يجعل أصحابه في السعود، وأعداءه في النحوس.

(٢٤) والنصر من قرنائه؛ أي إنه أينما توجه فهو منصور والسيف من أسمائه؛ لأنه يعرف بسيف الدولة.

(٢٥) الخلال جمع خلة وهي الخصلة، والإباء أن يأبى الذل ولا يرضاه، والثلاثة الشمس والنصر والسيف، يقول: أين حسن الشمس من حسنه؟ وأين النصر من إبائه؟ أي إنه أشد إباء للذل من النصر؛ لأن النصر حليفه وصاحب النصر يأبى الذل، وأين مضاء السيف من مضائه؟

(٢٦) يقول: لم يأت الزمان بمثله فيما مضى فلما أتى عجزت الدهور عن أن تأتي له بنظير، ولا يروعنك مثل هذه الأبيات فإن الشعر يجب أن يكون أسمى من أن يسف إلى مثل هذا الغلو، والمتنبي كثيرًا ما يلجأ في شعره إلى الإفراط، شأنه في ذلك شأن كثير من الشعراء.

(٢٧) الاستفهام للتعجب، وإسحاق مصروف للضرورة، والإخاء المصادقة، وتحسب تفتح عينه وتكسر؛ أي تظن، والماء والإناء استعارة للقول، والقائل يقول متعجبًا: أتنكر مؤاخاتي إياك وتظن أن ما هجيت به صادر مني؟

(٢٨) الهجر: القبيح من الكلام، ويقال: هجر الرجل إذا هذى، وأصله ما يقوله المحموم إذا نالت منه الحمى؛ يقول: لا أنطق فيك القبيح بعد علمي أنك خير الناس، وهذا مبالغة.

(٢٩) أكره وأمضى معطوفان على خير في البيت السابق، وطعمًا تمييز، وذباب السيف حده. يقول: وأنت أكره طعمًا على العدو من طرف السيف، وأنفذ فيما تريد من الأمور من القضاء، وهذا من مبالغات المتنبي المعروفة.

(٣٠) ما حرف نفي، وأربت زادت، والسن العمر، ومللت سئمت. يقول: وما زادت سني على العشرين فكيف أمل طول البقاء بالتعرض لهجائك؛ إذ إني بتعرضي لهجائك ألقي بنفسي إلى التهلكة.

(٣١) وما عطف على ما قبله، واستغرقت استوفيت، يقول: ولم أستوفِ إلى الآن أوصاف مدحك فكيف أنقصها بهجائك بل أنا باستتمامها أولى مني بالأخذ في الهجاء.

(٣٢) يقول: وقدر أنني هجوتك، وكأنني بذلك كمن يقول هذا النهار ليل فكيف يتأتى هذا وفعالك لا يخفى على أحد كضياء الشمس، وهل يعمى العالمون عن الضياء.

(٣٣) مرء لغة في امرؤ. يقول: تصغى إلى الحساد، وتنزل على تهمتهم إياي بهجائك، وأنت أسمى من أن يهجوه مثلي؛ لأني فداء له لما له من الأيادي، أما هؤلاء الحساد فهم فداء لي؛ لأني أولى بالبقاء منهم وهم ممن لا غناء فيهم، وقد ذهب الشراح أكثرهم إلى أن جملة جعلت فداءه دعائية جعلت وصفًا لمرء وهو نكرة على تقدير محذوف؛ أي مستحق لأن أسأل الله أن يجعلني فداءه على حد قول الراجز:

مَا زِلْتُ أَسْعَى بَيْنَهُمْ وَأَخْتَبِطْ

حَتَّى إِذَا جَاءَ الظَّلَامُ وَاخْتَلَطْ

جَاءُوا بِضَيْحٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِّئْبَ قَطْ

هذا الرجز لم ينسبه أحد من الرواة إلى قائله، وقيل: هو للعجاج، وقد رواه المبرد في «الكامل» على هذا الوجه:

بِتْنَا بِحَسَّانَ وَمِعْزَاهُ تَئِطْ

مَا زِلتُ أَسْعَى بَيْنَهُمْ وَأَخْتَبِطْ

حَتَّى إذَا جَنَّ الظَّلَامُ وَاخْتَلَطْ

جَاءُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِئْبَ قَطْ

وروى بعضهم بعد قوله: بتنا بحسان ومعزاه تئط هذا البيت:

تَلحَسُ أُذْنَيْهِ وِحينًا تَمتخطْ

في سَمَنٍ مِنْهُ كَثِيرٍ وَأقِطْ

وحسان: اسم رجل. والمعزى من الغنم: خلاف الضأن، والضمير فيه لحسان. وتئط: مضارع أط أي صوت جوفه من الجوع، ويقال: امتخط وتمخط أي استنثر. وفي سمن: متعلق بقوله: تتمخط، والسمن بسكون الميم وفتحها هنا للضرورة، والأقط: اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل، والضمير في بينهم لحسان باعتبار حيه وقبيلته، وأسعى بينهم: أي أتردد إليهم، وأختبط: أي أسأل معروفهم من غير وسيلة، وهذا يدل على كمال شحهم حيث كان ضيفًا عندهم لم يشبعوه مع أنه يعرض لمعروفهم. أما ألتبط في الرواية الأخرى فمعناه أعدو، يقال: التبط البعير؛ إذا ضرب بقوائمه الأرض. وقوله: حتى إذا جن الظلام واختلط، غاية لقوله: أسعى وألتبط. يريد ستر الظلام كل شيء. وصفهم بالشح وعدم إكرامهم الضيف، وبالغ في أنهم لم يأتوا بما أتوا به إلا بعد سعي، ومضى جانب من الليل ثم لم يأتوا إلا بلبن أكثره ماء.
أي جاءوا بضيح يقول من رآه: هل رأيت الذئب قط؟
(الضيح: اللبن المخلوط شبه لون الضيح بلون الذئب، والذئب يقال له أبو مذقة؛ لأن لونه يشبه لون المذق وهو الضيح.)

(٣٤) من لم يميز مبتدأ مؤخر، وهاجي نفسه خبر مقدم، والهراء الكلام الساقط الذي لا خير فيه. قال ذو الرمة:

لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الْحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ

رَخِيمُ الْحَوَاشِي لَا هُرَاءٌ وَلَا نَزْرُ

يقول: إن من لم يفرق بين كلامي وبين كلامهم الساقط فإنما يهجو بذلك نفسه، وأنت أفطن من ألا تميز بينهما وإلا كنت قد هجوت نفسك.

(٣٥) أن تراني مُؤَوَّل بمصدر اسم أن، ومن العجائب جار ومجرور خبرها، وتعدل عطف على تراني، وأقل صفة لموصوف محذوف أي شيئًا أقل من الهباء، وعدله به ساواه، وأقل أخس، والهباء ما يرى في شعاع الشمس من دق الغبار، قال الشاعر:

بَرَانِي الْهَوَى بَرْيَ الْمُدَى وَأَذَابَنِي

صُدُودُكَ حَتَّى صِرْتُ أَنْحَلَ مِنْ أَمْسِ

فَلَسْتُ أَرَى حَتَّى أَرَاكَ وَإِنَّمَا

يَبِينُ هَبَاءُ الذَّرِّ فِي أَلقِ الشَّمْسِ

يقول: من العجب أن تراني وتعرفني، ثم تسوي بيني وبين خسيس أدق من الهباء يريد غيره من الشعراء.

(٣٦) سهيل نجم تزعم العرب أنه إذا طلع وقع الوباء في الأرض وكثر الموت، والزنا يمد ويقصر، يقول: ومن العجائب أن تنكر موت حسادي وأنا الطالع عليهم بموتهم كما يطلع سهيل، ومن ثم يموت أولاد الزنا حسدًا لي.

(٣٧) قال بعض أفاضلنا المعاصرين في فصل من كتاب له ما ملخصه: «هذه القصيدة تنبئنا بأن الشاعر قد أقبل يمدح أبا علي الأوراجي من بعيد وقد جاز إليه جبل لبنان … وأكبر الظن أن الأوراجي هذا كان متصلًا بعمل من أعمال ابن رائق قريبًا من بدر بن عمار في طبرية أو بعيدًا عنه بعض الشيء في دمشق. فأقبل المتنبئ من شمال الشام إلى جنوبها بعد أن جلت عنه جنود الإخشيد حتى انتهى إلى صاحبه هذا فمدحه بقصيدتين؛ إحداهما: هذه الهمزية، والأخرى: أرجوزة طردية» انظر الأرجوزة التي يقول في مطلعها:

وَمَنْزِلٍ لَيْسَ لَنَا بِمَنْزِلِ

وَلَا لِغَيْرِ الْغَادِيَاتِ الْهطل

وللهمزية فيما أرى مكانة خاصة من شعر المتنبي فهي القصيدة الوحيدة التي يعمد فيها الشاعر إلى المذهب الرمزي؛ ليرضي ممدوحه الذي كان يذهب مذهب التصوف، وهي من هذه الجهة قيمة؛ لأنها تبين عن علم المتنبي — في الخامسة والعشرين من عمره — بمذاهب المتصوفة في الكلام، ومنهجهم في الرمز والإيماء، ولأنها تظهر لنا الشاعر الفتى وقد ملك ناصية الفن حقًّا، إلى أن قال: ولست أدري أكان الأوراجي هذا قريبًا أم بعيدًا من بدر بن عمار، ولكن المتنبي أقام معه حينًا على كل حال كما تدل على ذلك طرديته، ثم اتصل من طريق الأوراجي هذا فيما أرى ببدر فلا تسل عن فرحته وابتهاج نفسه بالغبطة والرضى. ا.ه ملخصًا.

(٣٨) أمِنَ فعل، والرقباء فاعل، وازديارك مفعول مقدم، وإذ تعليلية، وأنت ضياء مبتدأ وخبر أضيفت حيث الظرفية إلى جملتهما، ومن في من الظلام للبدل، ويروى: إذ حيث كنت … قال الواحدي: فتكون ضياء مبتدأ محذوف الخبر؛ أي ضياء هناك، وكان تامة في معنى حصلت ووقعت فليس لها خبر، وقال آخرون ضياء مبتدأ، وحيث كنت من الظلام خبره، وإذ مضافة إلى هذه الجملة، ومن الظلام حال من حيث تقديره إذ ضياء بمكان كونك وحصولك من الظلام، ويجوز رفع حيث على الابتداء ونقله عن الظرفية … والازديار افتعال من الزيارة، والدجى الظلمة، يقول: إن الرقباء قد أمنوا أن تزوروني ليلًا؛ لأنك إذا زرتني في الظلام أضاء بك وأنار؛ لأنك ضياء يهتك الظلام، وإذ ذاك تفتضحين، وهذا ينظر إلى قول علي بن جبلة العكوك:

بِأَبِي مَنْ زَارَنِي مُكْتَتِمًا

حَذِرًا مِنْ كُلِّ وَاشٍ فَزِعَا

طَارِقًا نَمَّ عَلَيْهِ نُورُهُ

كَيْفَ يُخْفِي اللَّيْلُ بَدْرًا طَلَعَا

رَصَدَ الْخَلْوَةَ حَتَّى أَمْكَنَتْ

وَرَعَى السَّامِرَ حَتَّى هَجَعَا

كَابَدَ الْأَهْوَالَ فِي زَوْرَتِهِ

ثُمَّ مَا سَلَّمَ حَتَّى وَدَّعَا

(٣٩) قلق مبتدأ، وهتكها خبره، ومسيرها عطف على قلق محذوف الخبر للعلم به، والواو في وهي مسك وهي ذكاء للحال، والمراد بقلقها اضطرابها وحركتها، والمسك طيب من دم دابة كالظبي تدعى غزال المسك، وهتكها أي انتهاكها، وذكاء اسم للشمس لا ينصرف. يقول: إن المليحة مسك فإذا تحركت انتهك سترها وافتضح بتضوع رائحتها، وهي شمس فإذا سارت ليلًا رآها الناس، ومثل هذا المعنى كثير في شعر المحدثين قال البحتري:

وَحَاوَلْنَ كِتْمَانَ التَّرَحُّلِ فِي الدُّجَى

فَنَمَّ بِهِنَّ الْمِسْكُ حِينَ تَضَوَّعَا

وقال:

وَكَانَ الْعَبِيرُ بِهَا وَاشِيًا

وَجَرْسُ الْحُلِيِّ عَلَيْهَا رَقِيبَا

وقال أبو المطاع ابن ناصر الدولة:

ثَلَاثَةٌ مَنَعَتْهَا مِنْ زِيَارَتِنَا

وَقَدْ دَجَا اللَّيْلُ خَوْفَ الْكَاشِحِ الْحَنِقِ

ضَوْءُ الْجَبِينِ وَوَسْوَاسُ الْحُلِيِّ وَمَا

يَفُوحُ مِنْ عَرَقٍ كَالْعَنْبَرِ الْعَبِقِ

هَبِ الْجَبِينَ بِفَضْلِ الْكُمِّ تَسْتُرُهُ

وَالْحَلْيَ تَنْزِعُهُ مَا الشَّأْنُ فِي الْعَرَقِ

هذا، وقد قال ابن فوزجه: الهتك مصدر متعد، ولو أتى بمصدر لازم بأن قال انهتاكها؛ لكان أقرب إلى الفهم، ولكنه راعى الوزن. قال: وقوله وهي مسك زيادة على كثير من الشعراء؛ إذ لم يجعل هتكها من قبل الطيب الذي استعملته، بل جعل المسك نفسها فكأنه من قول امرئ القيس:

وَجَدْتُ بِهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ

وقول الآخر:

دُرَّةٌ كَيْفَمَا أُدِيرَتْ أَضَاءَتْ

وَمِشَمٌّ مِنْ حَيْثُمَا شُمَّ فَاحَا

ومثله قول بشار:

وَتَوَقَّ الطِّيبَ لَيْلَتَنَا

إِنَّهُ وَاشٍ إِذَا سَطَعَا

(٤٠) أسفي على أسفي مبتدأ وخبر وخفاء مبتدأ، وبه من فيه جار ومجرور خبره والأسف الحزن، والمدله الذي أذهب العشق عقله وأذهله. يقول: إنني آسف على أن شغلتني عن معرفة الأسف حتى خفي عليَّ ما هو إذ عصفت بلبي يعني: إنني أحزن لذهاب عقلي لما لقيت في هواك من البرح والشدة حتى لقد خفي على حزني الذي إنما يدرك باللب وليس لي الآن لب، أو تقول: إنه كان يتأسف على زمان وصالها فلما أمعنت في الهجر ذهب لبه حتى صار لا يعرف الأسف فأخذ يأسف على ذلك الأسف؛ لأنه كان إذ ذاك عاقلًا، أما الآن فلا عقل له.

(٤١) الشكية والشكاة والشكوى والشكاية واحد. يقول: إنما أشكو عدم السقم؛ لأن السقم إنما كان حين كانت لي أعضاء يعروها السقام فأحسه بأعضائي فإذا طاحت الأعضاء من جراء الجهد الذي أدركني في هواك لم يبق ثم ما ينزل به السقم، وهذا المعنى أوضحه البستي بقوله:

وَلَوْ أَبْقَى فِرَاقُكَ لِي فُؤَادًا

وَجَفْنًا كُنْتُ أَجْزَعُ مِنْ سُهَادِي

وَلَكِنْ لَا رُقَادَ بِغَيْرِ جَفْنٍ

كَمَا لَا وَجْدَ إِلَّا بِالْفُؤَادِ

«وأما بعد» فلا تنس أن أبا الطيب إنما يقول هذه القصيدة لرجل يعرف أنه يذهب مذهب المتصوفة، ومن ثم تراه ينهج منهجهم في العبارة والتفكير وبالحري ما يشبه أن يكون رمزًا وغموضًا.

(٤٢) جراحة مفعول ثانٍ لمثلت أو تمييز، وقوله: فتشابها أي العين والجراحة، ولم يقل تشابهتا حملًا على المعنى كأنه قال فتشابه الأمران كما قال:

إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَةَ ضُمِّنَا

قَبْرًا بِمَرْوَ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ

ومثلت صورت، والجراحة الجرح، والنجلاء الواسعة، يقول: لما نظرت إلي صورت في قلبي مثال عينك جرحًا واسعًا فتشابهت عينك وذلك الجرح في الاتساع.

(٤٣) نفذت أي العين، والسابري الدرع المحكمة الدقيقة النسج نسبة إلى سابور، ويقال للثياب الرقيقة سابرية، قال ذو الرمة:

فَجَاءَتْ بِنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ كَأَنَّهُ

عَلَى عَصَوَيْهَا سَابِرِيٌّ مُشَبْرقُ

(مشبرق: ممزق.)
والصعدة القناة التي تنبت معتدلة فلا تحتاج إلى تقويم يقول — إذا كان يريد بالسابري الدرع — اخترقت عينك الدرع إلى قلبي فلم تحصنه الدرع من نظرتها مع أنها تحصنه من الرمح، وإذا كان المراد بالسابري الثياب يكون المعنى أن عينك نفذت إلى قلبي فجرحته، وربما كان الرمح يندق قبل وصوله إلي لمكاني من الشجاعة والشجاع موقى والأول أظهر.

(٤٤) صخرة الوادي في العادة صلبة بما يتعاورها من السيول، ومن ثم جعلت مثلًا في الثبات؛ لأن السيول تجرف ما حولها ولا تستطيع اقتلاعها، والجوزاء من أبراج الفلك، يقول: إذا زوحمت لم يقدر على إزالتي عن موضعي كصخرة الوادي، وإذا نطقت كنت في علو المنطق كالجوزاء، وقال الواحدي: ويقال إن الجوزاء بيت عطارد فيكون المعنى: مني تستفاد البراعات ويقتبس الفضل كما أن الجوزاء تعطي من يولد فيها البراعة والنطق.

(٤٥) الغبي: الغافل القليل الفطنة، وقوله فعاذر؛ أي فأنا عاذر فهو خبر عن محذوف، والمقلة: العين، يقول: إذا خفي مكاني على الغبي فلم يعرف قدري، ولم يقر بفضلي، فأنا عاذر له؛ لأنه كالأعمى الذي لا يرى الأشياء والأعمى معذور فكذلك الغبي الجاهل، وهذا المعنى ينظر إلى قول ذي الرمة يمدح عمر بن هبيرة:

حَتَّى بَهَرْتَ فَمَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ

إِلَّا عَلَى أَكْمَهٍ لَا يَعْرِفُ الْقَمَرَا

(قبله:

مَا زِلْتَ فِي دَرَجَاتِ الْأَمْرِ مُرْتَقِيًا

تَنْمَى وَتَسْمُو بِكَ الْفَرْعَانِ مِنْ مُضَرَا

قال ابن بري: الذي أورده الجوهري وقد بهرت، وصوابه حتى بهرت أي علوت كل من يفاخرك فظهرت عليه، وقوله على أحد: أحد ها هنا بمعنى واحد؛ لأن أحدًا المستعمل بعد النفي في قولك: ما أحد في الدار لا يصح استعماله في الواحد.)

(٤٦) صدري يريد أصدري، فحذف همزة الاستفهام لدلالة أم البيداء عليها، والبيداء الفلاة سميت كذلك؛ لأن الشأن فيمن سلكها أن يبيد، والشيمة العادة، وشككه حمله على الشك، وأفضى من الفضاء وهو الاتساع، يقول: عادة الليالي أن تبعد علي طلبتي فترميني بطول الأسفار حتى تحمل ناقتي على الشك في، أصدري بها لو جعل مكان البيداء أم البيداء أفضى؟ لما ترى من سعة صدري، وأناتي، وتجلدي، وصبري على المشقات والأسفار، وهذا المعنى هو الظاهر، وهو ما ذهب إليه ابن جني، ولكن الواحدي كما قال العكبري نقلًا عنه لم يرتضه، قال: هذا إنما يصح لو لم يكن في البيت بها، وإذا رددت الكناية «أي الضمير في بها» إلى الليالي بطل ما قال؛ لأن المعنى: صدري بالليالي وحوادثها وما تورده علي من مشقة الأسفار وقطع المفاوز أوسع من البيداء، وناقتي تشاهد ما أقاسي من السفر وصبري عليه فيقع لها الشك في أن صدري أوسع أم البيداء، وعلى هذا أفضى أفعل كما يقال أوسع، وقال قوم: إن الكناية تعود على الناقة، ومعنى أفضى بها أي أدى بها إلى الهزال صدري أم البيداء؟ فمرة تقول؛ أي الناقة لولا سعة صدره من حيث الهمة وبعد المطلب، لما أتعبني بالسفر، ومرة تقول البيداء هي التي تذهب لحمي، وتودي بي إلى الهزال، وعلى هذا أفضى فعل، ويجوز أن يكون اسمًا وإن عادت الكناية إلى الناقة، والمعنى: أن ناقتي قوية نجيبة يضن بمثلها، وهي ترى إتعابي إياها، واستنادي عليها في الأسفار فتقول صدري أوسع بي حيث طابت نفسه في إهلاكي أم البيداء؟ أي لولا أن له صدرًا في السعة كالبيداء لم تطب نفسه بإهلاكي. قال الواحدي: والقول هو الأول وهو رد الكناية إلى الليالي «هذا» وتشبيه الصدر بالبيداء في السعة معنى قد اعتوره الشعراء. قال أبو تمام:

وَرَحْبُ صَدْرٍ لَوَ انَّ الْأَرْضَ وَاسِعَةٌ

كَوسْعِهِ لَمْ يَضِقْ عَنْ أَهْلِهِ بَلَدُ

وقال البحتري:

كَرِيمٌ إِذَا ضَاقَ الزَّمَانُ فَإِنَّهُ

يَضِلُّ الْفَضَاءُ الرَّحْبُ فِي صَدْرِهِ الرَّحْبِ

(٤٧) الإسآد إدمان السير أو سير الليل خاصة والنيي الشحم والسمن، والإنضاء مصدر أنضاه ينضيه إذا هزله، والمهمه الصحراء، ومسئدًا حال من ضمير تسئد العائد على الناقة وهو اسم فاعل فاعله الإنضاء، وأسآدها مفعول مطلق عامله مسئدًا، وتقدير البيت: تبيت هذه الناقة تسئد مسئدًا الإنضاء في نيها إسآدًا مثل إسآدها في المهمه، يقول: تبيت ناقتي تسير سائرًا في جسدها الهزال مثل سيرها في الصحراء، وهذا المعنى ينظر إلى قول أبي تمام:

رَعَتْهُ الْفَيَافِي بَعْدَمَا كَانَ حِقْبَةً

رَعَاهَا وَمَاهُ الرَّوْضِ ينَهَلُّ سَاكِبُهْ

(٤٨) الأنساع جمع نسع، وهو سير كهيئة العنان يشد به الرحل، والمغط المد، وذلك كناية عن عظم بطن الناقة حين امتدت أنساعها فطالت، وخفافها منكوحة أي مثقوبة بالحصى، وكنى بهذا عن وعورة الطريق، ومنكوحة أي مدمية من الحصى، واستعار النكاح؛ لوطئها الأرض وإدماء الحصى إياها، وطريقها عذراء أي لم تسلك قبلها، وأصل العذراء التي لم تفتض، ومن طريف ما ذكره الشراح هنا ما أورده العكبري قال: قال الشيخ أبو محمد عبد المنعم بن صالح النحوي عند قراءتي عليه هذا الديوان ومذ وصلت إلى هذا البيت: سألني الملك الكامل أبو المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب ملك الديار المصرية والشام والحرمين عن هذا البيت في قوله وطريقها عذراء فقلت له: يريد أنها صعبة لم تسلك، فقال لي: هذا يدل على أن الممدوح لا يعرف، ولا له ذكر ولا نائل؛ لأن الطريق إليه عذراء لم تطرق، والممدوح إذا كان له عطاء وذكر ويعرفه القصاد، كانت الطريق إليه لا تنقطع … ولقد أحسن في هذا النقد.

(٤٩) الخريت الدليل، سمى خريتًا لاهتدائه في الطرق الخفية كخرت الإبرة كأنه يعرف كل ثقب في الصحراء، والتوى الهلاك، والحرباء دويبة على شكل سام أبرص ذات قوائم أربع دقيقة الرأس مخططة الظهر تستقبل الشمس وتكون معها كيف دارت وتتلون ألوانًا بحر الشمس. يقول: إن هذه الأرض طريقها صعبة يتلون الدليل فيها خوف الهلاك كما يتلون الحرباء، ويتغير لونه، فهو يدور يمينًا وشمالًا لطلب الطريق، وفي هذا المعنى يقول هدبة:

يَظَلُّ بِهَا الْهَادِي يُقَلِّبُ طَرْفَهُ

مِنَ الْهَوْلِ يَدْعُو وَيْلَهُ وَهْوَ لَاهِفُ

ويقول الطرماح:

إِذَا اجْتَابَهَا الْخِرِّيتُ قَالَ لِنَفْسِهِ

أَتَاكَ بِرَحْلِي حَائِنٌ بَعْدَ حَائِنِ

(٥٠) شم الجبال: بدل من «قوله مثله»، ونصب مثلهن على الحال؛ لأنه نعت للنكرة المرفوعة فقدم عليها فنصب على الحال كقولك: فيها قائمًا رجل، وكقول ذي الرمة:

وَتَحْتَ الْعَوَالِي وَالْقَنَا مُسْتَظِلَّةً

ظِبَاءٌ أَعَارَتْهَا الْعُيُونُ الْجَآذِرُ

يقول: بيني وبين هذا الممدوح جبال مرتفعة مثله، ورجاء عظيم كهذه الجبال.

(٥١) وعقاب عطف على شم الجبال، وعقاب جمع عقبة وهي المرتقى الصعب من الجبل، والباء في بقطعها متعلقة بمحذوف تقديره: وكيف أقوم بقطعها أو كيف الظن مثلًا، وكيف استفهام في المعنى الإنكاري، وواو «وهو الشتاء» للحال والضمير ضمير الشأن، يقول: وكذلك بيني وبينه عقاب جبل لبنان، وكيف أستطيع قطعها والوقت شتاء وصيفها مثل الشتاء فكيف شتاؤها؟!

(٥٢) لبس الشيء ولبسه عماه، قال تعالى: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ والضمير في بها للعقاب، والضمير في كأنها للثلوج أو للمسالك وباء ببياضها متعلقة بمعنى كأن أي التشبيه، يقول: إن الثلوج في هذه الجبال أخفت على طرقي فلم أهتد؛ لكثرتها وبياضها، فكأنها اسودت اسوداد الليل إذا ضللت فيها؛ لأن الأسود لا يهتدي فيه، وهذا معنى حسن كما ترى.

(٥٣) النضار الذهب، والنضار أيضًا الخالص من كل شيء، وقام الماء جمد، ومعنى هذا البيت متصل بالذي قبله؛ لأنه يقول بياض الثلوج يعمي فقام مقام السواد، والبياض إذا عمل عمل السواد فقد نقض العادة كذلك الكريم إذا أقام ببلدة نقضت العادة، فيكون الذهب سائلًا والماء جامدًا، وإنما قال هذا؛ لأنه أتاه في الشتاء عند جمود الماء. يقول: إن الكريم إذا أقام ببلدة أعطى المال وتخرق في الكرم حتى لكأن المال ماء سائل، فلما رأى الماء هذا الكرم وقف متبلدًا متلددًا جامدًا، وهو تخيل بديع.

(٥٤) الأنواء فاعل رأته، ويجوز أن ترتفع الأنواء برأت وبهتت، وتتبجس على التنازع، وفاعل ترى يعود على القطار، ويروى بدل ترى رأى؛ أي القطار، ولكن ترى أحسن؛ لأن القطار مؤنثة، والقطار جمع قطر، وقطر جمع قطرة وهي المطر، وبهتت دهشت وتحيرت، وتتبجس تتفجر، والأنواء جمع نوء وهو سقوط نجم من الغرب وطلوع رقيبه من الشرق، وهي منازل القمر، والعرب تنسب إليها الأمطار يقولون: سقينا بنوء كذا، ويريد بجمود القطار الثلوج، يقول: إن المطر جمد لما رأى كرم هذا الممدوح ولو رأته الأنواء كما رآه المطر؛ لتحيرت ودهشت ولم تتفجر فلم تأت بمطر استعظامًا لما يأتيه وخجلًا من جوده.

(٥٥) المداد الحبر، والأهواء جمع هوى بالقصر وهو صبوة القلب يصفه بحسن الخط، يقول: كأن مداده من أهواء الناس فهم يحبون خطه ويميلون إليه شغفًا به وافتتانًا بحسنه، ويجوز أن يكون هذا كناية عن وصفه بالجود، يقول: لا يوقع إلا بالنوال ولذلك يهفو الناس إلى خطه، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن طاعة الناس له أي إن كتبه تقوم مقام الجيوش؛ لأن الناس ينقادون إليه غريزة وطبعًا، ولعلَّ الأقرب أن الناس لحبهم إياه وشغفهم برؤيته يتهافتون على كل ما يكتبه؛ لأن فيه بعض ما يشتهون على حد قولهم: المكاتبة نصف المشاهدة.

(٥٦) قرة العين كناية عن السرور، قرت عينه بردت، ودمع الفرح بارد، والأقذاء جمع قذى وهو ما يقع في العين والشراب من تراب ونحوه، والمغيب الغيبة، يقول: كل عين تسر بقربه ورؤيته وتتأذى بغيبته فكأن غيبته قذى للعيون.

(٥٧) من بمعنى الذي خبر ضمير محذوف يرجع إلى الممدوح، وتقدير البيت: هو الذي يهتدي في الفعل إلى ما لا يهتدي الشعراء إليه في القول حتى يفعل هو، فضمير يفعل يعود إلى من، والشعراء فاعل تهتدي، يقول: إنما يقتدي الشعراء فيما يقولون من المدائح بأفعاله من المكارم والمساعي العظام، فإذا فعل هو تعلموا من فعله القول فحكوا ما فعله.

(٥٨) القافية القصيدة لأن بعضها يقفو بعضًا أي يتبعه أو تسمية للكل باسم البعض، يقول: إن الشعراء تتوارد عليه بالمدائح بالتوالي فهو لا ينفك عن الإصغاء حبًّا للشعر وارتياحًا إلى إعطاء الشعراء.

(٥٩) إغارة عطف على جولة، وما احتواه أي جمعه واقتناه من مال، والفيلق الكتيبة من الجيش أنثه فقال شهباء باعتبار معنى الجمع وكل جمع مؤنث، والشهباء التي غلب بياضها على سوادها، يعني صافية الحديد، يقول: وللقوافي كل يوم إغارة على ماله حتى لكأن كل بيت كتبية تنهب ما احتواه.

(٦٠) من بمعنى الذي خبر مبتدأ محذوف تقديره هو الذي يظلم … إلخ، واللئيم الخسيس الأصل والنفس ضد الكريم، ويصبحوا هنا تامة والجملة بعد حال، والأكفاء النظراء والأمثال، يقول: إن اللئام يحاولون التشبه به حسدًا له وهم لا يقدرون على ذلك فكأنه ظلمهم، إذ كلفهم أن يماثلوه ولكنهم لم يستطيعوا، قال الواحدي ما معناه: ليس في هذا كبير مدح ولقد كان أبلغ في المدح أن يقول: الكرماء بدل اللؤماء على أن مثل هذا المعنى وهو أنه أفضل من اللؤماء ولا يقدرون أن يكونوا، مثله مما لا يليق بمذهبه في إيثاره المبالغة، وروى الخوارزمي نظلم بالنون، وقال: إذا كلفنا اللئام أن يكونوا أكفاء له فقد ظلمناهم في تكليفهم ما لا يطيقون.

(٦١) ذامه كذمه، وقوله ونذيمهم مما يؤنس ما ذهب إليه الخوارزمي في روايته البيت السابق من نظلم بالنون، يقول المتنبي: ونحن نذم اللئام ولولاهم ما عرفنا فضله؛ لأن الأشياء إنما تتبين بأضدادها فلو كان الناس كلهم كرامًا لم يعرف فضله، وهذا المعنى قد تعاوره كثير من الشعراء قال بشار:

وَكُنَّ جَوَارِي الْحَيِّ مَا دُمْت فِيهِمُ

قِبَاحًا فَلَمَّا غِبْتِ صِرْنَ مِلَاحَا

وقال أبو تمام:

وَلَيْسَ يَعْرِفُ طِيبَ الْوَصْلِ صَاحِبُهُ

حَتَّى يُصَابَ بِنَأْيٍ أَوْ بِهِجْرَانِ

وقال:

وَالْحَادِثَاتُ وَإِنْ أَصَابَكَ بُؤْسُهَا

فَهْوَ الَّذِي أَنْبَاكَ كَيْفَ نَعِيمُهَا

وقال:

سَمُجَتْ وَنَبَّهَنَا عَلَى اسْتِسْمَاجِهَا

مَا حَوْلَهَا مِنْ نَضْرَةٍ وَجَمَالِ

وَكَذَاكَ لَمْ تُفْرِطْ كَآبَةُ عَاطِلٍ

حَتَّى يُجَاوِرَهَا الزَّمَانُ بِحَالِي

وقال البحتري:

وَقَدْ زَادَهَا أَفْرَاطَ حُسْنٍ جِوَارُهَا

خَلَائِقُ أَصْفَارٍ مِنَ الْمَجْدِ خُيَّبِ

وَحُسْنُ دَرَارِيِّ الْكَوَاكِبِ أَنْ تُرَى

طَوَالِعَ فِي دَاجٍ مِنَ اللَّيْلِ غَيْهَبِ

بيد أن المتنبي صرح بالمعنى وهو أن مجاورة المضادة هي التي تثبت حسن الشيء وقبحه.

(٦٢) من بمعنى الذي بدل من الأول، يقول: وهو الذي إذا هاجه أعداؤه واستثاروه للحرب استباح أموالهم وحريمهم فانتفع بذلك، وإذا تركوه لم ينتفع فاستضر بذلك، فلو فطن أعداؤه لهذا منه لسالموه فتسببوا إلى مضرته.

(٦٣) السَّلم بفتح السين وكسرها ضد الحرب، والجناح بمعنى اليد، والعضد استعاره للمال؛ لأنه موطن القوة، والنوال العطاء وما من قوله ما تجبر مفعول يكسر والجبر ضد الكسر، والهيجاء من أسماء الحرب، وهذا البيت مفرع على البيت السابق، يقول: إنه في الحرب يأخذ مال أعدائه يعطيه عفاته في السلم، وبذلك يكون السلم سببًا في نقص أمواله والحرب سببًا في توافرها، وفي هذا المعنى يقول أبو تمام:

إِذَا مَا أَغَارُوا فَاحْتَوَوْا مَالَ مَعْشَرٍ

أَغَارَتْ عَلَيْهِ فَاحْتَوَتْهُ الصَّنَائِعُ

(٦٤) اللهى العطايا الجزيلة جمع لُهوة بضم اللام، وهي في الأصل القبضة من الحبوب يلقيها الطاحن في فم الرحى فشبهت العطية بها، يقول: إنه يعطي عفاته العطاء الجزل الكثير حتى يعطوا غيرهم من هذه العطايا فيصير سائله مسئولًا، وهو من جودة الرأي وسداده بحيث إذا نظر الناس إلى رأيه تعلموا منه سداد الآراء.

(٦٥) يقول: فيه حلاوة لأوليائه ومرارة لأعدائه فهو متفرق الطعمين مختلفهما فكأنه السراء والضراء، ولكنه مع ذلك مجتمع القوى غير متفرق العزائم فأفعاله تصدر عن عزم جميع ورأي مستحصد، والتشبيه بالسراء والضراء في اللين والشدة مترتب على المعنى الأول، وأصل هذا المعنى للبيد:

مُمْقِرٌ مُرٌّ عَلَى أَعْدَائِهِ

وَعَلَى الْأَدْنَيْنِ حُلْوٌ كَالْعَسَلْ

ممقر؛ أي مر. وقال النابغة الجعدي:

فَتًى تَمَّ فِيهِ مَا يَسُرُّ صَدِيقَهُ

عَلَى أَنَّ فِيهِ مَا يَسُوءُ الْأَعَادِيَا

وأخذه المسيب بن علس فقال:

هُمُ الرَّبِيعُ عَلَى مَنْ صَافَ أَرْحُلَهُمْ

وَفِي الْعَدُوِّ مِنَّا كيدٌ مَشَائِيمُ

وقال علاثة:

وَكُنْتُمْ قَدِيمًا فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا

مَيَامِينَ لِلْأَدْنَى لِأَعْدَائِكُمْ نُكْدُ

(٦٦) ما: في الشطرين موصولة وهي في الأول خبر كأن، ومتمثلًا منصوب على الحال، يقول: وكأنه صور على ما يكرهه أعداؤه من إرغامهم وحملهم على الحسد حال تمثله لمن يفد عليه رجاء نواله كما يشاءون فيكون عند ظنهم به ويحقق آمالهم فيه.

(٦٧) المجدى عليه المعطى، وروحه نائب فاعل المجدى، والاستجداء الاستعطاء، يقول: يا من روحه معطى له من العفاة؛ إذ ليس يطلبها منه أحد منهم، فكأنهم قد جادوا بها عليه، يعني: أنه لو سئل روحه لبذله لتخرقه في الجود فإذا لم يسأل فكأنه وهب روحه، وهذا من قول مسلم بن الوليد وضمنه أبو تمام إحدى قصائده.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كَفِّهِ غَيْرُ رُوحِهِ

لَجَادَ بِهَا فَلْيَتَّقِ اللهَ سَائِلُهْ

(٦٨) هذا البيت إتمام لمعنى البيت قبله وتأكيد له، والعفاة جمع عاف وهو طالب المعروف، وقوله لا فجعت بفقدهم دعاء له، واللام في قوله فلترك لام الابتداء، يقول: اشكر هذا لعفاتك لا أفجعك الله بفقدهم؛ لأنك تحب العطاء والسؤال، ويروى لا فجعت بحمدهم أي لا قع الله شكرهم عنك.

(٦٩) اضطربت أقوال الشراح في هذا البيت، فذهب المعري والواحدي إلى أن المعنى: لا تكثر الأموات كثرة يقل بها عدد الأحياء إلا إذا شقى الأحياء بغضبك وقتلك إياهم فإذا غضبت عليهم وقاتلتهم عصفت بهم فزدت في الأموات زيادة ظاهرة، ونقص الأحياء نقصًا بينًا، وإليك نص عبارة أبي العلاء: شقوا به أي بقتله إياهم، وأن الأحياء إذا شقيت بك كثرت الأموات، وتلك الكثرة تؤدي إلى القلة، إما لأن الأحياء يقلون بمن يموت منهم، وإما لأن الميت يقل في نفسه، وقال ابن جني: شقيت بك أي شقيت بفقدك أي لا تصير الأموات أكثر من الأحياء إلا إذا مات الممدوح، يقول: إنك نعمة على الأحياء وفقدك شقاء لهم، وهذا على حد قول القائل:

لَعَمْرُكَ مَا الرَّزِيَّةُ فَقْدُ مَالٍ

وَلَا شَاةٌ تَمُوتُ وَلَا بَعِيرُ

وَلَكِنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ شَخْصٍ

يَمُوتُ بِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُ

ومنه قول الآخر:

وَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ وَاحِدٍ

وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا

ويكون قوله: كثرة قلة، معناه أنك وإن كنت قليلًا في العدد فأنت كثير في القدر والشرف.

(٧٠) الشحناء العدواة، قال ابن جني: يريد، لا يتصدع قلب أحد حتى يعاديك فيضمر لك العداوة فإذا تأمل ما جنى على نفسه من عداوتك انشق قلبه فمات خوفًا وجزعًا، وقال الواحدي تعليقًا على ابن جني، ولم يفسر قوله عما تحته والمعنى عما فيه من الغل والحسد أي إنه وإن أضمر لك الغل والحسد لم ينشق قلبه، فإذا أضمر لك العداوة انشق قلبه وبان أنه عدو لك، والمعنى بعبارة أخرى: لا يضمر القلب أمرًا يتصدع به وينشق حتى تحل عداوتك فيه. فإذا حلت ضاق بها وانشق عنها لشدة ما ناله من الخوف والجزع.

(٧١) اقترعت تساهمت، يقول: تقارعت الأسماء عليك فكل اسم أراد أن تسمى به افتخارًا بك وتشرفًا فلم تسم بهذا الاسم حتى تقارعت الأسماء، وقال المعري: أراد بالاسم الصيت.

(٧٢) الواو في قوله واسمك واو الحال، وفيك صلة مشارك؛ أي لم يشارك اسمك فيك اسمًا آخر إذ لا يكون للإنسان أكثر من اسم، والناس كلهم في مالك سواء قد تساووا في الأخذ منك لا تخص أحدًا دون غيره بالعطاء. هذا قول الواحدي وغيره، وقال المعري: يريد بالاسم الصيت أي لم يشركك في صيتك أحد، يقال: فلان قد ظهر اسمه في الناس أي صيته فذكره لا يشاركه فيه أحد، وإنما مالك الناس فيه سواء غنيهم وفقيرهم.

(٧٣) اللام في لعممت واقعة في جواب قسم محذوف على إضمار قد بعدها، والمدن جمع مدينة، وملاء جمع ملأى، ومنك متعلق بملاء، وفت تجاوزت، وذا الثناء أي هذا الثناء، واللفاء الحقير الخسيس، يقول: لقد عم برُّك وشاع ذكرك حتى امتلأت بك البلاد، وسبقت ثناء المثنين عليك حتى أصبح هذا الثناء يعد حقيرًا في جانب ما تستحقه، وهذا البيت يسمى مصرعًا؛ لأنه قفي فيه المصراع الأول كما يفعل في أول القصائد.

(٧٤) حائلًا متحولًا، وللمنتهى أي لأجل الانتهاء، ومن السرور خبر، وبكاء مبتدأ، والجملة استئنافية، يقول: ولقد بلغت من الجود أقصاه حتى كدت تتحول عن آخره حين تناهيت إليه وتعود إلى البخل؛ إذ ليس من شأنك أن تقف في الكرم عند غاية، وليس هناك جود بعد أن بلغت نهايته، ومثل ذلك السرور إذا اشتد تحول إلى بكاء.

(٧٥) أبدأت أحدثت وجددت، وأعدت كررت، ومنك متعلق بيعرف أو ببدؤه، يقول: أحدثت من الكرم ما لا يعرف ابتداؤه إلا منك؛ لعظم ما أتيت به، ثم أتبعت ذلك من الزيادة فيه بما عفي على الأول وأنساه؛ لأنك في كل وقت تخلق فنًّا من الكرم يُنسى به الأول.

(٧٦) ناكب: عادل، يقال: نكب عن الطريق إذا عدل عنه، وبك متعلقة بناكب أو بتقصير، وبراء بريء يقع على الجمع والواحد والمذكر والمؤنث، يقول: إن الفخر قد أعطاك مقادته وأركبك ذروته وبلغك غايته فلم يقصر بك عن غاية والمجد بريء من أن يستزيدك؛ لأنك في الغاية منه.

(٧٧) الوشي في الأصل النميمة والمراد هنا دلت، والآلاء النعم والعطايا، وكتمت حجبت، يقول: إذا سئلت فليس لأنك أحوجت الناس إلى السؤال، ولكن ذلك لكي تعرف تفاصيل حاجاتهم أو لكي يتشرفوا بسؤالك، كما قال أبو تمام:

مَا زِلْتُ مُنْتَظِرًا أُعْجُوبَةً زَمَنًا

حَتَّى رَأَيْتُ سُؤَالًا يَجْتَنِي شَرَفًا

وإذا كتمت أي حجبت عن أنظار الناس دلت عليك نعمك وصنائعك فصمد إليك العفاة كما قال:

مَنْ كَانَ ضَوْءُ جَبِينِهِ وَنَوالُهُ

لَمْ يُحْجَبَا لَمْ يَحْتَجِبْ عَنْ نَاظِرِ

(٧٨) الرفعة الاسم من الارتفاع والشكر عرفان الإحسان، وإن شئت قلت مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية، فيثني المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته، ويعتقد أنه موليها، وللشاكرين خبر مقدم، وثناء مبتدأ مؤخر، وعلى الإله متعلق بثناء، يقول: ولقد بلغت من الرفعة غاية لا يزيدها مدح مادح، ولكن تمدح لتجيز العفاة وليعد الشاعر في جملة مداحك كالشاكر لله تعالى يثني عليه؛ ليستحق أجرًا ومثوبة لا أنه سبحانه محتاج إلى ثنائه.

(٧٩) الجدب المحل ضد الخصب، والدأماء البحر على فعلاء قال الأفوه الأودي:

وَاللَّيْلُ كَالدَّأْمَاءِ مُسْتَشْعِرٌ

مِنْ دُونِهِ لَوْنًا كَلَوْنِ السُّدُوسِ

(السدوس: الطيلسان.) يقول: إذا مطرت فليس ذلك لإجداب محلك ولكن كما يمطر المكان الخصيب والبحر، وهما غير محتاجين إلى المطر، ومن هذا المعنى قول المعري:

وَالْبَحْرُ يُمْطِرُهُ السَّحَابُ وَمَا لَهُ

فَضْلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَائِهِ

(٨٠) النائل العطاء، والسحاب جمع سحابة وجمع السحاب سحب فيكون سحب جمع الجمع، قال تعالى: حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا والرحضاء العرق أثر الحمى يقول: ليست تحكي السحاب بمائها عطاءك المتتابع فإنه أكثر من مائها وأغزر ولكنها حمت حسدًا لك، فما ينصب من مطرها إنما هو عرق حماها، وهذا ينظر إلى قول أبي نواس:

(٨١)

إِنَّ السَّحَابَ لَتَسْتَحْيِي إِذَا نَظَرَتْ

إِلَى نَدَاكَ فَقَاسَتْهُ بِمَا فِيهَا

قال البديعيون، وفي هذا البيت حسن التعليل لصفة لا يظهر لها في العادة علة، وقد عللها بأن عرق حماها الحادثة بسبب عطاء الممدوح، ومن هذا الباب قول بعضهم:

رَأَى الْمُزْنُ مَا تُعْطِي فَضَمَّ عَلَى الْأَسَى

فُؤَادًا كَأَنَّ الْبَرْقَ فِيهِ لَهِيبُ

يقول: لا حاجة إلى الشمس من ضيائك ونورك، ومن ثم كان طلوعها وقاحة وقلة حياء منها، واستعار للشمس وجهًا للمشاكلة.

(٨٢) الأدم: جمع أديم وهو ظاهر كل شيء، والأخمص باطن القدم وما رق من أسفلها وتجافى عن الأرض، وقيل خصر القدم وقد يراد بها القدم كلها، وقوله فبأيما قدم. استفهام معناه التعجب وما زائدة. يتعجب من سعيه إلى العلياء وبلوغه منها حيث لم يبلغ أحد، ثم دعا له بأن يكون وجه الهلال نعلًا لقدميه يعني أن قدمًا بلغ سعيها هذا المبلغ تستحق أن يكون الهلال نعلًا لها.

(٨٣) الحمام. الموت يدعو له، يقول: ليكن الزمان وقاية لك من عواديه أي ليهلك الزمان بها دونك، وليمت الموت فداء لك من نفسه، وكل هذا كما ترى مبالغة في الدعاء.

(٨٤) اللذ: لغة في الذي، وتسكن الواو من هو ضرورة، أو على لغة، والعقم عدم الولد يقول: لو لم تكن من هذا الورى الذي كأنه منك؛ لأنك جماله وشرفه وأفضل أهله لكانت حواء في حكم العقيم التي لم تلد، ولكنها بك صارت ذات ولد، والشطر الأول رديء، ولكن الثاني جميل على أنه يلاحظ أن المتنبي يخاطب — كما أسلفنا — رجلًا يذهب مذهب الصوفية.

(٨٥) الاستفهام للتعجب، وذي السماء أي هذه السماء، يقول: لا أدري ما يقول هذا المغني؛ لأن قلبي وجوارحي مشتغلة بك وبالنظر إلى حسنك عن حسن غناء هذا المغني.

(٨٦) الاستفهام للتعجب، وذي السماء أي هذه السماء، يقول: لا أدري ما يقول هذا المغني؛ لأن قلبي وجوارحي مشتغلة بك وبالنظر إلى حسنك عن حسن غناء هذا المغني.

(٨٧) يدني من الدنو أي يقترب، وأنا منك مبتدأ وخبر، ولا يهنئ عضو كلام مستأنف، يقول: إنما يهنئ الرجل نظراؤه والذين يتقربون إليه من الأجانب وأنا منك؛ أي أَنا وأنت كإنسان واحد، وإذا ألم بإنسان فرح وعراه سرور اشتركت في ذلك جميع أعضائه فلم يهنئ بعضها بعضًا. قال الواحدي: وهذا طريق المتنبي يدَّعي لنفسه المساهمة والكفاءة مع الممدوحين في كثير من المواضع وليس ذلك للشاعر فلا أدري لم احتمل ذلك منه؟

(٨٨) يدني من الدنو أي يقترب، وأنا منك مبتدأ وخبر، ولا يهنئ عضو كلام مستأنف، يقول: إنما يهنئ الرجل نظراؤه والذين يتقربون إليه من الأجانب وأنا منك؛ أي أَنا وأنت كإنسان واحد، وإذا ألم بإنسان فرح وعراه سرور اشتركت في ذلك جميع أعضائه فلم يهنئ بعضها بعضًا. قال الواحدي: وهذا طريق المتنبي يدَّعي لنفسه المساهمة والكفاءة مع الممدوحين في كثير من المواضع وليس ذلك للشاعر فلا أدري لم احتمل ذلك منه؟

(٨٩) مستقل خبر مبتدأ محذوف؛ أي أَنا مستقل، ويروى أستقل، والآجر: الطوب المشوي، ويخر: من خرير الماء، يقول: أنا أستقل لك الديار وإن بنيت بالنجوم بدل الآجر، ولو أن الماء من فضة، وذلك لرفعة قدرك وعلو شأنك.

(٩٠) مستقل خبر مبتدأ محذوف؛ أي أَنا مستقل، ويروى أستقل، والآجر: الطوب المشوي، ويخر: من خرير الماء، يقول: أنا أستقل لك الديار وإن بنيت بالنجوم بدل الآجر، ولو أن الماء من فضة، وذلك لرفعة قدرك وعلو شأنك.

(٩١) محلة أي منزلة تمييز، وأن تهنَّى، في موضع نصب بإسقاط حرف الجر أي من أن تهنى.

(٩٢) الغبراء: الأرض، والخضراء: السماء، وفي الحديث: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر.» والسمهرية: الرماح، يقول: أنت أعلى منزلة من أن تهنأ بمكان والبلاد كلها والناس وكل ما بين السماء والأرض ملك لك ونزهتك إنما هي الخيل، وما تحمله من الرماح فهي بساتينك. جعل الرماح على الخيل كالحمل على الشجر.

(٩٣) الغبراء: الأرض، والخضراء: السماء، وفي الحديث: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر.» والسمهرية: الرماح، يقول: أنت أعلى منزلة من أن تهنأ بمكان والبلاد كلها والناس وكل ما بين السماء والأرض ملك لك ونزهتك إنما هي الخيل، وما تحمله من الرماح فهي بساتينك. جعل الرماح على الخيل كالحمل على الشجر.

(٩٤) يقول: إنما فخره بما يبتني من العلياء، لا بما يبتني من الدور كما قال:

بَنَى الْبُنَاةُ لَنَا مَجْدًا وَمَكْرُمَةً

لَا كَالْبِنَاءِ مِنَ الْآجُرِّ وَالطِّينِ

قالوا: والعلياء إذا فتحت عينها مدت، وإذا ضمت قصرت.

(٩٥) وبأيامه، عطف على قوله بما يبتني، وكذلك قوله وبما أثرت، وانسلخت مضت، والهيجاء الحرب، والصوارم السيوف، يقول: إنما فخر أبي المسك بما يبتني من العلياء، وبأيامه التي مضت والمعروفة بالفتوح وقتل الأعادي، ولم يكن له إذ ذاك دار إلا ساحة الحرب، وبها شاد عزه وعلياءه.

(٩٦) وبأيامه، عطف على قوله بما يبتني، وكذلك قوله وبما أثرت، وانسلخت مضت؛ والهيجاء الحرب، والصوارم السيوف، يقول: إنما فخر أبي المسك بما يبتني من العلياء، وبأيامه التي مضت والمعروفة بالفتوح وقتل الأعادي، ولم يكن له إذ ذاك دار إلا ساحة الحرب، وبها شاد عزه وعلياءه.

(٩٧) وبمسك، عطف كذلك على بما يبتني، ويكنى به صفة لمسك، وليس بالمسك صفة أخرى، والأريج فوحان الطيب، يقول: وإنما يفخر بالمسك الذي يكنى به والذي ليس هو المسك المعروف، وإنما هو كناية عن طيب الثناء والذكر الجميل والصيت الحسن. «هذا» وهو معلوم أن كافور الأخشيدي كان يقال له أبو المسك.

(٩٨) يبتني الحواضر؛ أي أهل الحواضر، جمع حاضرة، خلاف البادية، والريف، المكان الخصب الكثير الزرع والخضرة، ويطبي: يستميل، قال كثير:

لَهُ نَعَلٌ لَا يَطَّبِي الْكَلْبَ رِيحُهَا

وَإِنْ وُضِعَتْ وَسْطَ الْمَجَالِسِ شُمَّتِ

يعني كثير أنها من جلد مدبوغ طيب الريح، والنعل بسكون العين مؤنثة؛ ولكن كثيرًا فتحها لانفتاح ما قبلها؛ أي إن حركتها حركة إتباع.
يقول المتنبي: إنما يفتخر أبو المسك بما تقدم من ابتناء العلياء وقتل الأعداء وطيب الثناء، لا بما يبتني المتحضرون من المنازل، ولا بالمسك الذي يستميل قلوب النساء.

(٩٩) السنا المقصور: الضوء والنور، والممدود الشرف والرفعة؛ يقول: إن هذه الدار حين نزلتها نزلت منك فيمن هو أفضل منها رفعة ونورًا، فكأنك أنزلت الدار في دار أجمل منها وأجل؛ أي تجملت بك هذه الدار وتزينت بقربك.

(١٠٠) الرياحين: جمع ريحان جمع ريحانة، والريحان كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم، والآلاء: النعم، والمعنى ظاهر.

(١٠١) ذرت الشمس: بدت أول طلوعها. قال الواحدي: يريد أنه في سواده مشرق فهو بإشراقه في سواده يفضح الشمس، ويجوز أن يريد شهرته وأنه أشهر من الشمس ذكرًا. أو يريد، نقاءه من العيوب، ويقال للمشهور: منير وللنقي من العيوب منير، ويدل على صحة ما ذكر البيت التالي.

(١٠٢) أخبر أنه أراد بإنارته ضياء المجد، وضياؤه شهرته ونقاؤه مما يعاب به، وأن ذلك الضياء أتم من كل ضياء، فهو يزري؛ أي يستهين بكل ضياء.

(١٠٣) القباء: الثوب، يقول: إنما الجلد بمنزلة اللباس فلا قيمة لبياضه، وإنما المعول عليه بياض النفس ونقاؤها من العيوب، وهذا المعنى ينظر إلى قول سحيم عبد بني الحسحاس:

إِنْ كُنْتُ عَبْدًا فَنَفْسِي حُرَّةٌ كَرَمًا

أَوْ أَسْوَدَ اللَّوْنِ إِنِّي أَبْيَضُ الْخُلُقِ

(١٠٤) أي لك كرم في شجاعة … إلخ. يقول: إنك كريم شجاع، ذكي الطبع، بهي المنظر، ذو قدرة على ما تريد، وافٍ بالعهد والوعد فيما تقول.

(١٠٥) السحناء: السحنة أي المنظر والهيئة، والأعيان: من جموع العين كطير وأطيار، وفي أكثر الكلام عيون وأعين، يقول: إن الملوك البيض الألوان يودون أن تبدل ألوانهم بلونك وسحناتهم بسحنتك؛ ليراهم أهل الحرب بالعيون التي يرونك بها، وذلك أن الأسود مهيب في الحرب، ولا يظهر عليه أثر الخوف، ولكن من يكفل لهم بهذه الأمنية؟

(١٠٦) السحناء: السحنة أي المنظر والهيئة، والأعيان: من جموع العين كطير وأطيار، وفي أكثر الكلام عيون وأعين، يقول: إن الملوك البيض الألوان يودون أن تبدل ألوانهم بلونك وسحناتهم بسحنتك؛ ليراهم أهل الحرب بالعيون التي يرونك بها، وذلك أن الأسود مهيب في الحرب، ولا يظهر عليه أثر الخوف، ولكن من يكفل لهم بهذه الأمنية؟

(١٠٧) المفاوز: الصحراوات المهلكة، وسميت مفازة على سبيل الفأل بالسلامة كما قيل للديغ سليم. يقول: لقد أفنت المفاوز — التي جبتها إليك — خيلي وزادي ومائي. يذكر طول الطريق إليه، وأنه صمد إليه من شقة بعيدة.

(١٠٨) الرواء: المنظر والشارة. يقول: استكفني ما شئت من أي أمر عظيم تقذف بي إليه فإن قلبي قلب الأسد شجاعة وإن كنت آدمي الصورة، وفؤادي فؤاد الملوك عزمًا ورأيًا ودهاء وإن كان لساني لسان شاعر. قيل: إن أبا الطيب يقصد بهذا التعريض إلى طلب ولاية من كافور، وقالوا: إنه لما أنشده هذه القصيدة أقسم له أن يبلغه ما في نفسه.

(١٠٩) الرواء: المنظر والشارة. يقول: استكفني ما شئت من أي أمر عظيم تقذف بي إليه فإن قلبي قلب الأسد شجاعة وإن كنت آدمي الصورة، وفؤادي فؤاد الملوك عزمًا ورأيًا ودهاء وإن كان لساني لسان شاعر. قيل: إن أبا الطيب يقصد بهذا التعريض إلى طلب ولاية من كافور، وقالوا: إنه لما أنشده هذه القصيدة أقسم له أن يبلغه ما في نفسه.

(١١٠) الخيزلى: مشية للنساء فيها استرخاء وتثاقل وتفكك، قال الفرزدق:

حَوَارِيَّةٌ تَمْشِي الضُّحَى مُرْجَحِنَّةً

وَتَمْشِي الْعَشِيَّ الْخَيْزَلَى رِخْوَةَ الْيَدِ

(حوارية؛ يريد الشديدة البياض النقية، ومرجحنة؛ يريد سمينة ثقيلة فإذا مشت تفيأت في مشيتها، ورخوة اليد؛ أي مرسلتها، ومن أمثال العرب: أرخ يديك واسترخ إن الزناد من مرخ، يضرب لمن طلب حاجة إلى كريم يكفيك عنده اليسير من الكلام.)
والهيذبى: ضرب من مشي الخيل فيه جد وسرعة، من قولهم أهذب الظليم إذا أسرع. يقول: فدت كل امرأة تمشي الخيزلي كل فرس تمشي الهيذبى: يريد أنه ليس من أهل الغزل والعشق والتشبب بالنساء وإنما هو من أهل السفر، ومن ثم كان مولعًا بالخيل، وهذا من قول أبي تمام:

يَرَى بِالْكعَابِ الرُّودِ طَلْعَةَ ثَائِرٍ

وَبِالعِرْمِسِ الْوَجْنَاءِ غُرَّةَ آيِبٍ

(الكعاب: الجارية الناهد، والرود: الشابة الحسنة الشباب، والعرمس: الناقة الصلبة، والوجناء: الناقة العظيمة الوجنتين أو العظيمة.)

(١١١) وكل: عطف على كل ماشية الهيذبى، والنجاة: الناقة السريعة تنجو بمن ركبها، قالوا: ولا يوصف بذلك البعير، وبجاوية: منسوبة إلى بجاوة وهي أرض بالنوبة تعرف نوقها بالسرعة، وقيل: قبيلة من البربر تنسب إليها هذه النوق قال الطرماح:

بجَاوِيَّةٌ لَمْ تُسْتَدَرْ حَوْلَ مَثْبِرٍ

وَلَمْ يَتَخَوَّنْ دَرَّهَا ضَبُّ آفِنِ

(المثبر: مثال المجلس الموضع الذي تلد فيه الناقة من الأرض وكذلك المرأة، وأكثر ما يقال في الإبل، ومثبر الناقة أيضًا حيث تنحر، والتخون: التنقص، والآفن: الذي يحلب الناقة في غير وقت الحلب، أو الذي يستخرج جميع ما في ضرعها، والدر اللبن، وضب الناقة: حلبها بالكف.)
قالوا: وكان أهل بجاوة هذه يتطاردون على النوق في الحروب وغيرها، وكانت النوق تنعطف معهم كيفما أرادوا، فإذا وقعت الحربة في رمية عطف الناقة إليها فأخذها، وإن وقعت في غير رمية عطفها إليها فأخذها فكانت نوقهم تنعطف معهم حيث أرادوا.
حكى ابن جني عن المتنبي قال: يرمي الرجل من أهل بجاوة بالحربة فإذا وقعت في الرمية طار الجمل إليها حتى يأخذها صاحبها.
ويقال: خنف البعير في مشيه إذا سار فقلب خف يده إلى وحشيه وناقة خنوف، قال الأعشى:

وَأَذْرَتْ بِرِجْلَيْهَا النَّفِيَّ وَرَاجَعَتْ

يَدَاهَا خِنَافًا لَيِّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا

(يقال: بعير أحرد وناقة حرداء، وذلك أن يسترخي عصب إحدى يديه من عقال أو يكون خلقة حتى كأنه ينفضها إذا مشى.)
وقال في الصحاح: خنف البعير يخنف خنفًا وخنافًا. لوى أنفه من الزمام، والخانف الذي يميل رأسه إلى الزمام، ويفعل ذلك من نشاطه، ومنه قول أبي وجزة:

قَدْ قُلْتُ وَالْعِيسُ النَّجَائِبُ تَغْتَلِي

بِالْقَوْمِ عَاصِفَةً خَوَانِفَ فِي الْبُرَى

(البرى: جمع برة، وهي الحلقة في أنف البعير، واغتلت الدابة في سيرها ارتفعت فجاوزت حسن السير.)
والخنوف من الإبل اللينة اليدين في السير والمشي جمع مشية كسدرة وسدر، يقول: لا أنظر إلى حسن مشي النساء وما بي شهوة إلى ذلك، وإنما نزاعي وميلي إلى كل ناقة خفيفة المشي، أو تقول: إن قوله وما بي حسن المشي كالاستدراك على قوله خنوف أي لست أصفها بالخنف استحسانًا لمشيها؛ لأني لست أنظر إلى حسن المشي، ولكني أستعين بها على نيل الرغائب يدل على ذلك البيت التالي.

(١١٢) العداة: الأعداء، والميط: الدفع، يقول: لست آبه للمشي سواء أكان مشي نساء أم مشي إبل، ولكن ولوعي بالإبل إنما هو لأنها حبال الحياة يتسبب بها إلى الرزق والخروج من المهالك، وبها تُكاد الأعداء ويدفع الأذى.

(١١٣) التيه: هنا تيه بني إسرائيل، وهو الذي بين القلزم وأيلة، وهو الذي سلكه حين هرب من مصر إلى العراق، والإشارة إلى الفوز والهلاك. يقول: ضربت بها الفلاة مخاطرًا كما يضرب المقامر بالسهام وهو لا يدري ما يقسم له من غنم أو غرم، كذلك أنا سلكت بناقتي القفار ملقيًا بنفسي بين الفوز وبين الهلاك. فالعاقبة إما هذا وإما هذا.

(١١٤) قدمتها؛ أي تقدمتها، وقوله بيض السيوف وسمر القنا، من المقابلة الجميلة، يقول: إذا فزعت هذه الناقة تقدمتها الخيل — لأنهم كانوا يجنبون الخيل ويركبون الإبل، فإذا لاقوا الأعداء ركبوا الخيل — فإذا كان هناك ما يخيفها تقدمنا بالخيل وبالسيوف والرماح للذود عنها.

(١١٥) نخل: ماء معروف، يقول: فمرت ناقتي بهذا الموضع وفي ركبانها — يعني نفسه وأصحابه — غنى عن العالم؛ أي عن خفارة أحد؛ لأنهم يخفرون أنفسهم بسلاحهم، وغنى عن هذا الماء لأنهم ذوو جلد وصبر ولا يبالون الظمأ.

(١١٦) النقاب: موضع يتشعب منه طريقان؛ طريق إلى وادي المياه، وطريق إلى وادي القرى، ونا من تخيرنا مفعول أول، ووادي المياه: مفعول ثان، وأسكن الياء ضرورة، يقول: لما بلغنا النقاب قدرنا السير، إما إلى وادي المياه، وإما إلى وادي القرى، فجعل هذا التقدير منهم كأن الإبل خيرتهم، فقالت: إن شئتم سلكتم هذا الطريق وإن شئتم سلكتم الطريق الآخر، وهذا على المجاز والاتساع، قال العكبري: وقيل في التخير تأويلان: أحدهما أن الهوادي من الخيل والإبل إذا وصلت مفرق طريقين تلفتت إليهما؛ لتؤذن بالحث على سلوك أحدهما، وهذا كأنه تخيير، والثاني: أنه على سبيل المجاز، كما قيل:

يَشْكُو إِلَيَّ جَمَلِي طُول السُّرَى

لم يرد حقيقة الشكوى، وإنما أراد صار إلى حال يشتكي من مثلها.

(١١٧) تربان هنا: موضع يبعد عن المدينة نحو خمسة فراسخ، وها: حرف تنبيه، يقول: وقلنا للإبل أين أرض العراق؟ — لأنا كنا نريدها — فقالت — ونحن بتربان — ها هي ذه؛ أي دانية، يريد أن هذه الإبل سريعة قوية على السير إلى حد أن هذه المسافة المترامية ليست في نظرها شيئًا مذكورًا، وقال ابن جني: تربان من أرض العراق.

(١١٨) هبت؛ أي الإبل، يريد نشطت في سيرها، شبه العيس بالريح على وجه الاستعارة؛ لأنها أقبلت من المغرب إلى المشرق كما تقابل الدبور الصبا، لأن الدبور تهب من الغرب، والصبا تقابلها من مطلع الشمس، وحسمى: موضع بالبادية، يقول: وهبت في هذا الموضع هبوب الريح الغربية مستقبلة جهة الشرق.

(١١٩) روامي؛ أي قواصد، حال من ضمير النوق، وأسكن الياء ضرورة، وهذه كلها أسماء مواضع، ووادي الغضى: بدل من جار البويرة، يقول: إن وادي الغضى جار للبويرة قريب منها.

(١٢٠) بسيطة موضع بين الكوفة ومكة من أرض نجد، وجابت: قطعت، والمها: بقر الوحش، يقول: وقطعت النوق هذا الموضع كما يقطع الرداء، سائرة بين النعام والمها؛ لأنها مواضع خالية من الأناسي، ومن ثم تألفها الوحوش.

(١٢١) عقدة الجوف: مكان معروف، والجراوي: منهل، قال الشاعر:

أَلَا لَا أَرَى مَاءَ الْجُرَاوِيِّ شَافِيًا

صَدَايَ وَإِنْ رَوَّى غَلِيلَ الرَّكَائِبِ

والصدى: العطش. يقول: جابت النياق بسيطة إلى عقدة الجَوف حتى شفت عطشها بماء الجراوي.

(١٢٢) قال الواحدي: صور اسم ماء، والصحيح أنه صوري، ذكر ذلك أبو عمرو الجرمي، والشغور: موضع بالسماوة. قال العكبري: هو موضع بالعراق، تقول العرب: إذا وردت شغورًا فقد أعرقت؛ ثم قال: وهو مشتق من قولهم بلاد شاغرة، إذا لم يكن لها من يحميها، والصباح والضحى: إما منصوبان على معنى المعية، وإما مرفوعان على أنهما معطوفان على ما قبلهما، يقول: وظهر لها صور مع وقت الصباح، وظهر لها الشغور مع وقت الضحى.

(١٢٣) الجميعي والأضارع والدنا: مواضع، والدئداء: سير سريع أرفع من الخبب، يقول: لما كان وقت المساء بلغ سيرها الجميعي، وفي الغداة بلغ الأضارع والدنا.

(١٢٤) أعكش: موضع قرب الكوفة، وأحم وخفي: صفتان لليلا، وليلا تمييز، ويا لك تعجب، والأحم: الشديد السواد، والصوى: أعلام من حجارة تنصب في الطريق ليهتدى بها؛ يتعجب من شدة ظلام الليل على هذا المكان حتى اسودت البلاد وخفيت أعلام الطريق.

(١٢٥) الرهيمة: موضع قرب الكوفة، والجوز في الأصل: الوسط، والمراد به هنا صدر الليل لقوله: وباقيه أكثر، والضمير في الموضعين لليل، يقول: وردنا هذا المكان صدر الليل وباقيه أكثر مما مضى منه، وقال بعضهم: ضمير جوزه لأعكش، والرهيمة ماء وسط أعكش؛ أي وردنا هذا الماء «رهيمة» وسط هذا المكان «أعكش» وقد بقي من الليل أكثر مما مضى منه، وقال الخطيب التبريزي: بعض من لا علم له بالعربية يظن أن هذا البيت مستحيل؛ لأنه يوهم أنه لما ذكر الجوز وجب أن تكون القسمة عادلة في النصفين، وليس الأمر كذلك، ولكنه جعل ثلث الليل الثاني كالوسط وهو الجوز، ثم قال: وباقيه أكثر، كأنه ورد، والثلث الثاني الذي كالوسط، وهو الجوز قد مضى ربعه وبقي ثلاثة أرباعه، وهذا أبين وأوضح، ويجوز أن يكون الضمير في باقيه لليل أو للجوز.

(١٢٦) يقول: لما ألقينا عصا التسيار، واستقر بنا النوى في الكوفة، وأنخنا ركابنا بها، وركزنا الرماح — شنشنة من يترك السفر — كانت رماحنا مركوزة فوق مكارمنا وعلانا لما كان منا من فراق الأسود «كافور» وقتال من قاتلنا في الطريق وظفرنا بمن عادانا، فكل هذا مما يدل على المكارم والعلا، فظفرت مكارمنا بما فعلنا، فكأنا نزلنا عليها.

(١٢٧) يقول: بتنا نقبل أسيافنا؛ لأنها أظفرتنا بأعدائنا ونجتنا من المهالك فجدير بها أن تقبل وترفع فوق الرءوس، ويروى بدل بتنا ثبنا؛ أي رجعنا نقبل … إلخ.

(١٢٨) لتعلم مصر؛ أي أهل مصر، والعواصم: بلاد قصبتها إنطاكية، وهي من حلب إلى حماه، وأل في الفتى للاستغراق؛ أي الكامل الفتوة.

(١٢٩) وفيت؛ أي لسيف الدولة إذ رجع إليه، أو تقول: وفيت أي بما قلته من أني سأترك مصر على رغم كافور وهذا هو الأظهر، وأبيت أي ضيم كافور، وعتوت، أي تجبرت على من تجبر علي.

(١٣٠) سامه الأمر: كلفه إياه أو أكرهه عليه، والخسف: الضيم والذل، وسامه خسفًا: أذله.

(١٣١) يصدع صم الصفا: يشق الحجارة القويه وينفذ فيها، وآلة القلب العقل وما يستتبعه من الرأي والعزم والأناة. يقول: لا بد للقلب من عقل يستظهر به ورأي ماضٍ يصدع به الأحداث والكروب، ولو تضامت تضام الصخر.

(١٣٢) التوى الهلاك وأصله هلاك المال يقال: توى ماله إذا هلك، واستعار للتوى قلبًا؛ ليقابل بين قلبه وقلب التوى، يقول: ومن له قلب كقلبي في الإقدام ومضاء العزيمة يشق قلب الهلاك، ويخوض شدائده حتى يصل إلى العز.

(١٣٣) يقول: وكل طريق يسلكه الإنسان تتسع خطواته فيه بمقدار طول رجليه؛ وهذا مثل معناه على قدر همة الطالب يكون سعيه، وخص الرجل من بين الأعضاء لذكره الخطا. جمع الخطوة — بضم الخاء — وهي ما بين القدمين.

(١٣٤) الخويدم: تصغير خادم، يريد كافورًا، والكرى: النوم والنعاس. يقول: نام كافور عن ليلنا الذي خرجنا فيه من عنده، وكان قبل ذلك نائمًا غفلة وعمى ولم يك نائمًا النوم المعروف، وهذا كقول الآخر:

وَخَبَّرَنِي الْبَوَّابُ أَنَّكَ نَائِمٌ

وَأَنْتَ إِذَا اسْتَيْقَظْتَ أَيْضًا فَنَائِمُ

(١٣٥) مهامه: اسم كان، وبيننا خبرها؛ يقول: ولما كنت قريبًا منه كان بيني وبينه مع هذا القرب صحراوات من جهله وعماه، وبذلك كنت كأنني بعيد عنه؛ لأن الجاهل لا يزداد علمًا بالشيء وإن قرب منه.

(١٣٦) النهى: العقول، جمع نهية، سميت العقول كذلك؛ لأنها تنهى عن كل ما هو قبيح، يقول: كنت أظن قبل أن أرى كافورًا أن الرءوس مقر العقول فلما رأيت عقله وما به من أفن عدلت عن ظني وقلت إن العقول كلها في الخصى، فإنه لما خصي ذهب عقله وحمق.

(١٣٧) النهى: العقول، جمع نهية، سميت العقول كذلك؛ لأنها تنهى عن كل ما هو قبيح، يقول: كنت أظن قبل أن أرى كافورًا أن الرءوس مقر العقول فلما رأيت عقله وما به من أفن عدلت عن ظني وقلت إن العقول كلها في الخصى، فإنه لما خصي ذهب عقله وحمق.

(١٣٨) يتعجب مما رأى بمصر من العجائب التي تستدعي الضحك، ثم قال: لكن ذلك الضحك كالبكاء، كما قالوا: وشر البلية ما يضحك.

(١٣٩) يبين ما بمصر من المضحكات، والنبطي واحد النبط، وهم جيل من العجم ينزلون البطائح بين العراقين، قال المعري:

أَيْنَ امْرُؤُ الْقَيْسِ وَالْعَذَارَى

إِذْ مَالَ مِنْ تَحْتِهِ الْغَبِيطُ

اسْتَنْبَطَ الْعُرْبُ فِي الْمَوَامِي

بَعْدَكَ وَاسْتَعْرَبَ النَّبِيطُ

والسواد سواد العراق، والفلا: جمع فلاة، والمراد بها البادية، وأهل البادية هم العرب. قال الواحدي: يريد بالنبطي السوادي أبا الفضل بن حنزابه وزير كافور، وقيل: أبا بكر المادراني النسابة، وذلك مضحك لأنه ليس من العرب وهو يعلم أنساب العرب.

(١٤٠) المشفر في الأصل شفة البعير، يقول: وبمصر أسود — يريد كافورًا — عظيم الشفة حتى لكأنها قدر نصفه، يموهون عليه ويشبهونه بالبدر، والبدر هو ما هو جمالًا وإشراقًا، والأسود هو ما هو قبحًا وإظلامًا، ومع ذلك يصدقهم ويغتبط بتكذابهم.

(١٤١) الكركدن بتشديد الدال والعامة — كما في القاموس — تشدد النون: هو حيوان من ذوات الحوافر عظيم الجثة، قصير القوائم، كثيف الجلد، على أنفه قرن واحد، ولبعض أنواعه قرنان الواحد فوق الآخر، ويسمى المرميس، يقول: ورُبَّ شعر مدحت به هذا الأسود الذي يشبه الكركدن في عظم الجثة وقلة الغناء والخير وهذا الشعر هو شعر من وجه ورقية أرقيه به وأحتال لأجتلب ماله من وجه آخر.

(١٤٢) قال ابن جني: إذا كانت طباعه تنافي طباع الناس كلهم سفالًا، ثم مدح فذلك هجو لهم؛ لأن فيه إرغامًا لهم ومدحًا لمن ينافي طباعهم، وقال غيره: يعني لم يكن ذلك الشعر مدحًا له ولكنه في الحقيقة كان هجاء الخلق كلهم حيث أحوجوني إلى مثله.

(١٤٣) يقول: قد ضل ناس بعبادة الأصنام لاعتقادهم فيها أنها تنفع وتضر وهذا مشاهد، وقد يكون أدنى إلى أن يعقل ولكن أن يضل ناس بزق ريح — يعني كافورًا — وينقادوا إليه ويعظموه فذلك ما لم أره إلا في مصر وأهلها، والزق أسود، وإذا كان مملوءًا ريحًا فلا غناء فيه ومن هنا كان التشبيه.

(١٤٤) تلك؛ أي الأصنام، وذا؛ أي زق الريح؛ أي كافور.

(١٤٥) هذا هو بيت القصيد، يقول: من لم يعرف قدر نفسه غرورًا وإعجابًا وذهابًا بها خفيت عليه عيوبه، فرأى الناس من عيوبه ما لا يرى واستقبحوا منه ما استحسن، وإنه لبلاء عظيم …

(١٤٦) كان سيف الدولة قد نزل آمد فكثر المطر ودعا أبا الطيب فدخل عليه وهو على الشراب فقيل له: إنه قد عيب عليه قوله لسيف الدولة:

لَيْتَ أَنَّا إِذَا ارْتَحَلْتَ لَكَ الخيـْ

ـلُ وأنا إِذَا نَزَلْتَ الْخِيَامُ

لأن الخيام تكون فوق سيف الدولة فقال هذه الأبيات ارتجالًا.

(١٤٧) يقول: إن الذين عابوا علي هذا القول نسبوا الخيام إلى الرفعة والعلاء وما إلى هذا قصدت، وإني آبى ذلك كل الإباء؛ لأني لا أسلم بأن تكون الثريا والسماء فوقك وهما ما هما علوًّا وارتفاعًا؛ فكيف أسلم بأن تكون الخيام فوقك؟ يريد أن رتبتك فوق كل شيء؛ فليس ثم شيء يعلوك رتبة وقدرًا.

(١٤٨) يقول: إن الذين عابوا علي هذا القول نسبوا الخيام إلى الرفعة والعلاء وما إلى هذا قصدت، وإني آبى ذلك كل الإباء؛ لأني لا أسلم بأن تكون الثريا والسماء فوقك وهما ما هما علوًّا وارتفاعًا؛ فكيف أسلم بأن تكون الخيام فوقك؟ يريد أن رتبتك فوق كل شيء؛ فليس ثم شيء يعلوك رتبة وقدرًا.

(١٤٩) يقول: لما زايلت الشام وفارقتها أوحشتها فسلبتها بذلك ثوب الجمال الذي كانت تشتمل به بمقامك فيها؛ فلما غادرتها غادرها جمالها وأنسها.

(١٥٠) يقول: إذا تنفست والعواصم على عشر ليالٍ منك عرف أهلوها والمقيمون بها طيب نفسك في الهواء، وهذا المعنى مأخوذ من قول أبي عيينة:

تَطَيَّبُ دُنْيَانَا إِذَا مَا تَنَفَّسَتْ

كَأَنَّ فَتِيتَ الْمِسْكِ فِي دُورِنَا هَبَّا

وتنفس — بحذف إحدى التاءين — أي تتنفس، والعواصم بلاد منها حلب وقنسرين وإنطاكية، وهي عاصمتها سميت كذلك؛ لأنها كانت تعصم أهلها بما عليها من الأسوار، وقوله منك عشر؛ أي على مسيرة عشر ليال.

(١٥١) أنشد المتنبي سيف الدولة يومًا قوله:

وَا حَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبمُ

وانصرف؛ فاضطرب المجلس، وكان فيه نبطي من كبار كتابه يقال له أبو الفرج السامري فقال لسيف الدولة: ألحقه فآخذ لك رأسه؟ فقال المتنبي هذه الأبيات يهجوه بها.

(١٥٢) يقول: يا سامري يا من يضحك منه كل من رآه كيف فطنت إلى ما أنشدته وأنت أغبى الأغبياء، والسامري نسبة إلى سامري بلد بناه المعتصم قرب بغداد، وكان لما أخذ في بنائه ثقل ذلك على عسكره فقالوا ساء من رأى، فلما انتقل بهم إليها سر كل منهم برؤيتها، فقيل سر من رأى، ثم حرف اللفظان على ألسنة العامة سامرا وسرمرى، والضحكة: الذي يضحك منه، أما الضحكة بفتح الحاء فهو الكثير الضحك.

(١٥٣) يقول: حين وجدت نفسك أحقر من أن تمدح تعرضت للهجاء كأنك لا تدري أنك كذلك أحقر من أن تهجى؛ لأن مثلك لا يأبه له الشعراء، ولا يرونه أهلًا حتى للهجاء.

(١٥٤) المحال: ما عدل به عن وجهه يقول: وكيف يخطر لي أن أهجوك وما فكرت قبلك في باطل حتى أكترث له؛ أي ما هجوت قبلك مثلك ولا حاك في صدري ذلك، وهل يليق بمثلي أن يجرب سيفه في قطع الهباء؟! وأحسب هذا المعنى ينظر إلى قول القائل:

أَمَّا الْهِجَاءُ فَدَقَّ عِرْضُكَ دُونَهُ

وَالْمَدْحُ فِيكَ كَمَا عَلِمْتَ جَلِيلُ

فَاذْهَبْ فَأَنْتَ طَلِيقُ عِرْضِكَ إِنَّهُ

عِرْضٌ عَزَزْتَ بِهِ وَأَنْتَ ذَلِيلُ

وقول الآخر:

قُلْ كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى تَشَا

وَأَبْرِقْ يَمِينًا وَأَرْعِدْ شِمَالَا

نَجَا بِكَ لُؤْمُكَ مَنْجَى الذُّبَابِ

حَمَتْهُ مَقَاذِيرُهُ أَنْ يُنَالَا

وقول بعضهم:

إِنِّي لَأُكْرِمُ نَفْسِي أَنْ أُكَلِّفَهَا

هِجَاءَ جَرْمٍ وَمَا يَهْجُوهُمُ أَحَدُ

مَاذَا يَقُولُ لَهُمْ مَنْ كَانَ هَاجِيَهُمْ

لَا يَبْلُغُ النَّاسَ مَا فِيهِمْ وَإِنْ جَهَدُوا

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي