صيرك الحسن أمير الوجود

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة صيرك الحسن أمير الوجود لـ ابراهيم ناجي

اقتباس من قصيدة صيرك الحسن أمير الوجود لـ ابراهيم ناجي

صيّركَ الحسن أميرَ الوجود

والشعر من درّاته كَلَّلَك

مستلهماً منك معاني الخلود

فكل تاجٍ في العلى منك لك

فَنَاهِبٌ برق الثنايا العذاب

وسارقٌ ياقوتةً من فمك

وكل تغريد الهوى والشباب

أغنيّةٌ حامت على مبسمك

وذلك الماس الرفيع السنا

والجوهر الغالي الذي صِدتُهُ

أرفع من فكر الورى مَعدِنا

وكل فضلي أنني صُغتُهُ

لا فكر لي عشتُ على فكرتك

أقبس ما أقبس من غُرَّتك

ودمعتي تقتات من عبرتك

فانظر بمرآتي إلى صورتك

أشقانيَ الحبُّ وقلبي سعيد

يَعُدُّ هذا الدمع من أنعمك

أجزلُ ما كافأ هذا الشهيد

بلوغُه المجد على سُلَّمك

لا شيء من يوم النَّوى منقذي

إني امرؤٌ عنك وشيك المسير

وأنت باقٍ والجمال الذي

غنّى به شعري ليومي الأخير

انظر إلى آيات هذا الجمال

ترتدُّ عنها عاديات البلى

عاجزةَ الباع ويأبى الزوال

لوردةٍ من عَدن أن تذبلا

للأنفس الظمأى إِليك التفات

ولهفةٌ ملءَ اللّحاظ الجياع

ولي التفاتٌ لسري الصّفات

واللؤلؤِ اللّماح خلف القناع

قلبي مع الناس وفكري شَرود

في عالمٍ رَحب بعيد الشِّعاب

عيني على سرٍّ وراء الوجود

وبغيتي عرشٌ وراء السحاب

كم طرت بي واجتزت سور الضباب

والضوء ملء القلب مِلء الرحاب

وعدت بي للأرض أرض السَّراب

والليل جهمٌ كجناح الغراب

أريتَني الغيب الذي لا يُرى

كشفتَ لي ما لا يراه البصر

ثم انحدرنا نستشفُّ الثرى

علّ وراء التُّرب سرَّ السفر

صدري وسادٌ زاخرٌ بالحنان

تصوُّري أعجب ما في الزمان

موج على لُجَّته خافقان

قَرَّا على أرجوحةٍ من أمان

كمركب في البحر يومَ اغتراب

ما أبعد المحنة بعد اقتراب

هيهات يُنجِي من شطوط العذاب

إلا عبابٌ دافقٌ في عباب

ملأتُ كأسي وانتظرت النديم

فما لساقي الرُّوح لا يُقبل

شوقي جحيمٌ وانتظاري جحيم

أقلُّ ما في لفحِهِ يقتل

أنت كريم الودّ حُلو الوفاء

فما الذي عَاقَكَ هذا المساء

وما الذي أخَّر هذا اللقاء

وحرَّم النبع وصدَّ الظِماء

أذمّ هذا الوقت في بُطئِهِ

آخرهُ يعثُر في بَدئِهِ

لله ما أحمل من عِبئِهِ

وما يُعاني القلب من رُزئِهِ

تدقُّ فيه ساعةٌ لا تدور

وإن تَدُر فهو صراعُ اللُّغوب

رنينُها يُقلق صُمَّ الصدور

وطَرقُها يقرع باب القلوب

يا ذاهباً لم يَشفِ مني الغليل

ما أسرع العقربَ عند الرحيل

هتفتُ قف لم يبق إلا القليل

وكل حيٍّ سائرٌ في سبيل

يومٌ تولّى أو ظلامٌ سجا

كلاهما بالقرب منك انتصار

أأحمد اليوم تلاه الدُّجى

أم أحمد الليل تلاه النهار

إن نَوَّر النجم به مرَّةً

فإن إشراقَك لي مرّتان

وكيف يُبقى الشكُّ لي حيرةً

ولي على برج المنى نجمتان

فهذه تلمع في خاطري

مِلءُ دمي إشراقُها والبهاء

وهذه تُومِئُ للساهر

والليلُ صافٍ وأديم السماء

وهذه تجلو كثيف الغيوم

وهذه تَدرَأُ عني الهموم

وتَمحق الحزن وتَأسُو الكلوم

فما الذي أجرَى دموع النجوم

هيهات أنسى دُرَّة الأنجم

إِليَّ من آفاقها ترتمي

وفي جريحٍ أعزلٍ تحتمي

من أي هولٍ هي لم تعلمِ

إنَّ ضلوعاً تحتمي في ضلوع

مقادرٌ ليس بها من رجوع

أخلدُ أصفاد الجوى والنزوع

هوى الحزانى وعناق الدموع

رضيت بالدهر على ما جَنَى

وأُبتُ بالحكمة بعد الجنون

ومرّ يومي هادئاً ساكناً

وأيُّ شيءٍ خادع كالسكون

أرنو إلى الصحراء حيث الرمال

نامت كأنَّ اللفح فيها ظلال

يا ليت لي والدهر حالٌ وحال

من وقدة الإِحساس بعض الكلال

فأقبلُ الدنيا على حالها

مسلِّماً بالغدر في آلها

وراضياً عنها بأغلالها

محتملاً وطأة أثقالها

الرُّعبُ سيَّان بها والأمان

والحسن زادٌ سائغٌ للزمان

والوهم في حالاتها كالعِيان

والحبُّ والكره بها توأمان

وَدِدتُ لو قلبي كهذي القفار

أصمُّ لا يسمع ما في الديار

أعمى عن الليل بها والنهار

وددت لو قلبي كهذي القفار

وددتُ لو عنديَ جهل الثرى

تَعمُر أو تُقفر هذي البيوت

غفلان لا يعنيه أمرٌ جرى

أيُولَد الحيُّ بها أم يموت

وليلةٍ تمضي وأخرى وما

جئتَ فهل ألهاك عني أحد

ما ضاء من ليلاتنا أظلما

والسبت خَدَّاعٌ بها كالأحد

يمتلئ السطح على ضيقه

والوقت عندي كانفساح الأبد

حسدته والقلبُ في ضيقه

أنا الذي لم أدرِ طعم الحسد

وذلك الجاز وهذا النغم

منتقلاً بين الرضا والألم

يحمل لي طيف خيالٍ قَدِم

تراه عيني في ثنايا حُلُم

في واحةٍِ يرسو عليها الغريب

فكلُّ ما فيها لديه غريب

وهكذا الدنيا خداعٌ عجيب

إذا خلت أيامها من حبيب

وهكذا يومٌ ويومٌ سواه

ينكرها القلب الصَّبور الحمول

وهكذا يذهب طِيب الحياه

بين التمنّي واعتذار الرسول

هنا مِهاد الحب هل تذكرين

وها هنا بالأمس طاب السمر

وتلك أحلام الهوى والسنين

يحملها التَّيار فوق النَّهَر

والقمر الفضيُّ بين الغيوم

يخفق كالمنديل عند الوداع

يا حسرتا هل صوَّرته الهموم

كالزورق الغارق إلا شراع

قد جلَّلته غيمةٌ عابرة

تسحب أذيال الأسى والندم

وأغرقته موجةٌ غامرة

فأطبق الصمت وَرَانَ العدم

ضممت أضلاعي على نعشه

فلم يزل فيها لهاوٍ شعاع

لأي غورٍ زال عن عرشه

وغاص في اللجِّ إلى أيِّ قاع

أرثي لحظّ الأُفق وهو الذي

يرمقني بالنظرة الساخره

وتهرب الأنجم هذي وَذِي

ويجثم الليل على القاهره

ويزحف الكون على خاطري

كأنه في مقلة الساهر

سَدٌّ من الرُّعب بلا آخر

يعبُّ عبَّ الأبد الزاخر

وفي ظلال الموت موتِ الوجود

وخلفَ أطلال البِلى والهمود

وبين أنفاس الرَّدى والخمود

وتحت سُحبٍ عابساتٍ وسود

تدفعني عاصفةٌ عاتيه

تقصف من خلفي وقُدَّاميه

قد مزّقت روحي وآماليه

وقرَّبت لي طرَف الهاويه

تلمع في الظلمة أحداقها

قد رحَّبَت باليأس أعماقها

شافيةُ النفس وترياقها

مشتاقةٌ أقبل مشتاقها

قد كان لي عندك عزُّ الذليل

وكان للآمال ومضٌ ضئيل

يلمع في ظَنِّيَ قبل الرحيل

فانطفأ النور ومات القليل

فداك يا جاهلةً ما بيه

قلبي وأنفاسي الحِرار الظِّماء

وكيف أنسى ليلتي الداميه

ولهفتي أَلهَثُ خلف القطار

وعودتي أجرع كأس الحياة

مُعاقِراً سُمَّ الفناء البطيء

أُنكِرُ أو أفزع ممن أراه

سيان من يذهب أو من يجيء

وليلةٍ فاضت بوسواسها

تعجب من إلفَين بين البَشَر

ذلك يعدو خلف أنفاسها

وهذه تتبع سير القمر

تتبعه بين الرُّبى والشِّعاب

تتبعه يسري خلال السحاب

كم هلَّلت وهو يضيء الرِّحاب

والتفتَت محسورةً حين غاب

وذلك الطفل اللهيف الغيور

في فَلَكٍ من ضوء ليلى يدور

يقفو خطاها وهي بين الطيور

لها جناحان مراحٌ ونور

كزورقٍ يعبر بحر الوجود

له شراعان ولحظٌ شَرُود

كم شرَّقا أو غرَّبا في صعود

وارتفعا حتى كأن لن يعود

ليلى ارجعي إني شقيّ كئيب

أهتف مفقودَ الهُدَى والقرار

يا هاته الأوطان إني غريب

وعالمي ليس هنا يا ديار

تركتني وحدي وخلَّفتني

أرزح تحت المُبكيات الثِّقال

أنكرتِ ميثاقي وأنكرتني

أَكُلُّ ماضينا وليد الخيال

فرغت من أحلامه وانطوى

بِمُرِّهِ وارتحتُ من عذبه

الأمرُ ما شئت فذنب الهوى

على الذي يكفر يوماً به

كان إلى الله سبيلي وما

كان إلى الإِيمان دَربٌ سواه

وكان في جُرح الهوى بلسما

وكان عندي منحة من إله

مهما تكن ناري فإنّ الجحيم

أرأفُ بي من ظلم هذا البعاد

وربّ همّ مُقعِدٍ أو مقيم

قد لطَّفَته نسمات الوداد

فخفَّت النار وقرَّ الهشيم

وعاودتني الذِّكَرُ الغابره

والنيل يجري هادئاً والنسيم

معربدٌ في الخُصَل الثائره

كم تهتف الأيام خانت فَخُن

ويح حياتي إن تَخُن أمسها

إن هنتُ هذا عهدها لم يَهُن

ولا لياليها وإن تنسها

تُهيبُ بي الفرصةُ قبل الفوات

ويعرض الصَّيد فلا أقنصُ

إني امرؤ زادي على الذكريات

وما غلا عندي لا يرخصُ

ومطلب في العمر ولَّى وفات

وكان همِّي أنه لا يفوت

كأن فجراً ضاحكاً فيَّ مات

وملءُ نفسي مغربٌ لا يموت

وبدَّد الوهم وفضَّ الخداع

بَردُ المنايا وشحوب الفناء

وَأسِفَ القلبُ لكنزي الذي

غَصَّت به أفئدة الحُسَّدِ

صحوت من وهمي ولا كنز لي

قد صَفِرت منها ومنه يدي

أين زمانٌ مُكتسٍ يومُه

بالحبِّ مَوشِيٌّ بحُلم الغد

من هاته الأيام محرومةً

عريانةَ الآمال والموعد

قد قتل الدهرُ هنائي كما

ماتت بثغري ضحكات السعيد

وربما رقَّ زمانٌ قسا

فانعطف الجافي ولان الحديد

محقّق الآمال أو واعدٌ

بفرحةٍ يوم لقاء وعيد

في السَّأم الحيِّ الذي لا يَبيد

والأملِ الطاغي بأن ترجعي

أجدِّدُ العيش وما من جديد

وأدّعي السّلوان ما أدّعي

كم خانني الحظ ولا أنثني

أقضي زماني كلَّه في لعل

وتُقسم المرآة لي أنني

رَقَّعتُ بالآمال ثوب الأجل

قد فاتني الصيف وخان الربيع

وكان همّي كلًُّه في الخريف

وما شكاتي حين شملي جميع

وأنت لي أيكٌ وظلٌّ وريف

والآن قد مزّق عندي القناع

موتُ الأباطيل وزحف الشتاء

فإن يَعدِني ثار شكِّي به

كأنما وعد الليالي وعيد

واأسفاً هذا سجلٌّ كُتِب

خَطَّتهُ كفُّ القدَر المحتجب

ففيم عَودِي لقديم الحِقَب

وفيم تَسألي عمَّا ذهب

ضاقت بنا مصرُ وضقنا بها

وكلُّ سهلٍ فوقها اليوم ضاق

وضاقت الدنيا على رحبها

أين نداماي وأين الرفاق

كفٌّ تَلُمُّ العمر والعُمر راح

وقبضةٌ تجمع شمل الرياح

لا حَبَبٌ باقٍ ولا ظل راح

ليلٌ تولَّى وتولَّى صباح

هذا نهار مات يا لَلنَّهار

كل مساءٍ مصرعٌ وانهيار

مال جدار النون بعد انحدار

وغابت الشمس وراء الجدار

وذا مساءٌ صبغته الهموم

بلونها القاني وهذي غيوم

تحوم والظلمة فيها تحوم

تبسط مهداً ليّناً للنجوم

كأن ثوباً في السماء احترق

فلم يزل حتى استحال الأفق

ظلّ دخان أو بقايا رمق

ولم يعُد إلا ذيولُ الشفق

وتزحف الظلماء زحف المُغير

حاجبة ما دونها كالسِّتار

وكل حيٍّ وادعٌ أو قرير

ما اختلف الشأن ولا الحظ دار

العيش أمرٌ تافهٌ والمنون

والحكمةُ الكبرى بها كالجنون

وهكذا نمضي وتمضي السنون

وهكذا دارت رحاها الطحون

في شَجِّها حيناً وفي طَعنِها

سينقضي العمرُ وأين الفرار

وثورةُ الشاكين من طحنها

نوحُ الشظايا وعتابُ الغُبار

شرح ومعاني كلمات قصيدة صيرك الحسن أمير الوجود

قصيدة صيرك الحسن أمير الوجود لـ ابراهيم ناجي وعدد أبياتها مائة و أربعة و خمسون.

عن ابراهيم ناجي

ابراهيم ناجي

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي