عاشق بدوي .. في عصر الحداثة ..

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة عاشق بدوي .. في عصر الحداثة .. لـ نزار قباني

1
أحبك .. على فطرتي الأولى .
وكما يأمرني جسدي .. وذاكرتي .. وسلالاتي .
أنا البدوي الذي اصطدم بجدار الحداثة
فلم يعد يميز بين شكل النهد …
وشكل الكمأة السمراء ..
وبين لذعة العشق .. ولذعة ( الفودكا ) ..
وبين حرب البسوس .. وحرب ( الديسكو ) ..
وبين أنوثة الرجال .. ورجولة النساء …
وبين حليب الناقة .. ورغوة ( الكابوتشينو ) ..
وبين فحولة عنترة بن شداد ..
ورخاوة مايكل جاكسون ..
وبين هدوء البادية .. وضجيج المترو ..
وبين ( عيون المها بين الرصافة والجسر ) ..
وإشارات المرور في لندن …

2
أحبك ..
أنا البدوي الذي تشتعل في دمائي
شموس الجزيرة العربية ..
وأختزن في قلبي
غزليات امرئ القيس .. وسحيم ..
وجميل بثينة ..
وعروة بن الورد ..
أنا البدوي الذي جاء من بلاد القطا ..
والقهوة المُرة ..
وإيقاعات البحر الطويل ..
لينام على جريدته العربية ..
في أحد البارات الإنكليزية !! .

3
أحبك كما أنتِ ..
وأرجو أن تحبيني كما أنا ..
بتاريخي المضرج بصوت الربابة …
وأحزاني المرتفعة كجبال نجد ..
وعباءتي المشغولة بوبر الجمل ..
لا بأصابع بيير غاردان ..
أو جورجيو آرماني ..
أو فالنتينو !! ..

4
قد لا أكون رفيقاً جيداً .. أو حبيباً جيداً ..
وقد لا تكون عباءتي لائقة في حي ( نايتس بريدج ) ..
وقد لا يعجبك الشعر ولا الشعراء ..
وقد لا تحبين قصائد المتنبي ..
أو قصائدي ..
فلقد أصبحتِ مع الزمن لندنية عتيقة ..
تقرأين جريدة ( التايمز ) ..
وتلعبين البريدج ..
وتشربين شاي الساعة الخامسة ..
وتقفين على باب ( هارودز ) ليلاً ونهاراً ..
أما أنا فمنذ خمسين عاماً
أقف على باب الحرية ..
ولا أزال واقفاً …

5
خذيني على بدائيتي .
خذيني على دروشتي .. وسذاجتي ..
خذيني على مساحة عقلي ..
فكلما نقص عقل العاشق
زادت تجلياته …

6
خذيني على طبيعتي الصحراوية .
أرعد بلا سبب .
وأمطر بلا سبب ..
ألقي القبض على نهديك الجامحين بلا سبب ..
وأعفو عنهما بلا سبب ..
وأكتب لك قصيدة حب .. بلا سبب ..
وأمزقها بلا سبب ..

7
خذيني بكل تراثي العاطفي
الذي ينتمي إلى ما قبل الحداثة ..
وبكل شِعري النزاري
الذي لم يشرب من ثدي الحداثة ..
وبكل عشقي العربي
الذي لم يدخل ثلاجة الحداثة …

8
خذيني حكيماً .. كما أنا ..
ومجنوناً .. كما أنا ..
وصارخاً . وغاضباً كما أنا ..
فأنا بدوي لا يجيد التنكر .
ولا يعرف استعمال المساحيق
والأقنعة !! .

9
خذيني على نزقي .. وقلقي ..
وغيرتي المفترسة ..
فأنا لا أريد أن أقتسمك مع الآخرين .
ولا أريد أن أقدم سيرتك الذاتية ..
إلى الخاطبات ..
وأصحاب مكاتب الزواج ..
لا أريد أن يتزوجك أحد ..
ولا أن تدخلي في عصمة أحد ..
سوى عصمة الشعر …

10
أيتها المحتضرة حتى الثمالة .
أحبك مبتلة بماء الدهشة .. وموسيقى الأسئلة ..
وأمزمزك ببطء شديد
كما يمزمز الفرنسي نبيذه
واللبناني عرقه ..
والشاعر كلمات قصيدة جديدة …

11
ما دمتُ أحبك ..
وما دمتِ تركضين كأرنب بري
بين الشريان ، وبين الشريان ..
فلا ضرورة لإعطاء مقاييس جسدك إلى مخرجي السينما ..
ومنظمي جائزة الأوسكار ..
والمشرفين على انتخاب ملكات الجمال ..
فأنا لا أنوي تسويقك أبداً ..
لأن العاشق الكبير لا يتخلى عن ممتلكاته ..
ولا يبيع رسائل حبيبته ..
في مزاد ( كريستيز ) !! .

12
ما دمتُ أعرف أني ..
وما دمتِ تعرفين أني ..
فلا ضرورة لبث مفاتنك على الأقمار الصناعية ..
فأنتِ قمر الشِعر الذي لا يزال يرسل ضوءه ..
إلى كل كواكب المجموعة الشمسية منذ آلاف السنين ..

13
إنني أحبك .. على قناتي أنا ..
ولا يخطر ببالي أن أبثك على جميع الأقنية ..
فأنا أميز بين الحب والإعلام ..
بين القبلة الحقيقية .. وبين القبلة السينمائية ..
بين رسائل الحبيبة .. وبين الإعلانات المبوبة …
بين حديثها الليلي على الهاتف ..
وبين نشرة الأخبار …

14
أيتها الشمالية التي تتحمص على شمس بداوتي !! .
أخرجي من تحت الثلج ..
وادخلي في حرائق دمي ..
إنني أحبك حتى آخر رجولتي ..
وآخر أنوثتك ..
ولكنني لا أستطيع أن أحولك إلى سبق صحافي
أو إلى جارية من جواري التلفزيون ..
فالبدوي في داخلي ..
يرفض أن يجعل منك خيمة جماعية ..
أو نخلة وارفة يتمدد تحتها ..
مع الآخرين …

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي