عزاء فما يغني الأسى والتفجع
أبيات قصيدة عزاء فما يغني الأسى والتفجع لـ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل مبارك

عَزاءً فَما يُغنِي الأَسى والتَّفَجُّعُ
وإِن دَهَمَ الخَطبُ الجَليلُ المُزَعزِعُ
وَلو كانَ سَكبُ الدَمعِ يُغنِي أَخَا شَجىً
بَكينا دَماً لَكنَّهُ ليسَ يَنجَعُ
فَلا تَتوجَّع مِن مُصَابٍ فَإِنَّمَا
يَسُرُّ الأَعادِي مِنكَ هَذا التَوجُّعُ
وَذُو العزمِ قَد يَشجَى ولَكِن بِقَدرِ ما
يُرَى ثُمَّ يَنهاهُ نُهَاهُ فَيَشجَعُ
لَنا اللَهُ مِن رُزءٍ عَظيمٍ مُحَيِّرٍ
تَكادُ لهُ صُمُّ الجِبالِ تَصدَّعُ
وَواقِعةٍ عمَّ الخَلائِقَ وَقعُها
ولَم يَخلُ مِنها في الجَزيرَةِ موقِعُ
وَواخبراً عَن مُنتَدىً في العُلا غَدَت
بِهِ تُخفَضُ الأَصواتُ طَوراً وتُرفَعُ
أَلمَّ بنا ليلاً فبِتنا بِلَوعَةٍ
وسُمُّ الأَفاعِي عَذبُ ما نتجرَّعُ
تقولُ لنا سُودُ الصَحائِفِ إِذ أَتَت
بهِ نحنُ أم بِيضُ الصَفائِحِ أَقطَعُ
أَقولُ وَعَيني بالدُموعِ غَريقةٌ
كَذا فلتَجِلَّ الحادِثاتُ وتفجعُ
خليلَيَّ ما لِلأُفقِ أَسوَد والسَمَا
تَسُحُّ دَماً والأرض حَرَّى تسفَّعُ
نَعم غابَ بَدرُ التِّمِّ فَالكَونُ لابسٌ
ثِيابَ حِدادٍ مِن سَدى الهمِّ تُصنَعُ
فَوَالَوعةَ القَلبِ المُحرَّقِ بالجَوى
عَلَى مَن بهِ أَمسَى يُوارِيهِ مَربَعُ
مَضَى راشِدُ الأَفعالِ غيرَ مُودَّعٍ
وبِالحَمدِ والذِّكرِ الجَميلِ يُشَيَّعُ
مَضَى ومَشَوا مِن خَلفِهِ وَأمامَهُ
وأَبصَارُهُم من شِدَّةِ الهَولِ خشَّعُ
فَيا لكَ من جَفنٍ يَسيلُ ومُهجَةٍ
تُسَلُّ بأَيدِي الوجدِ كرهاً وتُنزَعُ
لئِن راحَ مَطوياً بأَذرُعِ خامةٍ
فنَشرُ عُلاهُ لم يَزَل يَتَضوَّعُ
فيا قَمراً قد بانَ في الشَرقِ غارِباً
وعَهدِيَ بِالأَقمارِ في الشَرقِ تَطلُعُ
رحلتَ لجنّاتِ النَعيمِ مُرَوَّحاً
وظَلنَا بنَارِ الكَربِ والبُؤسِ نُلذَعُ
أَظُنُّ الرَدى يَختارُ فِينا سِهَامَهُ
وإِلا فَفي الأَحياءِ دُونَكَ مَقنَعُ
خَليليَ ما حُزنِي الغداةَ بِمُقنِعِي
عَلى أنَّ مِثلِي بِالعَزا يَتَقَنَّعُ
وَليسَ بَقائِي سَلوةً بَعدَ فقدِهِ
ولكنَّ أَمرَ اللَهِ ما مِنهُ مَجزَعُ
وأَنَّى لنا السُلوَانُ والصَبرُ بعدَهُ
وفي أَربعٍ منّا خَلَت مِنهُ أَربُعُ
فَمَا أوحشَت مِنهُ لَعَمرِيَ أَربُعٌ
تحلَّت بِهِ بل أَوحشت مِنهُ أَضلُعُ
لَقَد كُنتُ أَبكيهِ وفِي قُربِهِ رَجاً
فَكيفَ وَقَد أَمسَى وما فيهِ مَطمَعُ
سَيَبكِيهِ مِحرابٌ ودرسٌ وَمِنبَرٌ
وكُتبٌ وأَقلامٌ ورَأيٌ ومَجمَعُ
وَوَعظٌ وتذكيرٌ إِلى اللَهِ مُنهِضٌ
وزجرٌ يَلينُ الصَخرُ مِنهُ ويَخشَعُ
سَيَبكِي عَليهِ العِلمُ والجودُ والحِجا
وحُسنُ النُهى وَالعزمُ والحزمُ أَجمَعُ
فَلو شَفَعَ الدَهرُ الحياةَ لميِّتٍ
شَفَعنَا لهُ لَكِنَّهُ لا يُشَفَّعُ
وَلو كانَ ريبُ الدَهرِ يُدفعُ بالقُوَى
دَفعنَاه عنهُ بالَّتي هِيَ أَمنَعُ
وَلَكنَّ حُكمَ اللَهِ لا شكَّ نافِذٌ
وَما لامرِئٍ عَمّا قَضَى اللَهُ مَدفَعُ
وَمَن كانَ في كَفِّ الزَمانِ زِمامُهُ
أَيَنفَعُهُ أَنَّ اللِّجَامَ مُوَسَّعُ
رأيتُ المَنايا خبطَ عشوَاءَ ربَّما
نَجا عاطِلٌ مِنها وطاحَ المُدرَّعُ
فَواعَجَباً يمشي ابنُ عِشرينَ آمِناً
ويُفجا ابنُ عَشرٍ بالحِمَامِ ويُفجَعُ
لَقَد قصَّرَت عَن كفِّهِ كَفُّ قَيصَرٍ
كَما كُسِرَت أَجنادُ كِسرى ومُزِّعُوا
وَلَم ينتَصِر مِن نحسِهِ بُختُ نَصَّرٍ
ببُختٍ وَلَم يَنفَعهُ ما كانَ يجمَعُ
وعادَت عَلى عادٍ عَوَادِي صُرُوفِهِ
فَعادَت مَغانِي رهطِهِ وهيَ بَلقَعُ
لهُ كلَّ يَومٍ في البَرايا وقائِعٌ
وكُلٌّ لجَاري بأسِهِ مُتَوَقِّعُ
فكَيفَ يَطِيبُ العَيشُ أَو يَحسُنُ الهَنا
وأَنفُسُنا لِلحَتفِ سَهمٌ مُوَزَّعُ
أَلا إِنَّما الدُنيا هَباءٌ بِكُوَّةٍ
وآلٌ عَلى أفنانِ صَحراءَ يلمَعُ
إِذا مَا صَفَت وَقتاً يَسيراً تكدَّرَت
وُقُوتاً وإِن أَعطَت فبِالقُربِ تَرجِعُ
وكم مِن خُطاً قد أُوسِعَت في الخَطَا لنا
لقد ضاقَ عنهَا العُذرُ لولا التَضَرُّعُ
فيَا أَيُّها المغرورُ فيها بزَهرَةٍ
ستُبصِرُ بعدَ الموتِ ما كنتَ تَسمَعُ
رُوَيداً رويداً يا عبيدَ بطُونِهِم
على ظَلعِكُم يا أَيُّهَا الظُلعُ أَربِعُوا
فكم قاطعٍ عُرضَ الفَلا في حُطامِها
ستَحطِمُ يوماً عُمرَهُ وتُقَطِّعُ
ولو كانَ إِنسانٌ من الحَتفِ سالماً
نَجا ذلكَ الشَهمُ الهُمامُ السَمَيدعَ
لقد كانَ عنّا لِلخطُوبِ مُدافِعاً
فثارَت عليهِ ثورةً ليسَ تُدفَعُ
لَعَمري لَئِن جارَ الزَمانُ بسلبِهِ
فلَم يُفنِ إِلا مُقلَتَيهِ ويقلَعُ
فواهاً لهُ مِن كوكَبٍ غارَ بعدَ ما
هلا وحلا مِنهُ مَنَارٌ ومكرَعُ
وثُلمَةِ دينٍ لا يُسَدُّ بغيرِهِ
وخَرقٍ على الإِسلامِ هيهَاتَ يُرقَعُ
إمَامٌ أصيلُ الرَأيِ مُذ كان لم يَزل
يَسُنُّ لنا طُرقَ المَعالي ويشرَعُ
في السياسةِ شِرعَةٌ
ولِلّه مِنهُ في السِيادةِ مشرَعُ
ذكِيٌّ يَرَى مُستَقبَلَ الأمرِ ماضِياً
ويعرفُ مِنهُ ما يضرُّ وينفَعُ
بليغٌ إِذا ما قالَ أسكَتَ غيرَهُ
وأَصغَى لهُ قلبٌ وطَرفٌ ومَسمَعُ
يُدِيرُ من الأمثالِ والحِكَمِ الَّتي
غَلَت وحلَت كاساتِ خمرٍ تَشَعشَعُ
فَلولا أخوهُ ثمَّ فتيانُ قَومِهِ
لَنَادَيتُ جهراً والعوالمُ تَسمَعُ
تُوُفِّيَتِ الآدابُ مِن بعدِ راشدٍ
وأَضحَى سَوامُ المَجدِ وهوَ مُضيَّعُ
فَلا يُشمِت الحسّادَ أَن ينطَفي لَنا
سِراجٌ فقد شُبَّت مصابيحُ لُمَّعُ
لئِن غابَ بدرُ التِمِّ هذا شَقيقُهُ
سَناهُ ولا فَخراً أَتمُّ وأَرفَعُ
إِذا ما أَلَمَّت وادلَهمَّت مُلمَّةٌ
وأعيَت جلاها نورُهُ المُتَشَعشِعُ
فَلولا سناهُ اليومَ كِدنا نَضِلُّ في
دُجى ذلك الخَطبِ المَهُولِ المروِّعِ
فيا ربِّ متِّعنا بطولِ حياتِهِ
فما عمرُهُ إلا الربيعُ الممتِّعُ
وأوصِل عليهِ سَيبَ بِرِّكَ واكفِهِ
وعِترَتَهُ والآل ما مِنهُ مَفزَعُ
وَهَبني رِضَاهُ يا إِلهي وبِرَّهُ
فهذا قُصارى ما لهُ أَتَطَلَّعُ
وأَزكى صلاةِ اللَهِ ثمَّ سلامِهِ
على المُصطفَى والآل ما لا مُسَهَّمُ
شرح ومعاني كلمات قصيدة عزاء فما يغني الأسى والتفجع
قصيدة عزاء فما يغني الأسى والتفجع لـ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل مبارك وعدد أبياتها خمسة و ستون.
عن عبد العزيز بن عبد اللطيف آل مبارك
عبد العزيز بن عبد اللطيف بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل مبارك. ولد في مدينة الأحساء، ونشأ بين أسرته وأهله مولعاً بالعلم والأدب ومكارم الأخلاق. قرأ القرآن والفقه والحديث والتفسير، وأخذ النحو وعلوم العربية. كانت حصيلته الشعرية كبيرة، حيث كان يهبط عليه الشعر متى أراد. وقد تنقل بين البحرين وعمان والهند.[١]
- ↑ معجم الشعراء العرب