عيار الشعر/الأبيات المتفاوتة النسج

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الأبيات المتفاوتة النسج

الأبيات المتفاوتة النسج - عيار الشعر

الأبيات المتفاوتة النسج فأما هذه الأبيات المستكرهة الألفاظ المتفاوتة النسج، القبيحة العبارة، التي يجب الاحتراز من مثلها فيقول الأعشى:

أفي الطوف خفت علي الردى. . . . . . . .وكم من رد أهله لم يرم

يريد لم يرم أهله.وكقول الراعي:

فلما أتاها حبتر بسلاحه. . . . . . . .مضى غير مبهور ومنصله انتضى

يريد: وانتضى منصله.وكقول عروة بن أذينة:

واسق العدو بكأسه واعلم له. . . . . . . .بالغيب ان قد كان قبل سقاكها

واجز الكرامة من ترى أن لو. . . . . . . .له يوماً بذلت كرامة لجزاكها

فقوله في البيت الأول: وأعلم له بالغيب كلام غث وله رديئة الموقع بشعة المسمع، والبيت الثاني كان مخرجه أن يقول: واجز الكرامة من ترى، أن لو بذلت له يوماً كرامة لجزاكها.كقوله أيضاً:

وأعملت المطية في التصابي. . . . . . . .رهيص الخف دامية الأظل

أقول لها لهان علي فيما. . . . . . . .أحب فما اشتكاؤك أن تكلي

يريد: أقول لهان علي فيما أحب أن تكلي فما اشتكاؤك ؟وكقول النابغة:

يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم. . . . . . . .من الضاريات بالدماء الذوارب

يريد من الضاريات الذوارب بالدماء، وإنما يصح مثل هذا إذا التبس بما قبله، لأن الدماء جمع والذوارب جمع، ولو كان من الضاريات بالدم الذوارب لم يلتبس، وإن كانت هذه الكلمة حاجزة بين الكلمتين، أعني بين الضاريات والذوارب اللتين يجب أن تقرنا معاً.وكقول النابغة أيضاً:يثرن الثرى حتى يباشرن برده = إذا الشمس مجت ريقها بالكلاكلوكقول الشماخ:

تخامض عن برد الوشاح إذا مشت. . . . . . . .تخامص حافي الخيل في الأمعز الوجى

يريد: تخامص حافي الخيل الوجى في الأمعز.وكقول النابغة الجعدي:

وشمول قهوة بكارتها. . . . . . . .في التباشير من الصبح الأول

يريد: في التباشير الأول من الصبح.وكقول ذي الرمة:

كأن أصوات من إيغالهن بنا. . . . . . . .أواخر الميس أصوات الفراريج

يريد: كأن أصوات أواخر الميس أصوات الفراريج من إيغالهن بنا.وكقوله أيضاً:

البرد عنه وهو من ذو جنونه. . . . . . . .أجاري تسهاك وصوت صلاصل

يريد: وهو من جنونه ذو أجاريوكقول عمرو بن قميئة.

لما رأت سانيد ما استعبرت. . . . . . . .لله در اليوم من لامها

يريد: لله در من لامها اليوم.وكقول أبي حية النميري:

كما خط الكتاب بكف يوماً. . . . . . . .يهودي يقارب أو يزيل

يريد: كما خط الكتاب يوما بكف يهودي يقارب أو يزيل.وكقول امرأة من قيس:

لها أخوا في الحرب من لا أخا له. . . . . . . .إذا خاف يوما نبوة ودعاهما

وكقول الفرزدق:

وما مثله في الناس إلا مملكاً. . . . . . . .أبو أمه حي أبوه يقاربه

فهذا هو الكلام الغث المستكره الغلق، وكذلك ما نقدمه، فلا تجعلن هذا حجة ولتجتنب ما أشبهه.والذي يحتمل فيه بعض هذا إذا ورد في الشعر هو ما يضطر إليه الشاعر عند اقتصاص خبر أو حكاية كلام إن أزيل عن جهته لم يجز، ولم يكن صدقاً ولا يكون للشاعر معه اختيار، لأن الكلام يملكه حينئذ فيحتاج إلى اتباعه والانقياد له، فأما ما يمكن الشاعر فيه من تصريف القول وتهذيب الألفاظ واختصارها وتسهيل مخارجها، فلا عذر له عند الإتيان بمثل ما وصفناه من هذه الأبيات المتقدمة.وعلى الشاعر إذا اضطر إلى اقتصاص خبر في شعر دبره تدبيراً يسلس له معه القول ويطرد فيه المعنى.فبنى شعره على وزنت يحتمل أن يخشى بما يحتاج إلى اقتصاصه بزيادة من الكلام يخلط به، او نقص يحذف منه.وتكون الزيادة والنقصان بسيرين غير مخدجين ؛ لما يستعان فيه بهما وتكون الألفاظ المزيدة غير خارجة من جنس ما يقتضيه، بل تكون مؤيدة له، وزائدة في رونقه وحسنه.كقول الأعشى فيما اقتصه من خبر السموأل:

كن كالسموأل إذ طاف الهمام به. . . . . . . .في جحفل كرهاء الليل جرار

بالأبلق الفرد من تيماء منزله. . . . . . . .حصن حصين وجار غير غدار

إذ سامه خطتي خسف فقال له. . . . . . . .أعرض علي كذا أسمعهما حار

فقال: غدر وثكل أنت بينهما. . . . . . . .فاختر وما فيهما حظ لمختار

فشك غير قليل ثم قال له:. . . . . . . .اقتل أسيرك إني مانع جاري

فإن له خلفاً إن كنت قاتله. . . . . . . .وإن قتلت كريماً غير غوار

مالاً كثيراً وعرضاً غير ذي دنس. . . . . . . .وأخوة مثله ليسوا بأشرار

جروا على أدب مني فلا نزق. . . . . . . .ولا إذا شمر حرب بأغمار

وسوف يخلفه إن كنت قاتله. . . . . . . .رب كريم وبيض ذات أطهار

لا سرهن لدينا ضائع مذق. . . . . . . .وكاتمات إذا استودعن أسراري

فقال تقدمة إذ قام يقتله:. . . . . . . .أشرف سموأل فانظر للدم الجاري

أأقتل ابنك صبراً أو تجيء بها. . . . . . . .طوعاً فأنكر هذا أي انكار

فشك أو داجه والصدر في مضض. . . . . . . .عليه منطوياً كاللذع بالنار

واختار أدرعه أن لا يسب بها. . . . . . . .ولم يكن عهده فيها بختار

وقال: لا أشتري عاراً بمكرمة. . . . . . . .فاختار مكرمة الدنيا على العار

والصبر منه قديماً، شيمة خلق. . . . . . . .وزنده في يالوفاء الثاقب الواري

فانظر إلى استواء هذا الكلام، وسهولة مخرجه، وتمام معانيه وصدق الحكاية فيه، ووقوع كل كلمة موقعها الذي أريدت له من غير حشد مجتلب ولا خلل شائن.وتأمل لطف الأعشى فيما حكاه واختصره في قوله: أأقتل ابنك صبراً أو تجيء بها، فأضمر ضمير الهاء في قوله: واختار أدراعه أن لا يسب بها، فتلافى ذلك الخلل بهذا الشرح، فاستغنى سامع هذه الأبيات عن استماع القصة فيها، ولا شتما لها على الخبر كله بأوجز كلام، وأبلغ حكاية وأحسن تأليف، وألطف إيماءة.^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي