الشعر المحكم النسج

الشعر المحكم النسج ومن القوافي الواقعة في مواضعها، المتمكنة من مواقعها، قول أمرئ القيس في قصديته التي يقول فيها:
وقد أغتدى قبل العُطاسِ بهيكل. . . . . . . .شديدٍ مَشكِّ الغضا الجَنْبِ فَعْمِ المُنطَّقِ
قوله:
بعثنا ربيثاً قبل ذلك محملاً. . . . . . . .كذئبِ الغضا يمشي الضَّراء ويتقي
فوقعت يتقي موقعاً حسناً.وكذلك قول النابغة:
تجلو بقادمتي حمامة أيكة. . . . . . . .برداً أُسِفَّ لَثَاتُهُ بالإِثْمدِ
كالأقحوانِ غداةَ غبّ سمائِه. . . . . . . .جفتْ أعاليهُ وأسفلُهُ ندي
زعم الهمامُ بأن فاها باردٌ. . . . . . . .عذبٌ إذا ما ذقته قلت ازْدَدِ
زعم الهمامُ ولم أذقه أنه. . . . . . . .يروى بريِّقها من العَطش الصدي
فقوله وأسفله ندي: ومن العطش الصدي وقعا موقعين عجيبين.وقول زهير:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله. . . . . . . .ولكنني عن علمِ ما في غدٍ عَمِ
فقوله: عم واقعة موقعاً حسناً.وكقوله:
صحا القلبُ عن سلمى فقد كان لا يصحو. . . . . . . .واقفرَ من سلمى التعانيقُ فالثقلُ
وقد كنت من سلمى سنينا ثمانياً. . . . . . . .على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ وما يحلوُ
فقوله: يحلو حسنة الموقع.وكقوله في قصيدته التي يقول فيها:
لذي الحلمِ من ذبيانَ عندي مودةٌ. . . . . . . .وحفظٌ ومَن يُلْحم إلى الشرِّ أنشج
قوله:
مخوف كأنَّ الطَّير في مَنزلاتِه. . . . . . . .على جيَف الحْسرَى مجَالسُ تنتْجي
فقوله: تنتجي حسنة الموقع جداً.وكقوله:
ولنعم حَشْوُ الدِّرعِ أنت إذا. . . . . . . .دُعيت نزَالِ وَلُجِّ في الذُّعْرِ
وإنَّك تفري ما خلقت وبع
ض القوم يخْلْقُ ثم لا يَغري
ولأنت أشجع حين يتَّجهُ الأب
طالُ من ليثِ أبي أجْري
فقوله: ثم لا يفري وأبي أجري حسنان في موقعهما.وكقول بشر:
فما صدعٌ بحيَّةَ أو بشرجِ. . . . . . . .على زَلَقِ زوالقُ ذي كهافِ
تَزلُّ اللقوةُ الشغْواءُ عنها. . . . . . . .مخالبُها كأطرافِ الأسافي
بأحرزَ موئلا من جارِ أوسِ. . . . . . . .إذا ما ضيم جيرانُ الضِّعافِ
فقوله: كأطراف الأسافي حسنة الموقع.وكقول الأعشى:
وإذا تكونُ كتيبةٌ ملمومةٌ. . . . . . . .خرساءُ يخشى الذائدون نصالَها
كنت المقدَّم غير لابس جُنَّةٍ. . . . . . . .بالسيف تضرب معلما أبْطالَها
وعلمتَ أن النفس تلقى حتفَها. . . . . . . .ما كان خالقُها المليكُ قضى لها
فقوله: قضى لها عجيبة الموقع.وكقوله:
ومثلُ الذي تُولونني في بيُوتِكم. . . . . . . .يُروِّي سناناً كالقُدامَى وثَعْلبَا
وما عنده زرفى علمتُ دلالَه. . . . . . . .علي من الريح الجنوب ولا الصبا
وكذلك قوله:
وكأسٍ شربتُ على لذةٍ. . . . . . . .وأخرى تداويت منها بِها
لكي يعلَم الناسُ أنِّي أمرؤٌ. . . . . . . .أتيت الفُتوةَ من بابِها
فقوله: منها بها لطيفة حسنة الموقع جداً.وكقول أبي كبير الهذلي:
ولقد ربأتُ إلى الصحابِ تواكلوا. . . . . . . .جَمْر الظهيرةِ في اليفاع الأطولِ
في رأسِ مشرفةِ القذالِ كأنها. . . . . . . .جمرٌ بمسبكةٍ تُشَبُّ لمصطلي
وكقول أبي خراش:
ولم أدْرِ من ألقى عليه رداءَه. . . . . . . .سوى أنه قد سُلَّ عن ماجدٍ محضِ
بلى إنها تعفو الكلُوم وإنما. . . . . . . .تُوكَّلُ بالأدنى وإن جل ما يمضي
فقوله يمضي حسنة جيداً.وكقول عروة بن أذينة:
وكلُّ هوىً دان عني زمانا. . . . . . . .له من بعد ميعته تجَلي
كأني لم أكن من بعد ألفٍ. . . . . . . .عذلتُ النفسَ قبلُ على هوىً لي
فإن أقصرْ فقد أجريت عصراً. . . . . . . .وبلاني الهوى فيمن يُبَلي
فقوله هوى لي لطيفة الموقع.وكقول ذي الرمة في قصيدته:
أراح فريقُ جيرتِك الجمالا. . . . . . . .كأنهم يريدون احتمالا
فكدت أموت من حزنٍ عليهم. . . . . . . .ولم أرَ نادي الآظعان بالي
فقوله: بالي عجيبة الموقع.وكقول الفرزدق:
فإن تهجُ آل الزبرقان فإنما. . . . . . . .هجوتَ الطوالَ الشمَّ من هضب يذبلِ
وقد ينبح الكلبُ النجومَ ودونه. . . . . . . .فراسخُ تنضي الطرف للمتأمِّلِ
أرى الليلَ يجلوه النهارُ ولا أرى. . . . . . . .عِظامَ المخازي عن عَطيَّة تنجَلي
فقوله: تنجلي متمكنة في موضعها.وكقول الحطيئة:
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه. . . . . . . .لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
دعِ المكارم لا ترحل لبغيتها. . . . . . . .واقعد فإنَّك أنت الطَّاعم الكاسي
فقوله: الكاسي عجيبة الموقع.وكقوله:
إذا نزلَ الشتاءُ بأرض قوْمٍ. . . . . . . .تجَّنبَ جارَ بيتهِمُ الشتاءُ
هم القوُم الذين إذا ألمَّت. . . . . . . .من الأيامِ مظلمةٌ أضاءوا
فقوله: أضاءوا حسنة الموقع.فهذه أمثله قد احتذى عليها المحدثون من الشعراء وسلكوا منهاج من تقدمهم فيها، وأبدعوا في أشياء منها ستعثر بها في أشعارهم كقول أبي عيينة المهلبي:
دنيا دعوتكِ مسمعاً فأجيبي. . . . . . . .وبما اصطفيتك للهوى فأثيبي
دومى أدُمْ لك بالوفاء على الصَّفا. . . . . . . .إنِّي بعهدك واثقٌ فثقي بي
فقوله: فثقي بي لطيفة جداً يستدل بها على حذق قائلها بنسج الشعر.^