فاطمة في ساحة الكونكورد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة فاطمة في ساحة الكونكورد لـ نزار قباني

-1-
يمطر علي كحلك الحجازي
وأنا في وسط ساحة (الكونكورد)
فأرتـَبك ..
وترتبك معي باريس
تسقط حكومة .. وتأتي حكومه
وتطير الجرائد الفرنسية من أكشاكها
وتطير الشراشف من فوق طاولات المقاهي ..
وتطلب العصافير اللجوء السياسي
إلى عينيك العربـيـتـيـن ...

-2-
أيتها العربية الداخلة كالخنجر في صباحات باريس
يا من ترشفين القهوة بالحليب
وترتشفين معها كرياتي الحمراء والبيضاء
ما كان في حسابي أن ألاقيك في محطة الحزن وأن تلطقـتـيني بأهداب حنانك
وأنا في ذروة البرد ، والخوف ، و الانكسار لكن باريس قادرة على كل شيء
ونبيذ بوردو الأحمر ، هو الذي سيلغي الفروق بين صقيع أوروبا ..
وشموس العالم الثالث
بين حيائك الجميل ...
وبين جنوني ...

-3-
أيتها العربية التي تتكسر على أرصفة (المونمارتر) فـتافـيت ياقـوتٍ ..
وغابة سيوف ..
يا من يتصالح في عينيها الضوء .. والعتمه .. والماء .. والحرائق
ما كان في حسابي ..
وأنا أتمشى بين ( الفاندوم) .. و (المادين) ..
أن أدخل في جدلية اللون الأسود
وإشكالية العيون الواسعه
كخواتم الفضه ..
ما كان في حسابي ..
أن أدخل في تفاصيل التاريخ العربي
فلقد تخانقت مع تاريخي ..
وجئت إلى باريس ..لألغي ذاكرتي
ولكن .. ما أن نزلت من الطائره ..
حتى نزلـتْ أثوابك .. ومعاطفك ..
وأدوات زينتك معي ..
لتسد مداخل الطرقات
من مطار (شارل دوغول )
إلى كنيسة نوتردام ...

-4-
يا فاطمة ساحة ( الكونكورد) ..
يا فاطمة الفاطمات
أيها السيف المرصع بأجمل الآيات
أيها الخصر الذي يقول القصائد والأغنيات
أيتها اللغة التي ألغت جميع اللغات ..
أرحب بك في باريس ..
وأرجو لك إقامة سعيده
فوق أعشاب صدري ..

-5-
يا ذات الشفتين الممتلئـتـيـن كحبتي فاكهه ..
كم هو استفزازيّ نوع العطر الذي تضعينه
وكم هو رائع إفـطار الصباح معك .. وأنت تـنـقريـن قطعة ( الكروا سَان ) كعصفور وتنقرين فمي كعصفور
أيتها السنجابة الآسيويه
التي تـنط من أعلى ( برج إيفل ) إلى صدري ..
لا تخشى الــدُوار..
وتستحم بنوافـير( قصر فرساي )
ولا تخشى الغرق ..
وتـنام عارية على أعشاب حديقة (التويلري ) ..
ولا تخشى الفضيحه ..

-6-
أيتها العربية التي يُـنـقــّــُط العسل من عينيها نقطة .. نقطه ..
وينقط الشعر من شفتها السفلى
قصيدة .. قصيده ..
ويرن حلقها الطويل صباح يوم الأحد كناقوس كنيسه ..
ما كان في حسابي ..
أن أمر معك ذات يوم تحت قوس النصر لنضع وردة على قبر العاشق المجهول ..
ولا كان في حسابي ..
أن أرى صورتك في متحف اللوفر
مع أعمال رينوار ..
وماتيس ..
وسيزان ..
وأن أرى أعمالي الشعريه
تباع في مكتبات الضفة اليسرى
مع أعمال رامبو ..
وفيرلين ..
وجاك بريفير ..

-7-
صباح الخير ..
أيتها العصفورة القادمة من المياه الدافئة لتغتسل بأمطار باريس
وأمطار حنيني ..
صباح الخير ..
أيتها السمكة التي تـتكلم اللغة العربيه
وتـتهجى كلمات الحب باللغة الفريسه..
وتـتهجاني بكل لغات الأنوثه ...

-8-
كلما سافرتُ إلى باريس دون حجز ..
تصيرين فندقي ...

-9-
صباح الخير .. يا بستان الزعفران
صباح الخير .. يا سجادة الكاشان
صباح الخير على أصابعك النائمة بين أصابعي ..
وعلى معطف المطر الذي كنت تلبسينه معي ..
وعلى جرائد الصباح التي كنت تـتصفحينها معي ..
صباح الخير ..
على الكافيتريات التي ثرثرنا فيها ..
وعلى البوتيكات التي رافقتـُـك إليها ..
وعلى المرايا التي دخلناها معا ...
ثم سافرتِ ..
وتركتني حتى الآن .. مرسوما عليها ...

-10-
يا فاطمه :
يا ذات الشفتين المعطرتين بحَـبّ الهال والقدمين المرسومتين بالأكواريل
لم يكن في حسابي ..
أن أدخل إلى باريس بجواز سفر عربيّ وأخرج منها ..
رئيسا لـلجمهورية الخامسه !!..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي