فاطمة في هايد بارك

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة فاطمة في هايد بارك لـ نزار قباني

1
كنت أمشي معها في لندن
باحثاً عن يدها ..
عن صوتها ..
عن خصرها الضائع مني
في ضباب العاصمة .
هي كانت معطفي
مثلما كنت أنا معطفها
في زمان العاصفة …

2
كنت أمشي معها في لندن
تحت سماء غائمة
باحثاً عن لغة تشبهني .
باحثاً عن قهوة تشربني .
باحثاً عن ملجأ
في ثنايا الخصلات الفاحمة
ليس عندي وطن أقصده
غير عيني فاطمة …

3
هل أنا أكتب ؟
أم فاطمة تكتبني ؟
إنها جسر من الشعر
على كل العصور القادمة ..

4
كنت أمشي معها في لندن
مثل طفل ذاهل
فلماذا في (هارودز) نسيتني ؟
وهي تدري جيداً
أنني من يوم ميلادي ببحر الحب ضائع
وهي تدري أنني من دونها
لا أقطع الشارع وحدي .
لا ولا أدخل في المعطف وحدي .
لا ولا أعرف أن أرجع للفندق وحدي .
فلماذا تركتني بين أكداس هداياها
وحيداً .. وحزيناً .. كمصابيح الشوارع ؟
و أنا أعبدها من رأسها حتى الأصابع …

5
هذه فاطمة في ( بيكاديللي )
يصنع الكحل بعينها ألوف المعجزات .
كل من شاهدها في جانبي
ظنها صفصافة
تغسل الشعر على نهر الفرات .

6
هذه فاطمة ..
تقتحم التاريخ من كل الجهات
إنها تدخل كالإبرة
في كل تفاصيل حياتي .
آه .. كم تعجبني فاطمة
عندما تجلس كالقطة بين المفردات .
تأكل الفتحة .. والضمة .. في شعري
وتبتل بأمطار دواتي ..

7
خبيئني .. تحت قفطانك
يا أحلى جميع الفاطمات .
لندن باردة جداً
و إني خائف جداً
فنامي في جفوني ، أو جفون الكلمات .
حاولي أن تصبحي أمي
لشهر .. أو ليوم .. أو لبعض اللحظات
سقطت قبعتي الحمراء في الأرض
وضاعت كتبي مني ..
وضاعت أمنياتي .
حاولي .. أن تلديني مرة أخرى
أيا أجمل كل الأمهات
ما الذي يمكن أن أفعله من غير أم ؟
في محطات الشتات ؟؟ .

8
علمتني لندن
أن أحب الورق الأصفر .. واللون الرمادي ..
و أن أهرب من تاريخ عاد وثمود ..
علمتني لندن
أن أرى حريتي دون حدود
ونصوص الشعر من غير حدود
وطقوس الحب من غير حدود
علمتني .. كيف أن امرأة أعشقها
ممكن أن تجعل العالم من غير حدود …

9
لندن تمطرني ثلجاً
و أبقى باشتهائي بدوياً ..
لندن تمنحني كل الثقافات
و أبقى بجنوني عربياًَ ..
لندن تمطرني عقلاً
وأبقى فوضوياً ..
فلماذا تكرهين الثلج ، يا سيدتي ؟
وأنا قد أحرق الثلج يديا ..

10
لا يرانا أحد في لندن
فادخلي في اللحم رمحاً وثنيا
واتركي لي أي تذكار جميل
وردة ..
أو قبلة ..
أو طعنة في شفتيا ..

11
مرحباً..
يا أيها الوجه الجنوبي الذي دوخني
مرحباً يا فاطمة .
لم ير الريف البريطاني من قبلك
عينين تقولان كلاماً عربيا ..
فاشربي شيئاً من الغيم معي .
اشربي شيئاً من الحزن معي .
اشربي شيئاً من الشعر معي .
اشربي .. حتى تصيري امرأة ..
واتركي الباقي عليا !! …

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي