في الحب البحري ...

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة في الحب البحري ... لـ نزار قباني

-1-
مواقفي منك , كموقف البحر ..
وذاكرتي مائية كذاكرته ..
لا هو يعرف أسماء مرافئه ..
ولا أنا أتذكر أسماء زائراتي
كل سمكة تدخل إلى مياهي الإقليمية , تذوب ..
كل امرأة تستحم بدمي , تذوب ..
كل نهد يسقط كالليرة الذهبية ..
على رمال جسدي .. يذوب ..
فلتكن لك حكمة السفن الفينيقية ..
وواقعية المرافئ التي لا تتزوج أحدا ..
-2-
كلما شم البحر رائحة جسمك الحليبي
صهل كحصان أزرق
وشاركته الصهيل
هكذا خلقني الله ..
رجلاً على صورة بحر
بحراً على صورة رجل
فلا تناقضيني بمنطق زارعي العنب والحنطة ..
ودكاترة الطب النفسي ..
بل ناقشيني بمنطق البحر
حيث الأزرق يلغي الأزرق
والأشرعة تلغي الأفق ..
والقبلة تلغي الشفه ..
والقصيدة تلغي ورقة الكتابة ..
-3-
إحساسي بك متناقض , كإحساس البحر
ففي النهار , أغمرك بمياه حناني
وأغطيك بالغيم الأبيض , وأجنحة الحمائم
وفي الليل ...
أجتاحك كقبيلة من البرابرة ...
أستطيع , أيتها المرأة , أن أكون بحراً محايداً ..
ولا تستطيعين أن تكوني سفينة من ورق ..
لا أنت انديرا غاندي
ولا أنا مقتنع بجدوى الحياد الإيجابي
ففي الحب .. لا توجد مصالحات نهائية ..
بين الطوفان , ولبن المدن المفتوحة ..
بين الصواعق , ورؤوس الشجر
بين الطعنة , وبين الجرح
بين أصابعي , وبين شَعرِكِ
بين قصائد الحب .. وسيوف قريش
بين ليبرالية نهديك ..
وتحالف أحزاب اليمين !!..
-4-
أيتها الخارجة من خرائط العطش والغبار ..
تخلصي من عاداتك البريه ..
فالعواطف البريّة تعبّر عن نفسها ..
بإيقاع واحد .. ووتيرة واحدة ..
أما الحب في البحر .. فمختلف .. مختلف .. مختلف ..
فهو غير خاضع لجاذبية الأرض ..
وغير ملتزم بالفصول الزراعية ..
وغير ملتزم بقواعد الحب العربي
حيث أجساد الرجال تنفجر من التخمة ..
ونهود النساء تتثائب من البطالة ..
-5-
ادخلي بحري كسيف من النحاس المصقول
ولا تقرأي نشرات الطقس
ونبوءات مصلحة الأرصاد الجوية
فهي لا تعرف شيئاً عن مزاج البحر
ولا تعرف شيئاً عن مزاج سمك القرش
ولا تعرف شيئاً عن مزاجي ..
لا أريد أن أشتغل حارساً لجواهر التاج
إن نهديك لا يدخلان في حدود مسؤولياتي
فأنا لا أستطيع أن أضمن مستقبلهما ..
كما لا يستطيع البرق أن يضمن مستقبل غابة ..
-6-
لماذا تبحثين عن الثبات ؟
حين يكون بوسعنا أن نحتفظ بعلاقاتنا البحرية
تلك التي تتراوح بين المد .. والجزر
بين التراجع والاقتحام
بين الحنان الشامل , والدمار الشامل ...
لماذا تبحثين عن الثبات ؟
فالسمكة أرقى من الشجرة ..
والسنجاب .. أهم من الغصن ..
والسحابة .. أهم من نيويورك ..
-7-
أريدك أن تتكلمي لغة البحر ..
أريدك أن تلعبي معه ..
وتتقلبي على الرمل معه ..
وتمارسي الحب معه ..
فالبحر هو سيد التعدد .. والإخصاب .. والتحولات ..
وأنوئتك هي امتداد طبيعي له ..
نامي مع البحر .. يا سيدتي ..
فليس من مصلحتك أن تكوني من فصيلة الشجر ..
ولا من مصلحتي أن أحولك إلى جريدة مقروءة
أو إلى ربطة عنق معلقة في خزانتي
منذ أن كنت طالباً في الجامعة ..
ليس من مصلحتك أن تتزوجيني ..
ولا من مصلحتي أن أكون حاجباً على باب المحكمة الشرعية
أتقاضى الرشوات من الداخلين
وأتقاضى اللعنات من الخارجين ..
-8-
أنا بحرك يا سيدتي ..
فلا تسأليني عن تفاصيل الرحلة ..
ووقت الإقلاع والوصول ..
كل ما مطلوب منك ..
أن تنسي غرائزك البرية ..
وتطيعي قوانين البحر ..
وتخترقيني .. كسمكة مجنونة ..
تشطر السفينة إلى نصفين ..
والأفق إلى نصفين ..
وحياتي إلى نصفين ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي