كتابات على جدران المنفى

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة كتابات على جدران المنفى لـ نزار قباني

1
يا سيدتي :
كيفَ أصورُ هذا العصرَ اللامعقولَ,
نسيتُ الوصفا
كنتُ أظن الكلمة بيتي
فإذا بهمُ .. سرقوا البابَ ..
وسرقوا السقفا ..
سرقوا الورقَ الأبيض منا ,
سرقوا الحرفا .
ماذا نأكل ؟
ماذا نشربُ ؟
كيفَ نعبرُ عن أنفسنا ؟.
إنا نأكل – يا سيدتي – قمعاً
إنا نشرب - يا سيدتي – خوفاً
أين سنذهبُ يا سيدتي ؟
إن عبورَ الشارع ِ خطرٌ .
إن ركوب المصعد خطرٌ
والسيارة خطرٌ.
والدراجة ٌ خطرٌ
والطيارة خطرٌ .
ليس هناكَ مكانٌ
يجلس فيه الكاتبُ ,
ليسَ هنالك مقهى ..
نصفُ الجملة في الجبانةِ ..
نصفُ الفكرة في المستشفى ...
2
يا سيدتي :
ماذا يبقى من إنجيلِ الثورةِ ,
حين تقررُ قتل مغنيها ؟
ماذا يبقى من كلمات الثورةِ ,
حينَ ستمضغ أكبادَ بَنيها ؟
ماذا يبقى ؟
حينَ تخافُ الدولةُ من رائحةِ الوردِ ,
فتحرق كل مراعيها ..
ماذا يبقى من فلسفة الثورةِ ,
حين تخاف طلوعَ الشمس ِ ,
وتنتفُ ريشَ كناريها ؟
ماذا يبقى ؟
ماذا يبقى ؟
ماذا يبقى ؟
حين تبول الثورة فوق كلام ِ نبييها ...
3
يا سيدتي :
أطلبُ عفوكِ ..
إنْ لم أكتبْ في عينيكِ قصيدة شعر
إن العازف نسي العزفا .
كيفَ أحبكِ , يا سيدتي؟
إن مباحث أمن الدولةِ ,
تلقي القبضَ على الأحلام ِ ..
وترسلُ أهلَ العشق ِإلى المنفى ..

4
يا سيدتي .. يا سيدتي
كنتُ قديماً أقرأ جسمكِ
سطراً سطراً ..
حرفاً حرفاً ..
كنتُ قديماً أشعلُ في نهديك النارَ ..
وأزرع بينهما سيفا ..
أما اليومَ .. فأصبح شكل النهدِ ,
يشابهُ أسوارَ المنفى ..
يا سيدتي . يا لؤلؤتي . يا واحدتي .
كيفَ أمارسُ فعل الحبّ ..
طعمُ الجنس ِ له طعم المنفى ؟؟
5
يا سيدتي :
كيفَ أقاومُ هذا العطرَ المملوكيّ ,
وهذا الحقدَ النيرونيّ ,
وهذا القتلَ المجانيّ ,
وهذا العنفا ؟
كيفَ سأوقفُ هذا المدّ اللاقوميّ ,
وهذا الفكرَ التجزيئيّ ,
وهذا المطرَ الكبريتيّ ,
وهذا النزفا ؟
كيفَ نعبر عن مأزقنا ؟
كيف نعبر عما يكسرُ في داخلنا ؟
كيف سنتلو آي الذكر على جثتنا ؟
إن مباحث أمن الدولة تطلب منا
أن لا نضحكَ ..
أن لا نبكي ..
أن لا ننطق ..
أن لا نعشقَ ..
أن لا نلمس كف امرأةٍ ..
أن لا ننجب ولداً ..
أن لا نرسل أي خطابٍ
أن لا نقرأ أي كتابٍ
إلا عن أحوال ِ الطقس ِ , وإلا عن أسرار الطبخ ِ
فتلك قوانين المنفى ...
6
يا سيدتي :
ماذا أفعلُ لو جاءتني أمي في الأحلامْ ؟
ماذا أفعلُ لو ناداني فلّ دمشقَ ..
وعاتبني تفاح الشامْ ؟
ماذا أفعل لو عاودني طيف أبي ؟
فالتجأ القلبُ إلى عينيهِ الزرقاوين ِ ..
كسرب حمامْ ..
يا سيدتي :
كيف أقولكِ شعراً ؟
كيفَ أقولكِ نثراً ؟
كيف أقولكِ , يا سيدتي , دونَ كلامْ ؟
7
يا سيدتي :
كيف أبشرُ بالحرية ..
حينَ الشمسُ تواجه حكماً بالإعدامْ ؟
كيفَ سآكلُ من خبز الحكام ِ ..
وأولادي من غير طعامْ ؟
يا سيدتي :
إني رجلٌ لم يتخرج من بارات السلطةِ ,
في أحد الأيامْ ...
أو أشغلتُ وظيفة قردٍ ..
بين قرودِ وزارات الإعلامْ !!
يا سيدتي :
إني رجلٌ لا أتوارى خلف حروفي
أو أتخبأ تحت عباءة أي إمامْ ..
يا سيدتي : لا تهتمي .
فأنا أعرفُ كيفَ أكونُ كبيراً
في عصر الأقزامْ ...

8
يا سيدتي : لا تهتمي
سوفَ أظلّ أحبكِ ..
حتى أفتح نفقاً تحتَ البحر ِ..
وأثقب حيطانَ المنفى .
لا تهتمي ..
لا تهتمي ..
لا تهتمي ..
إن المنفى في غابات الكحل ِ الأسودِ
ليس بمنفى ...

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي