لابد أن أستأذن الوطن

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة لابد أن أستأذن الوطن لـ نزار قباني

1
من قبل أن أكتب عن عينيك .. يا حبيبتى
لابد أن أستأذن الشجر
من قبل أن أكتب عن وجهك يا أميرتى
لابد أن أستأذن القمر
من قبل أن أكتب عن بحرى ، وعن عواصفى
لابد أن أستأذن المطر
من قبل أن أدور فى فضاء النهد .. يا سيدتى
لابد لى ..
لابد لى ..
لابد أن أستأذن الوطن

2
في هذه الأيام يا صديقتي..
تخرج من جيوبنا فراشة صيفية تدعى الوطن.
تخرج من شفاهنا عريشة شامية تدعى الوطن.
تخرج من قمصاننا
مآذن… بلابل ..جداول ..قرنفل..سفرجل.
عصفورة مائية تدعى الوطن.
أريد أن أراك يا سيدتي..
لكنني أخاف أن أجرح إحساس الوطن..
أريد أن أهتف كل ليلة إليك يا سيدتي
لكنني أخاف أن تسمعني نوافذ الوطن.
أريد أن أمارس الحب على طريقتي
لكنني أخجل من حماقتي
أمام أحزان الوطن.

3
هل فى مرايا لندن مساحة ؟
أبصر فيها وجهى المكسور
وهل بعينيك مكان آمن ؟
أنام فيه ليلتى .
أنا الذى أحمل تحت معطفى العصور ..
ضيقة .. فنادق الحزن التى أدخلها
ضيقة .. معاطف الحب التى ألبسها
ضيقة .. كل الكتابات التى أكتبها
تغيرت خرائط الشعر ، كما نعرفها
فأعدمت قصائد جميلة
وتوجت قصائد من الخشب ..

4
تغيرت خرائط النساء فى دفاترى
تغيرت ملامح الجبال ، والوديان ، والحنطة ، والعنب
تغيرت مناجم الفضة والذهب
فلا هناك عبلة
ولا هناك خولة
ولا هناك زينب
ولا هناك قهوة ولا رطب
تغيرت قرطبة . تغيرت غرناطة
فلا نساء الشام يبتسمن لى
ولا جميلات حلب
إذا تغزلت بحُسن امرأة
تِأكلنى الأسماك فى بحر العرب

5
هذا زمان النثر يا حبيبتى
فما به شعر . ولا حب . ولا غيم . ولا أمطار .
فكيف يا حبيبتى ؟
أكتب أشواقى على دفاتر الغبار
أريد أن أراك يا حبيبتى
لعلنى أسرق من عينيك بعض النار
أود أن أقرأ فى يديك ما تخبئ الأقدار
أربد أن أزرع فى أحشائك
الأطفال .. والحمام .. والأشجار ..
أريد أن أضيع فى بحرك حتى آخر الإبحار
أريد آلافاً من الأشياء ،
لكن .. فاتنى القطار ..

6
هل فى مقاهى لندن ؟
طاولة مفردة
وقهوة جيدة
تغسل عن قلبى التعب
أين ترى أهرب من ذاكرتى ؟
إذا طلبتُ وجبة الإفطار يا سيدتى
يأكلها أبو لهب …
إذا دخلتُ صالة الحمام ،
يستقبلنى أبو لهب …
إذا تكلمتُ على الهاتف من مدينة
يدخل على الخط معى ، أبو لهب …
إذا دعوتُ امرأة جميلة
إلى العشاء ليلة ..
يجلس فى أحضانها أبو لهب …
هل فى مقاهى لندن زاوية صغيرة ؟
خالية من العرب …
أبحث فى الصباح عن جريدة
صينية .. كورية .. هندية
أرتاح فيها من فصاحات العرب ..
وعنتريات العرب !!
أمشط التاريخ يا سيدتى
عبارة عبارة
وصفحة فصفحة
ونقطة فنقطة
فلا أرى إلا خياماً أكلت خياما ..
ولا أرى إلا نظاماً قد محا نظاما
ولا أرى معتصماً …
ولا أرى هشاما ..
فهل نكون كذبة كبيرة
نحن العرب ؟؟

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي