لماذا يسقطُ مُتْعِبُ بنُ تَعْبَانْ في امتحان حقوق الإنسانْ؟

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة لماذا يسقطُ مُتْعِبُ بنُ تَعْبَانْ في امتحان حقوق الإنسانْ؟ لـ نزار قباني

1
مُواطنوانَ.. دُونَما وَطَنْ
مُطَاردُونَ كالعصافير على خرائطِ الزَمَنْ..
مُسَافِرُونَ دُونَ أوراقٍ
ومَوتي دُونما كَفَنْ.
نحنُ بغايا العصرِ.. كلُّ حاكمٍ
يبيعُنا، ويقبضُ الثَمَنْ!!
نحنُ جَوَاري القصرِ، يُرْسِلونَنَا
من حُجرَةٍ لحُجْرَةٍ
من قَبْضةٍ لقَبْضةٍ
من هالِكٍ لمالِكٍ
من وَثَنٍ إلى وَثَنْ
نركضُ كالكلاب كلَّ ليلةٍ
من عَدَنٍ لطَنجَةٍ
من طَنْجَةٍ إلى عَدَنْ
نبحثُ عن قبيلةٍ تَقْبَلُنا
نبحثُ عن عائلةٍ تُعيلُنا
نبحثُ عن ستارةٍ تستُرُنا
وعن سَكَنْ..
وحَولَنا أولادُنا
إحْدَودَبتْ ظهورُهُمْ، وشاخُوا
وهُمْ يُفتّشونَ في المعاجمِ القديمَهْ
عن جَنَّةٍ نضيرةٍ
عن كِذْبَةٍ كبيرةٍ كبيرةٍ..
تُدْعى الوَطَنْ..

*
مُواطنونَ نحنُ في مدائن البُكاءْ
قَهْوتُنا مصنوعةٌ من دمِ كَرْبَلاءْ
حِنْطتُنا معجونةٌ بلحم كَرْبَلاءْ
طعامُنا. شرابُنا
عاداتُنا. راياتُنا
صيامُنا. صَلاتُنا
زُهورُنا. قُبورُنا
جُلُودُنا مَخْتُومةٌ بخَتْم كربلاءْ..
لا أَحَدٌ يعرفُنا في هذه الصحراءْ
لا نَخْلةٌ. لا ناقةٌ.
لا وَتَدٌ.. لا حَجَرٌ
لا هِنْدُ.. لا عَفْرَاءْ
أوراقُنا مُريبةٌ
أفكارُنا غريبةٌ
فلا الذين يشربونَ النَفْطَ يعرفُونَنَا
ولا الذين يشربونَ الدمعَ والشقاءْ...
مُعتَقَلُونَ..
داخلَ النصّ الذي يكتُبُهُ حُكَّامُنَا
مُعتَقَلُونَ..
داخلَ الدين كما فَسَّره إمامُنا
مُعتَقَلُونَ..
داخلَ الحُزْن، وأحلى ما بنا أحزانُنَا
مُراقَبون نحنُ في المقهى.. وفي البيتِ..
وفي أرْحَامِ أمَّهاتِنا..
حيثُ تلفَّتْنَا، وجدنا المخبرَ السِريَّ في انتظارِنا
يَشْرَبُ من قهوتنا..
يَنَامُ في فِراشنا..
يَعْبَثُ في بريدِنا
يَنْكُشُ في أوراقنا
يدخُلُ من أنوفِنا
يخرجُ من سُعَالِنا
لسانُنا مَقْطوعْ..
ورأسُنا مَقْطُوعْ..
وخبزُنا مبلَّلٌ بالخوف والدموع..
إذا تظلَّمنا إلى حامي الحِمى
قيل لنا مَمنُوعْ..
وإن تضرَّعنا إلى ربِّ السَمَا
قيلَ لنا: مَمْنوعْ..
وإن هَتَفْنَا:
يا رسولَ الله، كُنْ في عَوْنِنَا
يُعطونَنَا تأشيرةً من غَيْرِ ما رُجُوعْْ
وإن طَلَبنَا قَلَماً
لنكتبَ القصيدةَ الأخيرَهْ
أو نكتبَ الوصيّةَ الأخيرَهْ
قُبَيْلَ أن نَمُوتَ شَنْقَاً
غَيَّروا الموضوعْ..

*
يا وَطَني المصلوبَ فوقَ حائطِ الكراهيَهْ
يا كُرَةَ النار التي تسيرُ نحو الهاوِيَهْ
لا أَحَدٌ من مُضَرٍ.. أو من بني ثَقِيفْ
أعطى لهذا الوطنِ الغارقِ بالنزيفْ
زُجَاجَةً من دمِهِ..
أو بَولِهِ الشريفْ!!
لا أَحَدٌ.. على امتداد هذه العباءة لمُرقَّعَهْ..
أهداكَ يوماً مِعْطَفَاً أو قُبَّعَهْ..
يا وَطَني المكسورَ مثل عشبة الخريفْ..
مُقْتَلَعُونَ نحنُ كالأشجار من مَكَانِنا..
مُهَجَّرونَ من أمانينا، وذكرياتِنَا
عُيونُنا تخافُ من أصواتِنا
حُكَّامُنا آلهةٌ يجري الدمُ الأزْرَقُ في عُرُوقِهِمْ
ونحنُ نَسلُ الجاريَهْ
لا سادةُ الحجاز يعرفُونَنَا..
ولا رَعَاعُ الباديَهْ.
ولا أبو الطيب يَسْتَضِيفُنا..
ولا أبو العتاهيَهْ.
إذا ضحكنا لعليٍّ مرةً..
يقتُلنا مُعاويَهْ..

5
لا أحدٌ يريدُنا
من بحر بيروتَ.. إلى بحر العَرَبْ..
لا الفاطميّونَ، ولا القرامِطَهْ.
ولا المماليكُ، ولا البرامكَهْ.
ولا الشياطينُ، ولا الملائكَه.
لا أحدٌ يريدُنا.
في المُدُن التي تقايضُ البترولَ بالنساءِ،
والديارَ بالدولارِ، والتُراثَ بالسُجَّادِ،
والتاريخَ بالقُرُوشِ، والإنسانَ بالذَهبْ.
وشَعْبُها يأكُلُ من نِشَارةِ الخَشَبْ!!
لا أحدٌ يريدُنا..
في مُدن المقاولينَ، والمضَارِبينَ، والمستَورِدينَ،
والمُصدِّرينَ، والمُلمِّعين جَزْمةَ السُلْطَةِ،
والمُثَقّفينَ حسبَ المَنْهَجِ الرسميِّ،
والمُسْتَأجَرينَ كي يَقُولوا الشِعرَ،
والمُقدِّمينَ للأمير عندما يأوي إلى فراشِهِ
قائمةً بأجمل النساءِ..
والموظَّفينَ في بَلاط الجِنْسِ..
والمُهرِّجينَ..
والمُخنَّينَ..
والمُخوِّضينَ في دِمائِنَا حتى الرُكَبْ..
لا أحدٌ يقرؤُنَا
في مُدُن المِلْح التي تَذْبَحُ في العام
ملايينَ الكُتُبْ..
لا أحدٌ يقرؤنا
في مُدُنٍ..
صارتْ بها مباحثُ الدولةِ
عرَّابَ الأدبْ..

6
مُسَافرونَ نحنُ في سفينة الأحزانْ
وشَيْخُنا قُرْصَانْ
مُكوَّمونَ داخلَ الأقفاص كالجُرْذَانْ
لا مرفأٌ يقبلُنا.
لا حانةٌ تقبلُنا.
لا امرأةٌ تقبلُنا.
كلُّ الجوازات التي نحملُها
أصْدَرَهَا الشيطانْ
كلُّ الكتابات التي نكتُبُها.
لا تُعْجِبُ السلطانْ..
مُسَافرونَ خارجَ الزَمَان والمَكَانْ
مُسَافرونَ ضَيَّعوا نقودَهُمْ..
وضَيَّعوا متاعَهُم، وضيَّعوا أبناءَهُمْ،
وضيَّعوا أسماءَهمْ، وضيَّعوا انتماءَهُمْ..
وضيَّعوا الإحساس بالأمانْ
فلا بَنو هاشمَ يعرفونَنَا، ولا بَنُو قَحْطَانْ
ولا بَنُو ربيعةٍ، ولا بَنو شَيْبَانْ
ولا بَنو (لينينَ) يعرفوننا.. ولا بَنُو (ريغانْ)..

*
يا وَطَني: كلُّ العصافير لها منازلٌ
إلا العصافيرَ التي تحترفُ الحريَّهْ
فهيَ تموتُ خارجَ الأوطانْ...
يا وَطَني: كلُّ العصافير لها منازلٌ
إلا العصافيرَ التي تحترفُ الحريَّهْ
فهيَ تموتُ خارجَ الأوطانْ...

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي