لم أدر مصرع والدي أم مصرعي
أبيات قصيدة لم أدر مصرع والدي أم مصرعي لـ محبوب الخوري الشرتوني

لم أدر مصرع والدي أم مصرعي
هو لا يعي وأنا كذلك لا أعي
لو أنصفوا سفحوا عليّ دموعهم
ونعيت لو عدل النعاة كما نعي
أو ليس موتي والشعور ملازمٌ
بأمر من موت الحبيب وافجع
أنا مت فيه ولم أزل متوجعاً
هو مات لكن ليس بالمتوجع
أبيقظة أنا أم سبحت من الكرى
في هول فاجعة وحلم مفزع
أأبي قضى أو لن أراه ولم يدع
لي في لذيذ لقائه من مطمع
أو لا اعتراض على القضاء لمدعٍ
نفذ القضاء فلا اعتراض لمدّع
يا نفس لا تصغي لحكمة عاقل
وتلوعي ما شئت أن تتلوعي
ضاقت بي الدنيا وأظلم نورها
وتغيرت صور الديار اللمع
فإذا مررت من الرياض بجنّةٍ
خضراء كنت كمن يمر ببلقع
وإذا رأيت البدر أبلج طالعاً
أعرضت عنه كأنه لم يطلع
يرد السلو يريد صدري منزلا
فأرده بلجاجة المتمتع
ويمر بي نغم البلابل في الضحى
فأخاله صوت الغراب الأبقع
وأرى الورود القانيات أظنها
قطعاً هوت من قلبي المتقطع
ما لي وللدنيا طرحت ودادها
وحقرت نضرة وجهها المتصنع
وعلمت علم الناسكين على الربى
إن الحياة سياحة في موضع
قد كان لفظ الموت لا معنى له
عندي ولم يك ذا صدى في مسمعي
حتى أصبتُ وذقت من ويلاته
ما لم أذق وجرعت ما لم أجرع
لو أنها يا أهل ودي رحلةٌ
لثلاث حجات تمر وأربع
هانت على كبدي ولكن رحلةٌ
أبدية ما بعدها من مرجع
هي نكبة سقطت عليّ فصدّعت
مني صميم القلب كل مصدع
أيموت مثل أبي وكنت أظنه
من نائبات زمانه في مفزع
أيموت وهو يذوق من أغراسه
ثمراً أقدمه ولمّا يشبع
لهفي عليه وقد تقنص بالدجى
وعلى صباحة وجهه المتقنع
نفس مهذبة وقلب لامع
بأشعة التقوى وفكر ألمعي
أبكي عليه بمدمعي ولو ان لي
مقل الغمام لما بكيت بمدمعي
وإذا بكيت فإنما أبكي على
شرف الضمير على جمال المنزع
وعلى الأمانة والوفاء كليهما
وعلى الوداد الصرف غير مضيّع
وعلى الشجاعة يوم طارئةٍ على
سيلِ الفصاحة في حديث المجمع
وعلى الطهارة والسماحة والندى
وعلى المروءة والشهامة أجمع
أبكي على الخط البديع وملوءه
سحر النهى وعلى القريض الأبدع
وعلى الصناعة لو أقام بمصنع
في الغرب كان أمام ذاك المصنع
أسفي على يده الصناع كأنما
هي لم تكن وكأنها لم تصنع
أبتاه والحدثان فرق بيننا
وقسا ورد شفاعتي وتضرعي
أبصرت نور الكون بعدك ظلمة
وكذاك تبصر أعين المتضعضع
كالظبي فارق في الفلاة أليفه
فارتاع أو كالطائر المتفزع
يزداد بي لهبُ الصبابة كلما
طال الزمان على الفراق الموجع
أبكي عليك بحرقةٍ وتفجع
والله يعلم حرقتي وتفجعي
لو كنت تعلم لوعتي وقياسها
لسألت ربك عودة السكنى معي
من لي بقلب بعد قلبك مفعم
حباً يرف عليّ غير ملوع
ويدٍ أخط لك الرثاء بها نمت
في مغرس من جود كفك ممرع
لولاك ما برت اليراع ولا درت
صوغ الكلام على الطراز الأرفع
هيهات أقضي من رثائك واجباً
ولو استحلت إلى بحيرة أدمع
أبتاه ثق في أن مهيعك الذي
سيرتني فيه سيلبث مهيعي
أحيا حياتك في الأمانة والتقى
كيف اتجهت وفي الصلاح الأنفع
نم في أمان الله ملء العين في
صدر الكنيسة فهو أهنأ مضجع
ما احتاج قبرك للأزاهر إنه
قد فاز منك على الدوام بأضوع
عُصب الملائك حانيات حوله
بدل الغصون الحانيات الأذرع
سيظل قبرك كعبة أسعى إلى
أبوابها أبدا بكل تخشع
شرح ومعاني كلمات قصيدة لم أدر مصرع والدي أم مصرعي
قصيدة لم أدر مصرع والدي أم مصرعي لـ محبوب الخوري الشرتوني وعدد أبياتها تسعة و أربعون.