ليلةٌ في مناجم الذهب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة ليلةٌ في مناجم الذهب لـ نزار قباني

1
جسمُكِ مدْعُوكٌ بالثلج والنارْ
ومعجونٌ ببعضهْ..
كمربّى التين والسفرجَلْ
ومطروقٌ كأباريق النحاسْ
ومليسٌ كالبروكار الدمشقيّ
وعابقٌ كأسواق البهارْ
في مدينةٍ آسيويَّهْ.

2
جسمُكِ مطرّزٌ بالشاماتِ
كليل الباديَهْ
ومزخرفٌ بالأزهارِ،
كالخَط الكوفيّ
وطازجٌ كعروق النعناعْ
ولامعٌ تحت الشمس كفَقَمةِ البحرْ
ومُسْتَنْفَرٌ للقتال..
كديكٍ لا يَنامْ....

3
جسمكِ مهرجانٌ للضوء والصوت
يُقَامُ تحت رعاية اللهْ....

4
جسمك ليرةٌ ذهبيَّهْ
ضُربتْ في القسطنطينيهْ
ولم يجرؤ أيٌّ من السلاطينْ
أن يصكَّ مثلَها مرةً ثانيَهْ...

5
جسمُكِ مكتظٌّ بالأحجار الكريمَهْ
مكتظٌ بالمعادن،
والحنطة,
والتوت البريّْ
وأشجار السُمَّاقْ
مكتظٌّ بالنُبُوءات كالكُتُب المقدَّسهْ
ومضروبٌ بالحليبِ والعَسَلِ الأسودْ
ومُشرَّبٌ بالشمس
كلحم الفاكهة الاستوائيَّهْ..

6
جسمكِ له رائحةُ القِرْفة واليانسونْ
ورائحةُ الأطفالْ
في اليوم الأول من ولادتهمْ..

7
جسمُكِ مَقَامٌ عراقيٌّ قديمْ
وقهوةٌ.. وهالْ
وأمطارُ لؤلؤٍ كريمْ
و "إنّه من سليمانَ،
وإنه بسم الله الرحمن الرحيم"

8
جسمُكِ مكتنزٌ كبرتقالَهْ
ومغامرٌ كسَمَكَهْ
ومفتوحٌ كورقة الكتابَهْ..

9
جسمُكِ برجٌ من الذَهَبْ
يستقبل كل صباح ألفَ حمامهْ
ويودّع ألفَ حمامَهْ

10
جسمُكِ شَجَرةُ موسيقى
كلّما هززتُها
تساقطت منها الموشحات الأندلسيهْ
ودموعُ إسحق الموصلي..

11

جسمُكِ دفترٌ سريّْ
سجّلتُ عليه
كل تاريخ الشعرْ
وكلَّ تفاصيل ليلة القَدْرْ

12
جسمُكِ وليمةٌ مجنونَهْ
من ولائم الرومانْ
يسكرُ فيها النهدْ..
حتى يسقط على سجادة الموكيت
نجمةً محترقَهْ...

13

جسمُكِ قبيلةٌ تحترف الحربْ
كتيبةٌ مدجّجةٌ بالأنوثَهْ..
غَزْوَةٌ حضارية
لاحتلال جميع رجال العالمْ .

14
جسمُكِ كاتدرائيةٌ قوطيّةُ الأقواسْ
تمارَسُ فيها كلُّ الدياناتْ
وتُضاءُ الشموعْ
وتقرعُ الأجراسْ
جسمُكِ منارةُ المناراتْ
ووطن السفن التي لا وطن لها
ووطن العصافير التي تموت من شدّة البردْ
ووطنُ الكلمات
التي تموتُ من شدة القمعْ..

15
جسمُكِ مزارٌ..
لوليٍّ شرقيٍّ مات عشقاً
ومخطوطةٌ من العهد القديمْ
عليها تواقيعُ ملوكٍ وأنبياءْ
ومغنّنين وشعراءْ
ورسّامينَ من عصر النهضَهْ
ومعماريينَ..
من السلالة الفرعونية الرابعَهْ..

16
جسمُكِ عصفورٌ يلعبُ على البيانو جيداً
ويغنّي.. ويرقص..
ويكتب الشعرَ جيداً..
جسمك حربةٌ من البرونز المشتعل
تسافرُ في لحمي.. جيداً..
وتذبحني..
جيداً.. جيداً.. جيداً....

17
جسمُكِ حاضرُ البديهة دائماً
كثعلبٍ متربّصٍ في غابَهْ...

18
جسمُكِ كتابٌ يُقرأ من كلِّ الجهاتْ
عَمُودياً يُقرأْ..
وفي الصباح يُقرأْ
وفي المساء يُقرأْ
وفي وقت القيلولة يُقرأْ
ومن الْتِفَاتَةِ العُنُق يُقرأْ
ومن شموخ النهدين يُقرأْ
ومن أصابع القدمينِ يُقرأْ
ومن استدارة الفخذَين يُقرأْ
جسمُكِ قارةٌ متعدّدةُ اللغاتْ...

19
جسمُكِ فيه كلُّ عَظَمة التراثْ
وكلُّ دهْشَة الحداثََهْ
فيه شيءٌ من أصولية المتنبي
وشيءٌ من إضاءات رامبو
وهَلْوَسَات سيلفادور دالي...

20
جسمُكِ ثَوْريٌّ بالفطرَهْ
وفدائيّ بالفطرَهْ
وقاتلٌ أو مقتولٌ..
بالفطرَهْ..

21
إذا كان نهداكِ مثقّفينِ ثقافةً عاليَهْ
- كما تقولينْ -
فلماذا لم يعترفا حتى الآنْ
بقانون الجاذبية الأرضيّهْ؟

22
درسونا في كلية الحقوق
أن نَهْدَكِ..
هو أقدمُ إعلان للحريّة
عرفه العالمْ..

23
جسمُكِ إشكالٌ لغويٌّ كبيرْ
فلا أنا أعرف كيف أحفظُهْ..
ولا أنا أعرفُ كيف أنساهْ

24
جسمُكِ هو المَلِكْ
وهو يحكُمُنَا باسم اللهْ...
ويدخلنا الجنة بأمر الله ...
ويطردنا منها .. بأَمْرِ اللهْ...

25
عندما تجلسين على المقعد الأخضرْ
ويقررُ جسمُكِ أن يلقيَ قصيدتَهْ..
أستقيلُ أنا من الكلامْ....

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي