قصيدة النمر بن تولب

وقال النمر بن تولب العكلي:
صحا القلبُ عن ذكرهِ تكتمَا
وكان رهيناً بها مغرمَا
في أخرى: سلا عنْ تذكرهِ تكتما. السلوُّ: ترككَ الشيءَ ؛ وربما قالوا في ترك التناسي: سلا يسلو.
وأقصرَ عنها وآياتها
يذكرنهُ داءهُ الأقدما
أي حبه القديم.أقصر: كف وأمسك.وآياتها: معالمها.
فأوصى الفتى بابتناءِ العلاءِ
وألا يخونَ ولا يأثمَا
ويلبَسُ للدهرِ أجلالهُ
فلنْ يبنيَ الناسُ ما هدَّمَا
ويلبس للدهر أجلاله: أي ويتهيأُ لكل حالةٍ على حسب ما يرى مما ينبغي مثل قول العرب:
البسْ لكلِّ حالةٍ لبوسها
نعيمها يوماً ويوماً بوسها
وقوله: فلن يبني الناسُ ما هدما: أي ما هدم من مجده.وتهديمه إياه: تضييعه.
وإن أنتَ لاقيتَ في نجدةٍ
فلا تتهيبكَ أن تقدما
النجدة: الشدة والأمر الشاق ؛ أراد فلا تتهيبها فقلب.ويقولون: تهيبني السفر ؛ أي هبته.ومنه قول ابن مقبل:
ولا تهيبني الموماةُ أركبها
إذا تجاوبتِ الأصداءُ بالسحرِ
أي لا أتهيبُ الموماةَ.والأصداءُ: جمعُ صدًى، وهو ذكرُ البوم.
فإنَّ المنيةَ منْ يخشها
فسوفَ تصادفهُ أينما
يريد: أينما ذهبَ.فاقتصر على معرفةِ ذلك، وتركَ اللفظَ به.
وإنْ تتخاطاكَ أسبابها
فإنَّ قصاراكَ أن تهرما
قصاراكَ: غايتك.
وأحبب حبيبكَ حباً رويداً
لئلاَّ يعولكَ أن تصرما
في أخرى: فقد لا يعولُك ؛ أي لا يشقُّ عليك.والعول: المصدر. والمعنى: لا يعظم عليك الصرمُ إذا أردته أو أرادهُ حبيبك.
وأبغض بغيضك بغضاً رويداً
إذا أنت حاولتَ أن تحكمَا
أن تحكمَا: أي تكون حكيماً. .ويروى: أن تحكِمَا ؛ أي تُحكِم أمرك.ويقال: أحكمتهُ: أي منعته ورددته عما يريد.قال جرير:
أبني حنيفةَ أحكموا سفهاءَكم
إني أخافُ عليكمُ أن أغضبَا
أي امنعوهم وكفوهم.
فلوْ أنَّ من حتفهِ ناجياً
لألفيته الصدعَ الأعصمَا
الصدع: الوعل بين الجسيم والضئيل.والأعصم: الذي في يده بياض.وقيل: الذي اعتصم بقلةِ الجبل.
بإسبيلَ ألقتْ بهِ أمهُ
على رأسِ ذي حبكٍ أيهما
إسبيل: بلدٌ.وقيل: جبلٌ.وأنشد الأصمعي شاهداً على أنه بلد:
لا أرضَ بعدَ الأكمِ إلا إسبيلُ
فكل أرض بعدَ تيكَ تضليلُ
والحبكُ: الطرائق.الواحدُ حباك.والأيهم: الذي لا يعرف به طريق.ومفازةٌ يهماء: لا يهتدى بها.ويقال للسيلِ الأيهم ؛ لأنه لا يبالي ما ركب، ولا أين أخذ، كالأعمى يركب رأسه.
إذا شاءَ طالعَ مسجورةً
ترى حولها النبعَ والساسما
المجوة: المملوءة.والنبع: أكرم العيدانِ، ومنه تتخذ القسي.والساسم: الشيز.وقيل الآبنوس.
تكونُ لأعدائهِ مجهلاً
مضلاً وكانتْ له معلما
المجهل: الذي لا يعرف.والمضل: الذي يضل فيه.ويروى: مضلاً.وكانت له معلما: أي هو عالمٌ بها.
سقته الرواعدُ من صيفٍ
وإنْ منْ خريفٍ فلن يعدما
في أخرى: سقتها رواعدُ من صيف.الصيفُ: مطر الصيفِ.والخريف: المطرُ قبل دخولِ الشتاء.
فساقَ له الدهرُ ذا وفضةٍ
يقلبُ في كفهِ أسهمَا
الوفضةُ: الكنانة ؛ وهي التي يجعل فيها النبلُ، وهي بمنزلةِ الجعبةِ للنشاب.والجمع وفاض.
فراقبهُ وهو في قترةٍ
وما كانَ يرهبُ أن يكلما
القترة: بيت الصائد.
فأرسل سهماً لهُ أهزعاً
فشكَّ نواهقهُ والفما
الأصمعي: الأهزعُ: الطويل.ويروى: مرهفاً.والنواهقُ من الوعل: ما حول أنفه.وهي من الفرس العظمان اللذان يبدوان في موضع مسيل الدموع.
فظل يشب كأنَّ الولو
عَ كان بصحتهِ مغرما
يشب: يرفع يديه.شب الفرس: إذا رفع يديه عند التمعك.والولوع: القدر.والولوع: الدهر.
وأدركهُ ما أتى تبعاً
وأبرهةَ الملكَ الأعظمَا
تبع: من ملوك اليمن من ملوك حمير.وأبرهة من ملوك الحبشة، كان النجاشيُّ وجهه إلى اليمن.
لقيم بن لقمان من أخته
فكانَ ابنَ أختِ لهُ وابنَما
لقيم بن لقمان: رجلٌ من الأمم السابقة، يقال: إنَّ أختَ لقمان كانت عند رجل يجيء ولده ضعافاً فاحتالت لأخيها بالسكر حتى قع بها فولدت لقيماً.
ليالي حمقَ فاستحصنتْ
إليه فغرَّ بها مظلمَا
حمقَ: أي أسكرَ حتى ذهب عقله.وقوله: فاستحضت إليه أي أتته كأنها حصانٌ.والحصان والحاصنُ: العفيفة.وغر: من الغرور.ومظلماً: أي والليل قد أظلم عليه.
فأحبلها رجلٌ نابهٌ
فجاءتْ به رجلاً محكمَا
نابهٌ: مذكورٌ مشهور الذكر.