مختارات شعراء العرب/قصيدة لزهير

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قصيدة لزهير

قصيدة لزهير - مختارات شعراء العرب

قال زهير بن أبي سلمى المزني يمدح هرم بن سنان المري:

إن الخليطَ أجدَّ البينَ فانفرقا

وعلقَ القلبُ من أسماءَ ما علقا

وأخلفتكَ ابنةُ البكريّ ما وعدتْ

فأصبح الحبلُ منها واهناً خلقا

الحبل: العهد.والواهن: الضعيف.

وفارقتكَ برهنٍ لا فكاكَ لهُ

يومَ الوداعِ فأمسَى رهنُها غلقا

عني بالرهن: قلبه.ويروى: فأمسى الرهنُ قد غلقا.

قامت تبدي بذاتِ ضالٍ لتحزنني

ولا محالةَ أنْ يشتَاقَ من عشِقَا

يروى: قامتْ تراءَى

بجيد مغزلة أدماءَ خاذلة

من الظباءِ تراعي شادناً خرقا

المغزلة، والمغزل: التي معها غزال.والخاذلة: التي خذلت الظباء وأقامت على ولدها.والخرق: اللاصق بالأرض من الفزع والدهش.

مازلتُ أرمقهم حتى إذا هبطت

أيدي الركابِ بهم من راكس فلقا

الفلق: المطمئنُّ من الأرض.

دانيةً من شروري أوقفا أدم

تسعى الحداةُ على آثاهِم حزقا

شرورى: جبل معروف.والحزق: جماعات في تفرق.

كأنَّ ريقتها بعدَ الكرى اغتبقتْ

من طيبِ الراح لما يعدُ أن عتقا

أي لما يجزْ أن صار عتيقاً.

شج السقاةُ على ناجودِها شبماً

من ماءِ لينةَ لا طرقاً ولا رنقا

الناجود: الإناءُ يصب فيه الخمر، وهو الباطية.ولينة: موضع.والطرق: الماء الذي قد طرقته الإبل وبالت فيه وبعرت.والرنق: الكدر من غير أبوالٍ ولا أبعار.

كأنَّ عينيَّ في غربيْ مقتلةٍ

من النواضحِ تسقي جنةً سحقا

الغرب: الدلو الضخم.والمقتلة: المذللة.والنواضح: الإبل التي يستقى عليها الماء، واحدا ناضح.والجنة: البستان.والسحقُ: النخل الطوال، الواحدة سحوق.

وخلفها سائق يحدو إذا خشيت

منه العذاب تمد الصلب والعنقا

وقابلٌ يتغنى كلما قدرتْ

على العراقي يداهُ قائماً دفقا

القابل: الذي يقبل الدلو ليفرغه.والعراقي: الخشبتان اللتان هما كالصليب على الدلو.

يحيلُ في جدولٍ تحبو ضفادعه

حبو الجوارِي ترى في مائه نطقا

الأصمعي: النطق: جمع نطاق، وهي نفاخات ودارات على الماء.وقال أبو عمرو: هو أن يجتمع الغثاء على الماء فيصير كأنه نطاق.

يخرجنَ من شرباتِ ماؤها طحلٌ

على الجذوعِ يخفنَ الغمَّ والغرقا

بل أذكرَنْ خيرَ قيسٍ كلها حسباً

وخيرها نائلاً وخيرها خلقا

ومن يفوقهمُ رأياً إذا فرقوا

من الحوادث أمراً ناب أو طرقا

طرق: أتى ليلاً.

القائد الخيلِ منكوباً دوابرها

قد أحكمتْ حكماتِ القدِّ والأبقا

الدوابر: مآخر الحوافر.والأبق: القنب.

غزتْ سماناً فآبتْ ضمراً خدجاً

من بعدِ ما جنبوها بدناً عققا

الخدج: التي ألقتْ أولادها لغيرِ تمامٍ، الواحدة خدوج.والبدن: العظام الأبدان.والعقق: الحوامل، واحدتها عقوق.

حتى يثوب بها وجيا معطلةً

تشكو الدوابر والأنساء َ والصفقا

يروى: يؤوب بها شعثاً.والمعطلةُ: التي لا أرسان عليها.والأنساءُ: عروقٌ في الفخذين.والصفق: واحدها صفاق، وهو الجلد الذي دون الجلدِ الأعلى مما يلي البطن.

يطلبُ شأو امرَأينِ قدمَا حسناً

نالا الملوكَ وبذا هذه السوقا

يروى: قدما حسباً.ومعنى بذا: فاقا وغلبا.

هو الجوادُ فإنْ يلحقْ بشأوهما

على تكاليفهِ فمثله لحقا

أو يسبقاه على ما كان من مهلٍ

فمثلُ ما قدما من صالح سبقا

على ما كان من مهلٍ: أي من تقدم أي قد أخذا مهلة من قبله.

أشمُّ أبيض فياضٌ يفككُ عن

أيدي العناةِ وعن أعناقها الربقا

الربقُ: الحبال.

قد جعل المبتغون الخيرَ في هرمٍ

والسائلون إلى أبوابهِ طرقاً

الأصمعي: في هرم: أي عند هرم.وقال: هذا بيت القصيدة.

من يلقَ يوماً على علاتهِ هرما

يلقَ السماحةَ منه والندَى خلقَا

وليس مانعَ ذِي قربَى وذي نسبٍ

يوماً ولا معدماً من خابطِ ورقا

ليثٌ بعثرَ يصطادُ الرجالَ إذا

ما الليثُ كذبَ عن أقرانهِ صدقا

يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا

ضاربَ حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا

فضل الجوادِ على الخيلِ البطاءِ فلا

يعطي بذلك ممنوناً ولا نزقا

النزق: السريع أول ما يجري ثم ينقطع مثل البرذون.

لو نال حيٌّ من الدنيا بمكرمةٍ

أفقَ السماءِ لنالتْ كفهُ الأفقا

هذا، وليس كمنْ يعيا بخطبته

يوماً ولا عائباً إنْ ناطقٌ نطقا

هذا البيت والذي قبله في رواية ابن حبيب.

لزهير أيضاً

وقال يمدح هرماً:

كم للمنازلِ من عامٍ ومن زمنِ

لآلِ أسماءَ بالقفينِ فالركنِ

لآلِ أسماءَ إذْ هامَ الفؤادُ بها

حيناً وإذْ هي لم تظعنْ ولم تبنِ

وإذ كلانا إذا كانت مفارقةٌ

من الديارِ طوى كشحاً على حزنِ

أي ضم كشحا

فقلت للدار أحياناً يشطُّ بها

صرفُ الأميرِ على منْ كان ذا شجنِ

يشط بها: يبعد بها.والأمير: السيد الذي لا يقطعُ أمرٌ دونه.والشجن: الحاجة، والجمع أشجان وشجون.قال: والنفس شتى شجونها

لصاحبي وقد زال النهارُ بنا

هل تؤنسان ببطنِ الجوِّ من ظعنِ

قد نكبتْ ماءَ شرج عن شمائلها

وجوُّ سلمَى على أركانها اليمنِ

يقطعنَ أميالَ أجوازِ الفلاةِ كما

تغشى النواتي غمارَ اللجِّ بالسفنِ

يخفضها الآلُ طوراً ثم يرفعها

كالدومِ يعمدنَ للأشرافِ أو قطن

الدوم: شجر المقل.والأشراف: أرض.وقطن: جبل.

ألمْ ترَ ابنَ سنانٍ كيفَ فضلَهُ

ما يشتري فيه حمدَ الناسِ بالثمن

وحبسهُ نفسهُ في كلِّ منزلةٍ

يكرهها الجبناءُ الضاقةُ العطن

حيثُ ترى الخيلَ بالأبطالِ جائلةً

ينهضنَ بالهندُوانياتِ والجننِ

حتى إذا ما الْتقى الجمعانِ واختلفوا

ضرباً كنحتِ جذوعِ النخلِ بالسنن

السنن: الفئوس.الواحدة سنة.واختلفوا ضرباً: أي اختلفت الأيدي بالضرب، فمنهم من يرفع يده ومنهم من يخفض يده.

يغادرُ القرنَ مصفراً أناملهُ

يميلُ في الرمح ميلَ المائحِ الأسنِ

المائح الذي يغرف بيده الماءَ من البئر.والأسن: الذي يأسن من ريح الحمأة يكاد يغشى عليه.

تالله قد علمتْ قيسٌ إذا قذفتْ

ريحُ الشتاءِ بيوتَ الحيِّ بالعنن

العنن: واحدها عنة، وهي الحظيرة من الشجر.

أنْ نعمَ معتركُ الحيِّ الجياعِ إذا

خبَّ السفيرُ ومأوَى البائِس البَطِن

معترك الحي: مزدحمهم.والسفير: ماتحات من ورقِ الشجر فخبت به الريح ؛ وهذا يكون في الشتاء.ومن السفير قولهم: أسفر مقدم رأسه: إذا ذهب الشعر عنه.والبطن: النهم.

من لا يذابُ له شحمُ النصيبِ إذا

زار الشتاءُ وعزتْ أثمنُ البدنِ

لا يذاب له الشحم: أي لا يدخر له، بل يعطيه الناس طرياً

يطلب بالوتر أقواماً فيدركهم

حيناً ولا يدركُ الأعداءُ بالدمن

الدمنة: الحقد.

ومن يحاربْ يجدهُ غيرَ مضطهدٍ

يربِي على بغضةِ الأعداءِ بالطبنِ

الطبن: الفطنة.غير مضطهدٍ: أي غير مقهور. يربى: يزيد.والطبن: الفطنة، يقال: طبن له وتبنَ له: إذا فطن له.قال الأصمعي: التبانة: الفطانة في الشر.ويقال: رجل ندس وندس ؛ يفطن.ورجل لحنٌ ؛ أي فطن، وهو ألحنُ منه: أي أفطن منه.

إنْ تؤتهِ النصحَ يوجدْ لا يضيعهُ

وبالأمانة لم يغدرْ ولم يخنِ

ويروى: إنْ تؤتهِ النصحَ لا ينفكُّ حافظهُ.

هناكَ ربكَ ما أعطاكَ من حسنٍ

وحيثما يكُ أمرٌ صالحٌ فكنِ

ولزهير أيضاً

وقال يمدحه:

لمنْ طللٌ برامةَ لا يريمُ

عفا وخلا له حقبٌ قديمُ

عفا: درس.وعفا: كثر.وهو من الأضداد.وخلا: أي مضى.والحقب: واحد الأحقاب.حقب: دهر طويل.

تحمل أهلهُ عنه فبانوا

وفي عرصاته منهمْ رسومُ

العرصة: وسط الدار، وهي الساحة والباحة والنالة.

يلوحُ كأنه كفا فتاةٍ

ترجعُ في معاصمها الوشومُ

يروى: يلحن كأنهن يدا فتاة. والمعاصم: مواضع الأسورة.وترجع: تردد مرة بعد مرة.

عفا من آلِ ليلى بطنُ ساقٍ

فأكثبة العجالزِ فالقصيم

القصيم: منابت الغضا في الرملِ.

تطالعنا خيالاتٌ لسلمى

كما يتطلعُ الدينَ الغريم

خيالٌ وخيالات مثل حمام وحمامات.وقد جاء في الشعر خيالة ؛ قال:

ولستُ بنازِل إلا ألمتْ

برحلي أو خيالتها الكذوب

وقوله يتطلع الدين الغريم كما تقول: يتطلع فلانٌ ضيعته ويتعهدها.

لعمرُ أبيكَ ما هرمُ بنُ سلمى

بملحيٍّ إذا اللؤماءُ ليموا

بملحىٍّ: بملوم.وأصله من القشرِ ؛ يقال: لحاه ؛ أي قشره.

ولا ساهي الفؤاد ولا عيي ال

لسانِ إذا تشاجرت الخصوم

تشاجرت: اختلفت.

ولنْ عصمةٌ في كلِّ أمر

يطيفُ به المخول والعديمُ

المخول: الغني.والمخول: الذي له خول ؛ أي الغنى والفقير لا يستغنيان أن يسألاه.

متى تسدد بهِ لهواتُ ثغرٍ

يشارُ إليه جانبهُ سقيمُ

جانبه سقيم: يخشى القومُ أن يؤتوا منه.

مخوفٌ بأسه يكلاكَ منه

قويٌ لا ألفُّ ولا سؤوم

الألفُّ: الثقيل.والسؤوم: الملول.ومن الألف قولهم: امرأةٌ لفاءُ الفخذينِ ؛ أي عظيمتهما.ومنه اللفف في اللسان.

له في الذاهبين أروم صدقٍ

وكانَ لكلِّ ذي حسبٍ أرومُ

الأروم، والجنث، والضئضئ، والبؤبؤ: كل ذلك الأصل.أي له في سلفه أصل صدقٍ.

ووعودَ قومه هرمٌ عليه

ومنْ عاداتهِ الخلقُ الكريمُ

كما قدْ كان عودَهُم أبوهُ

إذا أزمتْ بهم سنةٌ أزومُ

يروى: إذا أزمتهم.ويروى: إذا أزمتْ مطوحةٌ: أي سنةٌ تشتدُ عليهم فتطوحهم في البلاد.

عظيمةُ مغرم أن يحملوها

تهم الناس أو أمرٌ عظيمُ

لينجوا من ملاومها وكانوا

إذا شهدوا العظائم لم يليموا

كذلك خيمهم ولكلِّ قومٍ

إذا مستهم الضراءُ خيمُ

ولزهير أيضاً

وقال يمدحه:

لمنِ الديارُ بقنةِ الحجرِ

أقوينَ من حجج ومنْ شهرِ

القنة: الجبل ؛ أي من أجل الحججَ والشهور التي مرت بها.

لعبَ الرياحُ بها وغيرها

بعدي سوافي المورِ والقطرِ

قفراً بمندفعِ النحائتِ منْ

ضفويْ أولاتِ الضالِ والسدْرِ

النحائت: آبار معروفة.من ضفوى أي جانبي.والواحد ضفاً.

دع ذا وعدِّ القولَ في هرمٍ

خيرِ الكهولِ وسيِّد والحضرِ

عد القول: اصرفهُ.

تاللهِ ذا قسماً لقد علمتْ

ذبيانُ عامَ الحبْسِ والأصرِ

ذا: مما يوصل به اليمينُ، كما قالوا: ايمُ الله ذا، ولا ها الله ذا.عام الحبس: أي يحبسون أموالهم من الخوف. والأصر: الضيق ؛ يقال أصرهُ يأصره: إذا حبسه وضيق عليه.

أنْ نعمَ معتركُ الجياعِ إذا

حبَّ القتارُ، وسابئُ الخمرِ

الاعتراك: الازدحام.والقتارُ: ريح الشواءِ.يقال: سبأتُ الخمر: اشتريتها.

ولنعمَ مأوَى القومِ قد علموا

إنْ عضهم جلٌّ من الأمرِ

ولنعمَ حشوُ الدرعِ أنتَ إذا

دعيتْ نزالِ ولجَّ في الذعرِ

حامِي الذمارِ على محافظة الْ

جلى أمينُ مغيبِ الصدرِ

الذمار: ما يجبُ عليك حفظه.والجلَّى: العظيم من الأمر.أمينُ مغيب الصدر: أي سره مثل علانيته.

حدبٌ على المولَى الضريكِ إذا

ما نابَ بعضُ نوائب الدهْر

المولى هنا: ابن العم.والضريك: الفقير.

ومرهقُ النيران يطعمُ في ال

أواءِ غيرُ مُلعَّنِ القدرِ

مرهق النيران: أي مغشي النيران.واللأواء: الشدة.

الستر دونَ الفاحشاتِ وما

يلقاكَ دونَ الخير من سترِ

الستر: يريد العفاف ؛ أي ليس ثمَّ فاحشة.

عظمتْ دسيعته وفضلهُ

جزُّ النواصي من بني بدرِ

الدسيعة: الجفنة.والدسيعة من الفرس: أصل العنق.

أيامَ ذبيانٌ مراغمةٌ

في حربها ودماؤها تجرِي

مراغمةٌ: معاداة. هذا البيت والذي قبله رواهما الأخفش. وروى الأصمعي بعد ذلك وبعد هذا البيت:

ولأنتَ تفري ما خلقتَ وبع

ضُ القومِ يخلقُ ثم لا يفري

ولأنتَ أشجعُ حين تتجهُ ال

أبطالُ من ليثِ أبي أجرِ

وردِ عراضِ الساعدينِ حدي

دِ النابِ بينَ ضراغمٍ غثرِ

ورد: تعلوه حمرة.والغثر: الغبر.

أثنى عليكَ بما علمتُ وما

خلفتَ في النجداتِ والذكر

النجدة: الشدة، والنجدة: الشجاعة.رجل نجدْ، ونَجُد، ونَجِد، ونجيد: شجاع.وقد نجُدَ يَنْجُد.والذكر هنا: العلاءُ والشرف.'وإنه لذكرٌ لك ولقومك'.

لو كنتَ منْ شيءٍ سوى بشرٍ

كنتَ المنور ليلةَ البدر

وقال يذكر النعمان بن المنذر حين طلبه كسرى ليقتله ففر فأتى طيئاً، وكانت بنتُ أوس بن حارثة بن لأمٍ عند النعمان، فسألهم أن يدخلوه جبلهم ويؤووه، فأبوا ذلك خوفاً من كسرى.وكانت له في بني عبس يدٌ، لأن مروان بن زنباع كان أسرَ فأحسن إليه النعمان، وكلم فيه عمرو بن هند عمه، فأطلقه ؛ وكساه النعمان وحمله ؛ فكان بنو عبس يشكرون ذلك له.فلما هرب من كسرى ولم تدخله طيئ جبلها لقيه بنو رواحة بن ربيعة العبسيون، وقالوا: أقم فينا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا، فقال: لا طاقة لكم بكسرى، فساروا معه، فأثنى عليهم خيراً ؛ ففي ذلك يقول زهير:

ألا ليتَ شعري هل يرى الناسُ ما أرى

من الأمرِ أو يبدو لهم ما بدا ليا

بدا ليَ أنَّ الناسَ تفنَى نفوسهم

وأموالهم، ولا أرى الدهرَ فانيا

وأني متى أهبط من الأرض تلعةً

أجد أثراً قبلي جديداً وعافيا

التلعة: مسيل من مكانٍ مشرف إلى الوادي.

أراني إذا ما بتُ بتُ على هوى

فثمَّ إذا أصبحت أصبحتُ غاديا

أي بت على أمرٍ أهواهُ وحاجةٍ أريدها.

إلى حفرةٍ أهوى إليها مقيمةٍ

يحثُّ إليها سائقٌ من ورائيا

أراد بالسائق الأجل.

بدا لي أني عشتُ تسعين حجةً

تباعاً وعشراً عشتها وثمانيا

بدا لي أن الله حقٌ فزادني

إلى الحق تقوى اللهِ ما قد بدا ليا

بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابقاً شياً إذا كان جائيا

وما إنْ أرى نفسي تقيها كريمتي

وما أن ْتقي نفسي كريمةَ ماليا

ألا لا أرى على الحوادثِ باقياً

ولا خالداً إلا الجبالَ الرواسيا

وإلاَّ السماءَ والبلادَ وربنا

وأيامنا معدودةً واللياليا

ألم ترى أن الله أهلك تبعاً

وأهلكَ لقمانَ بن عادٍ وعاديا

هو عادياءٌ - ممدود: اسم رجل من عاد، ولكنه قصره ضرورة.

وأهلكَ ذا القرنينِ من قبلِ ما ترى

وفرعونَ أردى جنده والنجاشيا

ألا لا أرى ذا إمةٍ أصبحتْ به

فنتركهُ الأيامُ وهيَ كما هيا

ألم تر للنعمان كان بنجوةٍ

من الشرِّ لو أن امرأً كان نجيا

النجوة: المرتفع من الأرض.

فغير عنه رشد عشرين حجةً

من الدهرِ يومٌ واحدٌ كان غاويا

فلم أرَ مسلوباً له مثلُ قرضِه

أقلَّ صديقا معطياً أو مؤاسيا

فأينَ الذينَ كان يعطي جياده

بأرسانهنَّ والحسانَ الحواليا

وأين الذين كان يعطيهم القرى

بغلاتهن والمئينَ الغواليا

وأينَ الذين يحضرونَ جفانهُ

إذا قدمتْ ألقوا عليها المراسيا

رأيتهم لم يشركوا بنفوسهم

منيتهُ لما رأوا أنها هيا

سوى أنّ حياً من رواحةَ أقبلوا

وكانوا قديماً يتقون المخازيا

يسيرون حتى حبسوا عند بابه

ثقالَ الروايا والهجانَ المتاليا

فقال لهم خيراً وأثنى عليهم

وودعهم وداعَ أن لا تلاقيا

وأجمع أمراً كان ما بعدهُ له

وكان إذا ما اخلولج الأمر ماضيا

اخلولج الأمر: شك فيه. وقال لسنان بن أبي حارثة وللحارث بن عوف المريينِ:

صحا القلبُ عن سلمى وقد كادَ لا يسلو

وأقفر من سلمى التعانيق فالثقلُ

وقد كنت من سلمى سنينَ ثمانياً

على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ وما يحلو

على صيرِ أمرٍ: على إشرافِ أمرٍ.

وكنتُ إذا ما جئتُ يوماً لحاجةٍ

مضتْ وأجمتْ حاجةُ الغدِ ما تخلو

يقول: حوائجنا ما تنقضي.ويروى: حمت بالحاء.ما تخلو: أي ما تمضي.

وكل محبّ أعقبَ النأيُ قلبهُ

سلوَّ فؤادِ غيرَ لبك ما يسلو

يروى: أعقب النأيُ لبه.قال في أول بيت: صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ؛ أي قد سلا.وقال في هذا البيت: غير لبك ما يسلو.وهذا تناقض في الظاهر.والمعنى: لم يسلُ في السنين الثماني المواضي.

تأوبني ذكرُ الأحبة بعدما

هجعتُ ودوني قلةُ الحزنِ فالرملُ

فأقسمتُ جهداً بالمنازلِ من منًى

وما سحفتْ فيه المقاديمُ والقملُ

سحفت: حلقت.

لأرتحلنْ بالفجرِ ثمَّ لأدْأبنْ

إلى الليلِ إلاَّ أن يعرجني طفل

أي إلا أن نضع ناقتي، أو ترمي ما في بطنها ؛ فذلك الذي يحبسني.

إلى معشرٍ لم يورث اللؤم جدهم

أصاغرهم وكل فحل له نجلُ

تربص فإنْ تقوِ المروراةُ منهمُ

وداراتها لا تقوِ منهمْ إذاً نخلُ

الدارات: جمع دارة.يقال: دار، ودارة ؛ ومنزل، ومنزلة ؛ ومكان، ومكانة.

فإنْ يقويا منهمْ فإنَّ محجراً

وجزعَ الحسا منهم إذاً قلما يخلو

محجرٌ: جبل.والجزع: منعطفُ الوادي.وهو الضوجُ والثنى.

بلادٌ بها نادَ متهمْ وألفتهمْ

فإنْ أوحشتْ منهم فإنهم بسلُ

بسل: حرام.أي لا يطمع فيهم، يعني أنهم أشداءٌ.

إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم

طوالَ الرماحِ لا قصارٌ ولا عزلُ

العزل: الذين لا سلاح معهم.

بخيلٍ عليها جنةٌ عبقريةٌ

جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا

عبقر: أرض معروفةٌ بالجنِّ، أي خليقون أن ينالوا عدوهم ويعلوا عليه.

عليها أسودٌ ضارياتٌ لبوسهمْ

سوابغُ بيضٌ ما تخرقها النبلُ

وإنْ يقتلوا فيشتفي بدمائهم

وكانوا قديماً من مناياهم القتلُ

فيشتفي بدمائهم: أي هم أشرافٌ إذا قُتِلوا رأى قاتلوهم أنهم أدركوا بثأرهم.

وإنْ لقحتْ حربٌ عوانٌ مضرةٌ

ضروسٌ تُهِرِّ الناسَ أنيابها عصلُ

لقحتْ: أي هاجت.والحرب العوان: التي كانت قبلها حربٌ.والضروس.العضوض.وأنيابها عصل، ضربه مثلاً.والبعير إذا أسن اعوج نابه. يقول: هذه حربٌ قديمة قد أسنتْ.

قضاعيةٌ أو أختها مضريةٌ

يحرقُ في حافاتها الحطبُ الجزلُ

يعني أن حرب قضاعة ومضر منكرة.

يكونوا على ما كان منهم إزاءها

وإنْ أهلكَ المالَ الجماعاتُ والأزلُ

روى الأصمعي: تجدهم على ما خيلت هم إزاءها. والأزل: الضيق.يقال أزلوا مالهمْ.إذا حبسوه.يحبسون مالهم من خوفِ العدو فلا يسرحونه.

يحشونها بالمشرفية والقنا

وفتيان صدقٍ لا ضعافٌ ولا نكلُ

يحشونها: يوقدونها.والنكل: الجبناءُ.

تهامون نجديونَ كيداً ونجعةً

لكلِّ أناسٍ منْ وقائعهم سجلُ

الكيدُ: المكر.والنجعة: إتيان الكلإِ.السجل: النصيب.ونجد: أسفل مكة مما يلي العراق.

هم ضربوا عن فرجها بكتيبةٍ

كبيضاءِ حرسٍ في طوائفها الرجلُ

حرس: جبل.وبيضاؤه: شمراخ منه.

متى يشتجرْ قومٌ يقلْ سرواتهمْ

همُ بيننا فهمُ رضاً وهم عدلُ

هم جددوا أحكامَ كلِّ مضلةٍ

من العقمِ لا يلفَى لأمثالها فصلُ

ولستُ بلاقٍ بالحجازِ مجاوراً

وذا سفرٍ إلا له منهمُ حبلُ

بلادٌ بها عزلى معداً وغيرها

مشارِبها عذبٌ وأعلامها ثملُ

أعلامها: جبالها.ثمل: يقام عليها.

هم خيرُ حيٍّ في معدٍّ عملتهم

لهم نائلٌ في قومهم ولهم فضلُ

فرحتُ بما أخبرتُ عن سيديكمُ

وكانا امرأينِ كلُّ شأنهما يعلو

جزى اللهُ بالإحسانِ ما فعلاَ بكمْ

فأبلاهمَا خيرَ البلاءِ الذي يبلُو

أبليت فلاناً خيراً أبليه إبلاءً: إذا صنعتَ إليه صنيعاً جميلاً.وبلوته إذا جربته واختبرته، فلذلك قال زهير يبلو، ولم يقل يبلى.أراد فصنع الله إليهما خير الصنيع الذي يختبر به عباده.

تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها

وذبيان إذ زلت بأقدامِها النعلُ

الأحلاف: أسد وغطفان.قد ثل عرشها: قد هدم عزها.

فأصبحتما منها على خيرِ موطنٍ

سبيلكما فيها إذا أحزنوا سهلُ

إذا السنةُ الحمراءُ بالناسِ أجحفتْ

ونالَ كرامَ المالِ في الجحرةِ الأكلُ

أجحفت بهم السنة: إذا أذهبت خيرَ أموالهم وأفرطت عليهم.والجحرة: السنة الشديدة.

رأيتَ ذوي الحاجاتِ حولَ بيوتهم

قطيناً لهم حتى إذا نبتَ البقلُ

قطيناً: أي جيراناً قطنوا لديهم، نزلوا عندهم.نبتَ البقلُ ؛ أي أخصبوا.

هنالكَ إن يستخبلوا المالَ يخبلوا

وإن يسألوا يعطوا وإنْ ييسروا يغلوا

قال الأصمعي: كان الرجل إذا افتقر أتى بني عمه فأعطاه كل واحدٍ منهم شيئاً من الإبل حتى إذا أولدها ومكثت عنده سنين ردها، فذلك الإخبال. وقال غيره: الاستخبال: أن يستعير الرجل من الرجل إبلاً فيشرب ألبانها وينتفع بأوبارها، وهذا يقارب الأول. وقال أبو عمرو: الرواية: إنْ يستخولوا المال يخولوا.والإخولل: المنحة.ولم أسمع الاستخبال، وأراه يستخولوا.ييسروا: من الميسرِ.

وفيهم مقاماتٌ حسانٌ وجوهها

وأنديةٌ ينتابها القولُ والفعلُ

مقامات: جماعاتُ رجالٍ.ينتابها: أي يكثر فيها القول والفعل ؛ أي إذا قالوا وفوا.

وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم

مجالس قد يشفي بأحلامها الجهل

وإن قام فيهم قائمٌ قال قاعدٌ

رشدت فلا غرمٌ عليكَ ولا خذلُ

قال الأصمعي: يريدُ أنه إذا قام قائم منهم في الحمالة دعا له القاعد بالرشد ولم يرد عليه.

على مكثريهم حقُّ من يعتريهم

وعند المقلين السماحة والبذل

إذا جاءه لطلب ما عنده ولم يسأله فقد اعتراه.

سعى بعدهم قومٌ لكي يدرِكوهم

فلم يفعلوا ولم يلاموا ولم يألوا

فما كان من خيرٍ أتوهُ فإنما

توارثهُ آباءُ آبائِهِمْ قبلُ

وهلْ ينبتُ الخطيَّ إلا وشيجهُ

وتغرسُ إلا في منابتها النخلُ

وقال يمدح هرماً:

لسلمى بشرقيِّ القنان منازلُ

ورسمٌ بصحراءِ اللبيينِ حائلُ

حائل: أتى عليه حول.القنان: جبل لبني أسد.

تحمل عنها أهلها وخلت لها

سنون فمنها مستبينٌ وماثلُ

الماثل: اللاطئ بالأرض.والماثل: المنتصب

كأنَّ عليها نقبةً حميريةً

يقطعها بين الجفونِ الصياقلُ

النقبة: ثوبٌ تلبسه المرأةُ لا كمين له.وهو هاهنا بردٌ نسبه إلى حمير.شبه أثر الدار بالبرد.

تبصر خليلي هلْ ترى من ظعائنٍ

كما زالَ في الصبحِ الأشاءُ الحواملُ

نشزنَ من الدهناءِ يقطعنَ وسطها

شقائقَ رملٍ بينهنَّ خمائلُ

الخميلة: الرملة اللينة.نشزن: ارتفعنَ.ومنه نشزت المرأة على زوجها.والشقيقة: رملة مستطيلة.

فلما بدت ساق الجواءِ وصارة

وفرشٌ وحماواتهنَّ القوابلُ

يقول: ظهرت هذه الأرضون.حماواتهنَّ: جبالٌ سودٌ، واحدتها حماءُ.والقوابل: التي يقابل بعضها بعضاً.

طربتُ وقال القلبُ هو دونَ أهلها

لمنْ جاورتْ إلا ليالٍ قلائلُ

تهونُ بعدَ الأرضِ عني فريدةٌ

كنازُ البضيعِ سهوةُ المشي بازلُ

البازلُ من البعران: الذي فطرنا به ؛ أي انشقَّ، وذلك للسنة التاسعة.سهوة: سهلة.فريدة: لا مثل لها.ناقة كناز اللحمِ: مجتمعتنه.البضيع: اللحم.والبضعة: القطعة منه.

كأنَّ بضاحي جلدها ومقذها

نضيحَ كحيلٍ أعقدتهُ المراجلُ

المقذ: ما بين الأذنين من خلف.والكحيل: الخضخاض الذي تهنأ به الإبل.وهو مبني على التصغير.

وإني لمهدٍ من ثناءٍ ومدحةٍ

إلى ماجدٍ تبغي لديه الفواضلُ

من الأكرمينَ منصباً وضريبةً

إذا ما ماشتا تأوي إليها الأراملُ

الضريبة: الخلق.المنصب: الأصل.

فما مخدرٌ وردٌ عليه مهابةٌ

يصيدُ الرجالَ كلَّ يومٍ ينازلُ

أخدرَ فهو مخدرٌ.وخدرَ فهو خادرٌ: إذا استتر في خيسه.

بأوشكَ منه أني يساورَ قرنهُ

إذا شالَ عن خفضِ العوالي السوافلُ

فيبدؤهُ بضربةٍ أو يشكهُ

بنافذةِ تصفرُّ منها الأناملُ

أبتْ لابنِ سلمى خلتان اصطفاهما

قتالٌ إذا يلقَى العدوَّ ونائلُ

وغزوٌ فما ينفك في الأرضِ طاوياً

تقلقلُ أفراسٌ بهِ ورواحلُ

إذا أنفدوا زاداً يكونُ عطاءه

صفايا العشارِ والمخاضُ المطافلُ

المخاض: التي عظمتْ بطونها ودنت ولادتها.ويقال: ناقة صفي، والجمع صفايا ؛ أي غزيرة.والعشار: التي أتى عليها عشرةُ أشهر.والمطافل: التي معها أولادها.

تراهُ إذا ما جئته متهللاً

كأنكَ تعطيهِ الذي أنت سائلُ

أحابي به ميتاً بنخلٍ وأبتغي

إخاءك بالقيلِ الذي أنا قائلُ

أحابي به: أي بهذا الشعر.أحابي به: أخص به.ونخل: أرض قبره بها.

أحابي به من لو سئلت مكانهُ

يميني ولوْ لامَتْ عليه العواذلُ

لعِشْنَا ذَوَي أيدٍ ثلاثٍ وإنما ال

حياةُ قليلٌ والصفاءُ التباذلُ

يقول: لأعطيتُ يميني فبقيتْ لي يدٌ.والصفاءُ الخالصُ من الإخاءِ.والصفا - من الحجارة - مقصور.

وليس لمنْ لم يركبِ الهولَ بغيةٌ

وليس لرحلٍ حلهُ الله حاملُ

حله: أنزله، ولم يشدده.يقول: من لم يركب الهول في مودةِ أخيه فليس بباغٍ إخاءه.

إذا أنتَ لم تقصر عن الجهل والخنا

أصبتَ حليماً أو أصابكَ جاهلُ

تمت^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي