مختارات شعراء العرب/مختار شعر الحطيئة وأخباره

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

مختار شعر الحطيئة وأخباره

مختار شعر الحطيئة وأخباره - مختارات شعراء العرب

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين

قال أبو حاتم سهل محمد السجستاني: أخبرنا الأصمعي، قال: كان من حديث الحطيئة والزبرقان بن بدر البهدلي أن الزبرقانَ خرج يريد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة مجدبة ليؤدي إليه صدقات قومه، فلقي الحطيئة بقرقرى، ومعه امرأتان أو امرأةٌ وابنان يقال لأحدهما سوادة وللآخر إياس، وبنات له. فقال له الزبرقان: أين تريد ؟ فقال: العراق، حطمتني السنة.فقال له: هل لك في جوارٍ كريم ولبنٍ كثير وتمر ؟ قال: ما أرجو هذا كله. قال له الزبرقان: فإن لك هذا.فسر إلى أم شذرة امرأتي، وهي بنت صعصعة، وهي عمة الفرزدق. فكتب إليها أن أحسني إليه، وأكثري له من التمر واللبن. فقدم عليها، وكان دميماً سيئ الحال، لا تأخذه العين، ومعه عيال كثير.فلما رأته هان عليها، وقصرت به.فرأى ذلك بنو أنف الناقة، وهم بيت سعد، فأرسلوا إليه أن ائتنا، فنحن خير لك، وكتموا المرأة اسمه، فلم تعرفه. وكانوا إذا دعوه إلى أنفسهم يأبى ويقول: إن من رأى النساء التقصير والغفلة ؛ ولست أحمل على صاحبي ذنبها. وألح عليه شماس بن لأي، وبغيض، والمخبل - وكان المخبل سليط اللسان، وهو ابن عمهم - وعلقمة بن هوذة ؛ وكان علقمة أشد القوم إلحاحاً عليه، لشعرٍ قاله الزبرقان فيه ؛ وهو قوله:

لي ابنُ عمٍّ لا يزا

لُ يعيبني ويعنيُ عائب

وأعينهُ في النائبا

تِ ولا يعين على النوائب

تسري عقاربه إل

يَّ ولا تنبهه عقاربْ

لاهِ ابنُ عمكَ ما تخا

فُ الجازياتِ من العواقب

وكان علقمة ممتلئاً غيظاً عليه لهذا الشعر.وكان الآخرون ممتلئين حسداً وبغياً.فأما حماد الراوية فزعم أن الملح عليه بغيض. فمكث الحطيئة بتلك الحال أشهراً، والزبرقان بالمدينة. ثم إن امرأة الزبر قان استأنفت العشب فتحملتْ ؛ وقالت للحطيئة: أرد عليك الإبل، فتركته يومين وليلتين.فاغتنم ذلك بنو شماس - وهم بنو أنفِ الناقة - فأتوه، فقالوا له: احتمل أيها الرجل.فقال: أما الآن فنعم. فأتاه بغيض بن عامر بن شماس - وكان شريفاً - فاحتمله حتى أتى به أهله، فأكثروا له من التمر واللبن، وأعطوه لقاحاً وكسوة - قال: اللقاح، واللقحُ واحدتها لقحةٌ ولقحةٌ ولقوح - وهي الحلوب - وأبطأ عليهم أن يهجو الزبرقان. والزبرقان من بني بهدلة، وكان في بني بهدلة قلةٌ، ولم يكونوا إلى هؤلاء ولا قريباً، غير أن الزبرقان قد كان بنفسه شريفاً منيعاً، عضب اللسان، فحضضوا الحطيئة عليه.فقال: لست بهاجيه ولا ذنبَ له فيما صنع امرأته، ولكني ممتدحكم، وذاكر ما أنتم له أهل. وأما حماد الراوية فقال: قالوا له أبطأت أن تسمع شباننا بعض ما يتغنون به من شتم هذا الكلب.فقال: قد أبيتُ عليكم أهون من شتمه، ولا ذنبَ له فيما أتتْ به امرأته ؛ ولكن إن شئتم مدحتكم ؛ فأنتم أهل ذاك. فقالوا: ما مدنا من لم يشتم الزبرقان ؛ ولم يقصروا في كرمته. فلما أكثروا عليه قال يمدحهم، ويعرض بهجو الزبرقان وقومه ؛ والقصيدة:

ألا أبلغ بني كعبٍ رسولاً

فهل قومٌ على خلقٍ سواءُ

وأما أولها عندي فعلى غير هذا. قال أصحابنا: فلما قدم الزبرقان على أهله سأل عن الحطيئة، فقالوا: تحول إلى بغيض، فأتاهم، فقال: ضيفي، وأنا أرسلته إلى امرأتي، ولكن كان منها الجهل.فقالوا: ما هو لك بضيف، وقد أهنته وطردته، فتلاحوا حتى كان بينهم تناصٍ وشجاج - تناصٍ: أخذٌ بالنواصي - فاستعدى عليهم الزبرقان عمر بن الخطاب رحمة الله عليه.فقال: ليذهب إلى أي الحيينِ أحب ؛ فإنه مالكٌ لنفسه. فلما رأى الزبرقان أنه اختار عليه أرسل إلى رجلٍ من النمر بن قاسط، يقال له دثار بن سنان ؛ فهجا بغيضاً وبني قريع ؛ فقال:

أرى إبلي بجوف الماءِ حنتْ

وأعوزها به الماءُ الرواءُ

الماء الرواءُ: الكثير: قال الراجز:

يا إبلي ما ذامُه فتأبيه

ماءٌ رواءٌ ونصيٌّ حوليهْ

وقد وردتْ مياه بني قريعٍ

فما وصلوا القرابة مذْ أساءوا

تحلأُ يومَ وردِ الناسِ إبْلِي

وتصدرُ وهي محنقةٌ ظماءُ

ألمْ أكُ جاهَ شماسِ بن لأيٍ

فأسلمَ حين أنْ نزلَ البلاءُ

فقلتُ تحولي يا أمَّ بكر

إلى حيثُ المكارمُ والعلاءُ

وجدنا بيتَ بهدلة بنِ عوفٍ

تعالى سمكهُ ودَجَا الفناءُ

دَجَا: من قولهم: عيش داج إذا كان خافضاً ساكناً.والفناء: ما امتد مع الدار من جوانبها.

وما أضحى لشماسِ بنِ لأي

قديم في الفعال ولا رباءُ

سوى أن الحطيئةَ قال قولاً

فهذا منْ مقالكم جزاءُ

وقال دثار بن سنان أيضاً:

دعاني الأثبجانِ ابنا بغيضٍ

وأهلِي بالفلاةِ فمنياني

الثبجة: الحدبة في الصدر.

وقالا سرْ بأهلكَ فأتينَّا

إلى حب وأنعامٍ سمان

فسرتُ إليهمُ عشرينَ شهراً

وأربعةً فذلكَ حجتان

فلمَّا أنْ أتيتُ بني بغيضٍ

وأسلمني لدائي الداعيان

يبيت الذئب والعثواءُ ضيفاً

لنا بالليل بئسَ الضائفان

أمارسُ منهما ليلاً طويلاً

أهجهجُ عن بنيَّ ويعروانِ

يروى: ويغشيان.

تقولُ حليلتي لما اشتكينا

سيدركنا بنو القرمِ الهجان

سيدركنا بنو القمر ابن بدرٍ

سراجُ الليلِ للشمس الحصان

فقلتُ ادعي وأدعُ فإنَّ أندَى

لصوتِ أن ينادِيَ داعيان

ويروى: فقلت ادعي وأدعو إن أندى.ومعنى الأول: فقلت: ادعي ولأدعُ ؛ فلذلك جزمه.ويقال: فلان أندى صوتاً من فلان ؛ أي أبعد مذهباً

فمنْ يكُ سائلاً عني فإني

أنا النمريُّ جارُ الزبرقانِ

طريدُ عشيرةٍ وطريدُ سربٍ

بما اجترمتْ يدي وجنى لساني

كأني إذ حللتُ به طريداً

حللتُ على الممنعِ من أبانِ

أبان: جبل.والمنع: العالي الذي يمتنع من أن يبلغه أحد.

أتيتُ الزبرقان فلم يضعني

وضيعني بتريمَ من دعاني

فلما بلغ ذلك الحطيئة هجا الزبرقان، فقال:واسم الحطيئة جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس، وكنيته أبو مليكة.

والله ما معشرٌ لاموا امرأً جنباً

في آلِ لأي بن شماسِ بأكياسِ

الجنب، والجانب، والأجنب، والأجنبي: الغريب.قال القطامي في الجانب:

فسلمتُ والتسليمُ ليس يسرها

ولكنه حقُّ على كلِّ جانب

لقد مريتكم لو أن درتكم

يوماً يجئ مسحي وإبساسي

المري: أن تمسح ضرع الناقة بيدك لتدر ؛ فضربه مثلاً ؛ أي قد رفقتُ بكم فلم يجيء رفقي بخير.والإبساس: دعاء الناقة، وهو أن يقول: بس بس.

وقد مدحتكم عمداً لأرشدكم

كيما يكون لكم متحي وإمراسي

المتح: استقاء الماء ببكرة.والإمراس: أن يزول الحبل عن مجراه من البكرة فيرد إليه.يقال: أمرسته إذا رددته إلى مجراه.وأمرسته: صرفته عن مجراه.وهو من الأضداد.ومرس الحبل: زال عن مجراه.قال الكميت:

ستأتيكم بمترعةِ ذعافاً

حبالكم التي لا تمرسونا

وقد نظرتكمُ إيناءَ صادرةٍ

للخمسِ طالَ بها حوذي وتنساسي

الخمس: سير أربعة أيام، ووردُ اليوم الخامس، عن أبي الهيثم خالد بن كلثوم ؛ أي انتظرتكم كما تستأني الإبلُ الصادرة التي ترد الخمس.والحوذ: السوق قليلاً قليلاً.ويروى: حوزي.والنس: السوق.والتنساس كقولك الترداد والتكرار.

لما بدا لي منكمْ غيبُ أنفسكم

ولم يكنْ لجراحي منكم آسي

يقال للطيب آسيٍ.والأسوُ: الإصلاح.

أجمعتُ يأساً مبيناً من نوالكمُ

ولا ترى طارداً للحرِّ كالياسِ

يروى: يأساً مريحا.

ما كان ذنبُ بغيضٍ أن رأى رجلاً

ذا فاقة حلَّ في مستوعرٍ شاسِ

هذه رواية حماد الراوية.وروى الأصمعي:

ما كان ذنبُ بغيضٍ لا أبالكمُ

في بائسٍ جاء يحدو آخر الناس

ورواية حماد أجود، لئلا يتكرر: الناس في القافية ؛ فيكون إيطاءً قبيحاً. يقال: مكان شأس، وشأزٌ: وعر، أي لم يكن له ذنب حين دعاني فأحسن إلي ؛ لأنه رآني ضائعاً.

جاراً لقومٍ أطالوا هونَ منزله

وغادروهُ مقيماً بين أرماسِ

الأرماس: القبور.يقول: كنتُ كأني ميتٌ بين الأموات.ضربه مثلاً.

ملوا قراه وهرتهُ كلابهمُ

وجرَّحوهُ بأنيابٍ وأضراسِ

هرته كلابهم: ضربه مثلاً.وجرحوه بأنيابٍ وأضراس: أساءوا له القول.

لا ذنبَ لي اليومَ إنْ كانتْ نفوسكمُ

كفاركٍ كرهتْ ثوبي وإلباسي

أي إن كانت نفوسكم لي كنفسِ الفارك - وهي المبغضة لزوجها - ضربه مثلاً.

من يفعل الخيرَ لا يعدمْ جوازيهُ

لا يذهبُ العرفُ بينَ اللهِ والناسِ

قال أبو حاتم سهل بن محمد: سمعت الأصمعي يتعجبُ من جودةِ هذا البيت، وقال: جاء بمثلين في بيت واحد.وقال: مثلُ هذا في الجودة بيت النابغة:

جيشٌ يظلُّ به الفضاءُ معضلاً

يذرُ الإكامَ كأنهنَّ صحارى

الفضاء من الأرض: البارزة التي ليس فيها جبل.

دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها

واقعدْ فإنكَ أنتَ الطاعمُ الكاسي

وابعثْ يساراً إلى وفرٍ مذممة

واحدجْ إليها بذي عركينِ قنعاسِ

أي إلى إبلٍ موفورة.مذممة: لا يعطى منها أحد شيئاً، ولا يمنحُ ولا يقرى منها ضيفٌ.والذمُّ في المعنى يقع على صاحب هذه الإبل الوافر.واحدج إليها بعيراً ذا عركين، والعركان مثل الضاغطين.وقنعاس: شديد.والحداجة: مركب.

قد ناضلوكَ فأبدوا من كنائنهم

مجداً تليداً ونبلاً غيرَ أنكاسِ

أي لما رميتَ ورموا فلجوا عليك، وجاءوا بما لم تجئ به، كأنهم فاخروه فرجحوا عليه بآبائهم وأجدادهم.وضرب النبل والكنانة مثلاً. وقال أبو الهيثم خالد بن كلثوم: النكس من السهام: المنكوس الذي جعل أعلاه أسفله ؛ فهو ضعيف أبداً، فأراد أن ما افتخروا به ورموك به من فخرهم كان قوياً كنبلٍ ليست بأنكاسٍ.

ما كان ذنبيَ أن فلتْ معاولكمْ

من آل لأيٍ صفاةٌ أصلها راسي

الراسي: الثابت.أي ما كان ذنبي أن أردتموهم فلم تعمل محافركم فيهم. فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب، فرفعه عمر إليه واستنشده، فأنشده، فقال عمر لحسان بن ثابت: أتراه هجاه ؟ فقال: نعم، وسلح عليه.فحسبه عمر. فقال وهو في الحبس:

ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مرخِ

زغبِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ

ألقيتَ كاسبهمْ في قعرِ مظلمةِ

فاغفر عليكَ سلامُ اللهِ يا عمرُ

أنتَ الإمامُ الذي منْ بعدِ صاحبهِ

ألقى إليه مقاليدَ النهى البشر

ما آثروكَ بها إذ قدموكَ لها

لكنْ لأنفسهم كانتْ بك الإثرُ

الإثرة: الخاصة.آثره إيثاراً: خصهُ دون غيره.واستأثر بكذا: اختص به نفسه.ويقال: من يملك يستأثر. وقال الحطيئة:

ألا قالت أمامةُ هلْ تعزى

فقلتُ أمامَ قد غلبَ العزاءُ

إذا ما العينُ فاض الدمعُ منها

أقولُ بها قذى وهو البكاءُ

أقول بها قذًى فأعتلُّ بذاك.يقول: بكيتُ - وقبيح بالشيخ أن يبكي - اعتللت على من يحضرني.

لعمرك ما رأيتُ المرءَ تبقي

طريقته وإن طالَ البقاءُ

على ريبِ المنونِ تداولتهُ

فأفنتهُ وليس له فناءُ

ريب المنون: ما يريبك من أحداثها.والمنون: الموت.قال أبو الهيثم: المنون يذكر ويؤنث.قال: وجعل الفعل للمنون دونَ الريب الذي أضافهُ إليها.

إذا ذهبَ الشبابُ فبانَ منهُ

فليسَ لما مضي منه لقاءُ

يصبُّ إلى الحياةِ ويشتهيها

وفي طولِ الحياةِ له عناءُ

يصبُّ: يأخذه لها صبابة ؛ أي رقة.والعناءُ: المشقة.

فمنها أنْ يقادَ بهِ بعيرٌ

ذلولٌ حين تهترشُ الضراءُ

أي فمنم المشقة ؛ ذهب إلى المشقة دون العناء.أي قاد به بعيرٌ ذلول لا يفزع إذا اهترشت الكلابُ ؛ أي يختارُ له بعير هذه صفته لئلا يحركه لكبره.

ومنها أن ينوء على يديه

لينهض في تراقيه انحناء

أي يعتمد على يديه ليقوم وقد تحنت تراقيه لكبره.قال: والشيخ إذا أسن التقت ترقوتاه، يعني أنه تقرب إحداهما من الأخرى.

ويأخذه الهداجُ إذا هداهُ

وليدُ الحيِّ في يده الرداءُ

هداه وليد الحي: قاده وأمسك بردائه من الكبر.والهداج والهدجان والهدجة والهدج: مقاربة الخطو ومداركته.قال هميان: جاءوا شماطيط وجئت هدجاً.

وينظرُ حوله فيرى بنيهِ

حواءً حالَ دونهمُ حواءُ

الحواء: عشرة أبيات إلى الثلاثين.يقول: يكثرون حوله، لأنه قد أسنَّ.

ويحلفُ حلفةً لبني أبيه

لأنتم معطشونَ وهمْ رواءُ

يروى: لبني بنيه.يقول: يختلط ويخرف فيخلطُ في كلامه.والمعطش: الذي دوابه عطاش.وكذلك المهزل: الذي دوابه مهازيل.والمغد: الذي بدوابه الغدة.وكذلك المصبح، والممرض. قال: يقول لهم إبلكم وشاؤكم عطاش، وهي رواءٌ.

ويأمر بالركابِ فلا تعشى

إذا أمسى وإن قربَ العشاءُ

يقول: احبسوها عن العشاءِ ؛ وهذا من اختلاطه.

تقولُ له الظعينةُ أغنِ عنِّي

بعيركَ حينَ ليس بهِ غناءُ

لا غناءَ عنده لضعفه فلا يقوَى على حبس البعير.

ألاَ أبلغْ بني عوفِ بن كعبٍ

فهل حيٌّ على خلق سواءُ

يقول: أرى أخلاقكم مختلفة ؛ فقد فضلكم هؤلاء.

عطاردها وبهدلةَ بن عوف

فهل يشفي صدوركمُ الشفاءُ

يقول: هل يشفي صدوركم أن أبين لكم القصة ؛ أي أبين لكم ما فعل بي.

ألمْ أكُ نائياً فدعوتموني

فجاء بي المواعدُ والدعاءُ

ألمْ أكُ جاركم فتركتموني

لكلبي في دياركمُ عواءُ

وآنيتُ العشاءَ إلى سهيل

أو الشعرى فطال بي الأناء

آنيت إيناءً: انتظرت وتمكثت.والأناءُ: الاسم ؛ أي طال تمكثي وانتظاري لخيركم.

ألمْ أكُ جاركم ويكونَ بيني

وبينكمُ المودةُ والإخاءُ

ولما أنْ أتيتكمُ أبيتمْ

وشرُّ مواطنِ الحسبِ الإباءُ

ولمَّا أَنْ أتيتُهمُ حبوني

وفيكمُ كان لو شئتمْ حباءُ

ولمَّا أنْ مدحتُ القومَ قلتُم

هجوت، وهل يحلُّ لي الهجاءُ

فلم أشئتمْ لكمْ حسباً ولكنْ

حدوت بحيث يستمعُ الحداءُ

حدوت: رفعت صوتي بمدحهم.

فلا وأبيكَ ما ظلمتْ قريعٌ

بأن يبنوا المكارمَ حيث شاءوا

يقال للرجل: ما ظلم أن أشبهَ أباه، وليس منْ تظالم الناس ؛ إنما هو مثل ظلم السقاء، ومظلوم التراب.

ولا وأبيكَ ما ظلمتْ قريعٌ

ولا عنفوا بذاك ولا أساءوا

ما عنفوا بذاك: أي بالأمر الذي كسبوا به المحامد.

بعثرةِ جارهمْ أن ينعشوها

فيغبر بعدها نعمٌ وشاءُ

يقول: يعطونه عطيةً ينجبر بها وتذهب مصيبته، فيبقى له مالٌ بعدُ من إبلٍ وشاءٍ.

فيبني مجدها ويقيمُ فيها

ويمشي إنْ أريدَ به المشاءُ

يمشي: تكثر ماشيته.يقال: مشيت إبل بني فلان تمشى مشاءً: نمت وكثر نسلها.ويبني مجدها: يعني مجد النعم عن أبي الهيثم.

وإن الجارَ مثلُ الضيفِ يغدو

لوجهتهِ وإنْ طالَ الثواءُ

يقول: الجارُ، وإنْ طال مقامه، كالضيف يغدو لوجهتهِ التي كان فيها، ويبقى عيبه وحديثه.

وإني قد علقتُ بحبلِ قومِ

أعانهم على الحسبِ الثراءُ

الثراءُ: كثرةُ المال ؛ أي أعانهم على معالي الأمورِ المالُ.

إذا نزلَ الشتاءُ بدار قومٍ

تجنب جارَ بيتهم الشتاءُ

يقول: لا يصيب الشتاءُ جارهم ببرده وجوعه لإحسانهم إليه.

هم المتخفرونَ على المنايا

بمالِ الجارِ ذلكمَ الوفاءُ

أي يقولون للجار: نحن ضامنون لك مالك إن طرد وهلك غرمناه لك. يقولون: نحن نخفرك إن كثر مالك عندنا فهو لك، وإن قل وذهب به غرمناه.

هم الآسونَ أمَّ الرأس لمَّا

تواكلها الأطبةُ والإساءُ

أمّ الرأس: الجلدة التي يكون فيها الدماغ.وتواكلها الأطبةُ: اتكل بعضهم على بعض.ويقال: نعم الإساء هذا ؛ أي نعم الدواء والشفاءُ.يقول: هم المصلحون الفتق الذي أعيا المصلحين.

هم القومُ الذين إذا ألمتْ

من الأيام مظلمةٌ أضاءوا

أي إذا ألمَّ أمر مظلم على الناس كشفوه. .قال خالد ابن كلتوم: الأيام هنا القحط والجدب.يقال: أضاءَ الشيءُ نفسه وأضاءَ غيره.

همُ القومُ الذين علمتموهم

لدى الداعي إذا رفعَ اللواءُ

أي هم أول من يغيث الداعي إذا استصرخوا.

فأبقوا، لا أبالكمُ، عليهمْ

فإنَّ ملامَةَ المولى شقاءُ

المولى هنا: ابن العم.يقول: إذا لمتَ مولاك فهو من الشقاءِ، وليس من السعادة أن تشتم مولاك ويشتمك.

وإنَّ أباهمُ الأَدْنَى أبوكمْ

وإنَّ صدورهمْ لكمُ براءُ

وإنَّ بلاءهم ما قد علمتم

على الأيام إنْ نفع البلاءُ

يقول: إن بلاءهم ما جربتموه قديماً وخبرتمونه إن نفعهم ذلك عندكم.قال أبو الهيثم: الأيام هنا الوقائع.

وإنَّ عديدهم يربى عليكمْ

وإنَّ نماءهم لكم نماءُ

العديد: العدد.قال الشماخ:

على أمِّ بيضاءَ السلامُ مضاعفاً

عديدَ حصًى ما بين حمص وشيزرا

وثغرٍ لا يقامُ به كفوكمْ

وكم يكُ دونهمْ منكمْ كفاءُ

الثغر: موضع المخافة، وهو الفرج.ويقال: ولي فلان الفرجين: سجستان وخراسان.

ترقى في أعنتها قريعٌ

فسعدٌ كلها لهمُ الفداءُ

ترقى في أعنتها: أي تزداد خيراً كلما جوريت.

فإنكمُ وفقدكمُ قريعاً

لكالماشي وليس له حذاءُ

ومعضلة تضيقُ بها ذراعي

ويعوزها التحفزُ والبلاءُ

فلما أنْ دعوت لها بغيضاً

أتاني حينَ أسمعهُ النداءُ

قال أبو حاتم: هذا آخرها. وفي كتاب حماد الراوية زيادةٌ في هذا الموضع بيتان ؛ قال أبو حاتم: مصنوعان مردودان:

بزاخرِ نائلٍ سبط ومجدٍ

مخالطةُ العفافةُ والحياءُ

وأمضَى منْ سنانِ أزأنيٍّ

طعنت به إذا كرهَ المضاءُ

وقال الحطيئة:

ألا طرقتنا بعدما هجعوا هندُ

وقد سرنَ خمساً واتلأبَّ بنا نجدَ

الاتلئبابُ: الانطلاق والتتابع والسرعة.والمتلئب: المنبسط. ويروى: واستبان لنا نجدُ.

ألا حبذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ

وهندٌ أتى من دونها النأيُ والبعدُ

وهندٌ أتى منْ دونها ذو غواربٍ

يقمصُ بالبوصيِّ معرورفٌ وردَ

ذو غوارب: له أسنمةٌ من الموج.ومعروف: له عرف.وورد: كدرٌ أحمر.والبوصيُّ: السفينة.ويقمص بها: يضطرب.

وإن التي نكبتها عن معاشرٍ

غضابٍ على أن صددتُ كما صدُّوا

يعني القصيدة التي مدحَ بها بني قريع.نكبتها عن معاشر: يريد الزبرقان، وبني بهدلة.

أتت آلَ شماسِ بنْ لأي وإنما

أتاهم بها الأحلامُ والحسبُ العدُّ

يقول: أتاهم بها أحلامهم وحسبهم.والعد: مأخوذ من الماءِ العد، وهو الذي لا يكادُ ينقطع.

فإنَّ الشقيَّ منْ تعادِي صدروهم

وذو الجدِّ منْ لانوا إليه ومن ودوا

يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها

وإنْ غضبوا جاءَ الحفيظةُ والحدُّ

الأناةُ: الانتظار.ويقال: ما أبعدَ حلمه ! أي لا يعجلُ والحفيظة: ما أحفظك.والحد: حد البأس.

أقلوا عليهم، لا أبا لأبيكمُ

من اللومِ أو سدُّوا المكانَ الذي سدوا

أولئكَ قومٌ إن بنوا أحسنوا البنى

وإن عاهدوا أوفوا وإنْ عقدوا شدوا

البني: جمع بنية.ويروى: البني.يقال: ما أحسن بنية بيتك ؛ أيْ هيئته التي بني عليها، كقولك: ما أحسن ضجعته وركبته !

وإنْ كانت النعمى عليهم جزوا بها

وإنْ أنعموا لا كدروها ولا كدُّوا

ويروى: وإن كانت النعماءُ فيهم ؛ أي إن كانت لقومٍ عليهم يدٌ ومنةٌ كافئوا بها ؛ وإن كانت لهم على قومٍ يدٌ لم تستثيبوها.

وإن قال مولاهم، على جلِّ حادثٍ

من الدهرِ، ردوا بعضَ أحلامكم ردوا

يقول: إن قال ابنُ عمهم على عظيم من الحدثان: ردوا بعض أحلامكم فعلوا.وهذا من فضل حلمهم.

وإن غاب عن لأيٍ بغيضٌ كفتهم

نواشئُ لم تطرْ شواربهم مردُ

وكيفَ ولمْ أعلمهمُ خذلوكمُ

على مفظعٍ ولا أديمكمُ قدوا

مطاعينُ في الهيجا مكاشيفُ للدجىَ

بنَى لهمُ آباؤهمْ وبنى الجد

فمنْ مبلغٌ لأياً بأنْ قد سعى لكمْ

إلى السورةِ العليا أخٌ لكم جلدُ

أي إلى الشرف الأعلى.والسورة: المجد.والسورة: ما يسور في الرأس من غضبٍ أو سكرٍ.

جرى حين جارى لا يساوى عنانه

عنانٌ ولا يثني أجاريهُ الجهدُ

أي لمَّا سابق سبق.وهذا مثلٌ ضربهُ.ويعني بأجاريه ضروباً من جريه. يقول: إذا جهد لم يذهب ذلك من جريه ولم يثنه.

رأى مجدَ أقوامٍ أضيعَ فحثهمْ

على مجدهم لما رأى أنه الجد

وقد لامني أفناءُ سعد عليهمُ

وما قلتُ إلا بالتي علمتْ سعد

يروى: وتعذلني أفناءُ سعد. وقال يمدح بغيضاً:

آثرتُ إدلاجي على ليلِ حرةٍ

هضيمِ الحشا حسانةِ المتجرد

إذا النومُ ألهاها عن الزادِ خلتها

بعيدَ الكرى باتتْ على طيّ مجسد

أي هي ميسان: مفعال من الوسنِ، فيلهيها النوم عن العشاءِ.والمجسد: المصبوغ بالجساد: الزعفران.

إذا ارتفقتْ فوقَ الفراشِ تخالها

تخافُ انبتَاتَ الخصرِ ما لم تشدد

ارتفقت: وضعت مرفقها تحت رأسها.وارتفقت: اتكأت على مرفقها ومنه قيل للوسادة: مرفقة. يقول: تخاف أن ينقطع خصرها لدقته ولينه.

عميمةُ ما تحتَ النطاقِ وفوقهُ

عسيبٌ نما في ناضرٍ لم يخضدِ

العميم: التام ؛ يعني عجيزتها.وما فوق ذلك كأنه عسيب في لينه.

تراها تغضُّ الطرفَ دوني كأنما

تضمنُ عيناها قذًى غيرَ مفسد

أي تكسرُ طرفها دوني.غير مفسد: أي لم يبلغ أن يفسد عينيها.

وتفرقُ بالمدرَى أثيثاً نباتهُ

على واضحِ الذفرَى أسيلِ المقلدِ

الأثيثُ: الكثير من الشعر والنبات.والأسيل: الطويل.والمقلد: العنق.

تضوعُ رياها إذا جئتُ طارقاً

كريح الخزامى في نباتِ الخلي الندي

تضوع وضاع يضوع: فاح.

وإن شئتُ بعدَ النوم ألقيتُ ساعدي

على كفلٍ ريانَ لم يتخدد

لم يتخدد: لم يهزل وينقص.

لها طيبُ ريَّا إنْ نأتني، وإنْ دنتْ

دنتْ وعثةٌ فوقَ الفراشِ الممهد

الوعثة: اللينة السهلة المسِّ.

وفي كلِّ ممسَ ليلةٍ ومعرسٍ

خيالٌ يوافي الركبَ من أمِّ معبَد

فحياكِ ودٌّ من هداكِ لفتيةٍ

وصهبٍ بأعلى ذي طوالةَ هجد

الأصمعي: فحياكِ ربي ؛ لأن وداً اسم صنم.

تسديتنا منْ بعدِ ما نام ظالعُ ال

كلابِ وأخبى نارهُ كلُّ موقدِ

تسديتنا: ركبتنا يعني خيالها.والظالع من الكلاب: الذي ينتظر الكلبة حتى تسفد ويسفد هو آخر الكلاب لأنه أضعفها.ومنه يقال: ارقَ على ظلعك ؛ أي اصعد الجبل وأنتَ تعلمُ أنكَ ظالع، فلا تجهد نفسك.

لما رأتْ من في الرحالِ تعرضتْ

حياءً وصدتْ تتقي القومَ باليد

تعرضت: ولتنا عرضها.والعرضُ: الجانب.وصدت تأخرت.

وأنى اهتدتْ والدوُّ بيني وبينها

وما خلتُ ساري الليلِ بالدوِّ يهتدي

بأرضٍ ترى فرخَ الحبارَى كأنهُ

بها راكبٌ موفِ على ظهرِ قردد

الموفى: المشرف.يريد أن الدو مستوٍ، فإذا رأيت حجراً قد نصب فيه رأيته كأنه قصرٌ من شدة استواءِ الأرض.

وأد ماءَ حرجوج تعاللتُ موهناً

بسوطيَ فارمدتْ نجاءَ الخفيددِ

الأدماء: البيضاءُ هنا.والحرجوج: الطويلة على وجه الأرض.وتعاللتُ: طلبتُ علالتها.والعلالة: الشيء بعد الشيء، مثل المشي بعد المشي، والعدوِ بعد العدو.وموهناً: بعد سعاة من الليل مضت.وقوله: نجاءَ الخفيدد: أي عدو الظليم.

وإن خاف جوراً من طريقٍ رمى بها

سوى القصد حتى تستقيم ضحى الغد

يقول: إن خاف أن تجور به عن الطريق اعتسف بها غير الطريق حتى تلقى ضحوة الغد لما فيها من العلالةِ والبقية.

وكادت على الأطواءِ أطواءِ ضارجٍ

تساقطني والرحلَ من صوت هدهد

يروى: تكسرني والرحل.

ترى بين لحييها إذا ما تبغمتْ

لغاماً كبيتِ العنكبوتِ الممدد

اللغام: زبد الإبل. ويروى: تزغمت.والتزغم: صوتٌ ضعيف.يقول: لا ترغو من الضجر.

كأنَّ هويَّ الريح بين فروجها

تجاوبُ أظارٍ على ربعٍ ردي

أي هي مشرفةٌ، فإذا هبت الريح بين فروجها سمعت لها دوياً كأنه صوت أظارٍ عطفن على حوارٍ أصابه ردًى.ويقال: رديَ على فعل بمعنى انكسر.ويقال: ظئر وأظآر وظؤار وظؤرة.وهي المعطوفة.

وترمي يداها بالحصى خلفَ رجلها

وترمي به الرجلانِ دابرةَ اليد

قال السجستاني: وفي كتاب حماد الراوية زيادةٌ بعد هذا البيت أربعة أبيات كتبتا ليعرف المصنوع ؛ وهي:

وتشربُ بالقعبِ الصغير وإن تقدْ

بمشفرها يوماً إلى الحوضِ تنقد

وإن حطَّ عنها الرحلُ قاربَ خطوها

أمينُ القوى كالدملجِ المتعضدِ

تراقبُ عيناها إذا تلعَ الضحا

ذباباً كصوتِ الشاربِ المتغردِ

وتضحي الجبالُ الغبرُ خلفي كأنها

من الآلِ حفتْ بالملاءِ المعضدِ

هذا آخر الزيادة.

يظلُّ الغرابُ الأعورُ العينِ واقعاً

مع الذئبِ يعتسانِ نارِي ومفأدي

المفأد: الموضعُ الذي تحشُّ في النار. قال: والمفأد بكسر الميم: عصية يقلبُ بها الملة والشواء.وقال غيره: المفأد: السفود.

وإن نظرت يوماً بمؤخرِ عينها

إلى علمٍ بالغورِ قالت له: ابعد

أي لا يشتد عليها بعده لنشاطها وقوتها على السير.والعلم: الجبل.والغور: غور تهامة.

فما زالت العوجاء تجري ضفورها

إليكَ ابنَ شماسٍ تروحُ وتغتدي

العوجاءُ: المهزولة.والضفور: الأنساع.يقول: رحلتها وهي سمينةٌ فهزلت فاضطربت ضفورها.والواحد ضفر ؛ قال الشاعر:

وقد تدانى حقبٌ وضفر

إلى ماجدِ يعطي على الحمدِ ماله

ومن يعط أثمانَ المحامدِ يحمد

وأنت امرؤٌ من تعطهِ اليومَ نائلا

بكفيك لا يمنعكَ من نائل الغدِ

أراد قول النابغة:

ولا يحولُ عطاءُ اليوم دونَ غد

دون عطاء غد.

مفيدٌ ومتلافٌ إذا ما سألته

تهللَ واهتزَّ اهتزازَ المهند

متى تأتهِ تعشو إلى ضوءِ نارهِ

تجدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ موقد

عشا يعشو: إذا استدلَ على النارِ ببصرٍ ضعيف.وقال ابن دريد: عشوتُ إلى ضوئك إذا قصدته بليل.وقال غيره: العاشي: الذي يسيرُ في ظلمة الليل على ضوءٍ قليل.

هو الواهبُ الكومَ الصفايا لجاره

يروحها العبدانُ في العازبِ الندي

يروى: العبدان.جمل أكوم، وناقة كوماء ؛ وهي العظيمة السنام. وقال:

طاقتْ أمامةُ بالركبانِ آونةً

يا حسنهُ من قوام ما ومنتقبا

آونةً: جمع أوان.والمنتقب: موضع النقاب.

إذ تستبيكَ بمصقولٍ عوارضه

وكذبتْ حبَّ ملهوفِ وما كذبا

بثغرٍ مصقولِ العوارض، صقلتها بالسواك.

بحيثُ ينسَى زمام العنسِ راكبها

ويصبحُ المرءُ فيها ناعساً نصبا

روى أبو حاتم: وصبا.النصب: التكسير والفترة في العظام.والوصب: التعب.وَصِبَ يوصبُ ؛ وصَباً ؛ أي لما يصيبه من السهر ينسى زمام ناقته إذا نزل.

والذئبُ يطرقنا في كل منزلةٍ

عدوَ القرينينِ في آثارِنا خببا

قالتْ أمامةُ لا تجزع، فقلتُ لها

إنَّ العزاءَ وإنَّ الصبرَ قدْ غلبا

أي لا تجزعْ من عض الزمان.

هلا التمستِ لنا إن كنتِ صادقةٍ

مالاً نعيشُ به في الناسِ أو نشبا

حتى نجازِيَ أقواماً بسعيهم

من آلِ لأيٍ وكانوا معشراً نجبا

إنَّ امرأً رهطُه بالشامِ منزلهُ

برملِ يبرينَ جاراً شدَّ ما اغتربا

لا بدَّ في الجدِّ أنْ تلقى حفيظتهم

يومَ اللقاءِ وعيصاً دونهم أشبا

في الجِد: إذا جدوا في الحروب.وحفيظتهم: أنفتهم وغضبهم.والعيص: الشجر المتداني.والأشب: الملتف.

ردوا على جارِ مولاههمْ بمهلكةِ

لولا الإلهُ ولولا دفعهمْ ذهبا

لن يتركوا جارهم في قعرِ مظلمةِ

غبراءَ ثمت يطووا دونه السبا

أي في بئر مظلمة.وضربه مثلاً ؛ أي في أمرٍ شديد ملتبس.والسبب: الحبل.

سيرى أمامَ فإنَّ الأكثرين حصًى

والأكرمين إذا ما ينسبون أبا

قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ

ومن يسوي بأنفِ الناقةِ الذنبا

قومٌ إذا عقدوا عقداً لجارهمُ

شدوا العناجَ وشدوا فوقه الكربا

العناج: أن تثقل الدلو فيعقد تحتها حبلٌ ثم يشد إلى الرسنِ وإلى العراقي، وهي الخشبات الأربع.والكرب: الحبل الذي يشد فوق العراقي، وهذا مثل ضربه.وإنما يريد: إذا عقدوا عقداً لجارهم أحكموه.

قومٌ يبيتُ قريرَ العين جارهمُ

إذا لوى بقوَى أطنابهمْ طنبا

قال أبو الهيثم خالد بن كلثوم: يقال: فلان جاري مطانبي، وجارِي مكاسري، وجاري مؤاصري.وجاري مصاقبي.فالمطانب: الذي اتصلت أطنابُ بيته بأطنابِ بيتك.والمكاسر: الذي كسر بيته إلى كسر بيتك.وكسر البيت من بيوت الأعراب: ناحيتاه من عن يمين وشمال.ومؤخره: كفاؤه، ومقدمه: رواقه، كالدهليز أمام الدار.والصقْب: العمود الذي يمسك البيت.فأما الصقَب - المفتوح القاف - فالقريب.والأصر: الحبال القصار، واحدها إصار.والأطناب: الطوال.ومن هذا قيل للرجل إذا بالغ في وصف الشيء: قد أطنب فيه.

أبلغْ سراةَ بنيِ كعبٍ مغلغلةً

جهدَ الرسالةِ لا ألتاً ولا كذبا

الألتُ: النقصان.قال الله جل وعز: 'لا يألتكم من أعمالكم شيئاً'.والجهد: المشقة والمبالغة.جهدت نفسي.وقد قالوا: أجهدتُ.والجُهد بالضم: الطاقة.'والذين لا يجدونَ إلا جهدهم'.

ما كان ذنبُ بغيضٍ لا أبالكمُ

في بائسٍ جاءَ يحدو أينقاً شزبا

حطتْ به مِنْ بلادِ الطودِ تحدرهْ

حصاءُ لم تتركْ دونَ العصا شذبا

جاءت به من بلاد الجبال سنةٌ حصاء ؛ أي ليس بها نبات.وقوله: لم تتركْ دون العصا شذبا: أي قد أكلت الشجر إلا عصيه. . ويروي: من بلاد الطور عارية شهباء.ومن بلاد الطور: يعني من الشام.

ما كان ذنبك في جارٍ جعلت له

عيشاً وقد كان ذاق الموتَ أو كربا

جارٍ أنفت لعوفٍ أن تسبَّ بهِ

ألقاهُ قومٌ دناةٌ ضيعوا الحسبا

يروى جفاه.

أخرجت جارهم من قعرِ مظلمةِ

لوْ لمْ تغثهُ ثوى في قعرها حِقَبَا

ويروى حُقُباوقال يمدح آل لأي أيضاً:

ألا هبت أمامةُ بعدَ هدءٍ

تعاتبني وما قضت كراهَا

أي لامتني في جوف الليل وهي لم تشبع من النوم.

فقلت لها أمامَ ذري عتابي

فإن النفس مبديةٌ نثاها

نثاها: خبرها الذي تكتمه.

وليس لها من الحدثانِ بدٌّ

إذا ما الدهرُ من كثب رماها

الكثب: القرب.يقال: أكثبك الصيدُ فارمهِ ؛ أي قرب منك وأمكنك.وقد أفقرك الصيدُ مثله.وفلان يرمي من كثب ومن فقرةٍ ؛ أي من استمكان.هذا عن أبي الهيثم.

فهل أبصرتِ أو خبرتِ نفساً

أتاها في تلمسِها مناها

يقول: هل خبرتِ أن نفساً أتتها منيتها في كل ما تحب ؛ فأقصرى عن عتابي.

كأني ساورتني ذات سمٍّ

نقيع لا تلائمها رقاها

أي كأني بت لسيعاً لا تنجع في الرقا.نقيع: ناقعٌ في أنيابها.

لعمرُ الراقصاتِ بكلِّ فجٍّ

من الركبان موعدها مناها

الراقصات: اللواتي يهتززن في المشي.مناها: يريد منيَ مكة.

لقد شدت حبائلُ آل لأيٍ

حبالي بعدما ضعفتْ قوها

يريد عقودهم: عهودهم التي عهدوها.وهذا مثل.

فما تتامُ جارةُ آلِ لأيٍ

ولكنْ يضمنونَ لها قراها

تتام: تفتعل من التيمة.والإتيام: أن يشتهي القومُ اللحم فيذبحوا شاةً بينهم.والاسم التيمة، فجارتهم لا تتام، ولكن اللحمم يكثر عندها ؛ فهم يكفونها إياه.

لعمرك ما يضيع آل لأيٍ

وثيقات الأمورِ إلى عراها

وثيقات الأمور: ما اشتد منها.وعراها: ما تشد به. .يقول: هم يحكمون هذا كله.

وما تركت حفائظها لأمرٍ

ألمَّ بها وما صغرت لهاها

ومن يطلب مساعي آل لأيٍ

تصعدهُ الأمورُ إلى علاها

يقول: من يطلبْ مساعيهم تحمله الأمورُ على مشقة.

كرامٌ يفضلونَ قرومَ سعدٍ

أولي أحسابها وأولي نهاها

وهم فرعُ الذرا من آلِ سعدِ

إذا ما عدَّ من سعد ذراها

الذروة: السنام.وفرعه: أعلاه.

وخطةِ ماجدٍ في آلِ لأيٍ

إذا ما قام قائلها قضاها

إذا اعوجتْ قناةُ الأمرِ يوماً

أقاموها لتبلغَ منتهاها

لتبلغَ قدرها الذي كانت عليه ضربه مثلاً.

ويبني المجدَ راحلُ آلِ لأيٍ

على العوجاءِ مضطمراً حشاها

أي يطولُ سفره إلى الملوك وغيبته عن أهله حتى يرجع وناقته عوجاء: مهزولة.

وتسعى للسياسة آلُ لأيٍ

فتدركها وما اتصلت لحاها

السياسة: إصلاحُ الأمور وتقويمها.ويروى: وما وصلت.

لعمرك إنَّ جارةَ آلِ لأيٍ

لعفٌّ جيبها حسنٌ نثاها

نثاها: ذكرها. وقال يمدح علقمة بن علاثة بن الأحوص بن جعفر بن كلاب:

ألا لُليلى أزمعوا بقفولِ

ولم يؤذنوا ذا حاجةِ برحيلِ

تنادوا فحثُّوا للتفرقِ عيرهُمْ

فبانوا بجماءِ العظامِ قتولِ

جماءِ العظام: ليس لعظامها حجم، من قولهم: كبش أجم، وشاة جماُ: إذا لم يكن لها قرن.

مبتلةٌ يشفِي السقيمَ كلامها

لها جيدُ أدماءِ العشيِّ خذولِ

المبتلة: السبطة الخلقِ لا يركبُ خلقها بعضه على بعض.والخذول: التي تخذل القطيع وتقيم على ولدها، أو على مرعًى.وأدماءُ العشيِّ: أي لونها حسنٌ بالعشي.

وتبسمُ عن عذبِ المجاج كأنهُ

نطافةُ مزنِ صفقتْ بشمولِ

فعدِّ طلاب الحيِّ عنك بجسرةٍ

تخيلُ في ثنِي الزمامِ ذمولِ

عده: اصرفه، وتعدَّ عنه: انصرفْ عنه.والجسرة: السبطة على الأرض في غير ارتفاع.

عذافرةِ حرفٍ كأنَّ قتودها

على خاضبٍ بالأوعسينِ جفولِ

العذافرة: الشديدة.والحرف: الضامرة.والخاضب: الظليم الذي قد أكل الخضرة.ويقال: قد خضبت الأرضُ إذا اخضرت.

لعمري لقد جاريتمُ آل مالكٍ

إلى ماجدٍ ذي جمةِ وحفيلِ

الجمة: ما اجتمع من الماءِ والحفيل: فعيل، من احتفل إذا اجتمع.ومنه المحفل.قال: يريد به البئر أو الضرع.

إذا قايسوه المجدَ أربى عليهمُ

بمستفرغٍ ماء الذنابِ سجيلِ

سجيل: كبير.يقال: سجل سجيل، وفحل فحِيل. بمستفرغ: أي بغربٍ، يستفرغُ ماءَ الذناب: جمع ذنوب.

وإنْ يرتقوا في خطةٍ يرقَ فوقها

بثبتِ على ضاحي المزلّ رجيلِ

فصدوا صدودَ الوانِ أبقى لعرضكم

بني مالكٍ إذْ سدَّ كلُّ سبيلِ

كان في الأصل: صدودَ الوانِي أبقَى ؛ أي اعدلوا كما يعدلُ الواني.والواني: المعي الفاتر.

وهل تعدلُ الظربى اللئامُ جدودها

بآدم قلْبٍ من بناتِ جديلِ

يروى: القصار أنوفها.والقلب: الخالص.وجديل: اسم فحلٍ كريم.والظربان: دابةُ مثل السنور منتنة الريح.والجمع الظربى، والظرابي، والظرابين.

فتىً لا يضامُ الدهرَ ما عاشَ جارهُ

وليس لإدمانِ القرَى بملولِ

يضام: يقهر ويستذلُّ.

هو الواهبُ الكومَ الصفايا لجارهِ

وكلَّ رقيقِ الحرتينِ أسيلِ

الكوم: الإبل العظام الأسنمة.يريد كلَّ فرس رقيق الأذنين.وأراد بالرقة العتق.وأسيل: يعني أسيل الخدين.

وأشجعُ يومَ الروعِ من ليثِ غابةٍ

إذا مستباةٌ لم تثقْ بحليلِ

الغابة: الأجمة.والمستباة: المرأة المسبية.

وخيلٍ تعادى بالكماةِ كأنها

وعولُ كهافٍ أعرضتْ لوعولٍ

الكهاف: مساكنُ الوعولِ في الجبالِ.وهي الغيران: جمع غار.وأعرضت: اعترضت.

مبادرةٍ نهباً وزعت رعيلها

بأبيضَ ماضِي الشفرتين صقيلِ

وزعت: رددت وكففت.

أخو ثقةٍ ضخمُ الدسيعة ماجدٌ

كريمُ النثا مولاهُ غيرُ ذليل

ضخم الدسيعة: ضخم الخلق.والنثا: الذكر.

إذا الناسُ مدوا للفعالِ أكفهم

بذختَ بعادِيِّ السراةِ طويلِ

أي بمجد عاديّ: أي قديم.وسراة كل شيء: أعلاه.

وجرثومة لا يقربُ السيلُ أصلها

فقد سالَ عنها الماءُ كلَّ مسيلِ

الجرثومة: هضبة.وهذا مثلٌ ضربه - يريد بالجرثومة المجد.

بنى الأحوصانِ مجدها ثم أسهلتْ

إلى خيرِ مردٍ سادةٍ وكهولِ

يقول: بناها الأحوصان ثم انحدرت إلى خير مرد وكهول.

فإنْ عدَّ مجدٌ حادثٌ عدَّ مثله

وإن أثلوا أدركتهم بأثيلِ

حفظتَ تراثَ الأحوصينِ فلم تضعْ

إلى ابني طفيل مالكٍ وعقيل

أي قمتَ بالأمر ولم تكله إلى ابني طفيل.

فما ينظرُ الحكامُ بالفصلِ بعدما

بدا واضحٌ ذو غرةٍ وحجولِ

وقال يرثي علقمة بن علاثة:

نظرتُ على فوتٍ ضحياً وعبرتي

لها منْ وكيفِ الرأسِ شنٌّ وواشلُ

أي نظرتُ بعد ما فاتتني الحمول.شنَّ الماءَ يشنه: صبه.والواشلُ: الذي يسيلُ بعضه ويقطرُ بعضه.

إلى العيرِ تحدَى بين قوٍّ وضارجٍ

كما زال في الصبحِ الأشاءُ الحواملُ

زال: تحولَ.والأشاءُ: النخيل الأفتاءُ، الواحدة أشاءة.والأشاءة أيضاً: الجماعة من النخل. روى ابن الأعرابي: كما زال في الآلِ النخيلُ الحواملُ.

فأتبعتهمْ عينيَّ حتى تفرقتْ

مع الليلِ عن ساقِ الفريدِ الجمائل

الفريد: جبل.والجمائل: جمع جمالة.

فلأياً قصرتُ الطرفَ عنهم بجسرةِ

ذمولٍ إذا واكلتها لا تواكل

فلأيا: بعد بطءٍ.

صموتِ السرَى عيرانةٍ ذاتِ منسمٍ

نكيبِ الصوَى ترفضُّ عنه الجنادلُ

عيرانة: تشبهُ العير من حمير الوحشِ.ونكيب: أي قد نكبته الصوى.

عذافرةٍ خرساءَ فيها تلفتٌ

إذا ما اعتراهَا ليلها المتطاول

كأني كسوتُ الرحلَ جوناً رباعياً

شنوناً ترباهُ الرسيسُ فعاقلُ

الجون: الأبيض هنا.الشنون: بينَ السمين والمهزول. والرسيس وعاقل: موضعان.

رباعٌ أبوهُ أخدرِيٌّ وأمهُ

من الحقبِ فحاشٌ على العرسِ باسلُ

فحاش: أي فاحشُ الفعل.أخدري: حمار منسوب، وكان يقال للحمر بنات الأخدر.والأخدر: حمارٌ فارهٌ كان من حمير أهلِ العراق ؛ فقيل لحمرِ الوحش الأخدرية.قال: والأعراب يقولون: الأخدري: فرسٌ من خيل تبع ملكٍ من ملوكِ اليمن ؛ وإنه شردَ فدخل البرَّ وضرب في حمر الوحش.والواحد من الحقب أحقب وحقباء ؛ وهي المبيضة الحقي.

إذا ما أرادتْ صاحباً لا يريده

فمنْ كلِّ ضاحي جلدِها هو آكلُ

ترى رأسه مستحملاً فوق ردفها

كما حملَ العبءَ الثقيلَ المعادل

وإن جاهدتهُ جاهدتْ ذا كريهةٍ

وإنْ تعدُ عدواً يعدُ عادِ مناقلُ

المجاهدة: أن يبلغا جهدهما.والكريهة: مبلغ الشر.وسيف ذو كريهة ؛ أي يمضي على ضريبته.والمناقلة: عدوٌ في حجارةٍ يتقي منها.

يثيرانِ جوناً ذا ظلالٍ كأنهُ

جديدُ النقاعِ استكرهتهُ المعاولُ

النقاع: جمع نقعٍ: الغبار.

إلى القائلِ الفعالِ علقمةِ الندَى

رحلتُ قلوصي تجتويها المناهِلُ

الاجتواء: قلة الملاءمة.تقول: اجتويتُ هذه الأرض، أي لم توافقني، واجتويت الطعام: إذا لم يوافقك.

إلى ماجد الآباءِ فرعٍ سيمدعٍ

لهُ عطنٌ يومَ التفاضلِ آهل

قال المنتجع: السميدع: الموطأ الأكناف.وقوله: له عطن: هذا مثل.يقول: له فناءٌ فيه اتساع.والعطن: أصله مبركُ الإبل.

فما كان بيني لو لقيتك سالماً

وبين الغني إلا ليال قلائلُ

لعمرِي لنعمَ المرءُ من آلِ جعفرٍ

بحورانَ أمسَى أعلقتهُ الحبائل

لقد غادرتْ حزماً وجوداً ونائلاً

ولباً أصيلاً خالفتهُ المجاهل

وقدراً إذا ما أمحلَ الناسُ أوفضتْ

إلى نارها سعياً إليها الأرامل

أوفضت إيفاضاً: أسرعت.

لعمري لنعمَ المرءُ لا واهنُ القوى

ولا هو للمولَى على الدهرِ خاذل

لا واهنُ القوى: لا ضعيف العقدِ.

لعَمْرِي لَنِعمَ المرءُ إنْ عَيَّ قائلٌ

عن القيلِ أو دنَّى عن الفعلِ فاعلُ

يداكَ خليجُ البحرِ إحداهما دماً

تفيضُ وفي الأخرى عطاءٌ ونائلُ

يروى: دمٌ يفيض.

فإنْ تحيَ لا أمللْ حياتي وإن تمتْ

فما في حياةِ بعدَ موتك طائل

قال أبو حاتم: هذا آخرها. وفي كتاب حمادٍ الراوية بيتٌ زائد، وهو:

لعمري لنعمَ المرءُ لا متقاصرٌ

عن السورةِ العليا ولا متضائلُ

قال أبو حاتم: ليس هذا البيت بشيءٍ. وقال الحطيئة يمدح الوليدَ بن عقبة بن أبي معيط:

عفا توأمٌ منْ أهله فجلاجلهْ

وردت على الحيِّ الجميع جمائلهُ

ردت الإبلُ عليهم للرحيل.

وعالينَ عقلاً فوق رقمٍ كأنهُ

دمُ الجوفِ يجرِي في المذارِع واشلهْ

العقل: كل خيط يعقلُ بخيطٍ آخر يدخل من تحته ثم يرفع على خيطٍ آخر.والرقم: النقش.والواشل: السائل.والمذارع: القوائم.

كأنَّ النعاجَ الغرَّ وسطَ بيوتهم

إذا اجتمعتْ وسطَ البيوتِ مطافِله

النعاج: بقر الوحش.والغر: البيض.

أبى لابنِ أروى خلتانِ اصطفاهما

قتالٌ إذا يلقى العدوَّ، ونائلهْ

أروى: بنت أمِّ حكيم بنت عبد المطلب، كانت تحت عفان بن أبي العاص فولدتْ له عثمان، ومات عنها عفان، فخلف عليها عقبة بن أبي معيط.فولدت له الوليد ؛ فالوليد أخو عثمان من أمه.

فتى يملأُ الشيزى ويروى بكفهِ

سنانُ الردينيِّ الأصمِّ وعامله

قال: يظنونَ أن الجفنة من شيزٍ لسوادها من الدسم، وأنشد للجعدي:

لطمنَ بترسٍ شديد الصفا

قِ من خشبِ الجوزِ لم يثقبِ

قال: والترس لا يكونُ من خشب الجوز.قال: وجفانهم جوز.

يؤمُّ العدوَّ حيثُ كان بجحفلٍ

يصمُّ العدوَّ جرسه وصواهلهْ

ترى عافياتِ الطيرِ قد وثقتْ لها

بشبعٍ من السخلِ العتاقِ منازلهْ

العافيات: التي تدنو من الإنسِ وتطلبُ.وكل شيءٍ ألمَّ بك يريدُ معروفكَ فهو عافٍ، ومعتفٍ.والسخلُ: ما تقذفُ الخيلُ به من أولادها.والعتاق: الكرام.

إذا حانَ منه منزلُ الليلِ أوقدتْ

لأخراه في العالي اليفاع أوائلهْ

يظلُّ الرداءُ العصبُ فوقَ جبينهِ

يقي حاجبيه ما تثيرُ قنابلهْ

نفيتَ الجيادَ الغرَّ عن عقرِ دارهمِ

فلم يبقَ إلا حيةٌ أنتَ قاتلهْ

وكمْ منْ حصانِ ذاتِ بعل تركتها

إذا الليلُ أدجى لم تجدْ منْ تباعلُهْ

وإني لأرجوه وإنْ كان نائياً

رجاءَ الربيعِ أنبتَ البقلَ وابلُهْ

أي أرجوه رجاءَ الربيع ذي الوابل والخصب.

لزغبٍ كأولاد القطا راثَ خلفها

على عاجزاتِ النهضِ حمرٍ حواصلهْ

راث: أبطأ.والخلفُ: المستقي.وعنى بالمستقي الأمهات، لأنهن يجئنهنَّ بالماءِ، وعنى بعاجزات النهضِ: الفراخ ؛ أي لم تقوَ أن تنهض.وقال حواصله فذكَّر ؛ لأنه ردَّ الضمير إلى دردق، أي إنما ذكر لأنه ردَّ المضمر إلى الأولاد على المعنى ؛ لأن أولاد القطا قطاً، والقطا يغلبُ عليه التذكير. وقال يهجو بني بجاد، وهم من بني عبس:

أفيما مضى من سالفِ الدهرِ تدكرْ

أحاديثَ لا ينسيكها الشيبُ والعمرْ

طربتَ إلى منْ لا تواتيكَ دارهُ

ومن هوَ ناءٍ عن طلابكمُ عسرْ

إلا طفلةِ الأطرافِ زين جيدها

مع الحليِ والطيبِ المجاسدُ والخمرْ

الطفلة: اللينة الناعمة.والمجسد: ما صبغَ بالزعفران أو العصفر حتى ييبس من كثرة صبغه.

من البيض كالغزلان والحورِ كالدمى

حسانٌ عليهنَّ المعاطفُ والأزرْ

ترى الزعفرانَ الوردَ فيهنَّ شاملاً

ومسكاً ذاكياً خالصاً ريحهُ ذفرْ

عليلاً على لباتِ بيضٍ كأنها

نعاجُ الملا فيها المقاليتُ والنزُرْ

المقاليت: واحدتهنَّ مقلات، وهي التي لا يعيش لها ولد.والنزر: القليلات الأولاد، الواحدة نزور ؛ من قولهم: عطاءٌ نزرٌ.والعليل: الذي يعلُّ به مرةً بعد مرة.

بني عمنا إنَّ الركابَ بأهلها

إذا ساءَا المولَى تروحُ وتبتكرْ

يقول: إذا ركبها ابنُ العمّ بمكروهٍ رحلتْ عنه.

بني عمنا ما أسرعَ اللومَ منكمُ

إلينا ولا نجني عليكم ولا نجر

ونشربُ رنقَ الماءِ من دونِ سخطكمْ

وما يستوي الصافي من الماءِ والكدرْ

غضبتم علينا أن قتلنا بخالدٍ

بني مالكٍ ها إنَّ ذا غضبٌ مُطِرّ

مُطِرّ: مُدِلّ.يقال: أتانا مطراً ؛ أي مدلاً، إذا تجاوز القدر.وقال غير الأصمعي: مطرٌ: عامّ.

وكنا إذا دارت عليكم عظيمةٌ

نهضنا فلم ينهضْ ضعاف ولا ضجرْ

ونحنُ إذا ما الخيلُ جاءتْ كأنها

جرادٌ زفتْ أعجازه الريحُ منتشرْ

نحامي وراءَ السبي منكم كما حمتْ

ليوثٌ ضوارٍ غيلَ أشبالها هصرْ

يروى: حولَ أشبالها عقرُ.

على كلِّ محبوِ المرَاكلِ سابحٍ

إذا أشرعتْ للموتِ خطيةٌ سمُرْ

المحبوك: الشديد الجدل.والمراكل: مواضع أعقابِ الفرسان، الواحد مركل.

مطاعينُ في الهيجا مكاشيفُ للدجى

إذا ضجَّ أهلُ الروعِ ساروا وهم وقرْ

وأما بجادٌ رهطُ جحشٍ فإنهمْ

على النائباتِ لا كرامٌ ولا صبُرْ

إذا نهضتْ يوماً بجادٌ إلى العلا

أبَى الأشمطُ الموهونُ والناشئ الغمرْ

الغمر: الذي لم يجرب الأمور.

تدرونَ إن شدَّ العصابُ عليكمُ

ونأبَى إذا شدَّ العصابُ فلا ندرُّ

ضرب هذا مثلاً. يقو إذا حمى عليكم بأسُ قومٍ واشتدّ عليكم أمرهم أعطيتموهم ما طلبوا منكم، ونحن لا نفعلُ ؛ لا نعطي أموالنا على القسر.

نعامٌ إذا ما صيحَ في حجراتكم

وأنتمْ إذا لم تسمعوا صارخاً دثرْ

يريد أنتم أشردُ من النعام إذا فزعتم، وأنتم ما لم تفزعوا نيام لا تنتبهون لخير.

ترى اللؤمَ منهمْ في رقابٍ كأنها

رقابُ ضباعٍ فوقَ آذانِها الغفرْ

الغفر: الشعر، مثل غفر القطيفة.

إذا طلعَتْ أولَى المغيرةِ قوموا

كما قومتْ نيبٌ مخزمةٌ زجر

الزجور التي لا تدرُّ إلا بضربٍ أو زجر.والمخزمة: التي تلقي ولدها لغير تمام، ثم تعطف على غيره أو على ولدها وقد حشِي جلده بالثمام، ويشد أنفها. بغمامة لئلا تجدَ ريحه إذا عطفتْ على غيره، وتجعل لها درجة.والدرجة: خرقٌ تلف وتحشى بفراء وتجعل في حيائها ويخل حياؤها واستها فتمخض بذلك يوماً وليلةً ثم ينزع الخلال والغمامة فتقع الدرجة فترأم ما عطفت عليه. وقال أبو عمرو: المخزمة: التي في آنافها الخزائم، وواحدُ الخزائم خزامة ؛ وهي حلقة من شعر، فإذا كانت من صفر أو فضة فهي برة. وقوله: كما قومت ؛ أي كما قامت الناقة إذا حلبت.

أرى قومنا لا يغفرونَ ذنوبنا

ونحنُ إذا ما أذنبوا لهم غفرْ

ونحن إذا جببتم عن نسائكم

كما جببتْ من خلفِ أولادها الحمر

جببتم: أي عدوتم كما تعدو الحمر إلى أولادها.

عطفنا الجيادَ الجرد خلفَ نسائكم

هي الخيلُ مسقاها زبالةُ أو يسرْ

أي هي خيلنا التي تعرفون، تشربُ بزبالةَ أو يسر.

يجلنَ بفتيانِ الوَغَى بأكفهمْ

ردينيةٌ سمرٌ أسنتها حمرْ

إذا أجحفتْ بالناسِ شهباءُ صعبةٌ

لها حرْجفٌ مما يقلُّ بها القترْ

سنةٌ شهباءُ: إذا لم تنبت شيئاً، بمعنى أن الشجر يشهابُّ فيها.والحرجف.الشمال الشديدة.والقتر: جمع القتار: دخان الشحم. أراد أن هذا يقلُّ في مثل هذه السنة ؛ أي قلُّ طبخُ اللحم وشيه.

نصبنا وكان المجدُ منا سجيةً

قدروا وقد تشقى بأسيافنا الجزر

ومنا المحامي من وراءِ ذماركم

ونمنعُ أخراكمْ إذا ضيعَ الدبر

تمتوقال يصف إبله:

إذا نام طلحٌ أشعثُ الرأسِ دونها

هداهُ لها أنفسها وزفيرها

الطلح: المعيي. يقول: إذا نام معيٍ خلفها ثم طلبها استدلَّ عليها بأنفاسها وزفيرها.قال: يعني بالطلح القراد. الزفير: ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع.الزفير من الصدر والشهيق من الحلق.أول نهيق الحمار وما أشبه النهيق هو الزفير وآخره الشهيق.

عوازبُ لم تسمعْ نبوح مقامةٍ

ولم تحتلبْ إلا نهاراً ضجورها

النبوح: ضجة الناس وجلبتهم.والمقامة: مجتمع الناس حيث يقيمون. الضجور: التي تضج إذا احتلبتْ.

قال الأصمعي: قوله: إلا نهاراً ؛ أي تطلع عليها الشمسُ فتسخنُ ظهورها وتطيبُ أنفسها ؛ وجعلها هكذا لأنها لا تراح على أهلها.

إذا بركتْ لم يؤذها صوتُ سامرٍ

ولم تقصَ عن أدنى المخاضِ قذورها

يقول: لا تبيت قريباً من الناس ؛ إنما تبيت عازبةً في القفرِ.والقذور: التي لا تبيتُ مع الإبل.

ولم يرعها راعٍ ربيب ولم تزل

هي العروةُ الوثقى لمنْ يستجيرها

يقول: لم يرعها راعِ ربيبٌ في البيت ؛ إنما يرعاها من يعزب معها، ومن نزل فيها كان لها جاراً. ومعناه: من استجار بها منعناه.

طباهنَّ حتى أطفلَ الليلُ دونها

نفاطيرُ وسميٍّ رواءٍ جذورها

نفاطير وسميِّ: أي نبتٌ من نبتِ الوسميِّ يقع في مواضعَ من الأرض مختلفة.والجذور: الأصول. قال أبو عمرو: النفاطير، والتفاطير: نبت متفرق.

يطفن بجون جافرٍ يتقينهُ

بروعاتِ أذنابٍ قليلٍ عسورها

الجون هنا: الأسود، وهو الفحل.وقوله: قليلٍ عسورها ؛ لأنه استبان حملها وسكنتْ.والعاسر: الشائلة ؛ وإنما تسكنُ إذا حملَتْ.

فظلت أوابيها عواكفَ حوله

عكوفَ العذارى ابتزَّ عنها خدورها

الأوابي: التي تأبى الفحلَ لا تريده.وعواكف حوله: لا تبرحه حباً له.

دعاهنَّ فاستسمعنَ من أين زرهُ

برقشاءَ من دونِ اللهاةِ هديرها

يعني الشقشقة، ولونها أرقش.والرزُّ: الصوت.

كميتٌ كركنِ البابِ قد شقَّ نابه

وأحنتْ له مقلاتُها ونزورها

كميت: أي أحمر.وقوله: كركنِ الباب: أي كسارية الباب.وشقّ نابه: فطر.والمقلات: التي لا يكاد يعيش لها ولد.والنزور: القيلة الولد.

إذا ما تلاقتْ عنْ عراكٍ تدافعتْ

على الحوضِ أشباهٌ قليلٌ ذكورها

العراك: الزحام.

وألقَتْ سباطاً راشفاتٍ كأنها

من السبتِ أهدامٌ دقاقٌ خصورها

السباط: يعني المشافر.وراشفات: أي ترشفُ الماء.والسِّبْتُ: جلود البقر المدبوغة بالقرظ التي تتخذ منها النعال.والأهدام: الخلقان.

فلم تروَ حتى قطعتْ من حبالها

قوى محصداتٍ شدَّ شزراً مغيرها

المحصد: الشديد الفتلِ.والمغير: الذي يفتلُ الحبالَ.والشزر: الفتل على اليسار.

وحتى تشكَّى الساقيانِ وهدمتْ

من الحوضِ أركاناً سريعاً جبورها

تهدمها فتبنى في ساعةٍ لئلا يذهبَ الماءُ.

رعتْ منبتَ السوبانِ ستين ليلةً

حراماً بها حتى أحلتْ شهورها

يقول: رعتهُ في الأشهر الحرم. وقال أيضاً:

أشاقتكَ ليلى في اللمامِ وما جزتْ

بما أزهقتْ يوم التقينا وضرتِ

كطعمِ شمولٍ طعمُ فيها وفأرةٌ

من المسكِ منها في المفارقِ ذرتِ

وأغيدَ لا نكسٍ ولا واهنِ القوى

سقيتُ إذا أولى العصافيرِ صرتِ

رددتُ عليهِ الكأسَ وهيَ لذيذةٌ

إلى الليلِ حتى ملَّها وأمرَّت

وأشعثَ يهوى النومَ قلتُ له ارتحلْ

إذا ما الثريا في السماءِ اسبطرتِ

اسبطرت: امتدت.

فقام يجرُّ البردَ لوْ أنَّ نفسه

يقالُ له خذها بكفيكَ خرت

يقول: به من النعاسِ ما لو كانت نفسه في يده لرمى بها.

ألا هلْ لسهمٍ في الحياةِ فإنني

أرى الحربَ عن ورقٍ كوالح فرَّتِ

أي هل لهم في السلمِ ؛ والكالح: الذي قد خرجت أسنانه لشدة الحرب.ويقال للرجل الطويل الثنايا: أروق.ضربه مثلاً.

ولن يفعلوا حتى تئولَ عليهم

بأيديهمُ شولَ المخاضِ اقمطرتِ

يقال للناقة إذا لقحتْ وتنفشت: قد اقمطرت.

عوابسَ بالشعثِ الكماةِ إذا ابتغوا

علالتها بالمحصداتِ أصرت

قال: الخيلُ لا ترى أبداً في الحرب إلاَّ كالحةً عابسة.والعلالة: جري بعد جري.والمحصدات: السياط.

تنازع أبكارَ النساءِ ثيابها

إذا خرجتْ من حلقةِ البابِ كرتِ

يقول: إذا خرجتْ من موضع ضيق ردت إلى أضيقَ منه.

بكل قناةٍ صدقةٍ زاعبيةٍ

إذا أكرهتْ لم تنأطرْ واتمأرتِ

صدقة: صلبة.ولم تنأطرْ: لم تعوجَّ.واتمأرت: اشتدت.

وإنَّ الحداد الزرقَ من أسلاتنا

إذا واجهتهنَّ النحورُ اقشعرتِ

قناة الرمح: أسلته، والجمع أسلات.وأسل.

وجرثومةٍ لا يقربُ السيلُ أصلها

رسا وسطَ عبسٍ عزها واستقرت

ولكنَّ سهماً أفسدتْ دارَ غالبٍ

كما أعدتِ الجربُ الصحاحَ فعرتِ

ولو وجدتْ سهمٌ على الغيِّ ناصراً

لقد حلبتْ منها نساءٌ وصرتِ

وإنَّ المخاضَ الأدمَ قد حال دونها

حدادٌ من الخرصانِ لانتْ وترتِ

ترت: غلظتْ.

فلنْ تعلفُونا الضيمَ ما دام جذمُنا

ولمّا تروا شمس النهار استسرَّتِ

تعلفونا الضيمَ: تطعمونا.وهذا مثلٌ.وأنشدَ:

إذا كنتَ في قومٍ عداً لستَ منهم

فكل ما علفتَ من خبيثٍ وطيبِ

وقوله: ولما تروا شمسَ النهارِ استسرت ؛ أي ولما تكسفِ الشمس ويكن اليوم مظلماً. وقال لبني عامر بن صعصعة:

أتعرفُ منزلاً من آلِ هندٍ

عفا بعد المؤبلِ والشوِيِّ

المؤبلة: الإبل.والشوِي: الشاءُ.

تقادم عهدهُ وجرى عليه

سفيٌّ للرياحِ على سفيِّ

السفيُّ، والسافي: التراب تسفيه الريحُ وتطيره.

تراها بعد دعسِ الحيِّ فيها

كحاشيةِ الرداءِ الأتحمي

الدعس: الوطءُ.والأتحميّ: ضربٌ من برود كانت تعملُ في أول الدهر.

أكلَّ الناسِ تكتمُ حبَّ هندٍ

وما تخفِي بذلكَ من خفيِّ

سقيةُ بينَ أنهارٍ وزرعٍ

سقاها بردُ رائحةِ العشيِّ

يقول: إنها في خصب.ورائحة العشيّ: السحابة التي تروح فتمطر.

منعمةٌ تصونُ إليكَ منها

كصونكَ من رداءٍ شرعبيّ

يظلُّ ضجيعها أرجاً عليهِ

مفارقُها من المسكِ الذكيِّ

جمع المفرق بما حوله.وإنما هو مفرقٌ واحد.والأرج: توهج الطيب.وكلُّ ما توهجَ فقد تأرج.والذكي: الحاد الريح.ومنه ذكاء القلب.

يعاشرها السعيد، ولا تراها

يعاشرُ مثلها جدُّ الشقيِّ

فما لكَ غيرُ تنظارٍ إليها

كما نظر الفقيرُ إلى الغنيِّ

فأبلغْ عامراً عني رسولاً

رسالةَ ناصحٍ بهم حفيِّ

عامر بن صعصعة.والحفي: اللطيف.

فإياكمْ وحيةَ بطنِ وادِ

هموزَ الناب ليس لكمْ بسيِّ

ليس لكم بسيّ': أي بندّ ؛ وهو الكفءُ والمثل.يقال: هما سيان في هذا الأمر، وهم أسواءٌ فيه.

وخلوا بطنَ عقمةَ واتقونا

إلى نجرانَ في بلدٍ رخيِّ

الرخيّ: المتباعد.يقال: قد تراخى ما بين الرجلين: إذا تباعد.

فكم من دارٍ قومٍ قد أباحتْ

لقومهمُ رماحُ بني عديِّ

فما إنْ كان عنْ ودٍّ ولكنْ

أباحوها بصمِّ السمهريِّ

أي لم تكن الإباحةُ عن ود كان من هؤلاء، ولكن أباحوها بالرماح.والسمهري: الشديد.ويقال: اسمهر عليه الأمر: أي اشتد.

وكلِّ مفاضةٍ جدلاءَ زغفٍ

مضاعفةٍ وأبيضَ مشرفيِّ

مفاضة: يعني درعاً واسعة.والجدلاءُ: المجدولة الدقيقة الحلق.والزغف: اللينة اللمس.والمضاعفة: التي نسجت حلقتين حلقتين.والمشرفي: السيف، نسب إلى المشارف ؛ وهي قرًى تدنو من الريف.

ومطردِ الكعوبِ كأنَّ فيهِ

قدامى ذي مناكبَ مضرحِي

يقول: كأنَّ سنانه قادمة نسرٍ من حدته.والمضرحي: العتيق الكريم من النسور.وقيل المضرحي: الأحمر.

إذا خرجتْ أوائلهنَّ يوماً

مجلحةً كجنةِ عبقريِّ

قال جعفر بن مهلهل: قال ابنُ الكلبي: الذي يقال لهم جنة عبقر: بنو عبقر بن خويلة بن جشم ابن عمرو بن عبد شمس، وكانوا أشدَّ العرب بأساً ؛ فصاروا مثلاً.وعبقر: موضع. وقال الأصمعي: سألنا أبا عمرو عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر بن الخطاب رضي الله عنه: 'لم أر عبقريا يفري فريه'.فقال: يقال هذا عبقري قوم، كما يقال: هذا سيد قوم، وكريم قوم. وقال الأصمعي: إنه نسب إلى قوم بعبقر ؛ وهي أرض تسكنها الجن ؛ فصار لكل منسوب إلى شيء.قال زهير:

بخيلٍ عليها جنةٌ عبقريةٌ

جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا

منعنَ منابتَ القلامِ حتى

علا القُلامُ أفواهَ الركيِّ

الركيِّ: جمع ركية، خرج مخرج شعير وشعيرة.والقُلام: نبتٌ يكون قريباً من الماء ؛ أي منعن ذلك الماء، وأحمينَ مراعيه حتى عفا قلامه فغطى أواه الركايا.

أتغضبُ أن يساقَ القهدُ منكمْ

فمنْ يبكي لأهلِ الساجسيِّ

يروى: أتبكي أن تساقَ.ويروى: لفقدِ الساجسيّ.والقهد: غنم صغار حمر، سك الآذان، كلف الوجوه.والساجسيُّ: غنم أهل الجزيرة، وغنم تغلب والنمر بن قاسط ومن والاهم. كان سعيد بن العاص على المدينة، فبينا هو يعشى الناس، وقد خفوا إلا حداثه وأصحاب سمره إذا أعرابي قبيح الوجه، كبير السن، سيئ الهيئة على البساط، فانتهى إليه الشرط فذهبوا ليقيموه، فأبى أن يقوم ؛ فنظر إليه سعيدٌ وقد حانت منه التفافة ؛ فقال: دعوا الرجل ؛ وخاضوا في حديث العرب وأشعارها ؛ فقال ولا يعرفونه: ما أصبتم جيدَ العشر ولا شاعر العرب. فقال له سعيد: فهل عندكَ من ذلك علم ؟ قال: نعم.قال: فمن أشعر الناس ؟ قال: الذي يقول:

لا أعدُّ الإقتارَ عدماً ولكنْ

فقدُ منْ قدْ رزئته الإعدام

فأنشدها حتى أتى عليها.قال: فمن يقولها: قال: أبو دواد الإيادي.قال: ثم من ؟ قال الذي يقول:

أفلحْ بما شئتَ فقدْ يدركُ بالض

عفِ وقد يخدَّعُ الأريب

وأنشدها حتى أتى عليها.قال: فمن قالها ؟ قال: عبيد ابن الأبرص أحد بني سعد. قال: ثم من ؟ قال: والله لحسبك بي عند رهبة أو رغبة إذا رفعت إحدى رجلي على الأخرى ثم عويت في أثر القوافي كما يعوي الفصيل وراء الإبل الصادرة. قال: ومنْ أنت ؟ قال: أنا الحطيئة. فرحب به سعيد، وقال: قد أسأتَ بكتمانك نفسك منا الليلة، وقد علمتَ شوقنا إليك، وإلى حديث العرب. وقال يمدحه:

لعمري لقد أمسى على الأمرِ سائسٌ

بصيرٌ بما ضرَّ العدوَّ أريب

جريءٌ على ما يكرهُ المرءُ صدرهُ

وللفاحشاتِ المندياتِ هيوبُ

سعيدٌ وما يفعلْ سعيدٌ فإنه

نجيب فلاهُ في الرباطِ نجيب

سعيدٌ فلا تغرركَ خفةُ لحمهِ

تخددَ عنه اللحمُ وهو صليب

إذا خاف إصعاباً من المر صدره

علاهُ فباتَ الأمرُ وهو ركوبُ

إذا غاب عنا غاب عنَّا ربيعنا

ونسقى الغمامَ الغرَّ حين يؤوبُ

فنعمَ الفتى تعشو إلى ضوءِ ناره

إذا الريح هبتْ والمكان جديب

دخل الحطيئة على عتيبة بن النهاس العجلي، وكان من وجوه بكر بن وائل، وكان يبخل، وعلى الحطيئة عباءة، ولم يكن عتيبة يعرفه، فقال له: أعطني.قال: ما أنا على عملٍ فأعطيك وما في مالي فضلٌ عن قومي. قال: فلا عليك ! ثم انصرف.فقال لعتيبة رجلٌ كان عنده من قومه: لقد عرضتنا لشر.قال: ومن هذا ؟ قال: الحطيئة ؟ قال: ردوه.فردوه.فقال له عتيبة: بئس ما صنعت، ما استأنست استئناسَ الجارِ، ولا سلمت تسليم أهل الإسلام.ولقد كتمتنا نفسك حتى كأنك كنت معتلاً علينا.اجلس ؛ فإنَّ لك عندنا ما يسرك ؛ فقد عرفنا السبب الذي تمت به، وأنت جار، وأشعر العرب. قال: ما أنا بأشعر العرب.قال: فمن أشعر العرب ؟ قال: الذي يقول:

ومن يجعلِ المعروفَ من دونِ عرضهِ

يفرهُ ومنْ لا يتق الشتمَ يشتمِ

فقال له عتيبة: أما إنَّ هذه الكلمة من مقدمات أفاعيك. ثم قال لغلامه: اذهب معه، فلا يشيرنَّ إلى شيء إلا اشتريته له.فانطلق معه الغلام، فعرض عليه الخزَّ واليمنة، فلم يقبل ذلك، وأشار إلى الأكسية والكرابيس الغلاظ حتى أوقر ما أحبَّ ولم يبلغ ذلك مائتي درهم. فرجع إلى قومه ؛ فلما رأوا ما جاءَ به، وأخبرهم ما صنع به لاموه، وقالوا: بعث معك غلامه، وهو أكثر العرب مالاً، فأخذت القليلَ الخسيسَ، وتركتَ الجزيلَ النفيس ؛ فقال:

سئلتَ فلم تبخلْ ولم تعطِ طائلاً

فسيان لاذمٌّ عليك ولا حمدُ

وأنتَ امرؤٌ لا الجودُ منك سجيةٌ

فتعطي وقد يعدِي على النائلِ الوجدُ

يعدِي: يعين. يقول: قد يعين على الإعطاءِ اليسارُ إن كان الرجل بخيلاً. لقي الحطيئة طريف بن دفاع الحنفي، فقال له طريف: أين تريد يا أبا مليكة ؟ قال: أريد اللبن والتمر.قال: فاصحبني فلك ذلك عندي. فسار به إلى اليمامة، فأقام عنده حيناً، فأعطاه وأكرمه ؛ فقال:

سرينا فلما أنْ أتينا بلادهُ

أقمنا وأرتعنا بخيرِ مريع

رأى المجدَ والدفاعُ يبنيهِ فابتنى

إلى كلِّ بنيانِ أشمَّ رفيع

تفرستُ فيه الخيرَ لما رأيته

لما ورثَ الدفاعُ غير مضيع

فتًى غيرُ مفراح إذا الخيرُ مسهُ

ومن نائباتِ الدهرِ غيرُ جزوع

عدو بناتِ الفحلِ كم من نجيبةٍ

وكوماءَ قد ضرجتها بنجيع

وذاك فتًى إن تأتهِ في صنيعة

إلى مالهِ لا تأتهِ بشفيع

وقال يمدح بني رياح بن ربيعة بن مازن بن الحارث بان قطيعة بن عبس، ويهجو بني زهير بن جذيمة:

لنعمَ الحيُّ حيُّ بني رياحِ

إذا ما أوقدوا فوقَ اليفاعِ

ونعمَ الحيُّ حيُّ بني رياحِ

إذا اختلط الدواعي بالدواعِي

ألم ترَ أن جارَ بني زهيرٍ

ضعيفُ الركنِ ليس بذي امتناعِ

وليس الجارُ جارُ بنِي رياحِ

بمقصىً في المحلِّ ولا مضاع

هم صنعوا لجارهمُ وليست

يدُ الخرقاءِ مثلَ يدِ الصناع

ويحرمُ سر جارتهم عليهم

ويأكلُ جارهم أنفَ القصاعِ

أنف: أول.

وجارهم إذا ما حلَّ فيهمْ

على أكناف رابيةِ يفاع

لعمركَ ما قرادُ بني رياحِ

إذا نزعَ القراد بمستطاعِ

قال: ربما قرد الذئبُ البعيرَ، أي نزع قرادهُ فيستلذّ البعيرُ ذلك، فيصيب غرتهُ فيملحُ عينه، ضربه مثلاً. وقال يمدح بشر بن ربيعة بن قرط بن عبيد بن أبي بكر بن كلاب:

أبوك ربيعةُ الخيرِ بن قرط

وأنتَ المرءُ يفعلُ ما تقول

أغرُّ كأنما حدبتْ عليهِ

بنو الأملاكِ تكنفها القيولُ

تصدُّ مناكب الأعداءِ عنه

كراكرُ من أبي بكرٍ حلولُ

كراكرُ لا يبيدُ العزُّ منها

ولكنّ العزيزَ بها ذليلُ

كراكر: جماعات. خرج زيد الخيل يتطرف، فلقي الحطيئة وكعب بن زهير بن أبي سلمى، ورجلاً من بني بدر، وهم يتصيدون، فأخذهم. فأما الحطيئة فقال: والله ما عندي من مالٍ فأعطيكَ، وما هو إلا لساني ؛ فأطلقه فمدحه. وأما كعب فأعطاه فرساً.وأما البدري فأعطاه مائة ناقة، فقال الحطيئة:

إلا يكنْ مالٌ يثابُ فإنه

سيأتي ثنائي زيداً بنَ مهلهلِ

فما نلتنا غدراً ولكنْ صبحتنا

غداةَ التقينا في المضيقِ بأخيلِ

بأخيل: جمع خيل.

تفادى كماةُ الخيلِ من وقعِ رمحه

تفادي خشاشِ الطيرِ من وقعِ أجدلِ

تفادى: يستتر بعضها ببعض من الخوف.والخشاش: الذي يأكل اللحم ولا يصيدُ.والأجدل: الصقر.

فأعطتكَ منا الودَّ يومَ لقينا

ومن آلِ بدرٍ وقعةٌ لم تهللِ

لم تهلل: لم تجبن. ذكروا أنه قيل للحطيئة حين حضرته الوفاة: أوص.فقال: أبلغوا أهلَ الشماخ أنه أشعر العرب. فقيل له: اتقِ الله ؛ فإن هذا لا يرد عليك، فأوصِ.قال: المالُ للذكور من أولادي دون الإناث. قيل: اتق الله وأوصِ ؛ فقال:

قد كنتُ أحياناً شديدَ المعتمدْ

قد كنتُ أحياناً على الخصمِ الألدّ

قد رددتُ نفسي وما كادتْ تردّقالوا: اتقِ الله وأوصِ.فقال: أوصيكم بالشعر ؛ ثم قال:

الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سلمهْ

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمهْ

زلتْ به إلى الحضيضِ قدمهْ

والشعرُ لا يسطيعه منْ يظلمهْ

يريد أن يعربه فيعجمه

منْ يسمِ الأعداءَ يبقَ ميسمهْ

فقيل له: أوصِ للمساكين.فقال: أوصيهم بالمسألة.قالوا: فعبدك يسار أعتقه.قال: هو عبدٌ ما بقيَ على الأرض عبسيٌّ. وقال في منافرةِ عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة حين تنافرا إلى هرم بن قطبة وكان الحطيئة يفضل علقمة على عامر ويمدحه، وكان الأعشى يمدح عامراً ويهجو علقمة، فقال الحطيئة:

يا عامِ قد كنتَ ذا باعٍ ومكرمةٍ

لو أنَّ مسعاةَ منْ جاريتهُ أمَم

أمَم: قصد ؛ أي ليس بقصدٍ، ولكنه فوقَ القصد.

جاريتَ قرماً أجادَ الأحوصان به

طلقَ اليدينِ وفي عرنينه شمم

لا يصعبُ الأمرُ إلا ريثَ يرْكبه

ولا يببيتُ على مالِ له قسَم

ومثلهُ من كلابٍ في أرومتها

يعطي المقاليدَ أو يرمَى له السلمُ

هابتْ بنو مالكٍ مجداً ومكرمةً

وغايةً كان فيها الموتُ لو قدموا

وما أساءُوا فراراً عن مجلية

لا كاهنٌ يمترِي فيها ولا حكمُ

وقال في الوليد بن عقبة بن أبي معطي حين شهد عليه أهل الكوفة - وهو عاملها - أنه شرب الخمر وصلى بهم الغداة أربعاً وهو سكران، وقال وهو في الصلاة: أأزيدكم ؟ فاستعدوا عليه عثمان فعزله، وكان أخاه لأمه ؛ أمهما أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس ؛ وأمها أم حكيم بنت عبد المطلب عمة النبي عليه السلام.

شهد الحطيئةُ حين يلقَى ربهُ

أن الوليدَ أحقُّ بالعذرِ

خلعوا عنانكَ إذ جريتَ ولوْ

تركوا عنانكَ لم تزلْ تجري

ورأوا شمائلَ ماجدِ متبرعٍ

يعطِي على الميسورِ والعسرِ

فنزعتَ مكذوباً عليكَ ولمْ

ترددْ إلى عوزٍ ولا فقرٍ

قال المفضل: ومن الرواة من يزعم أنه إنما قال:

شهد الحطيئةُ حين يلقَى ربهُ

أنَّ الوليدَ أحقُّ بالعذْرِ

نادَى وقد كملتْ صلاتهمُ

أ أزيدُ كمْ ثملاً وما يدرِي

ليزيدهمْ خيراً ولو قبلوا

لقرنتَ بين الشفعِ والوترِ

فأبوا أبَا وهبْ ولو فعلوا

زادتْ صلاتهمُ على العشرِ

كفوا عنانكَ إذ جريتَ ولو

خلوْا عِنانكَ لم تزلْ تجرِي

وقال في ذلك بعض شعراءِ الكوفة:

تكلمَ في الصلاةِ وزادَ فيها

مجاهرةً وعالنَ بالنفاقِ

ومجَّ الخمرَ في سننِ المصلَّى

ونادى والجميعُ إلى افتراقِ

أزيدُكمُ على أن تحمدوني

فما لكمُ ولا لِيَ من خلاقِ

تم الاختيار من شعر الحطيئةوالحمد لله وصلواته على سيدنا محمد النبي والطاهرين من آله.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي