مذكرات أندلسية

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة مذكرات أندلسية لـ نزار قباني

1
في إسبانيا
لم أحتجْ إلى دواة ْ
ولا إلى حبر أسقي به عطش الورقْ
عيون مورينا روساليا
ترشني بالشوق الأسودْ
عيون مورينا روساليا .. دواة ٌ سوداءْ
أغط ُّ فيها ولا أسألْ ..
وتشرب حياتي .. ولا تسألْ
كهودج ٍ عربيّ يحفر مصيره في الأبعادْ
يحفر مصيره في مصيري

مدريد 5/8/1955

2
شَعْرُ ميراندا ألافيدرا الكثيفْ
المتنفِّسُ كغابةٍ إفريقيه
أطولُ حكاية شوق سمعتُها في حياتي
ما أكثر حكايا الشوق التي سمعتـُها في حياتي
وأكَلَتْ حياتي ...

إشبيلية 8/8/1955

3
الراقصة ُ الإسبانية
تقول بأصابعها كلَّ شيء
والرقص الإسباني هو الرقص الوحيد
الذي يستحيل فيه الإصبع إلى فمْ ..
النداءُ الساخن .. والمواعيدُ العطشى ..
والرضى .. والغضبْ .. والشهوة ُ .. والتمنّي
كل هذا يقالْ بشهقة إصبعْ ..
بنقرة إصبعْ ..

أنا في محلـِّي
وسمفونية الأصابع هناكْ
تحصدني ..
تشيلُني
تحطُّني على تنـُّورة أندلسية
سرقتْ زهرَ الأندلس كله ولم تسألْ ..
وسرقت نهارَ عيوني
ولم تسألْ ..
* * *
أنا في محلـِّي ..
والكأسُ العشرون في محلـّها
وسمفونية الأصابع ..
في أوج مدِّها وجزْرها
والمطرُ الأسودْ المتساقط من فتحات العيون الواسعة ..
شيء لا يعرفه تاريخ ُ المطرْ
لا تذكره ذاكرة ُ المطرْ ..
أنا في محلـِّي ..
فيا مطرَ الأعين السودْ
سألتكَ .. لا تنقطعْ ..

غرناطة 10/8/1955

4
ما تمنـَّـيتُ أن أكون عرْوة ً في رداءْ
إلا في المتحف الحربي في مدريد
الرداء لأبي عبد الله الصغير
والسيفُ سيفهُ ..
السائحون الأجانب لا يستوقفهم الرداءْ ..
ولا السيفْ ..

أما أنا ..
فيربطني بالرداءْ .. وبصاحب الرداءْ ..
ألفُ سَبَبْ
هل تعرفون كيف يقف الطفلُ اليتيمُ
أمام ثياب أبيه الراحل ؟
هكذا وقفتُ أمام الخزانة الزجاجية المغلقهْ
أستجدي الزركشاتْ
آكـُـلُ بخيالي النسيجَ ..
خيطاً ..
خيطاً ..

ومع هذا ..
لم يتركني أبو عبد الله الصغير
وحدي في المدينة ..
كان كلَّ ليلة يلبس رداءه
ويترك الخزانةَ الزجاجية ..
في المتحف الحربي
ليمشي معي في ( بولفار الكاستيانا ) في مدريد
ليدلني على وريثاته الأندلسيات
واحدة ً .. واحدة ..

- هل تعرفُ هذه الجميلة ؟
- لا ..
- هذه كان اسمها ( نـُـوار بنت عمَّار ) وكان أبوها
عمَّار بن الأحنف رجلاً ذا فضل ويسار ،
وكانت نـُوار هذه تدرج كالقطاة بيننا , وتنهض
كالنخلة المسحوبة بين لداتها في الحي ..
- لماذا لا نناديها يا أبا عبد الله ؟
- إنها لا تعرفُ اسمها !!
- وهل ينسى أحد اسمه ؟

- نعم .. هذا يحدث في التاريخ ..
إن اسمها الآن أصبح NORA AL AMARO
بدلاً من نـُوار بنت عمَّار .
- يا نورا ..
- ماذا تريدان ؟
- لا شيء .. كلُّ ما في الأمر أن هذا الرجل
كان صديقاً لأبيك في دمشق .. وهو يرغب
في تحيتك ..
- صديقاً لأبي في دمشق ؟
- نعم أنتِ لا تذكرين ذلك . لأنك كنتِ
يومئذ طفلة ..
- ربما ..
- عمي مساءً ..
- BUENAS NOCHES

قرطبة 12/8/1955

5
القـُـرْط ُ الطويلْ
في أذن آناليزا دوناليا
دمعة تركت الأذنَ منذ قرون
ولم تصل إلى مرفأ الكتف بعدْ ..
هذا القرط الطويلْ
وكلُّ قرط طويلْ
في أذن كلِّ سيدة إسبانية
محاولة مستميتة
للوصول إلى مقلع الضوء على الكتفينْ ..

يا قــُـرْط َ آناليزا دوناليا ..
لا وصلتَ أبداً إلى مشتهاكْ
ولا انتهتْ رحلتك ..
لأنْ تعيش بوهم الكتف
خيرٌ ألف مرة ..
من أن تدفن طموحك في رخامها ..
يا قــُـرْط َ آناليزا دوناليا
يا جوعَ الضوء إلى الضوءْ ..
قلبي معكْ ..

إشبيلية 15/8/1955

6
في أزقــَّـة قرطبة الضيقة ..
مددتُ يدي إلى جيبي أكثر من مرة ..
لأخرج مفتاحَ بيتنا في دمشقْ .
أحواضُ الشمشيرْ .. واللـَـيْـلـَـكْ .. والقرطاسيا ..
البـِرْكة ُ الوسطى , عينُ الدار الزرقاءْ
الياسمينُ الزاحف .. على أكتاف المخادع ..
وعلى أكتافنا ..
النافورة ُ الذهبية , طفلة البيت المدلـَّـلة ..
التي لا تنشف لها حنجره ..
والقاعاتُ الظليلة أواني الرطوبة .. ومخبؤها ..

كل هذه الدنيا المطيـَّـبة التي حضنتْ طفولتي في دمشق ..
وجدتــُها هنا ..
فيا سيِّـدتي ، المتكئة على نافذتها الخشبية
لا تراعي .. إذا غسلتُ يدي في بـِـرْكـَتك ِ الصغيرة
وقطفتُ واحدة ً من ياسميناتك ..
ثم صعدتُ الدرج .. إلى حجرة صغيرة ..
حجرة ٍ شرقية .. مطعـَّـمة بالصدف ..
تتسلق شبابيكـَها الشمسُ .. ولا تسألْ
ويتسلق أستارَها الليلكُ .. ولا يسألْ
حجرة ٍ شرقية ٍ ..
كانت أمي تنصب فيها سريري ...

قرطبة 18/8/1955

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي