مصارع العشاق/أبو إسماعيل وفتح الموصلي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبو إسماعيل وفتح الموصلي

حدث جعفر الخالدي قال: حدثنا أحمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن الفرج العابد قال:كان بالموصل رجل نصراني يكنى أبا إسماعيل، قال: فمر ذات ليلة برجل، وهو يتهجد على سطحه، ويقرأ: وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، وإليه ترجعون.قال: فصرخ أبو إسماعيل صرخةً وغشي عليه، فلم يزل على حاله تلك، حتى أصبح، فلما أصبح أسلم، ثم أتى فتحاً الموصلي فاستأذنه في صحبته، فكان يصحبه ويخدمه. قال: وبكى أبو إسماعيل حتى ذهبت إحدى عينيه وغشي على الأخرى. فقلت له ذات يوم: حدثني ببعض أمر فتحٍ. قال: فبكى ثم قال: أخبرك عنه، كان والله كهيئة الروحانيين معلق القلب بما هناك، ليست له في الدنيا راحةٌ. قلت: على ذاك ؟قال: شهدت العيد ذات يوم بالموصل، ورجع بعدما تفرق الناس، ورجعت معه فنظر إلى الدخان يفور من نواحي المدينة، فبكى ثم قال: قد قرب الناس قربانهم، فليت شعري ما فعلت في قرباني عندك أيها المحبوب ! ثم سقط مغشياً عليه، فجئت بماء فمسحت به وجهه، فأفاق ثم مضى حتى دخل بعض أزقة المدينة، فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: قد علمت طول غمي وحزني وتردادي في أزقة الدنيا، فحتى متى تحبسني أيها المحبوب ؟ ثم سقط مغشياً عليه، فجئت بماء، فمسحت على وجهه، فأفاق فما عاش بعد ذلك إلا أياماً، حتى مات، رحمه الله.

النفس حيث يجعلها الفتى

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزباني قال: أخبرني أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحيم عن العباس بن علي قال: حدثني بعض أهل المدينة قال:دعاني فتىً من أهل المدينة إلى جارية تغني، فلما دخلنا عليها، إذا هي أحسن الناس وجهاً، وإذا بها انخراط وجه وسهو وسكوت، فجعلنا نبسطها بالمزاح والكلام، ويمنعها من ذلك ما تكتمه، فقلت في نفسي: والله إن بها لتهياماً، وطائفاً من الحب، فأقبلت عليها، فقلت: بالله لما صدقتني ما الذي بك ؟ فقالت: برح الذكر، ودوام الفكر، وخلو النهار، وتشوق إلى من سار، والذي يرى ما وصفت لك، فإن كنت ذا أدب صرفت العتب عن ذي الكرب، واجتهدت في الطلب لدواء من قد أشرف على العطب، كما قال الشاعر، وأخذت العود، فغنت:

سَيُورِدُني التّذكارُ حَوْضَ المَهالكِ

فَلَسْتُ لتذكارِ الحَبيبِ بِتَارِكِ.

أبى اللهُ إلاّ أنْ أمُوتَ صَبَابَةً،

وَلَسْتُ لِمَا يَقضِي الإلَهُ بِمالِكِ.

كأنّ بقَلْبي حينَ شَطّتْ بهِ النّوَى،

وَخَلّفَني فَرْداً، صُدُورَ النّيَازِكِ.

تَقَطّعَت الأخْبَارُ بَيْني وَبَيْنَهُ،

لِبُعْدِ النّوَى، وَاستَدّ سُبْلُ المَسالكِ.

قال: فوالله لقد خفت أن أسلب عقلي لما غنت، فقلت: جعلني الله فداءك، وهو الذي صيرك إلى ما أرى يستحق هذا منك ! فوالله إن الناس لكثير، فلو تسليت بغيره فلعل ما بك أن يسكن أو يخف، فقد قال الأول:

صَبَرْتُ عَلى اللّذّاتِ، لمّا تَوَلّتِ،

وَألزَمتُ نَفسِي صَبرَها، فاستَمَرّتِ.

وَما النفسُ إلاّ حيثُ يجعَلُها الفتى،

فإنْ أُطمِعَتْ تاقَتْ،

وَإلاّ تَسَلّتِ.

فأقبلت علي فقالت: قد والله رمت ذلك، فكنت كما قال قيس بن الملوح:

وَلمّا أبى إلاّ جمَاحاً فُؤادُهُ،

وَلم يَسْلُ عن لَيلى بمالٍ وَلا أهلِ.

تَسَلّى بأُخْرَى غَيرِها، فإذا التي

تَسَلّى بها تُغرِي بلَيلى وَلا تُسْلي.

قال: فأسكتتني والله بتواتر حججها عن محاورتها، وما رايت كمنطقها ولا كشكلها وأدبها وكمال خلقها.

العفة الناجعة

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني الحسين بن عبد الرحمن قال: حدثني محرز أبو القاسم الجلاب قال: حدثني سعدان قال:أمر قوم امرأة ذات جمال بارع، أن تتعرض للربيع بن خيثم، فلعلها تفتنه، قال: وجعلوا لها، إن هي فعلت، ألف درهم، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها في تلك الحال، فراعه أمرها وجمالها، ثم أقبلت عليه، وهي سافرة، فقل لها الربيع: كيف بك لو نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من نورك وبهجتك ؟ أم كيف بك لو نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين ؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير ؟ فصرخت صرخةً، وخرجت مغشياً عليها، قال: فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادتها أنها يوم ماتت كانت كأنها جذع محترق.

الحب الصارع

وجدت بخط أحمد بن محمد بن علي الأبنوسي، رحمه الله، قال: حدثنا أبو محمد بن مغيرة الجوهري قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو عيسى قال:أنشدنا أبو العباس المبرد لأم الضحاك المحاربية:

الحُبّ أوّلُ مَا يَكُونُ وَلَعْ،

وَإذا تَمَكّنَ في الفُؤادِ صَرَعْ.

وَيْلي مِنَ الحُبّ الّذِي شَفّني،

مَاذَا عَليّ مِنَ الهُمُومِ جَمَعْ.

أم سبعة أنبياء

أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي الحسين المحتسب قال: حدثنا محمد بن عبد الله القطيعي قال: حدثنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبي كعب الحريري عن الحسن. أن امرأة من بني إسرائيل كانت أعطيت من الجمال عجباً، قال: فبلغ من أمرها أنها كانت لا تمكن من نفسها إلا من أعطاها مائة دينار، فاتخذت سريراً من ذهب فأبصرها رجل من العابدين، فأعجبتهن فانطلق فالتمس وابتغى، وتحملن أو كما وصف، حتى جمع مائة دينار، فأتاها بها، فقال: إني رأيتك فأعجبتني، فانطلقت فتمحلت وابتغيت، حتى جمعت مائة دينار. قالت: فادفعها إلى الجهبذ ينتقدها، ففعل، فقالت للجهبذ: انتقدها ! قال: نعم ! قال: فتهيأت، كما كانت تتهيأ، وجلست على سريرها، فلما جلس منها مكان الرجل من امرأته ذكره الله تعالى برحمته، فانقبضت إليه نفسه، فقام عنها فقال: المائة دينار لك، افتحي الباب ! فقالت: وما رأيت ؟ ألست زعمت انك رأيتني فأعجبتك فتمحلت وابتغيت حتى جمعت مائة دينار، فما رأت ؟قال: ليس في الأرض شيء أبغض إلي منك. قالت: وما رأيت ؟ قال: هذا شيء لم أفعله قط. قالت: ما قال لي هذا أحد، لئن كنت صادقاً فما أريد زوجاً غيرك، فلي عليك أن تتزوجني. قال: نعم، فقنع رأسه ورجع، فلحق ببلده، وأقبلت تبيع متاعها، ثم ارتحلت إليه، فانتهت إلى البلد الذي هو فيه، فسالت عنه، فقيل لها: هوذا في المسجد.فقيل له: جاءت ملكة أرض كذا وكذا تسأل عنك، فأتته، فلما نظر إليها نظرةً مال ميتاً، فوجدت عليه وجداً شديداً، فقالت: اما هذا فقد فاتني، ولكن هل له أخ أو قريب ؟ قيل: إن له ؟ أخاً ضعيفاً. قال معتمر: أي ليس في العبادة مثله، فتزوجت أخاه، فولدت له سبعة أنبياء. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي