مصارع العشاق/أحيا الناس جميعاً

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أحيا الناس جميعاً

أنبأنا الشيخ الصالح أبو طالب محمد بن علي بن الفتح، أخبرنا أبو الحسين محمد ابن أخي ميمي، حدثنا جعفر الخالدي، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، حدثنا محمد الحسين البرجلاني، حدثني أشرس بن النعمان، حدثني الجزري، حدثني موسى بن علقمة المكي قال:كان عندنا ههنا بمكة نخاس، وكانت له جارية، وكان يوصف من جمالها وكمالها أمر عجيب، وكان يخرجها أيام الموسم، فتبذل فيها الرغائب، فيمتنع من بيعها، ويطلب الزيادة في ثمنها، فما زال كذلك حينا، وتسامع بها أهل الأمصار، فكانوا يحجون عمداً للنظر إليها. قال: وكان عندنا فتىً من النساك قد نزع إلينا من بلده، وكان مجاوراً عندنا، فرأى الجارية يوماً، في أيام العرض لها، فوقعت في نفسه، وكان يجيء أيام العرض، فينظر إليها، وينصرف.فلما حجبت أحزنه ذلك، وأمرضه مرضاً شديداً، فجعل يذوب جسمه، وينحل، واعتزل الناس، فكان يقاسي البلاء طول السنة إلى أيام الموسم، فإذا خرجت الجارية إلى العرض خرج فنظر إليها فسكن ما به، حتى تحجب.فبقي على ذلك سنين، ينحل ويذبل، وصار الخلال من شدة الوله وطول السقم.قال: فدخلت عليه يوماً، ولم أزل به، وألح عليه، إلى أن حدثني بحديثه، وما يقاسيه، وسأل أن لا أذيع عليه ذلك، ولا يسمع به أحد، فرحمته لما يقاسي، وما صار إليه، فدخلت إلى مولى الجارية، ولم أزل أحادثه، إلى أن خرجت إليه بحديث الفتى، وما يقاسي، وما صار إليه، وأنه على حالة الموت، فقال: قم بنا إليه حتى أشاهده وأنظر حاله. فقمنا جميعاً فدخلنا عليه، فلما دخل مولى الجارية ورآه وشاهده، وشاهد ما هو عليه لم يتمالك أن رجع إلى داره، فأخرج ثياباً حسنة سرية، وقال: أصلحوا فلانة، ولبسوها هذه الثياب، واصنعوا بها ما تصنعون لها أيام الموسم، ففعلوا بها ذلك، فأخذ بيدها، وأخرجها إلى السوق، ونادى في الناس، فاجتمعوا، فقال: معاشر الناس ! اشهدوا أني قد وهبت جاريتي فلانة لهذا وما عليها ابتغاء ما عند الله.ثم قال للفتى: تسلم هذه الجارية فهي هدية مني إليك بما عليها، فجعل الناس يعذلونه ويقولون: ويحك ! ما صنعت ؟ قد بذل لك فيها الرغائب، فلم تبعها، ووهبتها لهذا ؟ فقال: إليكم عني، فإني قد أحييت كل من على وجه الأرض، قال الله تعالى: 'ومن أحياها فكأنما '.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي