مصارع العشاق/أعشق من كثيِّر عزة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أعشق من كثيِّر عزة

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني عبد الله بن محمد الطالقاني، أخبرني السري بن يحيى الأزدي عن أبيه عن المفضل بن الحسن المخزومي قال:دخل كثيِّر عزة على عبد الملك بن مروان، فجعل ينشده شعره في عزة، وعيناه تذرفان، فقال له عبد الملك: قاتلك الله يا كثير ! هل رأيت أحداً أعشق منك ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، خرجت مرةً أسير في البادية على بعير لي، فبينا أنا أسير إذ رفع إلي شخص، فأممته، فإذا رجل قد نصب شركاً للظباء، وقعد بعيداً منه، فسلمت عليه، فرد السلام، فقلت: ما أجلسك ها هنا ؟ قال: نصبت شركاً للظباء، فأنا أرصدها.قلت: إن قمت له لديك فصدت أتطعمني ؟ قال: إي والله. قال: فنزلت فعقلت ناقتي، وجلست أحدثه فإذا هو أحسن خلق الله حديثاً، وأرقه وأغزله.قال: فما لبثنا أن وقعت ظبية في الشرك، فوثب ووثبت معه فخلصها من الحبال، ثم نظر في وجهها ملياً، ثم أطلقها، وأنشأ يقول:

أيَا شِبهَ لَيلَى لَن تُرَاعَي، فإننّي

لكِ اليَوْمَ من بينِ الوُحوش صَديقُ

ويَا شبهَ لَيلى لَنْ تَزَالي بِرَوْضَةٍ

عَلَيكِ سَحَابٌ دَائِمٌ وَبُرُوقُ

فَما أنا إذ شَبّهتُها ثمّ لم تَؤبْ

سَليماً عَليها، في الحَياةِ، شَفِيقُ

فَدَيتُكِ من أسرٍ دَهَاكِ لحُبّها،

فأنتِ لَليلى مَا حَييتِ طَلِيقُ

ثم أصلح شركه، وعدونا إلى موضعنا، فقلت: والله لا أبرح حتى أعرف أمر هذا الرجل، فأقمنا باقي يومنا فلم يقع شيء، فلما أمسينا قام إلى غار قريب من الموضع الذي كنا فيه وقمت معه فبتنا به، فلما أصبح غدا فنصب شركه، فلم يلبث أن وقعت ظبية شبيهة بأختها بالأمس، فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك ونظر في وجهها ملياً ثم أطلقها، فمرت، وأنشأ يقول:

اذهَبي في كلاءَةِ الرّحمنِ،

أنتِ مِني في ذِمّةٍ وَأمَانِ

تَرْهبيني ؟ وَالجِيدُ مِنك كليلى،

وَالحَشا وَالبُغَامُ وَالعَينانِ

لا تَخافي بأنْ تُفاجَيْ بسُوءٍ

ما تَغَنّى الحَمامُ في الأغصَانِ

ثم عدنا إلى موضعنا فلم يقع يومنا ذلك شيء، فلما أمسينا صرنا إلى الغار، فبتنا فيه، فلما أصبحنا عدل إلى شركه، وغدوت معه، فنصبه، وقعدنا نتحدث وقد شغلني، يا أمير المؤمنين، حسن حديثه عما أنا فيه من الجوع، فبتنا نتحدث إذ وقعت في الشرك ظبية، فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك، ثم نظر في وجهها وأراد أن يطلقها فقبضت على يده وقلت: ماذا تريد أن تعمل ؟ أقمت ثلاثاً كلما صدت شيئاً أطلقته.قال: فنظر في وجهي وعيناه تذرفان وأنشأ يقول:

أتَلحَى محِبّاً هائِمٌ القلبِ أن رَأى

شَبيهاً لمَن يهوَاهُ في الحَبلِ مُوثَقَا

فَلَمّا دَنَا مِنهُ تَذَكّرَ شَجوَهُ،

وَذّكّرَهُ مَن قد نأى فَتَشَوَّقَا

قال أبو بكر: وبيت آخر ذهب علي، فرحمته والله، يا أمير المؤمنين، فبكيت لبكائه ونسبته، فإذا هو قيس بن معاذ المجنون، فذاك والله أعشق مني يا أمير المؤمنين.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي