مصارع العشاق/إهدار دم المجنون وزواج ليلى

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

إهدار دم المجنون وزواج ليلى

وأخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي أيضاً بقراءتي عليه، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف قال:قال أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي إن قيس بن الملوح، وهو مجنون، لما نسب بليلى، وشهر بحبها، اجتمع إليه أهلها، فمنعوه من محادثتها وزيارتها، وتهددوه بالقتل، وكان يأتي امرأة من بني هلال ناكحاً في بني الحريش، وكان زوجها قد مات، وخلف عليها صبية صغاراً، فكان المجنون إذا أراد زيارة ليلى جاء إلى هذه المرأة فأقام عندها وبعث بها إلى ليلى، فعرفت له خبرها وعرفتها خبره، فعلم أهل ليلى بذلك فنهوها أن يدخل قيس إليها، فجاء قيس كعادته، فأخبرته المرأة الخبر وقالت: يا قيس ! أنا امرأة غريبة من القوم ومعي صبية، وقد نهوني أن أؤويك، وأنا خائفة أن ألقى منهم مكروهاً، فأحب أن لا تجيء إلي هاهنا، فأنشأ يقول:

أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَا هُنَا،

وَكُلّ غَرِيبٍ للغريبِ نَسيبُ

فَلا تَزْجرِيني عنكِ خِيفةَ جاهِلٍ

إذا قالَ شرّاً أوْ أُخيفَ لَبيبُ

قال: وترك الجلوس إلى الهلالية، وكان يترقب غفلات الحي في الليل، فلما كثر ذلك منه خرج أبو ليلى، ومعه نفر من قومه، إلى مروان بن الحكم، فشكوا إليه ما نالهم من قيس، وما قد شهرهم به، وسألوه الكتاب إلى عامله عليهم بمنعه من كلام ليلى، وبخطبه إليهم، فكتب لهم مروان كتاباً إلى عامله يأمره فيه أن يحضر قيساً ويتقدم إليه في ترك زيارة ليلى، فإن أصابه أهلها عندهم، فقد أهدر دمه. فلما ورد الكتاب على عامله بعث إلى قيس وأبيه، وأهل بيته، فجمعهم، وقرأ عليهم كتاب مروان، وقال لقيس: اتق الله في نفسك، لا يذهب دمك هدراً، فانصرف قيس وهو يقول:

ألا حُجِبتْ لَيلى، وَآلى أمِيرُهَا

عَليّ يَميناً جاهِداً لا أزُورُهَا

وَأوْعَدَني فِيهِمْ رِجَالٌ، أبُوهُمُ

أبي وَأبوها، خُشّنتْ لي صُدورُها

عَلى غَيرِ شيءٍ غَيرَ أني أُحِبّهَا،

وَأنّ فؤادِي عِندَ لَيلى أسِيرُهَا

فلما أيس منها، وعلم أن لا سبيل إليها، صار شبيهاً بالتائه العقل، وأحب الخلوة، وحديث النفس، وتزايد الأمر به، حتى ذهب عقله، ولعب بالحصا والتراب، ولم يكن يعرف شيئاً إلا ذكرها وقول الشعر فيها، وبلغها هي ما صار إليه قيس، فجزعت أيضاً لفراقه وضنيت ضناً شديداً. وإن أهل ليلى خرجوا حجاباً، وهي معهم، حتى إذا كانوا بالطواف رآها رجل من ثقيف وكان غنياً كثير المال، فأعجب بها، على تغيرها وسقمها، فسأل عنها، فأخبر من هي، فأتى أباها، فخطبها إليه وأرغبه في المهر، فزوجه إياها، وبلغ الخبر قيساً، فأنشأ يقول:

ألا تِلكَ لَيلى العَامِرِيّةُ أصبَحَتْ

تَقَطّعُ إلا مِنْ ثَقيفٍ وِصَالُها

هُمُ حَبَسوها محبِسَ البُدْنِِ وَابتَغى

بهَا المَالَ أقوَامٌ تَساحَفَ مَالُها

إذا التَفَتَتْ وَالعيسُ صُعْرٌ من البُرَى

بنَخلةَ خَلّى عبرَةَ العَينِ حَالُهَا

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي