مصارع العشاق/إياس وابنة عمه صفوة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

إياس وابنة عمه صفوة

أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي في ما أجاز لنا قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العابس بن حيويه الخزاز قراءة عليه قال: أخبرنا محمد بن خلف إجازة قال: حدثنا قاسم بن الحسن قال: حدثنا العمري قال:أخبرني الهيثم بن عدي أن إياس بن مرة بن مصعب القيسي كان له أخ يقال له فهر، وكانا ينزلان الحيرة، وأن فهراً ارتحل بأهله وولده، فنزل بأرض السراة، وأقام مرة بالحيرة، وكانت عند مرة امرأة من بكر بن وائل، فلبثت معه زماناً لم يرزق منها ولداً، حتى يئس من ذلك.ثم أتي في منامه، ليلةً من ذلك، فقيل له: إنك إن باشرت زوجتك من ليلتك هذه رأيت سروراً وغبطةً، فانتبه، فباشرها فحملت فلم يزل مسروراً إلى أن تمت أيامها، فولدت له غلاماً، فسماه إياساً، لنه كان آيساً منه، فنشأ الغلام منشأً حسناً. فلما ترعرع ضمه أبوه إليه، وأشركه في أمره، وكان إذا سافر أخرجه معه لقلة صبره عنه، فقال له أبوه يوماً: يا بني، قد كبرت سني، وكنت أرجوك لمثل هذا اليوم، ولي إلى عمك حاجة، فأحب أن تشخص فيها.فقال له إياس: نعم يا أبه، ولي إلى عمك حاجة، فأحب فأنا لحاجتك.فأعلمه الحاجة، فخرج متوجهاً حتى أتى عمه، فعظم سروره به وسأله عن سبب قدومه، وما الحاجة فأخبره بها، ووعده بقضائها، فأقام عند عمه أياماً، ينتظر فيها قضاء الحاجة. وكان لعمه بنت يقال لها صفوة، ذات جمال وعقل، فبينا هو ذات يوم جالس بفناء دارهم، إذ بدت له صفوة زائرة بعض أخواتها وهي تهادى بين جوار لها، فنظر إليها إياس نظرة أورثت قلبه حسرة، وظل نهاره ساهياً، وبات وقد اعتكرت عليه الأحزان، ينتظر الصباح، يرجو أن يكون فيه النجاح، فلما بدا له الصبتح خرج في طلبها ينتظر رجوعها، فلم يلبث أن بدت له، فلما نظرت إليه تنكرت ثم مضت فأسرعت، فمر يسعى خلفها، يأمل منها نظرة، فلم يصل إليها، وفاتته فانصرف إلى منزله، وقد تضاعف عليه الحزن واشتد الوجد، فلبث أياماً، وهو على حاله، إلى أن أعقبه ذلك مرضاً أضناه وأنحل جسمه، وظل صريعاً على الفراش. فلما طال به سقمه وتخوف على نفسه بعث إلى عمه لينظر إليه ويوصيه بما يريد، فلما رآه عمه ونظر إلى ما به سبقته العبرة إشفاقاً عليه، فقال له إياس: كف، جعلت فداك يا عم، فق أفرحت قلبي.فكف عن بعض بكائه، فشكا إليه إياس ما يجد من العلة.فقال له: عز، والله، علي يا ابن أخي، ولن أدع حيلةً في طلب الشفاء لك.فانصرف إلى منزله، وأرسل إلى مولاةٍ له كانت ذات عقل فأوصاها به، وبالتعاهد له، والقيام عليه. فلما دخلت المولاة عليه فتأملته علمت أن الذي به عشق، فقعدت عند رأسه، فأجرت ذكر صفوة لتستيقن ما عنده، فلما سمع ذكرها زفر زفرةً، فاقلت المرأة: والله ما زفر إلا من هوىً داخله ولا أظنه إلا عاشقاً.فأقبلت عليه كالممازحة له فقالت له: حتى متى تبلي جسمك، فوالله ما أظن الذي بك إلا هوى.فقال لها إياس: يا أمه، لقد ظننت بي ظن سوء، فكفي عن مزاحك.فقالت: إنك والله لن تبديه إلى أحد هو أكتم له من قلبي.فلم تزل تعطيه المواثيق وتقسم عليه إلى أن قالت له: بحق صفوةّ فقال لها: لقد أقسمت علي بحق عظيم لو سألتني به روحي لدفعتها إليك، ثم قال: والله يا أمه ما أعظم دائي إلا بالاسم الذي أقسمت علي بحقه، فالله الله في كتمانه وطلب وجه الحيلة فيه. فقالت: أما إذ أطلعتني عليه، فسأبلغ فيه رضاك، إن شاء الله، فسر بذلك، وأرسل معها بالسلام إلى صفوة.فلما دخلت عليها ابتدأتها صفوة بالمسألة عن الذي بلغها من مرضه وشدة حاله، فاستبشرت المولاة بذلك، ثم قالت: يا صفوة ما حالة من يبيت الليل ساهراً محزوناً يرعى النجوم ويتمنى الموت ؟ فقالت صفوة: ما أظن هذا على ما ذكرت بباقٍ، وما أسرع منه الفراق. ثم أقبلت عى المولاة فقالت: إني أريد أن أسألك عن شيء فبحقي عليك لما أوضحته.فقالت: وحقك إن عرفته لا كتمتك منه شيئاً. قالت: فهل أرسلك إياس إلى احد من أهل وده في حاجة ؟ فقالت المولاة: والله لأصدقنك، والله ما جل دائه وعظم بلائه إلا بك، وما أرسلني بالسلام إلا إليك، فأجيبيه إن شئت، أو دعي.فقالت: لا شفاه الله، والله لولا ما أوجب من حقك لأسأت إليك، وزجرتها، فخرجت من عندها كئيبة، فأتته فأعلمته فازداد على ما كان به من مرضه، وأنشأ يقول:

كتمتُ الهوَى حتى إذا شبّ واستوَتْ

قُوَاه، أشاعَ الدّمعُ ما كنتُ أكتُمُ.

فَلَمّا رأيتُ الدّمعَ قد أعلنَ الهوَى

خَلَعتُ عِذاري فِيه، والخَلعُ أسلَمُ.

فيا وَيحَ نفسي كيف صَبري على الهوَى

وقلبي وروحي عندَ مَن ليسَ يرْحمُ.

قال: ثم إن عمه دخل عليه ليعرف خبره، فقال له: يا عم، إلي مخبرك بشيء لم أخبرك به حتى برح الخفاء ولم أطق له محملاً، فأخبره الخبر، فزوجه فأفاق وبرأ من علته. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي