مصارع العشاق/الحسناء المهجورة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الحسناء المهجورة

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال:حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان المحولي قال: حدثني عبد الله بن عمرو قال: حدثني علي بن عبد الله بن سليمان النوفلي قال: ذكر أبو المختار عن محمد بن قيس العبدي قال:إني لبالمزدلفة بين النائم واليقظان، إذ سمعت بكاءً متتابعاً ونفساً عالياً، فاتبعت الصوت، فإذا أنا بجارية كأنها الشمس حسناً، ومعها عجوز، فلطئت بالأرض لأنظر إليها وأمتع عيني بحسنها، فسمعتها تقول:

دعوتك يا مولاي سراً وجهرةً

دعاء ضعيف القلب عن محمل الحب.

بليت بقاسي القلب لا يعرف الهوى

وأقتل خلق الله للهائم الصب.

فإن كنت لم تقض المودة بيننا

فلا تخل من حب له أبداً قلبي.

رضيت بهذا في الحياة، فإن أمت

فحسبي ثواباً في المعاد به حسبي.

وجعلت تردد هذه الأبيات، وتبكي، فقمت إليها، فقلت: بنفسي أنت، مع هذا الوجه يمتنع عليك من تريدينه ؟ قالت: نعم، والله، وفي قلبه أكثر مما في قلبي، فقلت: إلى كم هذا البكاء ؟ قالت: أبداً أو يصير الدمع دماً وتتلف نفسي غماً.فقلت لها: إن هذه لآخر ليلةٍ من ليالي الحج، فلو سألت الله التوبة مما أنت فيه، رجوت أن يذهب حبه من قلبك.فقالت: يا هذا ! عليك بنفسك في طلب رغبتك، فإني قد قدمت رغبتي إلى من ليس يجهل بغيتي.وحولت وجهها عني، وأقبلت على بكائها وشعرها، ولم يعمل فيها قولي وعظتي. ^

إنما يرحم الصحيح السقيما

أنشدنا أبو محمد الجوهري قال: أنشدنا ابن حيويه قال: أنشدنا عبيد الله بن أحمد قال:أنشدني أبي خالد الكاتب:

عِشتُ مُستَهتراً وَعِشتُ سَلِيما،

حيثُ ما كنتُ لا عدِمتُ النّعِيمَا.

عَجَبٌ أنْ تَكُونَ يَا حَسَنَ ال

وَجْهِ رَؤوفاً بِعَاشِقِيكَ رَحِيمَا.

بَدَني نَاحِلٌ، وَأنتَ صَحِيحٌ،

إنّمَا يَرْحَمُ الصّحِيحُ السّقِيمَا.

عَلِمَ الخَلْقُ أنّ رُوحي وَجِسمي

لَقِيَا في هَوَاكَ أمْراً عَظِيمَاً.

يخصي المغني

أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ثابت الحافظ قال: حدثنا أبو نعيم الحافظ الأصبهاني بها قال:حدثنا سليمان الطبراني قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أعين قال: حدثنا علي بن حرب المؤملي عن عامر بن الكلبي عن حماد الراوية قال: حدثني بعض خدم سليمان بن عبد الرحمن قال:خرج سليمان بن عبد الملك يريد بيت المقدس، وكان أغير قريش وأسرعها طيرةً، فنزل منزلاً من غور البلقاء بدير لبعض الرهبان، فحف بالدير أهل العسكر، وكان في من خرج معه رجل من كلب، يقال له سنان، وكان فارساً ومغنياً محسناً، وشجاعاً، وبغيرة سليمان عبد الملك عارفاً، ولم يك يسمع له صوت في عسكره، فزاره في تلك الليلة فتية من أهله، فعشاهم، وسقاهم، فأخذ فيهم الشراب، فقالوا: يا سنان ! ما أكرمتنا بشيء أن لم تسمعنا صوتك.فترنم فغناهم، فقال:

مَحجُوبةٌ سَمِعَتْ صَوْتي فأرّقَهَا

مِنْ آخِرِ اللّيلِ لمّا بَلّهَا السّحَرُ.

تَثْني عَلى فَخْذِهَا مُثْنَى مُعَصْفَرَة

وَالحَلْيُ مِنْهَا عَلى لبّاتِهَا حَصِرُ.

لم يَحجُبِ الصّوْتَ أحرَاسٌ وَلا غَلَقٌ

فَدَمعُهَا لطُرُوقِ الصّوْتِ مُنحَدِرُ.

في لَيلَةِ النّصْفِ ما يَدرِي مُضَاجِعُها

أوَجْهُهَا عِنْدَهُ أبْهَى أمِ القَمَرُ.

لَوْ خُلّيَتْ لمَشَتْ نَحْوِي عَلى قَدمٍ

تَكَادُ من رِقّةٍ للمَشيِ تَنْفَطِرُ.

فلما سمع سليمان الصوت قام فزعاً يتفهم ما سمع، وكان معه جاريته عوان، ولم يكن لها نظير في زمانها في الجمال والتمام والحذق بالغناء، وكان يحبها، فلما فهم الصوت ارتعدت فرائصه غيرة، ثم أقبل نحو عوان، وهي خلف ستر، فكشف الستر رويداً لينظر أنائمة هي أم مستيقظة، فوجدها مستيقظة، وهي صفة الأبيات: عليها معصفرة، وحليها على لباتها، فلما أحست به، وعلمت بأنه قد علم بأنها مستيقظة قالت: يا أمير المؤمنين ! قاتل الله الشاعر حيث يقول:

ألا رُبّ صَوْتٍ جَاءَني مِنْ مُشَوّهٍ

قَبيحِ المُحَيّا وَاضِعِ الأبِ واَلجَدّ.

قَصِيرِ نِجَادِ السّيفِ جَعْدٍ بَنَانُهُ

إلى أمَةٍ يُعزَى مَعاً وَإلى عَبْدِ.

فسكن من غضبه قليلاً، ثم قال لها: فقد راعك صوته على ذلك ؟ فقالت: يا أمير المؤمنين صادف مني استيقاظاً، فقال: ويحك يا عوان ! كأنه، والله، يراك وينعتك في غنائه في هذه الليلة، والله لأقطعنه أطباقاً كائناً ما كان.ثم بعث في طلبه فبعثت عوان خادماً إليه سراً، وقالت له: إن أدركته فحذرته، فأنت حر، ولك ديته.فخرج سليمان حتى وقف على باب الدير، فسبقت رسل سليمان، فأتوا به إلى سليمان مربوطاً حتى وقفوه بين يديه، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا سنان الكلبي فارسك يا أمير المؤمنين.فأنشأ سليمان يقول:

تَثكَلُ في الثّكلى سنَاناً أُمُّه

كَانَ لها رَيحَانَةً تَشُمّه.

وَخَالُهُ يَثْكَلُهُ وَعَمُّه

ذُو سَفَهٍ هَنَاتُه تَعُمّه.

فقال سنان: يا أمير المؤمنين:

استَبْقِني إلى الصّبَاحِ أعتَذِرْ

إنّ لسَاني بالشّرَابِ مُنكَسِرْ.

فارِسُكَ الكَلبيُّ في يوْمٍ نَكِرٌ،

فإنْ يكُنْ أذنَبَ ذَنباً أوْ عَثَرْ.

فَالسّيّدُ العَافي أحَقُّ مَنْ غَفَرْ.

فقال سليمان: أعلي تجترئ يا سنان ! أما إني لا أقتلك، ولكني سأنكل بك نكالاً يؤنبك من تفحلك.فأمر به فخصي، فسمي ذلك الدير دير الخصيان.

تقتل حفاظاً على عرضها

أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثني إسحاق بن محمد قال:حدثنا محمد بن زياد الأعرابي قال:نزل رجل من العرب بامرأة من باهلة، وليس عندها زوجها، فأكرمته وفرشته، فلما لم ير عندها أحداً سامها نفسها، فلما خشيته قالت له: امكث، أستصلح لك، ثم راحت فأخذت مديةً، فأخفتها ثم أقبلت إليه، فلما رآها ثار إليها فضربت بها في نحره، فلما رأت الدم سقطت مغشياً عليها، وسقط هو ميتا، فأتاها آتٍ من أهلها فوجدها على تلك لحال، فأجلسها حتى أفاقت، فقال أعشى باهلة في ذلك:

لَعَمرِي لَقد حَفّتْ معَاذَةُ ضَيفَها

وَسَوّتْ عَلَيْهِ مَهْدَهُ ثمّ بَرّتِ.

فَلَمّا بَغَاهَا نَفسَهَا غَضِبَتْ لهَا

عرُوقٌ نمَتْ وَسطَ الثرَى فاستَقرّتِ.

وَشدّتْ على ذي مديَةِ الكَفّ مِعصَماً

وَضِيئاً وَعَرّتُ نَفسَها فاستَمَرّتِ.

فأمّتْ بها في نحرِه وَهوَ يَبتَغي ال

نّكَاحَ فَمَرّتْ في حَشَاهُ وَجَرّتِ.

فَثجّ كأنّ النيلَ في جَوْفِ صَدْرِهِ،

وَأدْرَكَهَا ضُعْفُ النّسَاءِ فخَرّتِ.

هل يأتيكم نفسي

وأنشد لخالد الكاتب:

إني إذا لم أجد شخصاً لأرسله

وضاق بي منتهى أمري وملتمسي

لمرسل زفرة من بعدها نفس،

يا ليت شعري هل يأتيكم نفسي ؟

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي