مصارع العشاق/الرشيد والأعرابي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الرشيد والأعرابي

أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أبو النضر العقيلي، حدثنا حماد بن إسحق عن أبيه إسحق بن إبراهيم الموصلي قال:بينا أنا جالس مع الرشيد على المائدة، إذ دخل الحاجب، فأعلمه أن بالباب أعرابياً عنده نصيحة، فأمر بإحضاره، فلما دخل أمره بالجلوس على المائدة، ففعل، وكان له فصاحة وصباحة، فلما تم الغداء ورفعت المائدة وجيء بالطست، غسل يده، ثم أمر بالشراب، فأحضر، فقال: يا أمير المؤمنين ما حالتي في اللباس ؟ فاستملح هارون ذلك من فعله، فأمر بثياب حسنة، فطرحت عليه.وقال له: يا أعرابي من أين جئت ؟ قال: من الكوفة.قال: أعربي أم مولى ؟ قال: عربي.قال: فما الذي قصد بك إلينا وما نصيحتك ؟ قال: قصد بي إليك قلة المال وكثرة العيال ؛ وأما نصيحتي، فإني علمت أني لا أصل إليك إلا بها.قال: فأخذ إسحق العود، فغنى صوتاً يشتهيه الرشيد ويطرب عليه، وهو:

لَيسَ لي شَافِعٌ إلَي

كَ سِوَى الدّمعِ يَنفَعُ

عِشتَ بَعدِي وَمُتُّ قب

لَكَ، هَلْ فِيكَ مَطمَعُ

قِسَمُ الحُبّ خَمسَةٌ،

صَارَ لي مِنهُ أرْبَعُ

فَإلى اللهِ أشتَكي

كَبِداً لي تَقَطَّعُ

فقال الرشيد كالمازح: كيف ترى هذا يا أعرابي ؟ قال: بئس، والله، ما غنّى.فغضب من ذلك هارون وصعب عليه.قال إسحق: وسقط في يدي، فقال هارون: ويلك يا أعرابي ! هل يكون شيء أحسن من هذا ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين ! قولي حين أقول:

لا وَحُبّيكَ لا أُصَا

فِحُ بِالدّمعِ مَدْمَعَا

مَن بكَى شَجوَهُ استرَا

حَ وَإنْ كانَ مُوجَعَا

كَبِدِي في هَوَاك أس

قمُ مِنْ أنْ تُقَطَّعَا

لمْ تَدَعْ سَوْرَةَ الهَوَى

للبِلى فيّ مَطمَعَا

قال: فاستملح هارون ذلك منه، وأمر إسحق أن يغنيه به شهراً لا يقطعه عنه، وأمر للأعرابي بعشرة آلاف درهم.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي