مصارع العشاق/العينان القاتلتان

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

العينان القاتلتان

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد الجرادي قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن سهل لبعض المحدثين:

يا ذا الذي في الحبّ يَلحى أما

واللهِ لَوْ حُمّلْتَ مني كمَا،

حُمّلتُ من حُبٍّ بديعٍ لمَا

لُمتَ على الحبِّ فدَعني وما،

ألقى فإني لَستُ أدري بِمَا

قُتِلتُ، إلاّ أنّني بَينَمَا،

أنا بِبَابِ الدارِ في بعضِ ما

أطْلُبُ من دارِهم إذ رَمَى،

ظَبيٌ فؤادي بِسِهام، فَمَا

أخطأ سَهْمَاهُ وَلكِنّمَا،

سَهْمَاهُ عَينَاهُ التي كُلّمَا

أرادَ قَتلي بهما سَلّمَا.

مات على قبر حبيبته

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق بقراءتي عليه قال: أخبرنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرني الرياشي عن الأصمعي عن جبر بن حبيب قال:أقبلت من مكة أريد اليمامة فنزلت بحي من عامر، فأكرموا مثواي، فإذا فتىً حسن الهيئة قد جاءني، فسلم علي، فقال: أين يريد الراكب ؟ قلت: اليمامة.قال: ومن أين أقبلت ؟ قلت: من مكة.فجلس إلي، فحادثني أحسن الحديث ثم قال لي: أتأذن في صحبتك إلى اليمامة ؟ قلت: أحب خير مصحوب، فقام، فما لبث أن جاء بناقة كأنها قلعة بيضاء، وعليها أداة حسنةٌ، فأناخها قريباً من مبيتي، وتوسد ذراعها، فلما هممت بالرحيل أيقظته فكأنه لم يكن نائماً، فقام فأصلح رحله فركب وركبت، فقصر علي يومي بصحبته، وسهلت علي وعوث سفري، فلما رأينا بياض قصور اليمامة تمثل:

وأعرَضَتِ اليَمامَةُ واشمَخَرّتْ

كَأسْيَافٍ بأيدي مُصْلِتِينَا.

وهو في ذلك كله لا ينشدني إلا بيتاً معجباً في الهوى، فلما قربنا من اليمامة مال عن الطريق إلى أبيات قريبة منا، فقلت له: لعلك تحاول حاجةً في هذه الأبيات ؟ قال: أجل ! قلت: انطلق راشداً.فقال: هل أنت موفٍ حق الصحبة ؟ قلت: أفعل.قال: مل معي ! فملت معه، فلما رآه أهل الصرم ابتدروه، وإذا فتيان لهم شارةٌ، فأناخوا بنا و عقلوا ناقتينا، وأظهروا السرور، وأكثروا البر، ورأيتهم أشد شيء له تعظيماً، ثم قال: قوموا إن شئتم، فقام، وقمت لقيامه، حتى إذا صرنا إلى قبرٍ حديث التطيين ألقى نفسه عليه، وأنشأ يقول:

لَئِن مَنَعوني في حَياتي زيارَةً

أُحامي بِها نفساً تَمَلّكَها الحبُّ.

فَلَن يَمنعوني أن أُجاورَ لحدَها

فيَجمَعَ جِسمَينَا التجاورُ والتُّرْبُ.

ثم أن أناتٍ، فمات.فأقمت مع الفتيان حتى احتفروا له ودفناه.فسألت عنه، فقالوا: ابن سيد هذا الحي، وهذه ابنة عمه، وهي إحدى نساء قومه، وكان بها مغرماً، فماتت منذ ثلاث، فأقبل إليها وقد رأيت ما آل إليه أمره.فركبت وكأنني والله قد ثكلت حميماً.

قبور العشاق

وجدت في مجموع سماه جامعه زهر الربيع قال: أنشدت عبد الله بن المعتز:

مَساكينُ أهلُ العِشقِ، حتى قبورُهم

عَلَيها تُرَابُ الذلّ بينَ المَقابِرِ.

فقال لي: لعن الله صاحب هذا الشعر، لا والله ما اذل الله تراب قبر عاشقٍ قط، بل أجله وشرفه ونضره وحسنه. قال ابن المعتز: ولي في هذا المعنى أملح من قول هذا لبارد، وأنشدني لنفسه:

مرَرْتُ بِقَبرٍ مُشرِقٍ وَسْطَ رَوْضَةٍ

عَلَيه من الأنوارِ مثلُ الشَّقائِقِ.

فَقُلتُ: لمَنْ هذا ؟ فقال ليَ الثَّرَى:

ترَحّمْ عَلَيْهِ إنّهُ قبرُ عَاشِقِ.

ما ضرهم

ولي وهي قطعة مفردةٌ:

بَانَ الخَلِيطُ فَأدمُعي

وَجْداً عَلَيهِم تستهِلُّ.

وحدا بهم حادي الفرَا

قِ عَنِ المَنَازِلِ فاستَقَلّوا.

قُلْ للّذينَ تَرَحّلُوا

عن ناظِري والقلبَ حَلّوا،

ودَمي بلا جُرْمٍ أتي

تُ غداة بينهم استحلُّوا،

ما ضرّهُم لوْ أنهَلوا

من ماءِ وَصْلِهِمِ وَعَلّوا.

تعلل ساعة

وجدت بخط أحمد بن محمد الأبنوسي حدثنا أبو محمد بن المغيرة الجوهري قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الغطفاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي قال:حدثني أبي قال:سرت في بلاد بني عقيل أطلب ضالةً لي، فرأيت فتاةً تدافع في مشيتها كتدافع الفرس السابق المختال.قال: فأسرعت المشي في إثرها، حتى أدركتها، وقد كادت تلج خباءها، فاستوقفتها، فوقفت، فجعلت أسائلها، وأكلمها، والله ما يقع بصري على شيء منها إلا ألهاني عن غيره.قال: فصاحت بي عجوز: ما يوقفك على هذا الغزال النجدي، فوالله ما تنال منه طائلاً.فقالت لها الفتاة: دعيه يا أمتاه يكون كما قال ذو الرمة:

فإنْ لم يَكُنْ إلاّ تَعَلّلُ سَاعَةٍ

قَلِيلٌ فإن نَافِعٌ لي قَلِيلُهَا.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي