مصارع العشاق/الله يحب التوابين

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الله يحب التوابين

أخبرنا أبو الحسن علي بن صالح بن علي بقراءتي عليه بمصر، في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب في ما أجاز لنا قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرنا الحسن بن خضر قال: أخبرني رجل من أهل بغداد عن أبي هاشم المذكر قال:أردت البصرة، فجئت إلى سفينة أكتريها، وفيها رجل ومعه جاريةٌ، فقال الرجل: ليس ههنا موضع ! فسألته الجارية أن يحملني، فحملني، فلما سرنا، دعل الرجل بالغداء، فوضع، فقال: انزلوا بذكل المسكين ليتغدى، فأنزلت على أنني مسكين، فلما تغدينا، قال: يا جارية هاتي شرابك، فشرب، وأمرها أن تسقيني، فقلت: رحمك الله، إن للضيف حقاً، وهذا يؤذيني.قال: فتركني، فلما دب فيه النبيذ قال:يا جارية هاتي العود وهاتي ما عندك، فأخذت العود، ثم غنت:

وكُنّا كَغُصْنَي بانَةٍ لَيسَ وَاحِدٌ

يزُولُ على الحالاتِ عن رأي واحِدِ.

تَبَدَلّ بي خِلاًّ فَخَالَلْتُ غيرَهُ،

وَخَلّيْتُهُ لمّا أرَادَ تَبَاعُدي.

فَلَوْ أنّ كفّي لم تُرِدني أبَنْتُها،

وَلمْ يَصْطَحِبْها، بعدَ ذلكَ، ساعِدي.

ألا قَبّحَ الرّحمنَ كلَّ مماذقٍ

يكونُ أخاً في الحَفض لا في الشدائد.

ثم التفت إلي فقال: أتحسن مثل هذا ؟ فقلت: أحسن خيراً منه، فقرأت: إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت.فجعل يبكي، فلما انتهيت إلى قوله: وإذا الصحف نشرت، قال: يا جارية اذهبي، فأنت حرة لوجه الله، عز وجل، وألقى ما معه من الشارب في الماء، وكسر العود، ثم دنا إلي، فاعتنقني وقال: يا أخي أترى الله يقبل توبتي ؟ فقلت: إن الله حب التوابين، وحب المتطهرين، قال: فآخيته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات قبلي، فرأيته في المنام فقلت: إلام صرت بعدي ؟ فقال: إلى الجنة.فقلت: يا أخي بم صرت إلى الجنة ؟قال: بقراءتي علي: وإذا الصحف نشرت.

رجل لا يملك دمعه

أخبرنا إبراهيم بن سعيد إجازة قال: حدثنا أبو صالح السمرقندي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوريقال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة الصوفي، وحدثني أبو الغمر حسام بن المضاء المصري قال:غزوت في زمن الرشيد في بعض المراكب فلججنا في البحر، فانكسر بنا في بعض جزائر صقلية، فخرج من أفلت، وخرجت معه فرأيت في بعض الجزائر رجلاً لا يملك دمعه من كثرة البكاء، فسألته عن حاله، وقلت له: ارفق بعينيك، فإن البكاء قد أضر بهما.قال: إلا ذلك.فقلت: وما جنايتهما عليك حتى تتمنى لهما البلاء ؟ فقال: جناية لا أزال معتذارً منها إلى الله تعالى أيام حياتي.قلت: وما هي ؟ قال: سرعة نظرهما إلى الأمور المحظورة عليها، ولقد أوقعتاني في ذنب نظرت إليه، لولا الرجاء لرحمة الله لأيست أن يعفو لي عنه.وبالله لو صفح الله لي عنه وأدخلني الجنة ثم تراءى لاستحييت أن أنظر إليه بعينين عصتاه، ثم صعقن وسقط مغشياً عليه.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي