مصارع العشاق/المأمون والعباس بن الأحنف

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

المأمون والعباس بن الأحنف

أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن الجاز القرشي بالكوفة بقراءتي عليه سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وأنا متوجه إلى مكة، قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد بن إسحاق البزاز في ما كتب به إلينا قال: حدثنا أبو هريرة أحمد بن عبد الله قال: حدثنا الحسن بن محمد بن إسماعيل بن موسى قال:رأيت في كتاب الأخبار لأبي أن المأمون لما خرج إلى خرسان كان في بعض الليل جالساً في ليلة مقمرة إذ سمع مغنياً يغني من خيمة له:

قالُوا: خُرَاسان أقصى ما تحاوِلُه،

ودونَ ذاكَ، فقَد جُزْنا خُرَاسانا.

ما أقدَرَ اللهَ أن يُدني بِعِزّتِه

سُكانَ دِجلَةَ من سكان جَيحانا.

عَيناً أظُنّ أصَابَتنَا، فلا نَظَرَتْ،

وَعُذّبت بِصنُوفِ الهجرِ ألوَانا.

متى يكونُ الذي أرجو وآمُلُه،

أما الذي كنتُ أخشاه فقد كانا.

فخرج المأمون من موضعه حتى وقف على الخيمة، وعلمها، فلما كان من الغد وجه فأحضر صاحب الخيمة، وهو شاب، فسأله عن اسمه، فقال العباس بن الأحنف.قال: أنت الذي كنت تقول:

متى يكونُ الذي أرجو وآمُلُه،

أمّا الذي كنتُ أخشاه فقد كانا.

قال: نعم.قال: ما شأنك ؟ قال: يا أمير المؤمنين تزوجت ابنة عم لي، فنادى مناديك يوم أسبوعي في الرحيل إلى خراسان، فخرجت، فأعطاه رزق سنة، ورده إلى بغداد، وقال: أقم إلى أن تنفقها، فإذا نفدت رجعت.

مهجور لا مسحور

أنبأنا أبو سعيد مسعود بن ناصر السخبري، وقد قدم علينا بغداد، قال: أنبأنا أبو القاسم بن عمر ببغداد قال:أنشدنا أبو علي الحسن بن عبد الله الزنجاني لبعضهم:

قال الطّبِيبُ لأهلي حينَ أبْصَرَني:

هذا فَتاكُم، وحقِّ الله، مَسحورُ.

فقُلتُ: ويحَكَ ! قد قارَبتَ في صِفتي

عينَ الصّوَابِ، فَهَلاّ قلتَ: مهجورُ.

صيرت لحظها سلاحاً

أخبرنا أبو سعيد أيضاً قال: حدثني أبو غانم حميد بن مأمون بهمذان قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي قال: أخبرني أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي قال:أنشدنا أبو عمر يوسف بن عبد الله الملقب بأبي رمال، على البديهة، إذ غبر عليه حبيبه:

بُحتُ بوَجدي، ولوْ غَرَامي

يكونُ في جَلْمَدٍ لَبَاحا.

أضَعتُمُ الرُّشدَ في مُحِبٍّ

لَيسَ يرَى في الهوَى جُناحا.

لم يستطِعْ حملَ ما يلاقي،

فَشَقّ أثوَابَه وَناحَا.

مُحَيَّرَ المُقْلَتَيِنِ قُلْ لي:

هلْ شَرِبَتْ مُقلتاكَ رَاحَاً ؟

نَفسي فِدَا لِمّةٍ وَوَجْهٍ

قَد كمّلا اللّيلَ والصّبَاحَا.

وَمُقْلَةْ أُولِعَتْ بِقَتلي،

قد صَيّرَتْ لحْظَها سِلاحا.

وَعَقرَبٍ سُلّطَتْ عَلَينَا،

تَملأ أكبَادَنَا جِرَاحَا.

جمال يلهي الناس

أخبرنا إبراهيم بن سعيد بمصر في سنة خمس وخمسين وأربعمائة بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو صالح السمرقندي الصوفي قال: حدثنا الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة:كان كامل بن المخارق الصوفي من أحسن ما رأيته من أحداث الصوفية وجهاً، وكان قد لزم منزله، وأقبل على العبادة، فكان لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، فإذا خرج يريد المسجد، وقف له الناس، ورموه بأبصارهم ينظرون إليه، فقدم به علينا حجار بن قيس المكي دمشق، وكان أحد الفصحاء العقلاء، وكان لي صديقاً، فكلمني جماعة من أصحابه أسأله أن يجلس لهم مجلساً يتكلم عليهم فيه، ويسألونه، فكلمته فوعدهم يوماً، فاتعدنا لذلك اليوم، ودعا الناس بعضهم بعضاً. فلما أن كان يوم الجمعة وصلى الناس الغداة، أقبلوا من كل ناحية، فوقف يتكلم علينا، فبينا هو كذلك، إذ أقبل كامل بن المخارق، فلما رأته النسا رموه بأبصارهم، وشغلوا بالنظر إليه عن الاستماع منه، وفطن بهم حجار، فقطع كلامه، وقال: يا قوم ! ما لكم لا ترجون لله وقاراً، ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً، وجعل القمر فيهن نوراً، وجعل الشمس سراجاً، فوالله لما تنظرون منهما على بعدهما أعجب إلي من نظركم إلى هذا، فاحذروا أن تعود عليكم النفوس بعوائد حكمهان إذا حالت القلوب في غامض فكرها، أتنظرون إلى جمال تحول عنه نضرته، ووجه تتخرمه الحادثات بعد خبرته ؟ ما هذا نظر المشتاقين، اين تذهب منها محبوب نفوسكم ومطالبة قلوبكم إلا بإحدى ثلاثٍ: إما بتوبة يتلافاكم الله، عز وجل، بها، أو عصمة يتغمدكم برحمته فيهان أو يطلقكم وما تطلبون، فإما أن تحول أقداره بينكم وبين شهواتكم، وإما تبلغوا منها إرادتكم فتسخطوه عليكم، أما سمعتموه، تعالى ذكره، يقول: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم ؟ ثم أخذ في كلامه، فأحيطت من أحرم من مجلسه ذلك اليوم نيف على سبعين بين رجل وغلام.

مجنون مصفد بالحديد

أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بمكة في المسجد الحرام سنة ست وأربعين وأربعمائة. قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال: حكي لي عن حبيب بن محمد بن خالد الواسطي قال:دخلت يوماً على علي بن عثام، فوجدته باكياً حزيناً ذاهب النفس، فانكرته، فسألته عما دهاه، فقال: اعلم أني مررت بالحريبة فرأيت مجنوناً مصفداً في الحديد يتمرغ في التراب ويقول:

ألا ليتَ أنّ الحِبّ يعشقُ مَرّةً،

فيَعرِفَ ماذا كان بالناس يصنْعُ.

يقولونَ فُزْ بالصّبرِ ! إنّكَ هالِكٌ،

ولَلصّبرُ مني، إن أُحاوِلْه، أجزَعُ.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي