مصارع العشاق/المرأة الفاجرة والحية

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

المرأة الفاجرة والحية

حججت فإني لفي رفقة مع قوم إذ نزلت منزلاً ومعنا امرأة، فنامت، وانتهت، وحية منطوية عليها قد جمعت رأسها وذنبها بين ثدييها، فهالنا ذلك وارتحلنا، فلم تزل منطوية عليها لا تضرها، حتى دخلنا أنصاب الحرم فانسابت، فدخلنا مكة فقضينا نسكنا.فرآها الغريض فقال: أي شقية ما فعلت حيتك ؟ قالت: في النار ! فقال: ستعلمين من في النار ؛ ولم أفهم ما أراد فظننت أنه مازحها، واشتقت إلى غنائه، ولم يكن بيني وبينه ما يوجب ذلك عليه، فأتيت بعض أهله، فسألته ذلك فقال: نعم، فوجه إليه أن اخرج بنا إلى موضع كذا وكذا، ثم قال لي: اركب بنا، فركبنا حتى سرنا قدر ميل، فإذا الغريض هناك، فنزلنا، فإذا طعام معد، وموضع حسن، فأكلنا وشربنا، ثم قال: يا أبا يزيد هات بعض طرائفك ! فاندفع يغني، ويوقع بقضيب:

مرضت فلم تحفل علي جنوب،

وأدنفت، والممشى إلي قريب

فلا يبعد الله الشباب وقولنا

إذا ما صبونا صبوة سنتوب

فقلد سمعت شيئاً ظننت أن الجبال التي حولنا تنطق معه شجا صوت وطيب غناء، وقال لي: أتحب أن نزيدك ؟ فقلت: إي والله، فقال له: هذا ضيفك وضيفنا، وقد رغب إليك وإلينا، فأسعفه بما يريد.فاندفع يغني بشعر مجنون بني عامر:

عفا الله عن ليلى الغداة، فإنها

إذا وليت حكماً علي تجور

أأترك ليلى ليس بيني وبينها

سوى ليلة ؟ إني إذاً لصبور

فما عقلت بما غنى من حسنه، إلا بقول صاحبي: نجور عليك يا أبا يزيد، عرض بأني لما وليت الحكم عليه، جرت في سؤالي إياه أكثر من صوت.فقلت له، بعد ساعة، سراً: جعلت فداءك إني أريد المضي في أصحابي، نريد الرحلة، وقد أبطأت عليهم، فإن رأيت أن تسأله، حاطه الله من السوء والمكروه، أن يزيدني لحناً واحداً، فقال: يا أبا يزيد ! أتعلم ما هو أشهى إلى ضيفنا ؟ قال: نعم، أرادك على أن تكلمني في أن أغنيه.قلت: فهو والله ذاك، فاندفع يغني:

خذي العفو مني تستديمي مودتي،

ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

فإني رأيت الحب في الصدر والأذى

إذا اجتمعنا، لم يلبث الحب يذهب

فقال له: قد أخذنا العفو منك، واستدمنا مودتك، ثم أقبل علينا فقال: ألا أحدثكم بحديث حسن ؟ قلنا: بلى ! فقال: قال شيخ من أهل العلم وبقية الناس وصاحب علي بن أبي طالب، وخليفة عبد الله بن عباس على البصرة، أبو الأسود الدؤلي لابنته ليلة البناء: أي بنية ! النساء كن بوصيتك وتأديبك أحق مني، ولكن لابد مما لابد منه، يا بنية: إن أطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الدهن، وأحلى الحلاوة الكحل. يا بنية لا تكثري مباشرة زوجك فيملك، ولا تتباعدي عنه فيجفوك، ويعتل عليك.وكوني كما قلت لأمك:

خُذي العفوَ مني تستديمي موَدّتي

ولا تَنطِقي في سَوْرَتي حينَ أغضَبُ.

فإني رأيتُ الحُبّ في الصّدرِ والأذى

إذا اجتَمعَا لم يلبَثِ الحُبُّ يذهبُ.

فقلت له: فديتك ما أدري غناؤك أحسن أم حديثك، والسلام عليك، ونهضت وركبت، وتخلف الغريض وصاحبه في موضعهما، وأتيت أصحابي وقد أبطأت، فرحلنا منصرفين، حتى إذا كنا في المكان الذي رأيت فيه الحية منطويةً على صدر المرأة، ونحن ذاهبون، رأيت الحية والمرأة وهي منطوية عليها فلم ألبث أن صفرت الحية فإذا الوادي يسيل علينا حيات، فنهشنها حتى بقيت عظاماً، فطال تعجبنا من ذلك، ورأينا ما لم نر مثله قط، فقلت لجارية كانت معنا: ويحك أخبرينا عن هذه المرأة ! قالت: علقت ثلاث مرات، وكل مرة تلد ولداً، فإذا وضعته سجرت التنور، ثم ألقته فيه، فذكرت قول الغريض، حين سألها عن الحية فقالت في النار ستعلمين من في النار.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي