مصارع العشاق/المرقش الشاعر وأسماء

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

المرقش الشاعر وأسماء

كتب إلي أبو غالب بن بشران من واسط حدثنا ابن دينار قال: حدثنا أبو الفرج محمد بن علي الأصفهاني في كتاب الأغاني قال: قال أبو عمرو، ووافقه المفضل الضبي:كان من خبر مرقش الأكبر أنه عشق ابنة عم له يقال لها أسماء بنت عوف بن مالك، علقها وهو غلام، فخطبها إلى أبيها، فقال له: لا أزوجها حتى تعرف بالناس، وهذا قبل أن يخرج ربيعة من أرض اليمن، فكان يعده فيها المواعيد، ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك، وكان عنده زماناً، ومدحه، فأجازه، وأصاب عوفاً زمان شديد، فأتاه رجل من مراد أحد بني عطيف، فأرغبه في المال، فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك.ورجع مرقش، فقال أخوتها: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشاً، فأكلوا لحمه، ودفنوا عظامه، ولفوها في ملحفة، ودفنوها، فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبر، فنظر إليه، وكان بعد ذلك يعتاده، ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع، وقد تغطى بثوبه، وابنا أخيه يلعبان بكعابٍ لهما، إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هذا أجدهما: هذا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الذي دفنوه، وقالوا: إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء.فكشف مرقش عن رأسه، ودعا الغلام، وقد ضني ضنىً شديداً، فسأله عن الحديث، فأخبره به، وبتزويج المرادي أسماء، فدعا مرقش وليدةً له، ولها زوج من غفيلة كان عسيفاً لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها، فدعته، وكانت له رواحل، فامره بإحضارها ليطلب المرادي، فأحضرها فركبهان ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى صار لا يحمل إلا معروضاً. وإنهما نزلا كهفاً بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه، فقد هلك سقماً، وهلكنا معه جوعاً وضراً، فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: إن أطعتني، وإلا فإني تاركك، وكان مرقش يكتب، وكان لأبوه دفعه وأخاه حرملة، وكانا أحب ولده إليه، إلى نصراني من أهل الحيرة، فعلمها الخط، فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب على مؤخر الرحل:

يا صَاحِبَيّ تَلَبّثَا لا تَعْجَلا !

إن الرَّوَاحَ رَهِينٌ أن لا تَفْعَلا.

فَلَعَلّ لُبْثَكُمَا يُقَرِّبُ نائِياً،

أوْ يَسْبُقُ الإسْرَاعُ شَيْئاً مُقْبِلا.

يَا رَاكِباً إمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَا

أنسَ بنَ سعدٍ إنْ لقيتَ وَحَرْملا.

للهِ دَرُّكُما وَدَرُّ أبِيكُمَا،

إنْ أفْلَتَ الغَفَليُّ حَتى يُقْتَلا.

مَنْ مُبْلِغُ الأقْوَامِ أنّ مُرَقّشاً

أضْحى على الأصْحابِ عِبئاً مُثقِلا.

وَكَأنّمَا يَرِدُ السّباعُ بشلْوِهِ،

إذ غابَ جَمعُ بني ضُبَيعةَ مَنهَلا.

قال: وانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش، ونظر حرملة إلى الرحل، وجعل يقلبه.فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما، وأمرهما أن يصدقاه، ففعلا، فقتلهما، وقد كانا وصفا له الموضع، وامرهما في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره، فعرف أن مرقشاً كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه، وأقبل راعيها إليه، فلما بصر به قال: من أنت وما شأنك ؟ فقال له مرقش: أنا رجل من مراد فمن أنت ؟ قال: راعي فلانن وإذا هو راعي زوج أسماء، فقال له مرقش: أتستطيع ان تكلم أسماء امرأة صاحبك ؟ قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزاً، فآتيها بلبنها.فقال له: خذ خاتمي هذان فإذا حلبت فألقه في اللبن فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيراً لم يصبه راعٍ قط غن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم، فلما حلبت العنز طرح الخاتم في القدح، فانطلقت به الجارية، وتركته بين يديها، فلما سكنت رغوته، اخذته، فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته، واستضاءت به بالنار، فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا ؟ فقالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها، وهو في شربٍ بنجران، فأقبل فزعاً، فقال لها: لم دعوتني ؟ فقالت: ادع عبدك راعي غنمك، فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم ؟ فقال: وجدته مع رجل في كهفي جبارٍ، فقاللي: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء، فإنك تصيب به خيراً، وما أخبرني من هو، ولقد تركته في آخر رمق. فقال زوجها: وما هذا الخاتم ؟قالت: هذا خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه، فركب فرسه وحملها على فرس وسارا حتى طرقاه من ليلته، فاحتملاه فمات عند أسماء، وقال قبل أن يموت:

سَمَا نَحْوِي خَيَالٌ من سُلَيمَى،

فأرّقَني، وَأصْحَابي هُجُودُ.

فَبِتّ أدِيرُ أمْرِي كُلَّ حَالٍ،

وَأذْكُرُ أهْلَهَا، وَهمُ بَعِيدُ.

عَلى أنْ قَدْ سَمَا طَرْفي لِنَارٍ،

يُشَبّ لهَا بِذِي الأرْطَى وَقُودُ.

حَوَالَيْهَا مَهاً بِيضُ التَّرَاقي،

وَآرَامٌ وَغِزْلانٌ رُقُودُ.

نَوَاعِمُ لا تُعَالِجُ بُؤسَ عَيشٍ،

أوَانِسُ لا ترُوحُ، وَلا تَرُودُ.

يَرُحْنَ مَعاً بِطَاءَ المَشْيِ رُوداً،

عَلَيْهِنّ المَجَاسِدُ وَالبُرُودُ.

سَكَنَ ببَلدَةٍ وَسكَنتُ أخرَى،

فقُطّعتِ المَوَاثِقُ وَالعُهُودُ.

فَما بَالي أفي وَيُخانُ عَهْدِي،

وَمَا بَالي أُصَادُ وَلا أَصِيدُ.

وَرُبّ أسِيلَةِ الخَدّينِ بِكْرٍ،

مُنَعَّمَةِ لهَا فَرْعٌ وَجِيدُ.

وَذُو أشَرٍ شَتِيتُ النّبْتِ عَذْبٌ

نَقِيُّ اللّوْنِ بَرَّاقٌ بَرُودُ.

لَهَوْتُ بهَا زَمَاناً في شَبَابي،

وَزَارَتْهَا النّجَائِبُ وَالقَصِيدُ.

أُنَاساً كُلّمَا أخْلَقْتُ وَصْلاً

عَنَاني مِنْهُمُ وَصْلٌ جَدِيدُ.

فدفن في أرض مراد.

المحب الجاحد

أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحافظ قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا محمد بن جعفر الأديب قال: حدثنا أبو القاسم السكوني إملاء قال: حدثني الحسين بن مكرم قال: حدثنا يزيد الثمالي قال:مات أبو العتاهية وعباس بن الأحنف وإبراهيم الموصلي في يوم واحد، فرفع خبرهم إلى الرشيد، فأمر المأمون بحضورهم والصلاة عليهم، فوافى المأمون، وقد صفوا له في موضع الجنائز، فقال: من قدمتم ؟ قالوا: إبراهيم، قال: أخروه وقدموا عباساً ! قال: فلما فرغ من الصلاة اعترضه بعض الظاهرية، فقال له: أيها الأمير بم قدمت عباساً ؟ قال: يا فضولي بقوله:

سَمَاكِ لي قَوْمٌ وَقالوا: إنها

لَهيَ التي تَشقَى بهَا وَتُكَابِدُ.

فجَحدتهم ليكونَ غيرُك ظنّهم،

إني ليُعجِبُني المُحِبُّ الجاحِدُ.

القبلة القاتلة

حدث أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بن حرب قال: حدثني أبو عبد الله القرشي قال: حدثني أبو غسان قال:كان سبب وفاة مالك بن أبي السمح أنه لما كبر ضم إليه رجلاً من قريش يقوم عليه، ففرش له على سرير وخرق فيه خرقاً لوضوء، فأتته الجارية يوماً بطعام فاكل، ثم أتته ببخور فتبخر، فوقعت الجارية بقلبه، فاهوى إليها ليقبلها، وتنحت عنه، فسقط عن السرير، فاندقت عنقه، فمات. قال الزبير: أنشدتني ظبية لحسن بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن العابس بن عبد المطلب في مالك بن أبي السمح:

ليسَ عَيشٌ إلاّ بمالِكِ بنِ أبي السَّمْ

ح، فَلا تَلحَني، وَلا تَلُمِ.

نَتَمَلّى لَذِيذَ عَيْشٍ، وَلا نَهْ

تِكُ حَقَّ الإسْلامِ وَالحُرَمِ.

رُبّ ليْلٍ قَصّرَهُ اللّهوُ، فَانْجَا

بَ، وَيَوْمٍ كَذَاكَ لَمْ يَدُمِ.

كُنْتُ فِيهِ وَمالِكَ بنَ أبي السَّمْ

حِ الكَرِيم الأخْلاقِ والشّيَمِ.

ضل عنه فؤاده

أنبأنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الأزهري قال: أنشدنا سهل بن أحمد الديباجي قال:أنشدنا ابن دريد لنفسه:

صَارَمتِهِ فَتَوَاصَلَتْ أحْزَانُه

وَهَجرْتِه فَتَهاجرَتْ أجفَانُه.

قالت تعرِّضُ: مسُّ شيطانٍ بهِ،

بَل أنتِ حينَ مَلَكتِهِ شَيطانُه.

قد ضَلّ عنه فؤادُه، فاستَخبرِي

عَينَيكِ أينَ مَحَلّهُ وَمكانُه.

هل من آس لداء القلب

ولي من قصيدة أولها:

بالحُزْنِ هَاجَتْ للفَتى أحْزَانُه

وَجَفَتْ لَذِيذَ رُقَادِهَا أجفَانُه.

ومنها:

يَا جَارَةَ الحَيّ الّذِينَ تَرَحّلُوا

سَحَراً فأوْحَشَ رَبعَهُم غزْلانُه.

هَلْ تَعْلَمِينَ لِدَاءِ قَلْبيَ آسِياً،

فَاليَوْمَ حِينَ تَرَحّلُوا بُحرَانُه.

كَتمَ الهَوَى خوْفَ العَذولِ وَلوْمِه،

حَتى أضَرّ بجِسْمِهِ كِتْمَانُه.

بنت الوالي والسجين

أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة إن لم يكن سماعاً فإجاوة قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد المعدل قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثني ابن أبي الدنيا. قال: حدثني محمد بن زيد العتبي قال: أخبرني جدي الحسين بن زيد قال:ولي بديار مصر والٍ فوجد على بعض عماله، فحبسه، وقيده، فأشرفت عليه ابنة الوالي فهويته، فكتبت غليه، وقد كان نظر إليها:

أيّهَا الرّامي بِعَيْنَيْ

هِ، وَفي الطّرْفِ الحُتُوفُ.

إنْ تُرِدْ وَصْلاً، فَقَدْ

أمكَنَكَ الظّبيُ الألُوفُ.

فأجابها الفتى:

إنْ تَريني زَانيَ العَي

نَيْنِ، فَالفَرْجُ عَفِيفُ.

لَيْسَ إلاّ النّظَرُ الفَا

تِرُ، والشِّعْرُ الظّرِيفُ.

فكتبت إليه:

قَدْ أرَدْنَاكَ عَلى عِشْ

قِكَ إنْسَاناً عَفِيفَا.

فَتَأبّيْتَ، فَلا زِلْ

تَ لِقَيْدَيْكَ حَلِيفَا.

فأجابها الفتى:

غَيْرَ أني خِفْتُ رَبّاً

كَانَ بي بَرّاً لَطِيفَا.

فذاع الشعر وبلغ الخير الولي، فدعا به فزوجه إياها ودفعها إليه.

دواء الحب غالٍ

أخبرنا التنوخي علي بن المحسن قال: اخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أبو بكر المحولي قال:وأنشدني حماد بن إسحاق للوليد بن يزيد:

وَلَقَدْ قالَ طَبِيبي،

وَطَبِيبي غَيْرُ آلِ.

أُشْكُ مَا شِئْتَ سِوَى ال

حُبِّ، فإنّي لا أُبَالي.

سَقَمُ الحُبّ رَخِيصٌ،

وَدَوَاءُ الحُبّ غَالِ.

مرض الحب

وبإسناده قال: وأنشدني أبو العابس بن أحمد من أهل ضرية لرجل من بني أسد:

أقُولُ، وعُقْبَةُ الأسَدِيُّ يَرْقي

أخَاهُ برُقْيَةِ المَينِ الكَذُوبِ:

تَثَاءَب لي، فَمَا بي غَيرُ حُبّي

صَفِيّةَ، ضَلّ سَعْيُكَ من طَبِيبِ.

وبإسناده قال: أنشدني احمد بن منصور المروروذي:

أيَا سَبَبَ الدّمُوعِ إلى الجُفُونِ،

وَشَجْوَ المُسْتَهَامِ المُسْتَكِينِ.

سَلِ الحَسَرَاتِ: هَلْ أبقَينَ دمعاً

يَجُودُ بهِ عَلى قَلْبٍ حَزِينِ.

وَهَلْ تَرَكَ السّقَامِ به حَرَاكاً

يَسِيرُ بِهِ إلَيْكَ سِوَى الحَنِينِ.

القطيعة أذهب للعقل

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر قال: أخبرنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسيقال: حدثنا القاضي أبو محمد عبد الله بن الربيع قال: حدثنا أبو علي القالي قال:قرأت على أبي بكر بن دريد للحسين بن مطير الأسدي:

فَوَا عَجَبا للنّاسِ يَسْتَشرِفُونَني،

كانْ لم يَرَوْا بَعدي محِبّاً، وَلا قَبلي.

يقولونَ لي: اصرِمْ يرْجعِ العقلُ كُلُّه

وَصَرْمُ حبيبِ النفسِ أذهبُ للعقل.

فيَا عَجبا من حبّ مَن هُوَ قاتِلي،

كأني أُجَازِيهِ المَوَدّةَ عَنْ قَتْلي.

وَمن بَيّناتِ الحُبّ أنْ كانَ أهلُها

أحَبَّ إلى قَلبي وعَينيَ من أهْلي.

أنا أشعر من قيس

وبإسناده قال: حدثنا القاضي قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا الرياشي عن بعض أصحابه قال: اخبرني رجل قال:جلست في ظل شجرة وقلت ما أشعر قيساً حيث يقول:

يَبِيتُ وَيُضْحي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ

عَلى مَنْهَجٍ تَبْكي عَلَيْهِ القَبائِلُ.

قَتِيلٌ لِلُبْنى صَدّعَ الحُبُّ قَلْبَهُ،

وفي الحُبّ شُغْلٌ للمُحِبّينَ شاغِلُ.

فقال: أنا والله أشعر منه حيث أقول:

سَلَبْتِ عِظَامي لحمَها فَترَكتِها

مُعرَّقةً، تَضْحَى إليكِ وَتَخْصَرُ.

وَأخْلَيْتِهَا مِن مُخّها، فَكَأنّها

قَوَارِيرُ في أجوَافِها الرّيحُ تَصْفِرُ.

إذا سَمِعَتْ ذِكرَ الفرَاقِ تَقطّعتْ

عَلائِقُها مِمّا تَخَافُ وَتَحْذَرُ.

خذي بيَدي ثمّ انهَضِي بي تَبَيّني

بيَ الضّرَّ، إلاّ أنّني أتَسَترُ.

قال: ثم مر فجمز في الصحراء، فلما كان في اليوم الثاني أتيته، فجلست في ذلك الموضع، فلما أحسست به قلت: ما أشعر قيساً حيث يقول:

تُباكِرُ أمْ تَرُوحُ غَداً رَوَاحَا،

وَلَنْ يَسْتطيعَ مُرْتَهِنٌ بَرَاحَا.

سَقِيمٌ لا يُصَابُ لَهُ دَوَاءٌ،

أصَابَ الحُبُّ مُقْتَلَهُ فَنَاحَا.

وَعَذّبَهُ الهَوَى حَتى بَرَاهُ،

كبَرْيِ القَينِ بالسَّفَنِ القِداحَا.

وَكادَ يُذِيقُهُ جُرَعَ المَنَايَا،

وَلَوْ أسْقَاهُ ذلكَ لاسْتَرَاحَا.

فقال: أنا اشعر منه حيث أقول:

فما وُجدُ مغلوبٍ بصَنعاءَ مُوثَقٍ،

بسَاقَيهِ من ثِقلِ الحَديدِ كُبولُ.

قَليلِ المُوَالي مُسْتَهَامٍ مُرَوَّعٍ،

لَهُ بَعدَ نَوْماتِ العِشاءِ عَوِيلُ.

يَقولُ لَهُ الحَدّادُ: أنتَ مُعذَّبٌ،

غداةَ غَدٍ، أو مُسْلَمٌ فَقَتِيلُ.

بأعْظَمَ مني رَوْعَةً يَوْمَ رَاعَني

فِرَاقُ حَبِيبٍ مَا إلَيْهِ سَبِيلُ.

سيف الفراق

وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: أنبأنا أبو بكر بن الأنباري قال:أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي:

قَدْ قُلْتُ وَالعَبرَاتُ تَسْ

فَحُهَا عَلى الخَدّ الأمَاقي.

حِينَ انْحَدَرْتُ إلى الجَزِي

رَةِ وَانْقَطَعْتُ عَنِ العِرَاقِ.

وَتَخَبّطَتْ أيْدِي الرّفَا

قِ مَهَامِهَ البِيدِ الرّفَاقِ.

يَا بُؤسَ مَنْ سَلَّ الزّمَا

نُ عَلَيْهِ سَيْفاً للفِرَاقِ.

مصدعة القلوب

وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: قرأت على أبي بكر بن دريد لجميل:

رَحَلَ الخَلِيطُ جِمالَهُمْ بِسَوَادِ،

وَحَدَا عَلى أثَرِ الأحِبّةِ حَادِ.

ما إنْ شعرْتُ ببِينهِمْ وَرَحيلِهِمْ،

حَتى سَمِعْتُ بهِ الغُرَابَ يُنادي.

لمّا رَأيْتُ البَيْنَ قُلْتُ لِصَاحِبي:

صَدَعَتْ مُصَدِّعةُ القُلوبِ فؤادي.

بانُوا، وَغُودِرَ في الدّيَارِ مُتَيَّمٌ،

كَلِفٌ بذِكْرِكِ يا بُثَينَةُ صَادِ.

ليست له صبوة

أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمي الكاتب بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو عبيد محمد بن عمران بن موسى المرزباني الكاتب قال:حديث عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي إملاء قال: حدثنا كامل بن طلحة قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا ابو عشانة قال: سمعت عقبة بن عامر يقول:قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: عجب ربنا تعالى من شاب ليست له صبوة.

المأمون وجارية أبيه

أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري في ما أجاز لنا قال: حدثنا المعافى بن زكريا الحريري قال: حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثني أبي قال:قال منصور البرمكي وكان أديباً: كانت لهارون الرشيد جارية غلامية، تصب على يده، وتقف على رأسه، وكان المأمون يعجب بها، وهو أمرد، فبينا هي تصب على هارون من إبريق معها، والمأمون مع هارون قد قابل بوجهه وجه الجارية، إذ أشار إليها بقبلة، فزبرته، بحاجبها وأبطأت عن الصب في مهلة ما بين ذلك، فنظر إليها هارون فقال: ما هذا ؟ فتلكأت عليه، فقال: ضعي ما معك ! علي كذا إن لم تخبريني لأقتلنك.فقالت: أشار إلي عبد الله بقبلة.فالتفت إليه، وإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه، فاعتنقه، وقال: أتحبها ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: قم فاخل بها في تلك القبة، فقام فعل، فقال له هارون: قل في هذا شعراً، فأنشأ يقول:

ظَبيٌ كَنَيْتُ بِطَرْفي

عَنِ الضّمِيرِ إلَيْهِ.

قَبّلْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ

فَاْعْتَلّ مِنْ شَفَتَيْهِ.

وَرَدّ أخْبَثَ رَدٍّ

بِالكَسرِ مِنْ حَاجِبَيْهِ.

فَمَا بَرِحْتُ مَكَاني

حَتى قَدِرْتُ عَلَيْهِ.

الأطباء والمحبون

أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن بن علي قال: حدثنا أبو عمر بن حيويه قراءة عليه قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان إجازة قال:أنشدني منشد للحسن بن وهب:

حين عرقي: فقال: حب، طبيبي،

ما له في علاجه من مصيب.

فغمزت الطبيب سراً بعيني،

ثم حلفته بحق الصليب.

لا تقل: لوعة الهوى أسقمته،

فينالوا، بدعوةٍ، من حبيبي.

وأنشد:

واعي السقم تخبر عن ضميري،

ويخبر عن مفارقتي سروري.

ألا يَا سَائِلي عَنْ سُوءِ حَالي،

وَعَنْ شَأني سَقَطتَ على الخَبيرِ.

شَرِبْتُ مِنَ الصّبَابَةِ كأسَ سُقم

بعَيْنَيْ شَادِنٍ ظَبْيٍ غَرِيرِ.

وقال عمر بن أبي ربيعة:

طَبِيبيّ دَاوَيْتُمَا ظَاهِراً،

فمَنْ ذا يُداوِي جَوىً بَاطِنَا.

فَعوجَا عَلى مَنْزِلٍ بِالعَمِي

مِ، فَإنّي لَقِيتُ بِهِ شَادِنَا.

ولي من أثناء قصيدة:

وذي شجنٍ مثلي شكوت صبابتي

إليه، ودمعي ما يفتر قطره.

فقال، ولم يملك سوابق عبرةٍ

تترجم عما قد تضمن صدره:

كِلانَا أسِيرٌ في الهَوَى مُتَهَدَّدٌ

بقَتلٍ، فَما يَنفَكّ ما عاشَ أسرُهُ.

وَأقْلَقَني حَادِي الرّكَائِبِ بالضّحَى،

وَسَائِقُهَا لمّا تَتَابَعَ زَجْرُهُ.

وَتَقوِيضُ خَيمِ الحيّ، وَالبينُ ضَاحكٌ

لِفُرْقَتِنَا حَتى بَدَا مِنْهُ ثَغْرُهُ.

وَفي الجيرَةِ الغادِينَ أحوَى، عِذارُهُ

يَقُومُ بهِ للعَاشِقِ الصّبّ عُذْرُهُ.

غَدَائِرُهُ لي شَاهِدَاتٌ بِأنّني

وَفَيْتُ لَهُ مِنْ بَعْدِ مَا بَانَ غَدرُهُ.

السوداء وحبيبها عمر

أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي وأبو القاسك علي بن المحسن التنوخي قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العابس بن يحيوه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال:حدثني محمد بن عبد الله بن أبي مالك بن الهيثم الخزاعي عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال:حدثني إبراهيم بن ميمون قال:حججت في أيام الرشيد، فبيما أنا بمكة أجول في سككها، إذا أنا بسوء قائمة ساهية، فأنكرت حالها، فوقفت أنظر إليها، فمكثت كذلك ساعةً، قم قالت:

أعَمُرْو عَلامَ تَجَنّبْتَني ؟

أخَذتَ فؤادي فَعَذّبِتَني.

فلوْ كُنتَ، يا عمرُو، خبّرْتَني

أخَذتُ حِذارِي، فما نِلْتَني.

قال: فدنوت منها، فقلت: يا هذه ! من عمرو ؟ فارتاعت من قولي وقالت: زوجي.فقلت: وما شأنه ؟قالت: أخبرني أنه يهواني وما زال يدس إلي ويعلق بي في كل طريق، ويشكو شدة وجده حتى تزوجني، فلبث معي قليلاً، وكان له عندي من الحب مثل الذي كان لي عنده، ثم مضى إلى جدة، وتركني. قلت: فصفيه لي. فقالت: أحسن من تراه، وهو أسمر حلو ظريف. قال، فلت: فخبريني أتحبين أن أجمع بينكما ؟قالت: فكيف لي بذلك ؟ وظنتني أهزل بها.قال: فركبت راحلتي وصرت غلى جدة فوقفت في المرقى أتبصر من يعمل في السفن، وأصوت: يا عمرو يا عمرو ! فإذا أنا به خارج من سفينة، وعلى عنقه صن، فعرفته بالصفة، فقلت: أعمرو علام تجنبتني ؟ فقال: هيه هيه، رأيتها وسمعته منها ؟ ثم أطرق هنيهة ثم اندفع يغنيه، فأخذته منه، وقلت له: ألا ترجع ؟ فقال: بأبي أنت، ومن لي بذلك ؟ ذلك والله أحب الأشياء إلي ولكن منع منه طلب المعاش. قلت: كم يكفيك كل سنة. قال: ثلاثمائة درهم، فإعطيته ثلاثة آلاف درهم، وقلت: هذه لعشر سنين، ورددته إليها، وقلت له: إذا فنيت أو قاربت الفناء قدمت علي فسررتك، وإلا وجهت إليك، وكان ذلك أحب إلي من حجي. قال محمد بن عبد الله قال إسحاق: والناس ينسبون هذا الصوت إلى إبراهيم، وكان إبراهيم، وكان إبراهيم أخذه من هذا الفتى.

مدرك الشيباني وعمرو النصراني

أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي ولقيته بمدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، في أول سنة ست وأربعين وأربع مائة قال: أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن خرزاذ النجيرمي قال: أنشدني جعفر بن شاذان القمي أبو القاسم قال:أنشدني مدرك بن علي الشيباني له ببغداد في الجانب الغربي في عمرو بن يوحنا النصراني:

مِنْ عَاشِقٍ ناءٍ هَوَاهُ دَان،

نَاطِقِ دَمْعٍ صَامِتِ اللّسَان.

القصيدة جميعها. وقال أبو القاسم جعفر بن شاذان القمي: وكان عمرو بن يوحنا النصراني يسكن في دار الروم ببغداد من الجانب الشرقي، وكان من أحسن الناس صورة وأجملهم خلقاً، وكان مدرك بن علي الشيباني يهواه، وكان مدرك من أفاضل أهل الأدب والمطبوعين في الشعر، وكان له مجلس يجتمع إليه الأحداث لا غير، فإن حضره شيخ أو كهل قال له مدرك: إنه يقبح بمثلك أن يختلط بالأحداث والصبيان، فقم في حفظ الله، فيقوم.

بمَجَالِسِ العِلْمِ التي

بكَ تَمّ جَمعُ جُموعِها.

ألاّ رَثَيتَ لمُقْلَةٍ

غَرِقَتْ بمَاءِ دُموعِها.

بَيْني وَبَيْنَك حُرْمَةٌ،

واللهَ في تَضْيِيعِهَا.

فقرأ الأبيات، ووقف عليها من كان في المجلس وقرأوها، واستحيا عمرو من ذلك، فانقطع عن الحضور، وغلب الأمر على مدرك، فترك مجلسه ولزم دار الروم، وجعل يتبع عمراً حيث سلك، وقال فيه هذه القصيدة المزدوجة العجيبة. ولمدرك في عمرو أيضاً أشعار كثير، ثم خرج مدرك إلى الوسواس وسل جسمه، وذهل عقله، وانقطع عن إخوانه ولزم الفراش، فحضره جماعة، فقال لهم: ألست صديقكم القديم العشرة لكم، أفما فيكم أحد يسعدني بالنظر إلى وجه عمرو ؟ فمضوا بأجمعهم إليه، وقالوا له: إن كان قتل هذا الفتى ديناً، فإن إحياءه لمروءة ! قال: وما فعل ؟ قالوا: قد صار إلى حال ما نحسبك ترضى به.فلبس ثيابه ونهض معهم، فلما دخلوا عليه سلم عليه عمرو وأخذ بيده وقال: كيف تجدك يا سيدي ؟ فنظر إليه فأغمي عليه ساعةً ثم أفاق وفتح عينيه، وهو يقول:

أنَا في عَافِيَةٍ إ

لاّ مِنَ الشَّوْقِ إلَيْكَا.

أيّهَا العَائِدُ مَا بي

مِنكَ لا يَخفَى عَلَيكَا.

لا تَعُدْ جِسْماً، وَعُدْ

قَلْباً رَهِيناً في يَدَيْكَا.

كَيْفَ لا يَهْلِكُ مَرْشُ

قٌ بِسَهْمَي مُقْلَتَيْكا.

ثم شهق شهقةً فارق فيها الدنيا، فما برحنا حتى دفنوه.

موسى في وقت الكلام

أخبرنا محمد بن أحمد الأردستاني، رحمه الله، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا الفضل محمد بن إسحاق السبخري قال: سمعت القناد يقول:سألت الحسين بن منصور عن حال موسى في وقت الكلام، فقال: بدا له بادٍ من الحق فلم يبق لموسى ثم أثر، وأنشد:

وَبَدا لَهُ من بَعدِ ما اندَمَلَ الهَوَى

بَرْقٌ تَألّقَ مُوهِناً لَمَعَانُهُ.

يَبْدُو كَحَاشِيَةِ الرّدَاءِ، وَدُونَهُ

صَعْبُ الذُّرَى مُتَمَنِّعٌ أرْكَانُهُ.

فَأتى ليَنظُرَ كَيفَ لاحَ، فلم يُطِقْ

نَظَراً إلَيْهِ وَرَدَّهُ سُبْحانُهُ.

فَالنّارُ مَا اشتَمَلَتْ عَلَيَهِ ضُلُوعُهُ،

وَالمَاءُ مَا سَمَحَتْ بِهِ أجْفَانُهُ.

الحب يذهب بالحب

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر المحولي محمد بن خلف قال: أخبرني أبكر العامري قال: حدثني الحسين بن علي بن قدامة مولى بني أمية عن أبيه قال:خرجت إلى الشام، فلما كنت بالشراة، ودنا الليل، إذا قصر، فهويت إليه، فإذا بين بابي القصر امرأة لم أر مثلها، قط، هيئة وجمالاً، فسلمت، فردت، ثم قالت: من أنت ؟ قلت: رجل من بني أمية من أهل الحجاز. فقالت: مرحباً، وحياك الله، انزل أنت في أهلك، قلت: ومن أنت، عافاك الله ؟ قالت: امرأة من قومك، فأمرت إلي بمنزل وقرىً وبت في خير مبيت، فلما أصبحت أرسلت إلي تقول: كيف مبيتك ؟ قلت: خير مبيت، والله ما رأيت أكرم منك ولا شرف من فعالك، قالت: فإن لي إليك حاجة، تمضي حتى تأتي ذلك الدير، دير أشارت إليه منتح، فإن فيه ابن عمي، وهو زوجي، قد غلبت عليه نصرانية في ذلك الدير، فهجرني ولزمها، فتنظر إليه وتخبره عن مبيتك، وعما قلت لك، فقلت: أفعل، ونعمى عين. فخرجت حتى انتهيت إلى الدير، وإذا أنا برجل في فنائه جالس كأجمل ما يكون من الرجال، فسلمت، فرد وسألني، فأخبرته من أنا، وأين بت، وما قالت لي المرأة.فقال: صدقت ! أنا رجل من قومك من آل الحارث بن الحكم، ثم صاح: يا قسط ! وتلك أروى، وأنا الذي أقول:

تَبَدّلتُ قِسْطاً بَعدَ أرْوَى وَحُبِّهَا،

كَذَاكَ لعَمرِي الحُبّ يَذهبُ بالحُبّ.

صوفي سيئ الحال

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر بقراءتي عليه في سنة خمس وخمسين وأربعمائة،قال: حدثنا أبو صالح محمد بن أبي عدي السمرقندي الصوفي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة الصوفي:كان عبد الله بن موسى من رؤساء الصوفية ووجوههم، فنظر إلى غلام في بعض الأسواق فبلي به، وكاد يذهب عقله عليه صبابةً وحباً له، وكان يقف في كل يوم على طريقه حتى يراه إذا أقبل، وإذا انصرف، فطال به البلاء، وأقعده عن الحركة الضنى، فكان لا يقدر أن يمشي خطوةً فما فوقها، فأتيته يوماً لأعوده، فقلت: يا أبا محمد ! ما قصتك، وما الأمر الذي بلغ بك ما أرى ؟فقال: أمور امتحنني الله تعالى بها، فلم أصبر على البلاء فيها، ولم يكن لي بها طاقة ولا يدان، ورب ذنبٍ استصغره الإنسان مما يزينه له الشيطان هو عند الله تعالى أعظم من ثبير، وحقيق لمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام.ثم بكى. فقلت: ما يبكيك ؟ فقال: أخاف أن يكون حسابي إلى النار يطول فيها شقائي.فانصرفت عنه، وأنا راحم له لما رأيت به من سوء الحال.

الطرف الغرار

وبإسناده قال: قال أبو حمزة:وكنت مع ثابت بن السري الصوفي، فنظر إلى غلام، فقال: يا طول حزناه مما أرتنيه عيني، لقد تركني وأنا لا آنس غلى نظر بعد نظرتي هذه ! يا شر ما أتاني به المقدور في النظر إلى الغرور، غرني والله طرفي حتى استمكن من حتفي. ثم قال: كم أستقيل الله، عز وجل، فيقيلني، وكم أستعفيه فيعفيني، لقد خفت أن يكون ذلك استدراجاً منه حتى يأخذني بذلك كله، في وقت حاجتي إليه عند قدومي عليه. ثم بكى حتى غشي عليه.

الهاتف بالليل

أنبأنا أبو القاسم علي بن أبي علي التنوخي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي إجازة قال: حدثني سعيد بن عمر بن علي البيروذي قال:حدثني علي بن المختار قال: حدثني القحذمي قال:هوي رجل من أهل البصرة امرأة فضني من حبها، حتى سقط على الفراش، وكان إذا جنه الليل صاح بأعلى صوته: كم ترى بيننا وبين الصباح ؟ فإذا أكثر من ذلك هتف به هاتف من جانب البيت:

ألفُ عَامٍ وَألفُ عَامٍ تِباعاً،

غيرَ شَكّ، فلا تكُنْ مِلحاحَا.

قال: فأقام الرجل على علته سنين ثم أبل من علته.

لي سكرتان

أخبرنا أبو بكر الأردستاني قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول:حضرت مع الشبلي في مجلس سماع، وحضر المشايخ، فغنى قوال، فصاح رجل، والقوم سكوت، فقال له بعض المشايخ: يا أبا بكر أليس هؤلاء سمعوا معك، كما سمعت ؟ فقام من بين الجماعة وتواجد، وأنشأ يقول:

لوْ يَسمَعونَ كما سَمِعتُ كلامَها

خَرّوا لعزّةَ رُكّعاً وَسُجُودَا.

وأنشد على أثره:

لي سَكْرَتَانِ، وَللنَّدْمَانِ وَاحِدَةٌ،

شيءٌ خُصِصْتُ به من بينَهم وَحدي.

سكينة وعروة بن أذينة

أنبأنا الشيخ أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بالشام قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد قال:حدثنا أبو علي الطوماري قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال: حدثني عبد الله بن شبيب قال: حدثني أبو معاوية عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال:وقفت سكينة على ابن أذينة في موكبها، ومعها جواريها، فقالت: يا أبا عامر ! أأنت تزعم أنك ريئ وأنت هيئ، وأنت الذي تقول:

قالتْ، وَأبْثَثْتُها سِرّي، فَبُحتُ به:

قَد كُنتَ عندِي تُحبّ السَّترَ فاستترِ.

ألَستَ تُبصرُ مَن حَوْلي ؟ فقلتُ لها:

غَطّى هَوَاكِ، وَما ألقَى على بصرِي.

الهالك من عشق

أنبأنا أحمد علي بن ثابت قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران قال: أخبرني محمد بن يحيى قال:قال العباس بن الأحنف:

وَيْحَ المُحِبّينَ مَا أشقَى جدودَهمُ،

إنْ كانَ مثلَ الذي بي بالمُحبّينَا.

يَشقَوْنَ في هذِهِ الدّنْيا بعِشقِهمِ،

لا يُدرِكُونَ بهِ دُنْيا وَلا دِينَا.

يَرِقّ قَلْبي لأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ

إذَا رَأوْني وَمَا ألْقَى يَرِقّونَا.

قال: وَله أيضاً:

أيّهَا النَادِبُ قَوْماً هَلَكوا،

صَارَتِ الأرْضُ عَلَيْهمْ طَبَقَا.

أنْدُبِ العُشّاقَ، لا غيرَهُمُ،

إنّمَا الهَالِكُ مَنْ قَدْ عَشِقَا.

ولي من أثناء قصيدة:

مَرّتْ بِنَا سَاحِبَةً مِرْطَهَا،

قَد أفتَنَتْ في حُبّهَا رَهطَهَا.

ومنها:

وَشَرَطَتْ إتْلافَ عُشّاقِهَا،

فَكُلّهُمْ مُلْتَزِمٌ شَرْطَهَا.

وَاستَخبَرَتْ عني عَذَارَى بَنَا

تِ العمّ ثمّ استخبَرَتْ سِمطَها.

وَكُلّهُمْ أخْبَرَ عَنْ رُتْبَةٍ

لي في الهَوَى، غيرِيَ لم يُعطَهَا.

لَوْلا الهَوَى العُذْرِيُّ، يا هندُ، لمْ

أشكُ النّوَى قطّ وَلا شَحطَهَا.

كوى ما كوى

ولي ابتداء قصيدة:

يا نَاظِرِي أنْتَ جَنَيتَ الهَوَى،

يَوْمَ استَقَلّ الحَيُّ عن ذي طوَى.

تَاللهِ ! مَا أدرِي مَتى أرْشَقَتْ

عَيْنَاكَ قَلْبي يا غَزَالَ اللِّوَى.

أحَيُّكَ الطّائيُّ أغْرَاكَ بي ؟

لا عَقَدَ العِزُّ عَلَيْهِمْ لِوَا.

حُبَّ إلى قَلْبي الغَزَالُ الّذِي

كَوَى منَ الأحشاءِ ما قَدْ كَوَى.

قتله خبر زواجها

ذكر ابن حيويه ونقلته من خطه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثني إسحاق بن محمد الكوفي قال: حدثني عبيد الله بن محمد بن حفص بن موسى بن عبيد الله بن معمر عن أبيه قال:كان مسافر بن أبي عمرو بن أمية يتعشق جاريةً من أهل مكة، فنذر به أهلاه، فهرب، فلحق بالحيرة بالنعمان بن المنذر، فاعتل هناك بالهلاس، فجمع له النعمان أطباء الحيرة فأجمعوا على كيه، فكوي فبرأ، ثم إنه قدم عليه رجل من أهل مكة، فقال له: ما فعلت فلانة ؟ قال: تزوجت، قال فشهق ومات في مكانه، فقال أبو طالب، وكان صديقاً لمسافر خاصاً به، فقال يرثيه:

لَيْتَ شِعرِي، مُسافرُ بن أبي عم

رو، وَلَيْتَ، يَقُولُهَا المَحزُونُ.

كَيْفَ كانتْ مَرَارَةُ المَوْتِ في في

كَ، وَماذا بَعدَ المَماتِ يَكُونُ.

خَيرُ مَيتٍ على هبالةٍ، قَد حا

لَتْ فَيافٍ من دُونِهِ وَحُزُونُ.

بُورِكَ المَيّتُ الغَرِيبُ، كما بُو

رِكَ نَضْرُ الرَّيْحَانِ والزّيتُونُ.

كم صَديقٍ وصَاحِبٍ وَابنِ عمّ

وَخَلِيلٍ عَفّتْ عَلَيهِ المَنُونُ.

فَتَعَزّيتُ بِالجَلادَةِ وَالصّب

رِ، وَإنّي بِصَاحِبي لَضَنِينُ.

رَجعَ النّاسُ آيِبِينَ جَمِيعاً،

وَخَلِيلي في مَرْمَسٍ مَدْفُونُ.

خشيف شبيه الحبيب

وجدت بخط أحمد بن محمد بن الأبنوسي ونقلته من أصله قال: حدثنا أبو محمد علي بن عبد الله بن المغيرة قال: حدثنا جدي قال: حدثنا أبو عمر العمري قال: حدثنا عبد الملك بن قريب عن غياث بن الحارث السهمي قال: حدثني زيد بن عمارة النهدي قال:اصطدت خشفاً فأوثقته، وحملته، ثم اقبلت به، إذ استقبلني غلام كأنه فلقة قمرٍ له ضفيرتان قد قاربتا عجيزته، فلما رأى الخشف، وقف ينظر إليه وتنفس الصعداء، ثم أنشأ يقول، وهو يبكي:

وَذَكّرَني مَنْ لا أبُوحُ بِذِكْرِهِ،

مَحَاجِرُ ظَبيٍ في حَبَائِلِ قانِصِ.

فَقُلتُ، وَدَمعُ العَينِ يَجرِي بحُرْقَةٍ،

وَلحظي إلى عَيْنَيْهِ لحْظَةُ شَاخِصِ:

ألا أيّهَذَا القَانِصُ الظّبيَ خَلِّهِ !

وَإنْ كُنْتَ تَأبَاهُ، فَمُرْ بقَلائصي.

خَفِ اللهَ لا تَحْبِسهُ ! إنّ شَبِيهَهُ

حَيَاتي، وَقد أرْعَدتَ فيه فَرَاقي.

قال: ثم بكى، قال: فقلت: دونكه يا فتى فهو لك، قال: فعمد إليه فحله، ثم قبل عينيه، ثم ارسله. قال: فمر الظبي وأتبعه بصره يبكي في أثره، قال: ثم سكن فقلت: يا فتى ألك حاجةٌ ؟ قال: نعم ! قلت: ما هي ؟ قال: تبلغ معي الحي.قال: فوصلت معه المنزل، قال: فلما كان من الغد، إذا به يسوق عشراً من الإبل حتى وقف علي، فقال: دونكها، فامتنعت، فأبى إلا قبولها. قال: فسألت عنه، فقالوا: هذا فتى يهوى فتاة من الحي.

العجوز المتصابية

أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد العدل أن أبا عبيد الله محمد بن عمران أخبرهم في ما أجاز لهمقال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال:إني لفي سوق ضرية، وقد نزلت على رجلٍ من بني كلاب، وكان متزوجاً بالبصرة، وكان له أهل بضرية، إذ أقبلت عجوز على ناقة لها حسنة البزة، يتخيل فيها باقي جمال، فأناخت، وعقلت ناقتها، وأقبلت تتوكأ على محجن لها، فجلست قريباً منا، فقالت: هل من منشد ؟ فقلت للكلابي: أيحضرك شيء ؟ فقال: لا ! فأنشدتها شعراً لبشر بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو:

وَقَصِيرَةِ الأيّامِ وَدَّ جَلِيسُهَا

لَوْ بَاعَ مَجْلِسَهَا بِفَقْدِ حَمِيمِ.

محذِياتِ أخي الهوَى غُصَصَ الجوَى

بِدَلالِ غَانِيَةٍ وَمُقْلَةِ رِيمِ.

صَفْرَاءَ مِنْ بَقَرِ الجِوَاءِ، كأنّمَا

خَفَرُ الحَيَاءِ بهَا رُدَاعُ سَقِيمِ.

فجشت على ركبتهيا، وأقبلت تنكت الأرض بمحجنها وأنشأت تقول:

قِفي يا أُمَامَ القَلْبِ، نَقضِ لُبانةً

وَنَشكُ الهوَى ثمّ افعلي ما بدَا لكِ.

فَلَوْ قُلتِ طَأْ في النّارِ أعْلَم أنّه

هوىً منكِ لي أوْ مِنَةٌ من نَوالكِ.

لقَدّمتُ رِجلي نحوَهَا فوَطِئتُها،

هوىً منكِ لي أوْ هَفوَةٌ من ملالكِ.

سَلي البانةَ العُليا مِنَ الأجرَعِ الذي

به البانُ، هل حاوَلتُ غيرَ وِصَالكِ.

وَهلْ قمتُ في أطلالِهنّ عَشِيّةً،

قيامَ سَقيمِ القَلبِ، وَاخترْتُ ذلكِ.

ليَهنَكِ إمساكي بكفّي على الحشا،

وَرَقْرَاقُ دَمعي رَهبَةً من زِيالكِ.

قال الأصمعي: فأظلمت والله علي الدنيا لحلاوة منطقها، وفصاحة لهجتها، فدنوت منها فقلت: نشدتك بالله لما زدتني من هذا ؟ فرأيت الضحك في عينيها، وأنشدت:

وَمُسْتَحْقِبَاتٌ لَيسَ يَحقِبنَ زُرْنَنا،

وَيَسحَبنَ أذيَالَ الصّيانةِ وَالشِّكلِ.

جَمَعنَ الهَوَى حَتى إذا مَا مَلَكْنَه

نزَعنَ، وَقد أكثرْنَ فينا من القَتْلِ.

مرِيضَاتُ رَجعِ القوْل خُرْسٌ عن الخنا،

تَألّفنَ أهْوَاءَ القُلوبِ بلا بَذلِ.

موَارِقُ مِنْ حَبلِ المُحِبّ عَوَاطِفٌ

بحَبلِ ذوِي الألبابِ بالجِدّ وَالهَزْلِ.

يُعَنّفُني العُذّالُ فِيهِنّ، وَالهَوَى

يُحَذّرُني من أنْ أُطيعَ ذوِي العَذْلِ.

فقلت: أحسنت، والذي خلقك ! فقالت: اكذاك ؟ قلت: نعم !قالت: فنشرك في هذا الإحسان غيركم، ثم قامت، فوالله ما مسعتمنشدةً بعدها أحلى ألفاظاً منها.

أماتها ومات أسفاً عليها

وجدت بخط أبي عمر بن حيويه، رحمه الله، ونقلته منه قال: حدثني أبو بكر محمد بن خلف المحولي قال: حدثنا أبو عبد الله التميمي قال: أخبرنا زياد بن صالح الكوفي قال:كان العلاء بن عبد الرحمن التغلبي من أهل الأدب والظرف، فواصلته جارية من جواري القيان، فكان يظهر لها ما ليس في قلبه، وكانت الجارية على غاية العشق له، والميل إليه، فلم يزالا على ذلك حتى ماتت الجارية عشقاً له ووجداً به، فذكرها بعد ذلك وأسف على ما كان كمن جفائه لها وإعراضه عنها، فرآها ليلةً في منامه، وهي تقول له:

أتَبكي بَعدَ قَتلِكَ لي عَلَيّا،

فَهَلاّ كانَ ذا إذْ كنتُ حَيّا.

سكَبتَ دموعَ عَينكَ في انهلال،

وَمن قَبلِ المَماتِ تُسِي إلَيّا.

أقِلَّ مِنَ النِّيَاحَةِ وَالمَرَاثي،

فَإني مَا أرَاكَ صَنَعتَ شَيّا.

عذبة الأنياب

أنبأنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال:قال جميل بن معمر:

خَلِيليّ عُوجَا اليَوْمَ حتى تُسَلِّمَا

على عَذْبَةِ الأنيَابِ طَيّبةِ النَّشْرِ.

فإنّكُمَا إنْ عُجْتُمَا ليَ سَاعَةً

شَكَرْتُكُمَا حتى أُعَيَّتَ في قَبرِي.

وَإنّكُمَا إنْ لَمْ تَعُوجَا فَإنّني

سأصرِفُ وَجدِي، فأَذَنا اليوْمَ بالهجِر.

ومَا ليَ لا أبكي، وَفي الأيكِ نَائِحٌ ؟

وَقد فارَقتني شَحنةُ الكَشحِ وَالخصرِ.

أيَبكي حَمامُ الأيكِ من فَقدِ إلفِهش

وَأحمِلُ ما بي عن بُثَينَةَ من صَبرِ.

يَقُولونَ: مَسحُورٌ يُجَنّ بذِكْرِهَا،

فأُقسِمُ ما بي من جُنونٍ، وَلا سِحْرِ.

فأُقْسِمُ لا أنسَاكِ مَا ذَرّ شَارِقٌ،

وَمَا خَبّ آلٌ في مُلَمَعَّةٍ قَفرِ.

وَما لاحَ نَجْمٌ في السّمَاءِ مُعَلَّقٌ،

وَما تورِقُ الأغصَانُ من وَرَق السِّدرِ.

لقَد شُغِفَتْ نَفسِي، بُثَينَ، بذِكرِكم،

كمَا شُغِفَ المَخمورُ، يا بَثنَ، بالخمرِ.

ذكَرْتُ مَقامي لَيلَةَ البَانِ قَابِضاً

على كَفّ حَوْرَاءِ المَدَامعِ كالبَدرِ.

فكِدْتُ، وَلمْ أملِكْ إليها صَبَابَةً،

أهيمُ، وَفاضَ الدّمعُ مني على النَّحرِ.

فَيا لَيتَ شِعرِي، هَلْ أبِيتنّ لَيْلَةً

كَليلَتِنا حتى يُرَى سَاطعُ الفَجرِ.

تَجُودُ عَلَيْنَا بالحَدِيثِ وَتَارَةً

تَجُودُ عَلَيْنا بالرُّضَابِ من الثَّغْرِ.

فَلَيتَ الهَوَى قد قَضَى ذاكَ مَرّةً،

فيَعلَمَ رَبي، عندَ ذلك، ما شُكْرِي.

فَلَوْ سَألَتْ مِني حَيَاتي بذَلتُها،

وَجُدْتُ بها إنْ كانَ ذلكَ من أمرِي.

بكيت من الفراق

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال:أنشدني إبراهيم بن عمرو لمحمد بن أبي أمية:

بَكَيتُ من الفرَاقِ غَدَاةَ وَلّتْ

بنا بُزْلُ الرّكابِ عنِ العِرَاقِ.

فَما رَقَأتْ دُمُوعُ العَينِ حتى

شَفَى قَلبي العِرَاقُ من الفِرَاقِ.

غَداً أحْدُو مَطَايَا الشّوْقِ مِني

بِسَوْقٍ لا يُقِيمُ عَلى الرّفَاقِ.

وَأسْتَبْطي إلى بَغدَادَ سَيْرِي،

وَلَوْ أني حُمِلْتُ عَلى البُرَاقِ.

آه من الحب

حدثنا أبو عبد الله بن أبي نصر الأندلس من لفظه قال: حدثني الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي قال: حدثني القاضي أبو محمد عبد الله بن الربيع قال: حدثنا أبو علي القالي قال:أنشدنا ابن عرفة نفطويه لابن أبي مرة المكي:

إنْ وَصَفُوني، فَنَاحِلُ الجَسَدِ،

أوْ فَتّشُوني فَأبْيَضُ الكَبِدِ.

ضَاعَفَ وَجدي وَزَادَ في سَقَمي

أنْ لَسْتُ أشكُو الهَوَى إلى أحَدِ.

آهِ مِن الحُبّ ! آهِ، وَاكبِدِي !

إنْ لمْ أمُتْ في غَدٍ فَبَعْدَ غَدِ.

جَعَلتُ كَفّي على فُؤادِيَ من

حَرّ الهَوَى، وَانطَوَيتُ فَوْقَ يَدي.

كَأنَّ قَلْبي، إذَا ذَكَرْتُكُمُ،

فَرِيسَةٌ بَينَ سَاعِدَيْ أسَدِ.

قاتل الله الحمى

قال: وأخبرنا الأشرف قال:قرأت على أبي العباس الأعرابي:

أيَا مُنْشِرَ المَوْتى أفِدْني من التي

بهَا نهَلَتْ نَفسِي سَقَاماً وَعَلّتِ.

لَقَد بخلَتْ حتى لَوَ أنِّي سَألتُهَا

قذى العينِ من ضَاحي الترَابِ لضَنّتِ.

ألا مَن لَعينٍ لا تَرَى قُلَلَ الحِمى،

وَلا حَبَبَ الأوْشالِ إلا استهَلّتِ.

ألا قاتَلَ اللهُ الحِمَى من مَقامةٍ،

وَقاتَلَ دُنيَانَا بهِ كَيفَ وَلّتِ.

فَما أُمّ بَوٍّ هَالِكٍ بِتَنُوفَةٍ،

إذا ذَكَرَتْهُ آخِرَ اللّيلِ حَنّتِ.

وَمَا وَجْدُ أعرَابيّةٍ قَذَفَتْ بهَا

صرُوفُ النوَى من حيثُ لم تكُ ظنّتِ.

إذا ذكَرت نجداً وَطِيبَ تُرَابِهِ،

وَبَردَ الحصَى من أرْض نجد أرَنّتِ.

بأكْثَرَ مِنّي لَوْعَةً، غَيْرَ أنّني

أُطَامِنُ أحشائي على ما أجنّتِ.

حديث كالقطر

وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: قرأت في نوادر ابن الأعرابي عن أبي عمر المطرز الأعرابيقال أبو عمر:أنشدنا أبو عمر:

وَحَديثُها كَالقَطْرِ يَسْمَعُهُ

رَاعي سِنِينَ تَتَابَعَتْ جَدْبَا.

فَأصَاخَ يَرْجُو أنْ يَكُونَ حَياً،

وَيَقُولُ مِنْ فَرَحٍ: أيَا رَبّا.

حديثها السحر الحلال

وأحسن ابن الرومي في هذا المعنى قوله:

وَحَدِيثُهَا السّحرُ الحَلالُ لَو أنّهُ

لمْ يَجْنِ قَتْلَ المُسْلِمِ المُتَحَرِّزِ.

إنْ طالَ لم يُملَلْ، وَإنْ هيَ أوْجَزَتْ

وَدَّ المُحَدَّثُ أنّهَا لم تُوجِزِ.

شَرَكُ العُيُونِ، وَفِتنَةٌ مَا مِثْلُهَا

للمُطْمَئِنّ، وَعُقْلَةُ المُسْتَوْفِزِ.

حديث كقطع الرياض

قال: وأنشدني بعض أصحابنا لبسار:

وَكَأنّ حُلْوَ حَدِيثِهَا،

قِطَعُ الرّياضِ كُسينَ زَهرَا.

وَكَأنّ تَحْتَ لِسَانِهَا

هَارُوتَ يَنفُثُ فيه سِحرَا.

وَتَخَالُ مَا جُمِعَتْ عَلَيْ

هِ ثِيَابُهَا ذَهَباً وَعِطْرَا.

وَكَأنّهَا بَرْدُ الشّرَا

بِ صَفا وَوَافَقَ مِنْك فِطْرَا.

ما لي وللعيد

أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال:أنشدني أبو عبد الله بن حجاج لنفسه:

قالوا: غَدَا العِيدُ فاستَبشِرْ به فرَحاً !

فقلتُ: ما لي وَما للعيدِ وَالفَرَحِ.

قَد كانَ ذا، وَالنّوَى لم تُضْحِ نازِلةً،

بعَقوَتي، وَغُرَابُ البَينِ لم يَصِحِ.

أيْامَ لمْ يَخْتَرِمْ قُرْبي العِبَادُ، وُلم

يَغدُ الشَّتَاتُ عَلى شَملي وَلم يَرُحِ.

وَطَائِرٍ طَارَ في خَضْرَاءَ مُورِقَةٍ

عَلى شَفَا جَدوَلٍ بالرَّوْضِ مُتَّشحِ.

بَكَى وَنَاحَ، وَلَوْلا أنّهُ سَبَبٌ

لشَجوِ قَلبي المُعَنّى فِيكِ لم يَنُحِ.

فَما ذَكَرْتُكِ، وَالأقْدَاحُ دَائِرَةٌ،

إلاّ مَزَجتُ بدَمعي بَاكياً قَدَحي.

وَلا سَمِعتُ بصَوْتٍ فيهِ ذِكْرُ نَوىً

إلاّ عَصَيتُ عَلَيهِ كلَّ مُقْتَرِحِ.

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي