مصارع العشاق/الناسك العاشق

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الناسك العاشق

أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف الواعظ بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروققال: حدثنا فضل اليزيدي قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن المهدي بن عمرو الهلالي قال:سمعت أبا يحيى التيمي يقول:كان يختلف معنا فتى من النساك يقال له أبو الحسين إلى مسعر بن كدام، وكان يختلف معه فتىً حسن الوجه يفتن الناس، إذا رأوه، فأكثر الناس القول فيه، وفي صحبته إياه، فمنعه أهله أن يصحبهن وأن يكلمه، فذهل عقله حتى خشي عليه التلف، فبلغ ذلك مسعراً، فقال: قولوا له لا تقربني، ولا تات مجلسي، فإني له كاره، فلقيته، فأخبرته بذلك، فتنفس الصعداء، ثم أنشأ يقول:

يَا مَنْ بَدائعُ حُسْنِ صُورته،

تُثْني إلَيْهِ أعِنّةَ الحَدَقِ.

لي مِنْكَ مَا للنّاسِ كُلّهِمِ،

نَظَرٌ وَتَسْلِيمٌ عَلى الطّرُقِ.

لَكِنّهُمْ سَعِدُوا بأمنِهِمِ،

وَشَقِيتُ حِينَ أرَاكَ بالفَرَقِ.

لا راحة ولا نوم

أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف صاحب بن سمعون بقراءتي عليه من نحو خمسين سنة قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثني شيخ ظريف حجازي قال:كنت بمكة، فإذا كان الليل سمعت أنيناً إلى جنبي، فطال الليل علي، فسألت عنه فقيل لي: فتىً مريض، فدخلت عليه فإذا هو من أحسن الناس وجهاً كأنه ذهب وفضة، فكلمته، فإذا هو عاشق يغلب على عقله حتى يخالط، فأصابه ذلك وأنا عنده، فجعل يقول:

مُتَيَّمٌ قَدْ بَرَاهُ السَّقَمْ،

كَأنّهُ نِضْوٌ يُقَاسِي الألَمُ.

فما له راحة ولا نوم إلى الصباح.

آه من البين

أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستادني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام، حدثنا الحسن بن محمد بن حبيب، سمعت أبا علي الحسن بن محمد الزنجاني الصوفي بأسفرايين، سمعت عبد السعيد المنجوري، سمعت سهلان القاضي يقول:بينا أنا مار في طرقات جبل شورى، وقد مرت علي قافلة عظيمة، إذ بفتى شاب على طريق ذاهب العقل مدهوش عريان، وبين يديه خلقان متمزقة، فقال لي: أين رأيت القافلة ؟ قلت: في موضع كذا وكذا.قال: آه من البين، آه من البين، آه من دواعي الحب ! قلت: ما دهاك ؟ فقال:

شَيّعتُهمْ من حَيثُ لم يَعلَموا،

وَرُحتُ وَالقَلْبُ بهِمْ مُغْرَمُ.

سَألْتُهُمْ تَسْلِيمَةً مِنْهُمُ

عَلّي إذْ بَانُوا فَمَا سَلّمُوا.

سَارُوا وَلَمْ يَرْثُوا لمُسْتَهْتَرٍ،

وَلمْ يُبَالُوا قَلْبَ مَنْ تَيّمُوا.

وَاستَحسَنوا ظُلمي، فمن أجلهم

أحَبّ قَلبي كُلَّ مَن يَظلِمُ.

يوم طش بعد رش

وأخبرنا أبو بكر الأردستاني أيضاً بمكة على باب الندوة، أخبرنا الحسين بن حبيب المذكر، سمعت أبا الفرج أحمد بن محمد النهاوندي يقول:مررت بدرب أبي خلفن فإذا جماعة وقوف على مجنون، فوقفت فهش إلي، وقال:

اسقِني قَبلَ تَبارِيحِ العَطَشْ،

إنّ يَوْمي يوْمُ طشٍّ بَعدَ رَشْ.

حُبُّ مَن أهوَاهُ قد أدهَشَني،

لا خلوْتُ الدهرَ من ذاك الدَّهَشْ.

ابن أبي البغل والمغنية

أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن أحمد بن الكابت، حدثني عبدوس بن مهدي بالكرج قال:نزل علي بن أبي البغل، عند تقلده الإشراف، على عمال الجبل، فزارته مغنية كان بها لهجاً على قلة إعجابه بالنساء، فلما كانت ليلة، ونحن قعود في البستان نشرب، وقد طلع القمر، هبت ريح عظيمة فقلبت صوانينا التي كان فيها شرابنا، وأقبلت الغلمان يسقوننا، فسكر ابن أبي البغل على ضعف شربه وقام إلى مرقده، وأخذنا معه والمغنية، فلما حصلنا فيه استدعى قدحاً، ولنا مثله، وأنشأ يقول:

مَغمُوسَةٌ في الحُسنِ مَعشُوقَةٌ،

تَقْتُلُ ذَا اللُّبّ وَتُحْيِيهِ.

بَاتَ يُرِينِيهَا هِلالُ الدُّجَى،

حَتى إذَا غَابَ أرَتْنِيهِ.

وطرح الشعر على المغنية فلقنته وغنتنا فيه، وشربنا القدح، وانصرفنا، فلما كان من الغد، وحضرنا المائدة، وهي معنا، فاتحناه بما كان فحلف أنه لم يشعر بما جرى، ولا بالشعر، واستدعى دفتره، فأثبت البيتين فيه.

لا قضاة للعاشقين

أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي عن أبي الحسن بن نصر بن الصباح لعمرو الوصافي:

لهفي على سَاكِنِ قَصرِ السَّرَاه

نَغّصَ حُبيِّهِ عليّ الحَيَاهْ.

مَا يَنْقَضي من عَجَبٍ فِكرَتي

في قِصّةٍ فَرّطَ فِيهَا الوُلاهْ.

تَرْكُ المُحِبّينَ، بِلا حَاكِم

لمْ يَنْصِبُوا للعَاشِقِينَ القُضَاهْ.

لَقَدْ أتَاني خَبَرٌ سَاءَني

من قَوْلها في السرّ: وَاخَجلتاهُ.

حديث الجنيد

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الأزجي سنة أربعين وأربعمائة،أخبرنا أبو الحسن علي بن جعفر السيرواني بمكة حكى عن الجنيد أنه قال:أعرف من قتلته المحبة، ولم يعرف المحبة، ثم قال: كيف ؟ فقلنا: يقول الشيخ ! فقال: قتله ما خبئ فيها.

أصناف الناس

أخبرنا عبد العزيز بن علي قراءة عليه، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن جهضم بمكة لفظه وكتابه في المسجد سنة ست وتسعين وثلاثمائة، سمعت أحمد بن محمد يقول:كان سهل يقول: الناس ثلاثة أصناف: صنف منهم مضروب بسوط المحبة، مقتول بسيف الشوق، مضطجع على بابه ينتظر الكرامة، وصنف منهم مضروب العفو، وصنف منهم مضروب بسوط الغفلة، مقتول بسيف الشهوة، مضطجع على بابه ينتظر العقوبة.

ذو النون والمريض

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزحجي، حدثنا علي بن الحسن بمكة، حدثنا أحمد بن محمود بن خرزاذ الأهوازي، حدثني أحمد بن جعفر الدستري، حدثنا سعيد بن عثمان قال:دخل ذو النون على مريض يعوده فراى المريض يئن، فقال ذو النون: ليس بصادق في حبه من لم يصبر على ضربه، فقال المريض: لا ولا صدق في حبه من لم يتلذذ بضربه، فقال ذو النون: لا ولا صدق من رأى حبه لربه، عز وجل.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي