مصارع العشاق/جناية السبع على عاشقين

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

جناية السبع على عاشقين

ذكر أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، ونقلته من خطه، أن أبا بكر محمد بن خلف حدثهم: حدثني أبو أحمد عبد الله بن محمد الطالقاني، حدثني محمد بن الحارث الرازي، أخبرني أحمد بن عمر الزهري، حدثني عمي عن أبيه قال:خرجت في نشدان صالة لي، فآواني المبيت إلى خيمة أعرابي، فقلت: هل من قرىً ؟ فقال لي: انزل ! فنزلت، فثنى لي وسادة، وأقبل علي يحدثني، ثم أتاني بقرىً، فأكلت. فبينا أنا بين النائم واليقظان، إذا بفتاة قد أقبلت لم أر مثلها جمالاً وحسناً، فجلست، وجعلت تحدث الأعرابي ويحدثها، ليس غير ذلك، حتى طلع الفجر، ثم انصرفت، فقلت: والله لا أبرح موضعي هذا، حتى أعرف خبر الجارية والأعرابي. قال: فمضيت في طلب ضالتي يوماً، ثم أتيته عند الليل، فأتى بقرىً، فبينا أنا بين النائم واليقظان، وقد أبطأت الجارية عن وقتها، قلق الأعرابي، فكان يذهب ويجيء وهو يقول:

ما بالُ مَيَّةَ لا تأتي لِعَادَتِها،

أعاجَها طَرَبٌ أمْ صَدَّها شُغُلُ

لَكِنَّ قَلبي عَنكُمُ لَيس يَشغلهُ

حتى المماتِ، وَما لي غيركُم أمَلُ

لَو تَعلمينَ الذي بي مِنْ فِرَاقِكُمُ

لما اعتَذّرْتِ وَلا طابت لك العِلَلُ

نَفسِي فداؤكِ قد أحلَلتِ بي سقَماً

تكادُ من حرِّهِ الأعضَاءُ تَنفصِلُ

لَوْ أنّ غادِيةً منهُ على جَبَلٍ،

لمَادَ وَانهَدَّ من أرْكانِهِ الجَبَلُ

ثم أتاني فأنبهني، ثم قال لي: إن خلتي التي رأيت بالأمس، قد أبطأت علي، وبيني وبينها غيضة، ولست آمن السبع عليها، فانظر ما ههنا حتى أعلم علمها، ثم مضى فأبطأ قليلاً، ثم جاء بها يحملها، السبع قد أصابها، فوضعها بين يدي، ثم أخذ سيفه، ومضى فلم أشعر إلا وقد جاء بالأسد يجره مقتولاً، ثم أنشأ يقول:

ألا أيّها اللّيثُ المُضِرّ بِنَفسِهِ،

هُبلتَ لقد جَرَّتْ يداكَ لكَ الشرَّا

أخلّفتَني فَرْداً وَحِيداً مُدَلّهاً،

وَصَيَّرْتَ آفَاقَ البِلادِ بِهَا قَبرَا

أأصحَبُ دَهراً خَانَني بِفِرَاقِها ؟

مَعاذَ إلهي أن أكونَ بها بَرّا

ثم أقبل علي فقال: هذه ابنة عمي كانت من أحب الناس إلي، فمنعني أبوها أن أتزوجها، فزوجها رجلاً من أهل هذه الأبيات، فخرجت من مالي كله ورضيت بالمقام ههنا على ما ترى، فكانت إذا وجدت خلوة أو غفلة من زوجها أتتني، فحدثتني وحدثتها، كما رأيت ليس شيء غيره، وقد آليت على نفسي أن لا أعيش بعدها، فأسألك بالحرمة التي جرت بيني وبينك، إذا أنا مت فلففني وإياها في هذا الثوب، وادفنا في مكاننا هذا، وأكتب على قبرنا هذا الشعر:

كنّا على ظَهرِها وَالدَّهرُ في مَهَلٍ،

وَالعَيشُ يَجمَعُنا وَالدّارُ وَالوَطنُ

فَفَرَّقَ الدّهرُ بِالتّصرِيفِ أُلفَتَنَا،

فَاليَوْمَ يَجمعُنا في بَطنِها الكَفَنُ

ثم اتكأ على سيفه، فخرج من ظهره فسقط ميتاً، فلففتهما في الثوب وحفرت لهما، فدفنتهما في قبر واحد وكتبت عليه كما أمرني.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي