مصارع العشاق/حنين المغنية الحسناء إلى بغداد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

حنين المغنية الحسناء إلى بغداد

أخبرني أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأندلسي بمصر، وكتبه لي بخطه قال: أخبرني أبو محمد اليزيدي قال: حدثنا الزبير قال: حدثني أبو علي بن الأشكري المضري قال:كنت من جلاس تميم بن أبي أوفى، وممن يخف عليه، فبعث بي إلى بغداد، فاتبعت له هناك جاريةً رائعة جداً، فلما حصلت عند أقام دعوةً لجلسائه، قال: وأنا فيهم، ثم وضعت الستارة، وأمرها بالغناء ليسمع غناءها، ويحاسن الحاضرين بها، فغنت:

وبَدا له من بَعد ما اندَمل الهوَى

برْقٌ تَألّقَ موهناً لمَعَانُه.

يبدو كحاشِيَة الرِّداءِ، ودونَه

صَعبُ الذُّرَى متَمَنّعٌ أركانُه.

فالنارُ ما اشتَمَلَتْ عَلَيه ضلوعُه،

والماءُ ما سَمَحَتْ به أجفانُه.

قال: فأحسنت ما شاءت، وطرب تميم وكل من حضر، ثم غنت:

سَيُسلِيكَ عمَّا فاتَ دولةُ مُفضِلٍ

أوَائِلُهُ مَحْمودَةٌ وأوَاخِرُه.

ثنى اللهُ عِطفَيه وألّفَ شخصَهُ،

على البِرّ، مذ شُدّتْ عليه مآزِرُه.

قال: فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً، ثم غنت:

أستودع الله في بَغْدادَ لي قَمَراً

بالكَرْخِ من فَلكِ الأزرارِ مطلِعُه.

قال: فاشتد طرب تميم، وأفرط جداً، ثم قال لها: تمني ما شئت، فلك متمناك.فقالت: أتمنى عافية الأمير وبقاءه.فقال: والله لا بد لك أن تتمني.فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى ؟ فقال: نعم !، فقالت له: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد.قال: فاستنقع لون تميم، وتغير وجهه، وتكدر المجلس، وقام وقمنا كلنا. قال ابن الأشكري: فلحقني بعض خدمه، وقال لي: ارجع فالأمير يدعوك فرجعت، فوجدته جالساً ينتظرني، فسلمت وجلست، فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به ؟ قلت: نعم أيها الأمير.فقال: لا بد من الوفاء لها، وما اثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها غلى بغداد، فإذا غنت هناك فاصرفها.فقلت: سمعاً وطاعةً.قال: ثم قمت وتأهبت وأمرها بالتأهب وأصحبها جاريةً سوادء تخدمها، وأمر بناقةٍ ومحمل، فأدخلت فيهن وجعلها معين ثم دخلنا الطريق إلى مكة مع القافلة، فقضينا حجنا، ثم دخلنا في قافلة العراق، فلما وردنا القادسية، أتتني السوداء عنها، فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن ؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية.فانصرفت إليها وأخبرتها، فلم أنشب أن سمعت صوتها قد اندفع بالغناء:

لمّا وَرَدنَا القَادِسِيّ

ة حيثُ مجْتَمَعُ الرّفِاقِ.

وَشممتُ من أرْض الحجا

زِ نَسيمَ أنفاسِ العرَاقِ.

أيْقَنتُ لي ولمَن أُحِ

بّ بجمعِ شَملٍ واتّفاقِ.

وَضَحِكتُ من فَرحِ اللّقا

ء كما بَكيتُ من الفرَاقِ.

فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله ! فما سمع لها كلمة.قالك ثم نزلنا بالياسرية، وبينها وبين بغداد قريب في بساتين متصلة من الناس فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد، فلما كان قرب الصباح، إذا أنا بالسوداء قد أتتني ملهوفة.فقلت: ما لك ؟ فقالت: إن سيدتي ليست حاضرةً ! فقلت: وأين هي ؟ قالت: والله ما أدري.قال: فلم أحس لها أثراً، فدخلت بغداد، وقضيت حوائجي بها، وانصرفت إلى تميم فأخبرته الخبر، فعظم ذلك عليه، ثم ما زال بعد ذلك ذاكراً لها واجماً عليها.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي