مصارع العشاق/سأل الله أن يبتليه

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

سأل الله أن يبتليه

حدثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن علي العلاف الواعظ من حفظه قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن سمعون الواعظ شيخنا يقول: سمعت أبا عبد الله الغلفي، أو قال لي أبو عبد الله الغلفي بطرسوس صاحب أبي العباس بن عطاء يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول:قرأت القرآن، فما رأيت الله، عز وجل، ذكر عبداً فأثنى عليه في ما تبتليني، فما مضت الأيام والليالي حتى خرج من داري نيف وعشرون ما رجع منهم أحد، وذهب ماله، وذهب عقله، وذهب ولده وأهله. قال أبو عبد الله الغلفي: فمكث بحكم الغلبة سبع سنين أو نحوها، فما رأيت أحداً صحا بعد غلبة فنطق بالحكمة أحسن من أبي العباس بن عطاء، فكان أول شيء قال بعد صحوه من غلبته:

حَقّاً أقولُ لقد كَلّفتني شَطَطَاً

حملي هَوَاك وصَبري ذانِ تعجِيبُ.

جمَعتَ شيئينِ في قَلبٍ له خَطَرٌ،

نَوْعَينِ ضِدّينِ: تَبِريدٌ وتَلْهِيبُ.

نارٌ تُقَلقِلُني، والشوْقُ يُضرِمُهَا،

فكَيفَ قَد جُمِعا، والعقلُ مسلوبُ.

لا كنتُ إن كنتُ أدري كيفَ يُسلمني

صَبري إلَيكَ كما قد ضُرّ أيّوبُ.

لما تَطاوَلَ بَلوَاه اقشَعَرَّ لها،

فصَاحَ، من حَملِها، غَرْثانُ مَكرُوبُ:

قد مَسّني الضَّرّ والشيطانُ ينصُبُ بي،

وأنتَ ذو رحْمَةٍ، والعَبْدُ مَنكوبُ.

قال لنا شيخنا أبو طاهر بن العلاف: قال لنا أبو الحسين بن سمعون، رحمه الله:أظن كان بقي عليه من الغلبة شيء فقال: لقد كلفني شططاً، وأنا أقول: لقد حملتني عجباً.

ريحانة ناطقة

أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد المكي صاحب قوت القلوب بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو الفتح يوسف بن عمر القواس إملاء قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن محمد بن سهل الواعظ قال:حدثنا محمد يعني ابن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال: حدثنا محمد بن الحسين قال:حدثنا روح بن منصور قال: قال عباد العطار:قمت ذات ليلة فقلت: اللهم اكس وجهي منك حياءً، فصرخت ريحانة: ادعو لك بإسقاط العرى، أنت مراءٍ، وتدعو بالحياء ؟ الورع أولى بك من ذا، وأنشأت تقول:

تَعَوّدْ سَهَرَ اللّيلِ، فإنّ النَّوْمَ خُسرَانُ.

وَلا تَرْكنْ إلى الذَّنْبِ، فعُقبى الذنبِ نيرَانُ.

وَكُنْ للْوَحْيِ دَرّاساً، فَلِلقُرْآنِ أخدانُ.

إذا ما اللّيلُ فاجاهُم، فهم في الليلِ رُهْبَانُ.

يَمِيلون كمَا مالَتْ، من الأروَاحِ، أغصانُ.

قال: فبكيت حتى اشتفيت.

عيسى بن مريم والأسد

أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد الشاهد قال:حدثنا الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي قال: حدثنا أبو يوسف الضخم قال: حدثنا عبد الله بن مقوم التنوخي قال: أخبرنا عبد المنعم عن أبيه قال:خرج عيسى بن مريم، عليه السلام، في ليلة شاتية في سياحته فأخذته السماء بالمطر والريح، فأتى كهفاً ليسكن فيه، فإذا هو بسبع قد خرج إليه يبصيص، فلما رآه عيسى رجع وقال: أنت أحق بموضعك، وجعل يقول: يا رب لكل ذي روح ملجأ يسكن إليه، وليس لعيسى مسكن، فأوحى الله، عز وجل، إليه: استبطأتني، وعزتي لأزوجنك، يوم القيامة، حوراء، ولأولمن عليك أربعة آلاف سنة.

كمون الحب في الحشا

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي الوكيل قال: حدثنا الحسن بن حسين بن حكمان قال: حدثنا أبو الفتح البصري قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الصوفي قال: حدثنا أبو العباس بن عطاء قال:حكي لنا عن الأصمعي قال:دخلت بعض أحياء العرب فإذا بقوم شحبٍ ألوانهم، فقلت في نفسي: إن هؤلاء قد وقعوا على داء، فأنا أخرج من بينهم. قال: فذهبت لأخرج فإذا بعضهم يقول لي: إلى أين، يا أخا العرب ؟ فقلت: أطلب لدائكم دواءً.فقال: ارجع، عافاك الله، فإنا قوم ليس لدائنا دواء، نحن قوم فشت في قلوبنا محبة الله، فتغيرت ألواننا.قال الأصمعي: فأعجبيني ما سمعت لأنني ما سمعت مثله قط.قال: فرجعت إلى الحي، ولم أزل أور فرأيت خباء شعر منفرداً عن البيوت، فقصدته، فاطلعت فيه، فإذا أنا بفتىً حسن الوجه في عنقه سلسلة مشدودة سكة في الأرض، قال: فهالني ما رأيت منه، فقلت: يا فتى ما شأنك ؟ فقال: يا ابن عمي ! يقولون إني مجنون ! فقلت: أهو كما يقولون ؟ فقال لي: لا والله ما أنا بمجنون، ولكني بحب الله مفتون. قال: قلت فصف لي الحب ! فقال: إليك عني، يا أخل العرب، جل عن أن يحد، وخفي أن يرى، كمن في الحشا كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى، ثم صفق وأنشأ يقول:

أأنْتَ الذي أصْفَيتَ منكَ موَدّةً

قلائِعُها في ساحَةِ القلبِ تُغرَسُ.

وإن كان لي من فَقد قلبي موحشٌ،

فقد ظلّ لي من فكرَتي فيك مؤنسُ.

أناجِيكَ بالإضْمارِ حتى كَأنّني

أرَاك بعينَيْ فكرَتي، حينَ أجلِسُ.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي