مصارع العشاق/سكينة تنقد الشعراء

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

سكينة تنقد الشعراء

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي بقراءتي عليه في المسجد الحرام بين باب بني شيبة وباب النبي تجاه الكعبة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن لآل الهمذاني، حدثنا أحمد بن الحسين بن علي، حدثنا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك، حدثنا إسحق بن سيار، حدثنا الأصمعي عبد الملك بن قريب عن أبيه عن لبطة بن الفرزدق بن غالب قال:اجتمع أبي وجميل بن معمر العذري وجرير بن الخطفى ونصيب مولى عمر وكثير في موسم من المواسم، فقال بعضهم لبعض: والله لقد اجتمعنا في هذا الموسم لأمر خير أو شر، وما ينبغي لنا أن نتفرق إلا وقد تتابع لنا في الناس شيء نذكر به، فقال جرير: هل لكم في سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، نقصدها، فنسلم عليها، فلعل ذلك يكون سبباً لبعض ما نريد ؟ فقالوا: امضوا بنا، فمضينا إلى منزلها، فقرعنا الباب فخرجت إلينا جارية لها بريعة ظريفة، فأقرأها كل رجل منهم السلام باسمه ونسبه، فدخلت الجارية، وعادت فبلغتهم سلامها، ثم قالت أيكم الذي يقول:

سَرَتِ الهُمُومُ فَبِتْنَ غَيرَ نِيامِ

وَأخُو الهُمومِ يَرُومُ كلّ مَرَامِ

عَفّتْ مَعَالمَها الرّوَاسِمُ بَعدَنَا،

وَسجالُ كلّ مُجَلجلٍ سَجّامِ

دَرَسَ المنَازِلُ بَعدَ مَنزِلَةِ اللّوَى

وَالعَيشُ بَعدَ أُولَئِكَ الأيّامِ

طرَقَتْكَ صَائدةُ القلوبِ وَليسَ ذا

حينَ الزيّارَةِ فَارْجِعي بسَلامِ

تُجرِي السّوَاكَ على أغرّ كأنّهُ

بَرَدٌ تَحَدّرَ من مُتُونِ غَمَامِ

لَوْ كنتِ صَادِقَةً بمَا حَدّثْتِنا

لَوَصَلتِ ذاكَ وكانَ غيرَ تَمامِ

قال جرير: أنا قلته.قالت: فما أحسنت ولا أجملت، ولا صنعت صنيع الحر الكريم، لا ستر الله عليك كما هتكت سترك وسترها، ما أنت بكلف ولا شريف حين رددتها بعد هدوء العين، وقد تجشمت إليك هول الليل.هلا قلت:

طرَقتْك صَائدَةُ القَلوبِ فَمَرْحباً

نَفسِي فِدَاؤكِ فَادْخُلي بِسَلامِ

خذ هذه الخمسمائة درهم، فاستعن بها في سفرك. ثم انصرفت إلى مولاتها وقد أفحمتنا، وكل واحد من الباقين يتوقع ما يخجله، ثم خرجت فقالت: أيكم الذي يقول:

ألا حَبّذا البَيتُ الذي أنا هَاجِرُهْ

فلا أنا ناسيه، وَلا أنا ذَاكِرُهْ

فَبُورِكَ من بَيتٍ وَطَالَ نَعيمُهُ

وَلا زالَ مَغشِيّاً وَخُلّدَ عامِرُه

هوَ البيتُ بيتُ الطَّوْلِ وَالفضْلِ دائماً

وَأسعَدَ رَبي جَدّ مَن هُوَ زَائرُهْ

بهِ كلّ مَوْشيِّ الذّرَاعَينِ يَرْتَعي

أُصُولَ الخُزَامَى ما تَيَقّنَ طائرُهْ

هُمَا دَلّتاني مِنْ ثَمَانينَ قَامةً

كما انقَضّ بازٍ أقتمُ الرّيشِ كاسرُهْ

فلما استَوَتْ رِجلايَ في الأرْضِ قالتا:

أحَيٌّ نُرَجّي أم قَتيلٌ نُحاذرُهْ

فأصْبَحتُ في أهلٍ وَأصبَحَ قصرُها

مُغَلّقَةً أبْوَابُهُ ودَسَاكِرُهْ

فقال أبي، يعني الفرزدق: أنا قلته.قالت: ما وفقت ولا أصبت، أما أيست بتعريضك من عودة عندك محمودة ؟ خذ هذه الستمائة، فاستعن بها.ثم انصرفت إلى مولاتها، ثم عادت فقالت: أيكم الذي يقول:

فَلَوْلا أنْ يُقَالَ صَبا نُصَيبٌ

لَقُلتُ بِنَفسِيَ النّشءُ الصّغَارُ

بِنَفسِي كُلّ مَهضُومٍ حَشاهَا،

إذا ظُلِمَت فليسَ وَلها انتصَارُ

فقال نصيب: أنا قلته.فقالت: أغزلت وأحسنت وكرمت، إلا أنك صبوت إلى الصغار، وتركت الناهضات بأحمالها.خذ هذه السبعمائة درهم، فاستعن بها. ثم انصرفت إلى مولاتها، ثم عادت فقالت: أيكم الذي يقول:

وَأعجَبَني يا عَزّ مِنك خلائقٌ

كِرَامٌ إذا عُدّ الخلائِقُ أرْبَعُ

دُنُوُّكِ حتى يذكرَ الجاهلُ الصّبي

وَمدّكِ أسبابَ الهوَى حينَ يَطمعُ

وَأنّكَ لا يدرِي غَرِيمٌ مطلتهِ،

أيَشتدّ إن لاقاكِ أمْ يَتَضرّعُ

وَأنّكَ إن وَاصَلتِ أعلمتِ بالذي

لديك فلم يوجَد لك الدهرَ مطمعُ

قال كثير: أنا قلته.قالت: أغزلت وأحسنت.خذ هذه الثمانمائة درهم، فاستعن بها.ثم انصرفت إلى مولاتها، وخرجت فقالت: أيكم يقول:

لكلّ حَدِيثٍ بَينَهُنّ بَشَاشَةٌ،

وَكُلّ قَتيلٍ بَينَهُنّ شَهِيدُ

يَقولونَ جاهِد يا جَميلُ بغَزْوَةٍ،

وَأيّ جِهَادٍ غَيرَهُنّ أُرِيدُ

وَأفضَلُ أيّامي وَأفضَلُ مَشهدِي،

إذْ هِيجَ بي يوماً وَهنّ قُعُودُ

فقال جميل: أنا قلته.قالت: أغزلت وكرمت وعففت، ادخل.قال: فلما دخلت سلمت، فقالت لي سكينة: أنت الذي جعلت قتيلنا شهيداً.وحديثنا بشاشة، وأفضل أيامك يوم تنوب فيه عنا، وتدافع، ولم تتعد ذلك إلى قبيح خذ هذه الألف درهم وابسط لنا العذر، أنت أشعرهم. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي