مصارع العشاق/صخر العقيلي وزوجته وابنة عمه ليلى

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

صخر العقيلي وزوجته وابنة عمه ليلى

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف المحولي، حدثنا أبو محمد التميمي عن المدائني عن أبي زكريا العجلانيأن رجلاً من بني عقيل كان يسمى صخراً، وكانت له ابنة عم تدعى ليلى، وكان بينهما ود شديد، وحب مبرح، ولم يكن واحد منهما يفتر عن صاحبه ساعة، ولا يوماً، وكان لهما مكان يلتقيان فيه، ولليلى جارية تبلغ صخراً رسائلها، وتبلغها عنه، وتسعى بينهما، حتى طال ذلك منهما، وكانا يتحدثان في كل ليلة، ثم ينصرفان إلى منازلهما. ثم إن أبا صخر زوج صخراً امرأةً من الأزد وصخر لذلك كاره مخافة أن تصرمه ليلى، فلما بلغ ليلى خبره، قطعته وتركت إتيان المكان الذي كانا يلتقيان فيه، فمرض صخر مرضاً شديداً، وكان قد أفشى سره إلى ابن عم له، وكانوا يقولون: قد سحرته ليلى، لما كان يصنع بنفسه.فكان ابن عمه يحمله إلى ذلك المكان الذي كانا يلتقيان فيه، فلا يزال يبكي على آثارها وعهدها حتى يصبح، وابن عمه يسعفه ثم يرده. وكانت ليلى أشد وجداً به، وحباً له منه لها، فأرسلت جاريتها إليه، وقالت: اذهبي إلى مكاننا، فانظري هل ترين صخراً هنالك، فإذا رأيته فقولي له:

تَعْساً لمَنْ لِغَيرِ ذَنبٍ يَصرِمُ،

قَد كُنتَ يا صَخر زَمَاناً تَزْعُمُ:

أنّكَ مَشغُوفٌ بِنَا مُتَيَّمُ،

فَالحَمدُ للهِ عَلى مَا يُنعِمُ

لمّا بَدا مِنكَ لَنَا المُجَمجَمُ،

وَاللهُ رَبّي شَاهدٌ قَد يَعلَمُ

أنْ رُبّ خِطبٍ شَأنُهُ يُعَظَّمُ،

رَدَدتُهُ، وَالأنفُ مِنهُ يُرْغَمُ

قال: فانطلقت الجارية، فإذا هي بصخر، فأبلغته قولها، فوجدته كالشن البالي قد هلك حزناً ووجداً.فقال لها: يا حسن أحسني بي فعلاً، وأبيني لي عذراً، وسلي لي غفراً وصلحاً، فوالله ما ملكت أمري، وقولي لها:

فهمتُ الذي عيّرْتِ يا خِيرَ مَن مَشَى،

وَما كانَ عن رَأيي وَما كان عن أمرِي

دُعيتُ فلم أفعل، وَزُوّجتُ كارِهاً،

وَما ليَ ذنبٌ، فاقبلي وَاضِحَ العُذرِ

فإنْ كنتُ قَد سُمّيتُ صَخراً، فإنّني

لأضعفُ عن حَملِ القليلِ من الصّخرِ

وَلَستُ، وَرَبِّ البّيتِ، أبغي مُحَدَّثاً

سِوَاكِ، وَلَوْ عِشنا إلى مُلتَقى الحَشرِ

فقالت له حسن: يا صخر ! إن كنت تزعم أنك كاره تزويج أبيك إياك فاجعل أمر امرأتك بيدي لأعلم ليلى أنك لها محب ولغيرها قال، وأنك كنت مكرهاً.فقال: لا ! ولكن قد جعلت ذلك في يد ابنة عمي. فانصرفت إليها فأخبرتها بما دار بينهما، وقالت: قد جعل الأمر إليك، وما عليه عتب فطلقيها منه.قالت ليلى: هذا قبيح، ولكن عديه الليلة إلى موضع متحدثنا، ثم أطلّق إن جعل أمرها إليك، فإنه لم يكن ليردك بحضرتي. فمضت الجارية، فأخذت موعده، فاجتمعا وتشاكيا، وتعاتبا، ثم قالت له الجارية: اجعل أمر أهلك إلي، فوالله إن ليلى لأفضل بني عقيل نسباً وأكرمهم أباً وحسباً، وإنها لأشد لك حباً، فقال صخر: فأمرها في يدك.قالت: فهي طالق منك ثلاثاً، فأظهرت ليلى من ذلك جزعاً، وأن الذي فعلت جاريتها شق عليها.فتراجعا إلى ما كانا عليه من اللقاء ولم يظهر صخر طلاق امرأته حتى قال له أبوه: يا صخر ألا تبني بأهلك ؟ قال له: وكيف أبني بها، وقد بانت مني عصمتها في يمين حلفت بها ؟ فأعلم أبوه أهل المرأة، وقالت المرأة تهجو ليلى وقومها:

ألا أبلِغَا عَنّي عُقَيلاً رِسَالَةً،

وَمَا لعُقَيلٍ من حَيَاءٍ وَلا فَضلِ

نساؤهُمْ شرُّ النّساءِ، وَأنتُمُ

كذلك، إنّ الفرْعَ يجرِي على الأصلِ

أمَا فِيكُمُ حُرٌّ يَغارُ عَلى اختِهِ ؛

وَما خَيرُ حيّ لا يَغارُ على الأهلِ

قال: وهجتها ليلى، وتقاولتا حتى شاع خبرهما، فأجمعوا على تزويج ليلى من صخر، لما انكشف لهم من وجد كل واحد منهما بصاحبه، فزوجوها من صخر، فعاشا على أنعم حال وأحسن مودة.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي