مصارع العشاق/صريعا الحب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

صريعا الحب

أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد بن علي الجرادي الكاتب قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه عن يونس قال:انصرفت من الحج فمررت بماوية وكان لي فيها صديق من بني عامر بن صعصعة، فصرت إليه مسلماً، فأنزلني، فبينا أنا عنده، ونحن قاعدان بفنائه، إذا نساءٌ مستبشرات، وهن يقلن: تكلم تكلم ! فقلت: ما هذا ؟ فقالوا: فتىً منا كان يعشق ابنة عم له، فزوجت، وحملت إلى ناحية الحجاز، فإنه لعلى فراشه منذ حول ما تكلم، ولا أكل، إلا أن يؤتى بما يأكله ويشربه.فقلت: أحب أن أراه.فقام، وقمت معه فمشينا غير بعيد، وإذا بفتىً مضطجع بفناء بيت من تلك البيوت، لم يبق منه إلا خيال، فأكب الشيخ عليه يسأله، وأمه واقفة، فقالت: يا مالك ! هذا عمك أبو فلان يعودك، ففتح عينيه، وأنشأ يقول:

ليبكِني اليومَ أهلُ الوُدّ والشَّفَقِ،

لم يبقَ من مهجتي إلاّ شفا رَمَقِ.

اليوْمَ آخرُ عَهدي بالحياةِ، فَقَد

أُطلِقتُ من رَبقَةِ الأحزانِ والقَلَقِ.

ثم تنفس الصعداء فإذا هو ميت، فقام الشيخ، وقمت فانصرفت إلى خبائه فإذا جارية بضة تبكي وتتفجع.فقال الشيخ: ما يبكيك ؟ فأنشأت تقول:

ألا أُبَكّي لِصَبّ شَفّ مُهْجَتَهُ

طولُ السَّقامِ وأضنى جسمَه الكَمَدُ.

يا لَيتَ مَن خَلّفَ القلبَ الهَيومَ به،

عِندي فأشكو إليه بعض ما أجِدُ.

أنَشْرُ تُرْبِكَ أسرَى لي النسيمُ بهِ،

أم أنتَ حيثُ يُناطُ السَّحرُ والكَبِدُ.

ثم انثنت على كبدها، وشهقت، فإذا هي ميتة. قال يونس: فقمت من عند الشيخ وأنا وقيذ. أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال: حدثنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد فذكر القصة.

أجساد بغير قلوب.

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال: أخبرنا أبو محمد بن الجرادي الكاتب قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال:أنشدنا العكلي عن أبيه لداود بن سلم التميمي:

ما ذَرّ قَرْنُ الشّمْسِ إلاّ ذَكرْتُها،

وَيذكِرُنيها ما دَنَتْ لِغُرُوبِ.

واذكُرُها ما بينَ ذاكَ وَبعدَهُ،

وبالليلِ أحلامي، وَعندَ هُبوبِ.

وَبُلّيتُها شوْقاً، وَبَلاّنِيَ الهَوَى،

وأعيا الذي بي طِبَّ كلّ طبيبِ.

وأعجبُ أنّي لا أموتُ صَبَابَةً،

وما كمَدٌ مِنْ عَاشِقٍ بِعَجيبِ.

وكم لامَ فيها من مُؤدّ نصيحَةً،

فقلتُ له: أقصِرْ، فغيرُ مُصيبِ.

أتَأْمُرُ إنْساناً بفُرْقَةِ قلْبِهِ ؟

أتُصْلِحُ أجساداً بِغَيْرِ قُلُوبِ ؟

وكُلُّ محِبٍّ قد سلا، غيرَ أنّني

غريبٌ ! ألا يا ويحَ كلِّ غريبِ.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي