مصارع العشاق/عاشق أخت زوجته

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

عاشق أخت زوجته

ذكر أبو عمر محمد بن العباس، ونقلته من خطه، أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي، أخبرني أبو بكر العامري، أخبرني رياح بن قطب بن زيد الأسدي ابن أخت قريبة أم البهلول ابنة أباق الدبيرية الأسدية أخت الركاض بن أباق الدبيري الشاعر عن قريبة قالت:كان لعبد المخبل وهو كعب بن مالك ؛ وقال غير قريبة: هو كعب بن عبد الله من بني لأي بن شاس بن أنف الناقة وهو من أهل الحجاز ؛ ابنة عم له يقال لها أم عمرو، وكانت أحب الناس إليه، فخلا بها ذات يوم، فنظر إليها وهي واضعة ثيابها فقال لها: يا أم عمرو ! هل ترين أن أحداً من النساء أحسن منك ؟ قالت: نعم ! أختي ميلاء أحسن مني.قال: فكيف لي بأن ترينيها ؟ قالت: إن علمت بك لم تخرج إليك.ولكن تختبئ في الستر، وأبعث إليها. قال: ففعلت، وأرسلت إليها، وهو في الستر، وجاءت ميلاء، فلما نظر إليها عشقها وترك أختها امرأته، وعارضها من مكان لا تحتسبه، فشكا إليها حبها، وأعلمها أنه قد رآها.فقالت: والله يا ابن عم ! ما وجدت بي من شيء، إلا قد وجدت منك مثله، وظنت أم عمرو امرأته أنه قد عشق أختها فتبعتهما، وهما لا يدريان، حتى رأتهما قاعدين جميعاً، فمضت تقصد إخوتها، وكانوا سبعةً، فقالت: إما أن تزوجوا كعباً ميلاء، وإما أن تغيبوها عني.فلما بلغه أن ذلك قد بلغ إخوتها هرب، فرمى بنفسه نحو الشام وترك الحجاز.وقال وهو بالشام:

أفي كُلّ يَوْمٍ أنتَ مِنْ بارِحِ الهَوَى

إلى الشُّمّ من أعلامِ مَيلاءَ ناظِرُ

فروى هذا البيت رجل من أهل الشام.ثم خرج يريد مكة فمر على أم عمرو وأختها ميلاء، وقد ضل الطريق، فسلم عليهما، وسألهما عن الطريق.فقالت أم عمرو: يا ميلاء ! صفي له الطريق، فذكر الرجل لما سمعها تقول يا ميلاء:

أفي كُلّ يَومِ أنتَ مِنْ بارِحِ الهَوَى

إلى الشُّمِّ مِنْ أعلامِ مَيلاءَ نَاظِرُ

فتمثل به فعرفت الشعر، فقالت: يا عبد الله ! من أين أنت ؟ قال: أنا رجل من أهل الشام، فقالت: فمن أين رويت هذا الشعر ؟ قال: رويته عن أعرابي بالشام.قالت: أو تدري ما اسمه ؟ قال: اسمه كعب.قال: فأقسمتا عليه أن لا يبرح حتى يراك إخوتنا، فيكرموك، ويدلوك على الطريق، فقد أنعمت علينا.فقال: إني لأروي له شعراً آخر، فما أدري أتعرفانه أم لا ؟ فقالتا: نسألك بالله إلا أسمعتنا إياه ؟ قال: سمعته يقول:

خَلِيليَّ ! قد رُزْتُ الأمورَ وَقِستُهَا،

بِنَفسِي وَبالفِتيَانِ كُلَّ مَكَانِ

فَلَمْ أُخفِ يَوْماً للرّفِيقِ وَلمْ أجِدْ

خَلِيّاً وَلا ذا البَثّ يَستَوِيَانِ

مِنَ النّاسِ إنسَانانِ، دَيني عَلَيهما،

مَلِيّانِ لَوْلا النّاسُ قَدْ قَضَيَانِي

مَنُوعَانِ، ظَلاّمانِ، مَا يُنصِفَانِني،

بدَلَّيهِما وَالحُسنِ قَدْ خَلَبَاني

يُطِيلانِ حَتى يَحسَبَ النّاسُ أنّني

قُضِيتُ، وَلا وَاللهِ مَا قَضَيَاني

خَلِيليّ، أمّا أُمُّ عَمرو فَمِنهُمَا،

وَأمّا عَنِ الأخرَى، فَلا تَسلاني

بُلِينا بِهِجرانٍ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُنا

مِنَ النّاسِ إنسَانَانِ يَهتَجِرَانِ

أشَدَّ مُصافاةً وَأبْعَدَ مِنْ قِلىً،

وَأعصَى لِوَاشٍ حِينَ يُكْتَنَفَانِ

يُبَيّنُ طَرْفَانَا الذّي في نُفُوسِنا،

إذا استُعجِمَتْ بالمَنطِقِ الشّفَتَانِ

فَوَاللهِ مَا أدرِي أكُلُّ ذَوِي الهَوَى

عَلى شَكلِنَا، أمْ نَحنُ مُبتَلَيَانِ

فَلا تَعجَبا مِمّا بيَ اليَوْمَ مِنْ هَوَىً،

فَفي كُلّ يَوْمٍ مِثْلُ مَا تَرَيَانِ

خَلِيليّ ! عَن أيّ الذي كانَ بَيننَا

مِنَ الوَصْلِ أوْ ماضِي الهَوَى تَسَلانِ

وكُنّا كَرِيمَيْ مَعشَرٍ حُمّ بَينَنَا

هَوىً، فَحِفظنَاهُ بِحُسْنِ صِيَانِ

نَذودُ النفوسَ الحَائماتِ عَنِ الهَوَى

وَهُنّ بأعنَاقٍ إلَيْهِ ثَوَانِ

سَلاهُ بأُمّ العَمرِ مِنهُ، فَقَدْ بَرَا

بِهِ السّقمُ لا يَخفَى وَطولُ ضَمانِ

فَما زَادَنا بُعدَ المَدى نَقضُ مَرّةٍ،

وَلا رَجَعَا مِنْ عِلْمِنا بِبَيَانِ

خَلِيليّ ! لا وَاللهِ مَا لي بالّذي

تُرِيدانِ مِنْ هَجرِ الصّدِيقِ يَدَانِ

وَلا ليَ بالهَجرِ اعتِلاءٌ، إذا بَدَا

كَمَا أنْتُمَا بالبَينِ مُعتَلَيَانِ

قال: فنزل الرجل وحط رحله حتى جاءت إخوتهما فأخبرتاهم الخبر، وكانتا مهتمتين بكعب، وذلك أنه كان ابن عمهم، وكان ظريفاً شاعراً، فأكرموا الرجل ودلوه على الطريق، وخرجوا، فطلبوا كعباً بالشام، فوجدوه، فأقبلوا به، حتى إذا صار إلى بلدهم نزل كعب في بيت ناحيةً من الحي، فرأى ناساً قد اجتمعوا عند البيوت، فقال كعب لغلام قائم، وكان قد ترك بنياً له صغيراً: يا غلام من أبوك ؟ قال: أبي كعب.قال: فعلام يجتمع هذا الناس ؟ وأحس فؤاد كعب بشر.قال: يجتمعون على خالتي ميلاء، ماتت الساعة.قال: فزفر زفرةً حر منها ميتاً، فدفن إلى جانب قبرها.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي