مصارع العشاق/عبد الملك والغلام العاشق

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

عبد الملك والغلام العاشق

أنبأنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحيم المازني، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا الكديمي أبو العباس، حدثنا السليمي عن محمد بن نافع مولاهم عن أبي ريحانة أحد حجاب عبد الملك بن مروان قال:كان عبد الملك يجلس في كل أسبوع يومين جلوساً عاماً، فبينا هو جالس في مستشرف له، وقد أدخلت عليه القصص، إذ وقعت في يده قصةٌ غير مترجمة فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته فلانة تغنيني ثلاثة أصوات، ثم ينفذ في ما شاء من حكمه، فعل. فاستشاط من ذلك غضباً وقال: يا رباح ! علي بصاحب هذه القصة، فخرج الناس جميعاً، وأدخل إليه غلام، كما عذر، كأهيإ الفتيان، وأحسنهم، فقال له عبد الملك: يا غلام ! هذه قصتك ؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين.قال: وما الذي غرك مني ؟ والله لأمثلن بك، ولأردعن بك نظراءك من أهل الجسارة.علي بالجارية ! فجيء بجارية كأنها فلقة قمر، وبيدها عود، فطرح لها كرسي، وجلست، فقال عبد الملك: مرها يا غلام ! فقال: غنيني يا جارية بشعر قيس بن ذريح:

لقد كنتِ حسبَ النفسِ، لوْ دام ودُّنا،

وَلَكِنّمَا الدّنْيَا مَتَاعُ غُرُورِ

وَكنّا جَميعاً قبلَ أن يَظهَرَ الهَوَى،

بِأنعَمِ حَالَيْ غِبْطَةٍ وَسُرُورِ

فَما بَرِحَ الوَاشُونَ حَتى بَدَتْ لَنَا

بُطُونُ الهَوَى مَقلُوبَةً لِظُهُورِ

فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تمزيقاً، ثم قال له عبد الملك: مرها تغنك الصوت الثاني ! فقال: غنيني بشعر جميل:

ألا لَيتَ شِعرِي ! هَل أبِيتَنّ ليلةً

بِوَادِي القُرَى ؟ إني إذاً لَسَعيدُ

إذا قلتُ: ما بي يا بُثَيْنَةُ قاتلي

من الحُبّ، قَالَتْ: ثابتٌ وَيَزيدُ

وَإن قلتُ: رُدّي بعض عقلي أعش به

مَعَ النّاسِ ! قالت: ذاكَ منكَ بَعيدُ

فلا أنا مَرْدُودٌ بما جئتُ طالِباً ؛

وَلا حُبّهَا فِيمَا يَبيدُ يَبيدُ

يمُوتُ الهَوَى مني، إذا ما لَقيتُها،

ويَحيَا، إذا فارَقتُها، فَيَعُودُ

فغنته الجارية، فسقط مغشياً عليه ساعةً، ثم أفاق، فقال له عبد الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث ! فقال يا جارية غنيني بشعر قيس بن الملوح المجنون:

وَفي الجيرَةِ الغادِينَ مِنْ بَطنِ وَجرَةٍ

غَزَالٌ غَضِيضُ المُقلَتَينِ رَبيبُ

فَلا تَحسَبي أنّ الغَرِيبَ الذِي نَأَى،

وَلَكِنّ مَنْ تَنأَينَ عَنهُ غَرِيبُ

فغنته، فطرح الغلام نفسه من المستشرف، فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع، فقال عبد الملك: ويحه، لقد عجل على نفسه، ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل، وأمر فأخرجت الجارية عن قصره، ثم سأل عن الغلام فقالوا: غريب لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادي في الأسواق، ويده على أم رأسه:

غداً يَكثُرُ الباكُونَ مِنّا وَمنكُمُ

وَتَزْدَادُ دارِي من دِياركمُ بُعدا

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي