مصارع العشاق/عزة وكثير

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

عزة وكثير

أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد قال: حدثنا محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني يزيد بن محمد قال: أخبرني محمد بن سلام الجمحي قال:أرادت عزة أن يعرف ما لها عند كثير فتنكرت له، وقامت به متعرضة، فقام فاتبعها، فكلمها، فقالت له: فأين حبك عزة ؟ فقال: أنا الفداء لك، لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك.قالت: ويحك ! لا تفعل، فقد بلغني أنها لك في صدق المودة، ومحض المحبة والهوى على حسب الذي كنت تبدي لها من ذلك وأكثر، وبعد، فاين قولك:

إذا وَصَلَتنا خِلّةٌ كي نُزيلَها

أبَينا، وقلنا: الحاجِبِيّةُ أوّلُ.

فقال كثير: بأبي أنت وأمي ! أقصري عن ذكرها، واسمعي ما أقول، ثم قال:

ما وَصْلُ عَزّةَ إلاّ وَصْلُ غانيَةٍ

في وَصْلِ غانيَةٍ من وصلها خَلَفُ.

ثم قال: هل لك في المخالة ؟ فقالت له: كيف بما قلت في عزة وسيرته لها ؟ فقال: أقبله فيتحول إليك، ويصير لك.قال: فسفرت عن وجهها، عند ذلك، وقالت: أغدراً وانتكاثاً يا فاسق ؟ وإنك لها هنا، يا عدو الله ! فبهت وأبلس ولم ينطق، وتحير وخجل، ثم إنها عرفته أمرها ونكثه وغدره بها، وأعلمته سوء فعاله، وقلة حفاظه، ونقضه للعهد والميثاق، ثم قالت: قاتل الله جميلاً حيث يقول:

لحَى اللهُ مَن لا يَنفَعُ الوِدُّ عِندَهُ،

ومَن حَبلُهُ إنْ مُدّ غيرُ متينِ.

وَمَن هوَ ذو وَجهَينِ ليسَ بدائِمٍ

على العَهدِ حلاّفٌ بِكلّ يمِينِ.

قال: فأنشأ كثير يقول بانخزالٍ وحصر وانكسار، يعتذر إليها، ويتنصل مما كان منه، ويحتال في دفع زلته، متمثلاً بقول جميل، ويقال: بل سرقه من جميل وانتحله لنفسه فقال:

ألا لَيتني قبلَ الذي قلتُ شِيبَ لي

من المُذعِفِ القاضي سِمامُ الذَّرَارِحِ.

فَمُتّ ولمْ تَعلَمْ عليّ خِيَانَةً،

ألا رُبّ باغي الرِّبْحِ ليْسَ برَابِحِ.

فَلا تحمِليهَا واجْعلِيها خِيَانَةً،

تَروّحتُ منها في مياحةِ مائِحِ.

أبوءُ بذَنبي أنّني قَدْ ظَلَمْتُها،

وإني بِباقي سِرِّهَا غيرُ بائِحِ.

يرى الدم حلالاً

ولي، وهما بيتان لا غير:

إنّ في الجِيرَةِ الذينَ استَقَلّوا

من زَرُودٍ، وبطنَ وجرةَ حلّوا.

لَغزَالاً يرَى دِماءَ محِبّي

هِ حَلالاً لهُ، وما الدمُ حِلُّ.

هبني لا أبوح

أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت بالشام قال: أخبرنا أبو القسم عبيد الله بن أحمد الصيرفي قال:أخبرنا أبو بكر بن شاذان قال: أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي قال: أنشدني بعض أصحابنا:

جَعَلْتُ مَحلّةَ البَلَوى فُؤادي،

وَسَلّطتُ السُّهادَ على رُقادي.

ونِمتَ مُوَدِّعاً وَسهِرْتُ لَيلاً،

أما استَحيا رُقادُكَ من سُهادي ؟

فَهبَني لا أبوحُ بِمَا أُلاقي،

ألَيسَ الشَّوْقُ من كَبِدي يُنَادي ؟.

ما كان قلبي حاضراً

أنشدنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال:أنشدني قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر بن ماكولا لأبي بكر الخوارزمي الطبري من طبرية الشام من تشبيب قصيدة في الصاحب أبي القاسم عباد:

يَفُلُّ غداً جيشُ النَّوَى عسكرَ اللِّقا

فرَأيُكَ في سَحّ الدموعِ مُوَفَّقَا.

وَلمّا رَأيْتُ الإلفَ يَعْزِمُ للنّوَى

عزَمتُ على الأجفانِ أن تَتَرَقرَقَا.

وخُذ حجّتي في ترْكِ جِسميَ سالماً

وقلبي، ومن حقَّيِهما أن يُخَرَّقَا.

يدي ضَعُفَتْ عن أن تُخَرّقَ جيَبَها،

وما كان قلبي حاضراً فيَمُزَقَّا.

لم يبق إلا نفس خافت

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ، رحمه الله، سنة أربع وأربعمائة بقراءتي عليه، قلت له: قرأت على أبي علي الحسن بن حفص بن الحسن البهراني ببيت المقدس قلت: أخبركم أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: سمعت الحسن الصوفي الأذربيجاني يقول:حضرنا ببغداد في جماعة من الفقراء مجلس سماع، فتواجد بعض المشايخ، قال: فقمنا إليه وقلنا، كيف تجدك، أيدك الله ؟ فقال:

لم يَبقَ إلاّ نَفَسٌ خافِتُ،

ومُقلَةٌ إنسانُها باهِتُ.

ذابَ فما في الجسمِ من مفصِلٍ،

إلاّ وَفيهِ سَقَمٌ ثابِتُ.

عَدُوّهُ يَبكي لَهُ رَحْمَةً، وحسبُكم، من راحمٍ، شامتُ.

فَعيُنُه تَبكي، وأحْشاؤه

تضْحَكُ، إلاّ أنّه ساكتُ.

ثغر يقرع ثغراً

أخبرني أبو عبد الله الصوري قال: قرأت على أبي القاسم علي بن عمر بن جعفر الشيخ الصالح، رحمه الله، بالرملة قلت له:أنشدكم أبو القاسم علي بن محمد بن زكيرا بن يحيى الفقيه لبعضهم:

إذا نحنُ خِفنَا الكاشِحينَ، فلمْ نُطِقْ

كلاماً، تَكَلّمنا بأعيُنِنا شَزْرَا.

نَصُدّ، إذا ما كاشِحٌ مالَ طرْفَهُ

إلَينا، ونُبدي ظاهِراً بينَنَا هَجْرَا.

فإنْ غَفَلوا عنّا رَأيْتَ خُدُودَنَا

تَصافَحُ، أوْ ثَغراً قَرَعنَا بهِ ثَغْرَا.

ولَوْ قَذَفَتْ أجسادُنَا ما تَضَمّنَتْ

من الضّرِّ والبَلوَى إذاً قذفتْ جَمرَا.

ابنة أبي ربيعة وأبو مسهر

أخبرنا أبو طاهر بن السواق أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثناعبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: كتب إلي أبو علي الحسن بن عليل العنزي، ثم لقيته بعد ذلك، فحدثني به قال: حدثني أبو شراعة القيسي قال: حدثنا شيبان بن مالك قال:قال حماد الراوية: أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن أبي ربيعة، فتذاكروا العذريين وعشقهم وصبابتهم، فقال عمر: أحدثكم عن بعض ذلك: إنه كان لي خليل من عذرة، وكان مستهتراً بحديث النساء، يشبب بهن، وينشد فيهن على أنه لا عاهر الحلة ولا سريع السلوة، وكان يوافي الموسم كل سنة، فإذا أبطأ ترجمت له الأخبار، وتوكفت له السفار، حتى يقدم، وإنه راث عني ذات سنة خبره، وقدم وفد عذرة، فأتيت القوم أنشد عن صاحبي، فغذا غلام قد تنفس الصعداء ثم قال: عن أبي المسهر تسأل ؟ قلت: عنه نشدت وإياه أردت.قال: هيهات أصبح، والله، أبو مسهر لا مؤيساً منه فيهمل، ولا مرجواً فيعلل، أصبح والله كما قال:

لَعَمرُكَ ما حبّي لأسماءَ تاركي

صحيحاً، ولا أَقضي به فأموتُ.

قال قلت: وما الذي به ؟ قال: به مثل الذي بك من طول تهكمكما في الضلال، وجركما أذيال الحسار، كأن لم تسمعا بجنة ولا نار.قال قلت: من أنت منه يا ابن أخي ؟ قال: أنا أخوه.قال قلت: والله ما يمنعك من أن تركب طريق أخيك التي ركبها، وتسلك مسلكه الذي سلك، إلا أنك وأخاك كالوشي والبجادن لا يرقعك ولا ترقعه، ثم انطلقت وأنا أقول:

أرَائِحَةٌ حُجّاجُ عُذرَةَ روحةً،

ولمّا يَرُحْ في القوْم جَعدُ بنُ مَهجَعِ.

خليلينِ نشكو ما نلاقي من الهوَى،

فتىً ما أقُلْ يسمَعُ وإن قالَ أسمَعِ.

فلا يُبعِدَنْكَ اللهُ خِلاً، فإنّني

سألقى كما لاقَيْتَ في الحُبّ مصرَعي.

فلما حججت وقفت في الموضع الذي كنت أنا وهو نقف فيه بعرفات، وإذا أنا براكب قد أقبل حتى وقف، وقد تغير لونه وساءت هيئته، فما عرفته إلا بناقته، فإقبل حتى خالف بين عنق ناقتي وناقته، ثم اعتنقني وجعل يبكي.فقلت: ما الذي دهاك وما غا لك ؟ فقال: برح العذل وطول المطل، ثم أنشأ يقول:

لئِنْ كانتْ عديلةُ ذاتَ بَثٍّ

لَقَد عَلِمَتْ بأنّ الحُبّ داءُ.

ألَمْ تَنظُرْ إلى تغييرِ جِسْمي،

وإني لا يُزَايِلُني البُكَاءُ.

وأني لَوْ تَكَلّفْتُ الذي بي

لعَفّى الكَلْمُ وانكشَفَ الغِطاءُ.

وإنّ مَعاشِري وَرِجالَ قَوْمي

حُتُوفُهُمُ الصَّبَابَةُ وَالِّلَقاءُ.

إذا العُذرِيّ ماتَ بحَتْفِ أنْفٍ،

فَذاكَ العَبدُ يَبكِيهِ الرِّشاءُ.

فقلت: يا أبا مسهر ! إنها ساعة عظيمة، وإنك في جمعٍ من أقطار الأرض، ولو دعوت كنت قميناً أن تظفر بحاجتك، وأن تنصر على عدوك.قال: فجعل يدعو حتى إذا تدلت الشمس للغروب وهم الناس بأن يفيضوا سمعته يهمهم، فأضحت له مستمعاً، فإذا هو يقول:

يا رَبَّ كلِّ غدوَةٍ وَرَوْحه،

من مُحرِمٍ يشكو الضّحى ولُوحه.

أنتَ حسيبُ الخَطبِ يوْمَ الدَّوحه.

فقلت له: وما يوم الدوحة ؟ قال: سأخبرك إن شاء الله ! إني امرؤ ذو مالٍ كثيرٍ من نعم وشاءن وإني خشيت على مالي التلف، فأتيت أخوالي من كلبٍ، فأوسعوا لي عن صدر المجلس وسقوني بجمة البئر، فكانوا خير أخوال حتى هممت بمواقعة إبل لي بماء يقال له الخرزات، فركبت وتعلقت معي شراباً كان أهداه إلي بعض الكلبيين، وانطلقت، حتى إذا كنت بين الحي ومرعى النعم، ورفعت لي دوحة عظيمة، فقلت: لو نزلت تحت هذه الشجرة، وتروحت مبرداً ؟ فنزلت فشددت فرسي بغصنٍ من أغصانها ثم جلست تحتها، فإذا بغبار قد سطع، فتبينت فبدت لي شخوص ثلاثة، فإذا رجل يطرد مسحلاً وأتانا، فلما قرب مني إذا عليه درع أصفر وعمامة خر سوداء، وإذا هو تنال فروع شعره كتفيه، فقلت في نفسي: غلام حديث عهدٍ بعرس، فأعجلته لذة الصيد فنسي ثوبه وأخذ ثوب امراته.فما لبث أن لحق بالمسحل فصرعه ثم ثنى طعنة الأتان فصرعها، ثم أقبل، وهو يقول:

نَطْعَنُهُم سُلكى وَمخلوجَةً

كَرَّكَ لأمينِ عَلى نابِلِ.

قال فقلت: إنك قد تعبت وأتعبت.فلو نزلت.فثنى رجله فنزل فشد فرسه بغصن من أغصان الشجرة ثم أقبل حتى جلس قريباً مني، فجعل يحدثني حديثاً ذكرت به قول الشاعر:

وَإنّ حَديثاً مِنْكِ، لو تَبذُلينَه،

جنى النحلِ في ألبانِ عَودٍ مَطافِلِ.

قال: فبينا هو كذلك إذ حك بالسوط على ثنيته، فرأيت، والله، يا ابن أبي ربيعة ظل السوط بينهما، فما ملكت نفسي أن قبضت على السوط فقلت: مه ! فقال: ولم ؟ قلت: إني أخاف أن تكسرهما، فإنهما رقيقتان.قال: هما عذبتان، ثم رفع عقيرته فجعل يغني:

إذا قَبّلَ الإنْسانُ آخرَ يَشْتَهي

ثَنَاياهُ لم يَأثَمْ وكانَ له أجْرَا.

فإن زَادَ زادَ اللهُ في حَسَنَاتِهِ

مَثاقِيلَ يمحو اللهُ عنه بها الوِزْرَا.

ثم قال لي: ما هذا الذي تعلقت في سرجك ؟ قلت: شراب أهداه إلي بعض أهلط، فهل لك فيه ؟ قال: وما أكرهه.فأتيته به فوضعه بيني وبينه، فلما شرب منه شيئاً نظرت إلى عينيه كأنهما عينا مهاة، قد أضلت ولداً، أو ذعرها قانص، فعلم أين نظري، فرفع عقيرته يغني:

إنّ العُيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ

قَتَلْنَنَا ثُمّ لَمْ يُحيينَ قتلانا.

يصرَعْنَ ذا الُّلبِّ حتى لا حَرَاكَ بِهِ،

وهُنّ أضْعَفُ خَلقِ اللهِ أركانا.

فقلت له: من أين لك هذا الشعر ؟ قال: وقع رجل منا باليمامة وأنشدنيه، ثم قمت لأصلح شيئاً من أمر فرسي، فرجعت وقد جر العمامة عن رأسه، وإذا غلام كأنه الدينار المنقوش، فقلت: سبحانك اللهم ما أعظم قدرتك وأحسن صنعتك ! قال: كيف قلت ذاك ؟ قلت: مما راعني من نورك وبهرني من جمالك.قال: وما الذي يروعك من زرق الدواب وحبيس التراب، ثم لا تدري أينعم بعد ذلك أم ييأس. ثم قال إلى فرسه، فلما أقبل برقت لي بارقة الدرع، فإذا ثدي كأنه حق.قلت: نشدتك الله أإمرأة ؟ قال: إي، والله، امرأة تكره العهر، وتحب الغزل.قلت: والله وإنا كذلك.قال: فجلست تحدثني، ما أفقد من أنسها حتى مالت على الدوحة سكراً، واستحسنت والله، يا ابن أبي ربيعة الغدر، وزين في عيني، ثم إن الله، عز وجل، عصمني بمنه، فجلست منها حجرة، فما لبثت أن انتبهت مذعورة، فلاثت عمامتها برأسها، وأخذت الرمح، وجالت في متن فرسها، فقلت: أما تزوديني منك زاداً ؟ فأعطتني ثيابها، فشممت منها كالنبات الممطور، ثم قلت: أين الموعد ؟ فقالت: إن لي أخوة شرسين، وأباً غيوراً، والله لأن أسرك أحب إلي من أن أضرك.قال: ثم مضت، فكان آخر العهد بها إلى يومي هذا فهي، والله، التي بلغت بي ما تراه من هذا المبلغ، وأحلتني هذا المحل. قال قلت: وأنت والله يا أبا مسهر ما استحسن الغدر إلا بك، فإذا قد اخضلت لحيته بدموعه.قال قلت: والله ما قلت لك ذلك إلا مازحاً، وداخلتني له رقة، فلما انقضى الموسم، شددت على ناقتي، وشد على ناقته، وحملت غلاماً لي على بعير، وحملت عليه قبة أدم خضراء كانت لأبي ربيعة، وأخذت معي ألف دينار ومطرف خز، ثم خرجت حتى أتينا كلباً، فإذا الشيخ في نادي قومه، فأتيته، فسلمت عليه، فقال: وعليك السلام، من أنت ؟ قلت: عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي.قال: المعروف غير المجهول، فما الذي جاء بك ؟ فقلت: جئت خاطباً.قال: أنت الكفؤ لا يرغب عن حسبه، والرجل لا يرد عن حاجته. قال قلت: إني لم آتك في نفسي، وإن كنت موضع الرغبة، ولكت أتيتكم لابن أختكم العذري. قال: والله إنه لكفيء الحسب كريم المنصب، غير أن بناتي لم يقعن إلا في الحي من قريش. قال: فعرف الجزع من ذلك في وجهي، فقال: أما إني لم أصنع بك شيئاً لم أصنعه بغيرك، أخيرها ما اختارت. قال قلت له: والله ما أنصفتني.قال: وكيف ذاك ؟قال: كنت تختار لغيري، ووليت الخيار لي غيرك. فأومأ إلي صاحبي أن دعه يخيرها.قلت: خيرها. فأرسل إليها أن من الأمر كذا وكذا، فارتإي رأيك.قال: فأرسلت إليه: ما كنت أستبد برأي دون القرشي، أما الخيار فخياري ما اختار. قال: قد صيرت الأمر إليك.فحمدت الله تعالى وصليت على نبيه، وقلت: قد زوجته الجعد بن مهجع، وأصدقتها هذه الألف دينار وجعلت تكرمتها العبد والقبة، وكسوت الشيخ المطرف، فقبله وسر به، وسألته أن يبني بها من ليلته، فأجابني إلى ذلك، وضربت القبة وسط الحي وأهديت إليه ليلاً وبت عند الشيخ خير مبيتٍ.فلما أصبحت غدوت، فقمت بباب القبة، فخرج إلي وقد تبين الجذل في وجهه.قال: فقلت له: كيف كنت بعدي، وكيف هي بعدك ؟ فقال: أبدت لي كثيراً مما أخفت يوم رأيتها.فقلت: ما حملك على ذلك ؟ فأنشأ يقول:

كَتَمتَ الهَوَى إني رأيتُكَ جازِعاً

فقلتُ فتىً بعضَ الصّديقِ يُرِيدُ.

وَإنْ تطرَحَنّي أوْ تقولُ: فَتِيّةٌ

يُضِرّ بها بَرْحُ الهَوَى فَتَعودُ.

فَوَرّيتُ عمّا بي وفي الكَبِد الحشا

منَ الوَجْد بَرْحٌ، فاعلَمَنّ، شَديدُ.

قال فقلت: أقم على أهلك، بارك الله لك ! وانطلقت إلى أهلي، وأنا أقول:

كَفَيتُ أخي العُذرِيَّ ما كانَ نابَهُ

وَمِثلي لأثقالِ النَّوائِبِ أحْمَلُ.

أما استَحسَنت مني المكارِمُ والعُلى،

إذا اطُّرِحَتْ، أني أقولُ وَأفْعَلُ.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي