مصارع العشاق/قبر النديم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قبر النديم

أخبرنا أبو القاسم المحسن بن حمزة بن عبيد الله الوراق بقراءتي عليه بتنيس قال: حدثنا أبو علي الحسين بن علي الديبلي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا عبيد النعالي غلام أبي الهذيل قال:انصرفت من جنازة من مسجد الرضى في وقت الهاجرة، فلما دخلت سكك البصرة اشتد عليّ الحرّ فتوخيت سكةً ظليلة فاضطجعت على باب دار، فسمعت ترنماً يجذب القلب، فطرقت الباب واستسقيت ماء فإذا فتىً اجتهرني جماله، إلا أن أثر العلة والسقم عليه بين، فأدخلني إلى خيشٍ نظيف، وفرش سري، فلما اطمأننت خرج الفتى ومعه وصيفة معها طست وماء ومنديل، فغسلت رجلي وأخذت ردائي ونعلي، وانصرفت، فلبثت يسيراً فإذا جارية أخرى وقد جاءت بطست وماء، فقلت: قد غسلت يدي.فقالت: إنما غسلت رجليك، فاغسل الآن يديك للغداء.وإذا الفتى قد أقبل ضاحكاً ليؤنسني، وأنا أعرف العبرة في عينيه وأتي بالطعام فأقبل يأكل نغض بما يأكله، وهو في ذلك يبسطني. فلما انقضى أكلنا أتينا بشراب فشرب قدحاً وشربت آخر، ثم زفر زفرةً ظننت أن أعضاءه قد نقضت وقال لي: يا أخي ! إن لي نديماً، فقم بنا إليه ! فقمت وتقدمني، ودخل مجلساً، فإذا قبر عليه ثوب أخضر، وفي البيت رمل مصبوب، فقعد على الرمل، وطرح لي مصلى، فقلت: والله لا قعدت إلا كما تقعد، وأقبل يردد العبرات ثم شرب كأساً وشربت وأنشأ يقول:

أطَأُ الترابَ، وأنتَ رهنُ حَفيرَة،

هالتْ يدايَ على صَداك ترابَها.

إنّي لأعذر من مشى إن لم أطَأ

بجفونِ عيني ما حَيِيتَ جِنَابها.

لو أنّ جَمرَ جَوَانِحي مُتَلَبِّسٌ

بالنّارِ أطْفأ حرَّهَا وأذابَهَا.

ثم أكب على القبر مغشياً عليه، فجاءه غلام بماء فصبه على وجهه، فأفاق فشرب ثم أنشأ يقول:

اليوْمَ ثابَ ليَ السرُورُ لأنّني

أيقَنتُ أنّي عاجلاً بكَ لاحِقُ.

فَغَداً أُقاسِمُكَ البِلى، وَيسوقُني

طوْعاً إلَيكَ، من المَنِيّةِ، سائِقُ

ثم قال لي: قد وجبت حقي عليك فاحضر غداً جنازتي ! قلت: يطيل الله عمرك.قال إني ميت لا محالة.فدعوت له بالبقاء فقال: لقد عققتني، ألا قلت:

جاور خليلَك مُسعِداً في رَمْسِه،

كَيما يَنالُكَ في البِلى ما نالَه.

فانصرفت وطالت علي ليلتي، وغدوت فإذا هو قد مات.

مريض مطوح.

أخبرنا أبو علي محمد بن أبي نصر الأندلسي بمصر من لفظه قال: أخبرنا أبو محمد علي بن محمد الحافظ بالأندلس قال: أخبرنا أبو مروان عبد الملك بن أبي نصر السعدي قال: قال أبو النصر مسلمة بن سهل: حدثني أبو كامل مؤمل بن صالح البغدادي قال:قال أبو شراعة: بينا أنا أمشي بالبادية ناحية السماوة مصعداً إذا بفتىً من الأعراب ملوح الجسم معروقه، عليه قطيريتان، وهو محتضن صبياً يقول له: إذا حاذيت أبيات آل فلان، فارفع صوتك منشداً بهذه الأبيات، ولك إحدى بردتي هاتين.فجعل يكررها عليه ليحفظها فحفظها:

مريضٌ بأفناءِ البيوتِ مُطَوَّحُ،

أبى ما بهِ من لاعِجِ الشوْق يبرَحُ.

يقولونَ: لو جئتَ النَّطاسيّ عل ما

تَشكّاهُ من آلام وَجدكَ يُمصَحُ.

وَلَيسَ دوَاءَ الدّاءِ إلاّ بخيلَةٌ

أضرّ بِنا فيها غرامٌ مُبَرِّحُ.

إذا ما سألْناها وِصَالاً تُنِيلُهُ

فصُمُّ الصَّفا منها بذلك أسْمَحُ.

فتبعت الصبي، وهو لا يشعر بي،

فلما حاذباها رفع عقيرته بالأبيات ينشدها، فسمعت من بعض الأبيات قائلاَ يقول:

رَعى اللهُ مَن هامَ الفُؤادُ بحبّهِ،

وَمَن كِدْتُ من شوْقٍ إليه أطيرُ.

لَئِن كَثُرَتْ بالقلبِ أبراحُ لَوْعَةٍ،

فإنّ الوُشاةَ الحاضرينَ كَثيرُ.

يمشُّونَ، يستشرونَ غَيظاَ وَشِرّةً،

وما منهمُ إلاّ أبلُّ غيورُ.

فإنْ لم أزُرْ بالجسمِ رهبَةَ مُرْصَدٍ،

فَبالقَلبِ آتي نحوكمْ فَأزُورُ.

أفاق بعد لأي، وهو يقول:

أظُنّ هوَى الخودِ الغرِيرَةِ قاتلي،

فيا ليتَ شِعري ما بنو العمّ صُنّعُ.

أرَاهمْ، وللرّحمنِ دَرُّ صَنِيعِهِم،

تراكى دمي هدراً، وخابَ المُضَيَّعُ.

حي على البهم

أخبرنا أبو بكر الأردستاني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: حدثنا عباس الترقفي قال: حدثنا عبد الله بن عمرو قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا أبو غياث البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال:بينا ابن أبي ملكية يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يتعنى في دار العاص بن وائل ويقول:

صغيرَينِ نرْعى البَهمَ، يا ليتَ أنّنَا

إلى الآنِ لم نَكبَرْ، ولم تَكبَرِ البَهمُ.

قال: فأسرع في الأذان، فأراد أن يقول: حي على الصلاة، فقال: حي على البهم، حتى سمعه أهل مكة، فجاء يعتذر إليهم.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي