مصارع العشاق/قتلته بالسحر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قتلته بالسحر

أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف قال: قال إسحق بن منصور: حدثني جابر بن نوح قال:كنت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، جالساً عند بعض أهل السوق، فمر بي شيخ حسن الوجه حسن الثياب، فقام إليه البائع فسلم عليه، وقال له: يا محمد ! أسأل الله أن يعظم أجرك وأن يربط على قلبك بالصبر.فقال الشيخ مجيباً له:

وكانَ يَميني في الوَغَى وَمُسَاعِدي،

فأصْبَحتُ قَد خانَت يميني ذِرَاعُها

وَأصْبَحتُ حرّاناً من الثُّكلِ حَائِراً،

أخَا كَلَفٍ ضَاقَتْ عليّ رِبَاعُهَا

فقال البائع: أبشر يا أبا محمد، فإن الصبر معول المؤمن، وإني لأرجو أن لا يحرمك الله الأجر على مصيبتك.فقلت له: من هذا الشيخ ؟ فقال: رجل منا من الأنصار من الخزرج، فقلت: وما قصته ؟ قال: أصيب بابنه، وكان به باراً قد كفاه جميع ما يعنيه، وقام به، وميتته أعجب ميتةٍ.قلت: وما كان سبب ميتته، وما كان خبره ؟ قال: أحبته امرأة من الأنصار، فأرسلت إليه تشكو حبها وتسأله الزيارة، وتدعوه إلى الفاحشة.قال: وكانت ذات بعل، فأرسل إليها:

إنّ الحَرَامَ سَبيلٌ لستُ أسلُكُهُ،

وَلا أمرُّ به ما عشتُ في النّاسِ

ألغي العتابَ، فإني غَيرُ مُتّبِعٍ

ما تَشتَهينَ، فكُوني مِنهُ في يَاسِ

فلما قرأت الأبيات كتبت إليه:

دَعْ عَنكَ هذا الذي أصبَحت تذكرهُ،

وَصِرْ إلى حَاجَتي يا أيّها القاسِي

دَعِ التّنَسُّكَ إنّي غَيْرُ نَاسِكَةٍ،

وَلَيسَ يَدخُلُ ما أبدَيتَ في رَاسِي

قال: فأفشى ذلك إلى صديق له، فقال له: لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرتها رجوت أن تكف عنك.فقال: والله لا فعلت ولا صرت في الدنيا حديثاً، وللعار في الدنيا خير من النار في الآخرة، وقال:

العارُ في مدّةِ الدّنيَا وَقِلّتِهَا،

يَفنى وَيَبقى الذي بالنّار يؤذِيني

وَالنّارُ لا تَنقَضِي ما دامَ بي رَمَقٌ،

وَلَستُ ذا ميتةٍ فيها، فتُفنيني

لكنْ سأصْبرُ صَبرَ الحُرِّ مُحتَسِباً،

لَعَلّ رَبي مِن الفِرْدَوسِ يُدنيني

قال: وأمسك عنها، فأرسلت إليه: إما أن تزورني، وإما أن أزورك، فأرسل إليها: اربعي أيتها المرأة على نفسك، ودعي عنك التسرع إلى هذا الأمر.قال: فلما أيست منه ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر، فجعلت لها الرغائب لتهيجه.قال: فعملت لها فيه. قال: فبينا هو ذات ليلة جالس مع أبيه، إذ خطر ذكرها بقلبه وهاج به أمر لم يكن يعرفه، واختلط، فقام من بين يدي أبيه مسرعاً فصلى واستعاذ وجعل يبكي والأمر يتزايد، فقال له أبوه: يا بني ما قصتك ؟ فقال: يا أبت ! أدركني بقيد فما أرى إلا وقد غلب علي.قال: فجعل أبوه يبكي ويقول: يا بني حدثني بالقصة، فحدثه بقصته، فقام إليه فقيده وأدخله بيتاً، فجعل يضطرب ويخور كما يخور الثور، ثم هدأ ساعة عند الباب، فإذا هو ميت، وإذا الدم يسيل من منخره.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي