مصارع العشاق/نوح داود

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

نوح داود

أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام، حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا عبد الرحمن بن محبوب، حدثنا زكريا بن يحيى البزاز، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا محمد بن يحيى البصري، حدثنا عمرو بن جميع العجلي عن عامر بن يسار عن يحيى بن أبي كثير قال:بلغنا أنه إذا كان يوم ، عليه السلام، كان يمكث قبل ذلك لا يأكل الطعام، ولا يشرب، ولا يقرب النساء، فإذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبراً إلى البرية، وأمر منادياً قبل ذلك بيوم ليستنفر في البلاد ومن حولها: ألا من أحب أن يسمع فليأت، فتأتي الوحوش والسباع والهوام والطير والرهبان والعذارى من خدورهن، وبنو إسرائيل، كل صنف على حدته، فيصغون إليه.قال: وسليمان قائم على رأسه فيأخذ في الثناء على الله، عز وجل، فيضجون بالصراخ والبكاء، ثم يأخذ في ذكر الجنة، فتموت طائفة من الناس والوحوش والسباع والرهبان، وطائفة من العذارى، ثم يأخذ في ذكر النار، فتموت طائفة منهم، ثم يأخذ في أهوال القيامة والنوح على نفسه، فتموت طائفة من هؤلاء ومن كل صنف. قال: فإذا رأى سليمان ما قد كثر من الموتى في كل فرقة، نادى يا أبتاه ! قد مزقت المستمعين كل ممزق من بني إسرائيل والوحوش والهوام والسباع. قال: فيقطع النوح، ويأخذ في الدعاء. قال: فبينما هم كذلك إذ نادى بعض عباد بني إسرائيل: يا داود ! عجلت على ربك تطلب الجزاء، فيخر داود مغشياً عليه، فإذا نظر إليه سليمان وما أصابه أتى بسرير، فحمله عليه، ثم أمر منادياً، فنادى: من كلن له مع داود حميم أو قريب، فليأت بسريرٍ، فإن الذين كانوا معه قد ذكر الجنة والنار. قال: فكانت المرأة تأتي بالسرير، فتقف على ابنها وأبيها وأخيها، وهم أموات، فينادى: وا بأبي ! من قتله ذكر النار، وا بأبي ! من قتله ذكر الجنة، وا بأبي ! من قتله ذكر الخوف من الله تعالى، حتى إن الوحوش ليجتمعن على من مات منهن فيحملنه، وكذلك السباع والهوام. قال: ثم يتفرقون، فإذا أفاق داود من غشيته قال لسليمان: ما فعلت عباد بني إسرائيل ؟ فيقول سليمان: يا أبتاه ماتوا عن آخرهم.قال: فيقوم داود فيضع يده على رأسه، ثم يدخل بيت عبادته، ويغلق عليه بابه ثم ينادي: يا إله داود ! أغضبان أنت على داود أم كيف ذا، إذ قصرت من الموت خوفاً منك.

أيوب في بلائه

أخبرنا عبد العزيز بن علي الطحان، رحمه الله، حدثنا علي بن عبد الله بمكة، حدثني منصور بن أحمد قال:سئل أبو العباس بن عطاء عن قوله، عز وجل: مسني الضر، وأنت أرحم الراحمين، فقال: إن الله، عز وجل، سلط الدود على جسم أيوب، عليه السلام، كله إلا على قلبه ولسانه، فكان القلب غنياً بالله، عز وجل، قوياً، واللسان بذكر الله تعالى رطباً دائماً، فأكل الدود الجسم كله حتى بقيت أضلاعه مشتبكة، والعروق ممدودة، وحتى ما بقي للدود شيء يأكله، فسلط الله، عز وجل، الدود بعضه على بعض، فأكل بعضه بعضاً، حتى بقيت دودتان، فجاعتا، فشدت إحداهما على الأخرى، فأكلتها، وبقيت واحدة، فجاعت فدبت إلى القلب لتنفذه، فقال أيوب، عليه السلام، عند ذلك: مسني الضر أن فقدت حلاوة ذكرك من قلبي، لأنك لو جمعت البلاء كله علي بعد أن لا أفقدك من قلبي ما وجدت للبلاء ألماً، فأوحى الله، عز وجل، إليه: يا أيوب ! إنك لتنظر إلي غداً.قال: يا رب بهاتين العينين ؟ قال: يا أيوب أجعل لك عينين يقال لهما البقاء، فتنظر إلى البقاء بالبقاء.

الجارية الصوفية

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي، حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني بمكة، حدثنا محمد بن عبد الله الشكلي، حدثني محمد بن القنطري قال: قال ذو النون:بينا أنا أسير على ساحل البحر، إذ بصرت بجارية عليها أطمار شعرٍ، وإذا هي ناحلة ذابلة، فدنوت منها لأسمع ما تقول، فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان، وعصفت الرياح واضطربت الأمواج، وظهرت الحيتان، فصرخت، ثم سقطت إلى الأرض، فلما أفاقت نحبت، ثم قالت: سيدي ! بك تقرب المتقربون في الخلوات، ولعظمتك سبحت النينان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تضافقت الامواج المتلاطمات.أنت الذي سجد لك سواد الليل وبياض النهار والفلك الدوار والبحر الزخار والقمر النوار والنجم الزهار وكل شيء عندك بمقدار، لأنك الله العلي القهار:

يَا مُؤنِسَ الأبْرَارِ في خَلَوَاتِهِمْ،

يَا خَيرَ مَنْ حَطّتْ بهِ النُّزّالُ.

مَنْ ذاقَ حُبَّكَ لا يَزَالُ مُتَيَّماً،

قَرِحَ الفُؤادِ يَعُودُهُ بَلْبَالُ.

مَن ذاقَ حبّكَ لا يُرَى مُتَبسّماً،

في طُولِ حُزْنٍ للحَشَا يَغتَالُ.

فقلت لها: من تريدين ؟ فقالت: إليك عني، ثم رفعت طرفها نحو السماء فقالت:

أُحِبُّكَ حُبَّينِ، حُبَّ الوِدَادِ،

وَحُبّاً لأنّكَ أهْلٌ لِذَاكَا.

فَأمّا الّذي هًوَ حُبّ الوِدَادِ،

فَحُبٌّ شُغِلتُ به عَن سوَاكَا.

وَأمّا الّذي أنتَ أهلٌ لَهُ،

فكَشفُك للحُجْبِ حتى أرَاكَا.

فما الحمدُ في ذا وَلا ذَاكَ لي،

وَلكِن لك الحمدُ في ذا وَذاكَا.

ثم شهقت شهقةً، فإذا هي قد فارقت الدنيا، فبقيت أتعجب مما رأيت منها، فإذا أنا بنسوة قد أقبلن وعليهن مدارع العشر، فاحتملنها، فغيبنها عني فغسلنها، ثم أقبلن بها في أكفانها فقلن لي: تقدم فصل عليها، فتقدمت فصليت عليها، وهن خلفي.ثم احتملنها ومضين. ما بي جنونأخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي، حدثنا أبو الحسن بن جهضم. أنشدنا محمد بن عبد الله ليحيى بن معاذ:

أمُوتُ بدائي لا أصِيبُ مُدَاوِيا،

وَلا فَرَجاً مِمّا أرَى مِنْ بَلائِيَا.

إذا كانَ دَاءَ العَبْدِ حُبُّ مَليكه،

فمَن دُونَه يُرْجَى طبيباً مُداوِيَا.

مَعَ اللهِ يُمْضِي دَهْرَهُ مُتَلَذّذاً،

مُطيعاً، تَرَاهُ كان، أوْ كان عاصِيَا.

يقولون يَحيى جُنّ من بعدِ صحّة،

وما بي جُنُونٌ، يا خَليلي، ما بِيَا.

رابعة العدوية ورياح القيسيأخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، رحمه الله، بقراءتي عليه، أخبرنا محمد بن عبد الله ابن أخي ميمي، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدثني محمد بن الحسين، حدثني أبو معمل صاحب عبد الوارث قال:نظرت رابعة إلى رياح القيسي، وهو يقبل صبياً من أهله، ويضمه إليه، فقالت: أتحبه يا رياح ؟ قال: نعم قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك فارغاً لمحبة غيري.قال: فصاح رياح وسقط مغشياً عليه، ثم أفاق، وهو يمسح العرق عن وجهه، وهو يقول: رحمة منه، تعالى ذكره، ألقاها في قلوب العباد للأطفال. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي